الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اختلاس المال العام بين صمت الدولة المغربية وجرأة المجتمع المدني

عبد الحق لشهب

2006 / 6 / 18
المجتمع المدني


إن معالجة قضايا نهب المال العام، والتدمير المجاني لمؤهلات الدولة المادية التي تديرها مؤسساتها، ظلت تتراوح بين خطيين يتقابلان أحيانا ويتقاطعان أحيانا أخرى، وذلك حسب طبيعة الخلفيات المتحكمة في كل واحد منهما، وحسب توازن التيارات التصورية المفصلية المندرجة في هاذين الخطابين المحددين فيما يلي :
- الخطاب الرسمي : ينطلق في مقاربته لمظاهر الفساد المالي على أساس أن هذا الملف دقيق وحساس، وبالتالي فإن التصدي له في نظر القائمين على السلطة التنفيذية لابد أن يتوافق مع السياسات العامة للنظام ومرتكزاته في الحكم. وبهذا فالتعاطي الرسمي مع آفة نهب المال العام يتوافق ويتناسب ونفس استراتيجيته في طي صفحة القهر السياسي، أي أنه يكتفي في تسطير حدود أهداف المقاربة في الاكتفاء بإرجاع الأموال المنهوبة ولو بشكل تدريجي بعيدا عن ردهات المحاكم في سياق إنجاز مصالحة أخرى في شأن سنوات الرصاص الاقتصادي، وبذلك تظهر الدولة بسبب هذه النظرة التقزيمية وكأنها تشحت الصدقات من هؤلاء المختلسين، مما يزكي استمرار نظام الامتