الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيزوفرنيا مفتعلة: وجهان أو أكثر لكل معلم والطلبة يختارون واحدا.

جورج أنطون أبو الدنين

2020 / 5 / 17
التربية والتعليم والبحث العلمي


يجد مَن يدقق في العملية التعليمية في الوقت الحالي مجموعة من التناقضات التي لا بدّ من أنّ لها دوراً مهماً في هدم الكثير من هيبة العملية التعليمية ودورها الفاعل في تشكيل شخصية الطلبة ونفسياتهم وأفكارهم؛ فقد بات الأنموذج المثالي الذي يقتدي به الطلبة خارج المنزل، وهو أنموذج مهم ومطلوب في مراحل المراهقة خصوصاً، أنموذجاً هشاً مليئاً بالتناقضات والمواصفات التي لا تتماشى مع حقيق الدور المهم للمعلم، الذي من خلاله يبني جسوراً فكرية ووجدانية مع محيطه التعليمية ليتكوّن معها محاكاة صالحة لصورة مصغرة من المجتمع السليم الذي تطمح إلى بنائه الفلسفة التربوية.
ولا يمكن لنا بأي حال من الأحوال أن نحمل المسؤولية بشكل أساس للمعلم وحده؛ فالمشكلة عامة وتصيب مجموعة كبيرة من الفئات في داخل المجتمع، لكنّ الفئة الأكثر اختلاطاً بالناشئة، والأكثر أثراً في تشكيلها وبنائها، هي فئة العاملين والعاملات في التعليم، وهي فئة تتمحور حول مجموعة من الكاريزمات التي تقدمها في كل حقبة زمنية محددة، بناء على تغيرات وتطورات فكرية وثقافية وقد تكون مجتمعية شاملة، واستمر هذا الأنموذج من المؤدب الحازم المخيف، إلى المؤدب الحازم الوالد، ثم وصلنا إلى المؤدب الصديق الذي يتأدب أحيانا على أيدي طلبته!
لم تقف حدود التأزّم التي يعيشها أنموذج المعلم المربي عند هذا الحدّ؛ فقد أصبح المعلم في كثير من الأحيان مثاراً للنقد والسخرية والحديث بين طلبته نظراً للتغير في قيمة المعلم داخل العملية التعليمية، وتحوّله مع توجه المدارس إلى الرأسمالية الربحية –خصوصاً المدارس الخاصة- إلى موظف يشبه موظف البار الذي يخدم الزبائن؛ فيكون الزبون دائما على حق، ويعيش الموظف حالة من الخوف من أن يُطرد من عمله إذا غضب منه الطالب أو أولياء أمره، وهو ما جعله تدريجياً مجرد موظف يمارس وظيفة لا يرغب بها، ولا تناسب شخصيته، خلقت لديه شخصيتين على الأقل؛ الأول المعلم المثالي حين يشرح ويدرّس القيم الأخلاقية، والإنسان المتحرر من كل هذه القيم التي يدرسها، فلا يمارسها، ولا ينفذ منها شيئاً، مما جعله أمام عدسة الطلبة التي تلتقط أدق تفاصيل تناقضاته.
تخلق ازدواجية السلوك بين مضمون التعليم وممارسة الحياة جيلا لا يثق بالمعلم وقد يجعل منه مادة للاستهانة؛ فمعلم العربية مثلا، يشرح قصائد الفخر والبطولة، ومعلم التاريخ يشرح الحضارات العظيمة ويكشف المؤامرة السياسية، ثم يتحول كل منهما إلى ذليل جبان أو متآمر أمام مشرفه أو موجهه أو مديره. أما معلم العلوم على اختلاف تخصصاتها فيفعل مثل معلمي اللغة العربية والتاريخ، ثم يحذر الطلبة من مضار الغذاء غير الصحي والتدخين، ثم يدخن ويقضي وقته بين الأكلات الضارة والمشروبات القاتلة والنرجيلة. ومعلم الرياضة يعلمهم الروح الرياضية، ثم يكون أول الساخرين من الطلبة حين يخسر فريقهم في الدوري الاسباني او دوري ابطال اوروبا. وتكبر الكارثة عند معلم التربية الدينية، يعلمهم البعد عن النميمة والفساد والغش والسرقة والكذب والشتم وأشياء كثيرة، ويكون هو أول من يمارسها أمام الطلبة. والأمر نفسه في مختلف المواد التعليمية.
يحذر المديرون والمعلمون جميعهم الطلبة من عواقب الغش ثم يتعاون بعضهم معهم في تبادل المعلومات في الاختبارات.
يجلس المعلم رافعا قدميه أو واقفا وقفة مرنة شبابية وهو مع الطلبة وحده، ثم يتحول إلى تمثال الحرية حين يدخل الموجه أو المشرف أو المدير.
يوبخ المدير طلبة المدرسة ويحثهم على احترام المعلم وهو أول من بقلل احترامه ويهمشه ويقفز على ظهره وكتفيه ويستغله لتحقيق مصالحه الشخصية، وهو أول من يهتم بالمال الآتي من جيوب أولياء الأمور على حساب العملية التعليمية.
كل هذا يدركه الطلبة ويلاحظونه، ولا يرحمون صاحبه. هي زدواجية قاتلة بين مضمون التعليم بأفكار وسلوكات مثالية، وممارسة واقعية حقيقية تُناقِض مضمون التعليم بشكل شبه تام. من هو قدوة الطلبة اذن؟! المعلم في الشرح وبحضور مسؤول عنه؟ أم المعلم في الممارسة اليومية؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم


.. على رأسها أمريكا.. 18 دولة تدعو للإفراج الفوري عن جميع المحت




.. مستوطنون يقتحمون موقعا أثريا ببلدة سبسطية في مدينة نابلس


.. مراسل الجزيرة: معارك ضارية بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال




.. بعد استقالة -غريط- بسبب تصدير الأسلحة لإسرائيل.. باتيل: نواص