الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حنة آرندت ونقد التوتاليتارية

رواء محمود حسين

2020 / 5 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


نقدت الفيلسوفة حنة آرندت الكثير من المفاهيم التي اشتملت عليها الحداثة المعاصرة، مثل: التوتاليتارية، والعنف، والعقل، وغير ذلك. وهي فيما أتصور أحد أبرز نقاد الحداثة. وفيما يأتي عرض عام: لأفكار الفيلسوفة آرندت في مجال نقد التوتاليتارية:
ترى حنة آرندت أن الحركات التوتاليتارية تتبع قوة الأعدادِ، بحيث تظهر الأنظمة التوتاليتارية محالة في بلدان ذات سكان محدودة نسبياً، حتى في ظل ظروف ملائمة للغاية. بعد الحرب العالمية الأولى اجتاحت القارة الأوروبية موجة من الحركات شبه التوتاليتارية والتوتاليتارية. وغالباً ما تهدف الحركات التوتاليتارية إلى تنظيم الجماهير وتنجح في ذلك ـ بخلاف الأحزاب القديمة القائمة على المصالح والتي تهتم بالطبقات، والناتجة في غالبيتها في أمم أوروبية، وبخلاف ما تذهب إليه الأحزاب في البلدان الأنجلوسكسونية من حيث اهتمامها بالمواطنين ذوي المصالح، وبتأثير الآراء العامة في مسار الشؤون المحلية. وإذا كانت كل الجماعات السياسية تنسب إلى مراكز قوى نسبية في المجتمع (حنة آرندت: " أسس التوتاليتارية"، ترجمة أنطوان أبو زيد، ط2، دار الساقي، بيروت، 2016م، ص 34).
وترى حنة آرندت أن الديكتاتوريات غير التوتاليتارية في البلدان الأوروبية الصغيرة كانت سبقتها حركات توتاليتارية، فقد كانت التوتاليتارية هدفاً طموحاً للغاية، حتى إذا انتهت من تنظيم صفوف الجماهير واعدتها بالفعل لاستلام زمام السلطة فتولتها، أجبر حجم البلاد الأقصى الطامع إلى التوتاليتارية على التنسيق والتناغم مع أشكال مألوفة أكثر، مثل اقتصار السلطة على ديكتاتورية الطبقة أو الحزب. لكن الحقيقة أن هذه البلدان ما كان لديها العدد الكافي من الجهاز البشري الذي يخولها الاستبداد التام وما يستتبع ذلك من خسائر بشرية فادحة (حنة آرندت: " أسس التوتاليتارية"، ص 35).
وترى آرندت أن هنالك علاقة وثيقة بين التوتاليتارية وبين التطلعات الجماهيرية. إن الحركات التوتاليتارية تكون ممكنة حين توجد الجماهير، التي لديها رغبة لا تُقاوم إلى الانتظام السياسي، لسبب أو لآخر. فالجماهير لا يوحدها وعيها بصالحها المشترك، وليس لديها المنطق المخصوص بالطبقات الذي يُعبّر عنه بمتابعة أهداف مضبوطة، ومحدودة وقابلة التحقق. في حين أن عبارة والجماهير، تنطبق على الناس، الذين عجزوا، لسبب أعدادهم المحضة، أو لسبب اللامبالاة، أم للسببين المذكورين معاً، عن الانخراط في أي من التنظيمات القائمة (حنة آرندت: " أسس التوتاليتارية"، ص 36).
يرى ماركس أن برودون لا يقرر مباشرة أن الحياة البورجوازية هي حقيقية أبدية بالنسبة له، وإنما هو يقرر ذلك بصورة غير مباشر ة من خلال المقولات التي تعبر عن العلاقات البورجوازية في شكل فكر. إنه لا يرتفع عن الأفق البورجوازي، ولما كان يعمل بالأفكار البورجوازية ـ التي يفترض حقيقتها الأبدية ـ فإنه يبحث عن تركيب، عن توازن هذه الأفكار، ولا يرى أن المنهج الحالي الذي تصل به إلى التوازن هو المنهج الوحيد الممكن. والحق أنه يصنع كل ما يصنعه البورجوازيون الطيبون. إنه يأخذ منتجات المجتمع البورجوازي ككائنات أبدية نشأت تلقائياً، ومزمومة بحياتها المستقلة، حالما تقدم نفسها لذهنه في شكل مقولات، في شكل فكر. إنهم جميعاً يقولون لك إنه من حيث المبدأ ـ أي منظوراً إليها كأفكار مجردة ـ فإن المنافسة والاحتكار، الخ. هي الأساس الوحيد للحياة، لكنها في الممارسة تفتقر إلى الكثير. إنهم جميعاً يريدون المنافسة دون الآثار القاتلة للمنافسة، أنهم جميعاً يريدون المستحيل، أي ظروف الوجود البورجوازي دون النتائج الضرورية لهذا الوجود. إنهم لا يفهمون أن شكل الانتاج البورجوازي تاريخي وانتقالي، تماماً كما كان الشكل الإقطاعي (كارل ماركس: "بؤس الفلسفة"، رد على فلسفة البؤس لبرودون، نقله إلى العربية محمد مستجير مصطفى، ط 4، دار الفارابي، بيروت، 2010، ص 269).
إنّ الحركات التوتاليتارية، كما تشرح حنة آرندت، يوم اكتسحت البرلمانات، بدا احتقارها للنظام البرلماني ظاهرة محيرة ومشوشة، فقد نجحت في إقناع الغالبية العظمى من السكان أن الأغلبيات البرلمانية طالما كانت مزيّفة وغير متلائمة بالضرورة مع الحقائق الوطنية، بحيث تربط الأمر بالكرامة البشرية وثقة الأنظمة التي ما انفكت تعتقد بقاعدة الأغلبية بمثل إيمانها بمؤسستها المخصوصة . كما أثبتت الحركات التوتاليتارية أن الجماهير المحايدة سياسياً واللامبالية يمكن أن تكون بسهولة لغالبية في بلد ديمقراطي، ولذلك، فإن الديمقراطية يمكن أن تعمل وفق القواعد التي لا تعترف بها عملياً إلا أقلية. في حين أن الوهم الثاني الذي تهاجمه الحركات التوتاليتارية أن الجماهير عديمة الأهمية، بعدها محايدة حقاً ولا تمثل سوى لوحة الأساس الصماء في حياة الأمة السياسية. واليوم، جعلت الحركات التوتاليتارية كما تؤكد الحركات التوتاليتارية أن النظام الديمقراطي يستند إلى الاستحسان والتسامح الصامتين اللذين تبديهما الشرائح الصماء واللامبالية من السكان، بمقدار استناده إلى المؤسسات والمنظمات البنية والمرئية في البلاد (حنة آرندت: " أسس التوتاليتارية"، ص 38).
إن المجتمع البورجوازي، كما يلاحظ هوركهايمر، يريدون على السيطرة على الطبيعة بالمعنى الضيق، وعلى اختراع وسائل جديدة للإنتاج وابتكار آلات والوصول إلى مستوى صحي معين فحسب، إنه يستند أيضاً على سيطرة بعض الناس على أناس آخرين. إن السياسة تمثل مجموع الوسائل التي تؤدي إلى هذه السيطرة وإلى الإجراءات التي تستخدم للمحافظة على هذه السيطرة. إن أكبر ميزة لمكيافلي هي فهمه في بدايات المجتمع الجديد، بإمكانية وجود علم للسياسة يتناسب في مبادئه مع الفيزياء الجديدة وعلم النفس الجديد، وفي التعبير بطريقة مبسطة ودقيقة عن الخطوط العريضة لذلك العلم، إن مشروع ميكيافيلي واضح، ويمكن أن يشرح بالطريقة الآتية: في المجتمع الفعلي، ثمة أناس يسيطرون على أناس آخرين؛ وهم بالملاحظة وبالدراسة. المنهجية للوقائع يتوصلون إلى الحصول على معارف تسمح لهم باستلام السلطة والمحافظة عليها (ينظر" ماكس هوركهايمر: "بدايات فلسفة التاريخ البورجوازية"، ترجمة محمد علي اليوسفي، دار الفارابي، بيروت، 2006، ص 13).
إن الابتذال ورفض المعايير المتلقاة رفضاً فضاً وغير لائق يرتبط دائماً مع إقرار هاديء بالأسوأ ومع احتقار لكل المتظاهرين بأنه من السهل أن يتخذوا معايير ترتبط بتفكيرهم. ولما راحت ترجح مواقف تنمي إلى الجمهرة، وقناعات الجمهور، والتي هي مواقف البورجوازية وقناعاتها، بعد أن غسلت من خبثها، فلم يُرَ من كرهوا البورجوازية تقليدياً ومن كانوا غادروا المجتمع الراقي برغبتهم وإرادتهم، لم ير هؤلاء إلا غياب الخبث والاحترام، لا مضمونهما بذاته (حنة آرندت: " أسس التوتاليتارية"، ص 70).
ولما كان الناطقون بلسانِ الإنسانوية والليبرالية مخيبين بمرارة، وفاقدي التالف مع الاختبارات المعاصرة، فإنهم يتناسونَ غالباً أمراً واحداً: في مناخ حيث تبخرت كل القيم وتلاشت المقترحات التقليدية (بعد أن تهافتت إيديولوجيات القرن العشرين الواحدة تلو الأخرى واستنفدت مصلحتها الحيوية)، كان من الأيسر بمعنى ما أن يقبل الناس اقتراحات عبثية، من أن يقبلوا حقائق عتيقة باتت ترّهات ورعاً. والواقع أن أحداً لم يكن مخوّلاً الان يأخذ هذه الترهات على محمل الجد. إن انجذاب النخبة إلى الحركات التوتاليتارية، ما لم تستلم زمام السلطة، هو مصدر حيرة لأن العقائد الموضوعية في التوتاليتارية بحكم كونها اعتباطية وتافهة، كانت أوضح للمراقب الخارجي من الميل العام السائد في المناخ السابق للتوتاليتارية. والحق أن هذه العقائد تختلف اختلافاً عميقاً عن المعايير المقبولة بعامة، أكانت ثقافية، أو فكرية أم أخلاقية. إلى ذلك يسعنا الاستخلاص أنه وحدهما، عدم كفاية اساسية، ملازمة للطابع الفكري، أو مازوشية مختلة، يفسّران المتعة التي تلازم النخبة إذ تقبل العامة والرعاع أفكارها (حنة آرندت: " أسس التوتاليتارية"، ص 70).
وقد قرر ماركس من قبل: " إن مقولات الاقتصاد البورجوازي تتألف من ... صيغ فكرية، أي موضوعية، يسري مفعولها اجتماعياً حين تعبر عن العلاقات الإنتاجية السائدة في نمط من الإنتاج الاجتماعي محدد تاريخياً هو الإنتاج السلعي. ولذلك ما إن نأتي إلى أشكال أخرى من الإنتاج، حتى تنجلي كل صوفية العالم السلعي ويتلاشى كل السحر وكل الأشباح التي تغلف منتوجات العمل القائم على أساس الإنتاج السلعي" (ينظر: كارل ماركس: "رأس المال: نقد الاقتصاد السياسي"، المجلد الأول: "عملية إنتاج رأس المال"، ترجمة د. فالح عبد الجبار، ط1، دار الفارابي، بيروت، 2012، ص 110).
تعتقد البورجوازية دائماً أن أعضاء السلطة العامين والمرئيين تحركهم دائماً مصالحهم الخاصة وتأثيرهم الخاص، وهذه المصالح ومستويات التأثير غالباً ما تكون سرية وغير عامة. وبهذا المعنى، نكتشف أن فلسفة البورجوازية السياسية كانت دائماً توتاليتارية. فقد اعتقدت البورجوازية دائماً بوجود هوية سياسية واقتصادية واجتماعية، لأن المؤسسات السياسية هي فقط ممثلة للمصالح الخاصة. وبالتعارض مع الروح الطبقية للأحزاب الأوروبية، التي كانت مقتنعة دائماً بتمثيل بعض المصالح، وبالتعارض مع الانتهازية الناتجة عن كون مفهوم المصالح عبارة عن عناصر مجموع محضة، إلى كونها متفوقة، بمقدار ما كان لديها رؤية للعالم، تسمح لها بالسيطرة على الإنسان بشكل شامل. ومع رغبة الوصول إلى هذه الكلية الشاملة، لم يفعل محرّكو الجمهرة، سوى صياغة فلسفة البورجوازية السياسية لمرة أخرى، ولكن في صورة معاكسة. ولقد كانت الطبقة البورجوازية قد مضت خطوات بفضل الضغط الاجتماعي، وعلى الأغلب بفضل الابتزاز الاقتصادي ضد المؤسسات السياسية؛ تعزز البرجوازية وتكرر أخلاق الحياة من خلال التمييز بين الحياة العامة والحياة الخاصة، وهي امتياز للدولة القومية، لكنها تحاول عبثاً فصل المنطقتين (حنة آرندت: " أسس التوتاليتارية"، ص 74).
إذاً لتغيرات النشاطات الاقتصادية أثر بالغ على مجمل الأوضاع المؤسساتية والمجتمعية كما يلاحظ بليث. إن الحركة المزدوجة فضلاً عن العديد من النظريات الأخرى تعتقد أن التغيير المؤسسي ظاهرة ترتبط بالمصالح وأنه ظاهرة ساكنة نسبياً. وأنه لإعطاء تفسير للتغيرات المؤسسية لابد من مقارنة عناصر التغير المؤسسي في الوقت الحالي بمواجهتها مع التغيرات التي حدثت في الماضي ومن ثم تتم إضافة متغير آخر (وفي العادة يكون متغيراً خارجياً) لتوضيح كيفية انبثاق الحديث من القديم. وهذا النوع من الجدل يفرض ضمناً وجود النموذج التالي: " التوازن المؤسسي — فاصل زمني — توازن مؤسسي جديد فإذا ما تمت صياغة هذا النموذج وفقاً للحركة المزدوجة، يمكن تفسير الانتقال من المؤسسات غير المقيدة إلى المؤسسات المقيدة عن طريق الفاصل الزمني في الفترة ما بين العشرينيات والثلاثينيات إذ أن المؤسسات التي وجدت في فترة الثلاثينيات كانت تعمل وفقاً لنتائج مؤسسات فترة العشرينيات، وفي ظل هذا النموذج السابق يلاحظ أن التوازن المؤسسي الجديد يعيد تشكيل نفسه بطريقة تلقائية (مارك بليث: "التحولات الكبرى: الأفكار الاقتصادية والتغير المؤسسي في القرن العشرين، ترجمة نيرمين صلاح الدين الزفتاوي، مراجعة سمير كريم، ط1، المركز القومي للترجمة، 2010، ص 27 – 28).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - the origins of totalitarianism
منير كريم ( 2020 / 5 / 18 - 12:33 )
the origins of totalitarianism - Hannah Ardent
تحية للكاتب المحترم
الكتاب المذكور واحد من اهم الكتب في الفلسفة السياسية ويتناول جذور الانظمة التوليتارية وبالذت النازية والستالينية منتصرا لقضية الديمقراطية الليبرالية
لقد قرات هذا الكتاب منذ زمن بعيد وقد اسهم كثيرا في صياغة افقي السياسي
انت في المقال استخدمت العنوان فقط اما محتوى المقال فهو بالضد من فكرة ومنهج الكتاب , فمقاك محشو بالمقولات الماركسية التي تتعارض اساسا مع فحوى الكتاب
شكرا


2 - حنة ارندت مولتها الاستخبارات الامريكية
طلال الربيعي ( 2020 / 5 / 20 - 15:42 )
حنة أرندت وغيرها من المثقفين والمفكرين المعادين للشيوعية كانت تمول من قبل الاستخبارات الامريكية
U.S. and European anticommunist publications receiving --dir--ect´-or-in--dir--ect funding included Partisan Review, Kenyon Review, New Leader, Encounter and many others. Among the intellectuals who were funded and promoted by the CIA were Irving Kristol, Melvin Lasky, Isaiah Berlin, Stephen Spender, Sidney Hook, Daniel Bell, Dwight MacDonald, Robert Lowell, Hannah Arendt, Mary McCarthy, and numerous others in the United States and Europe. In Europe, the CIA was particularly interested in and promoted the “Democratic Left” and ex-leftists, including Ignacio Silone, Stephen Spender, Arthur Koestler, Raymond Aron, Anthony Crosland, Michael Josselson, and George Orwell

The CIA and the Cultural Cold War Revisited
https://monthlyreview.org/1999/11/01/the-cia-and-the-cultural-cold-war-revisited

اخر الافلام

.. فولفو تطلق سيارتها الكهربائية اي اكس 30 الجديدة | عالم السرع


.. مصر ..خشية من عملية في رفح وتوسط من أجل هدنة محتملة • فرانس




.. مظاهرات أمام مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية تطالب الحكومة بإتم


.. رصيف بحري لإيصال المساعدات لسكان قطاع غزة | #غرفة_الأخبار




.. استشهاد عائلة كاملة في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي الس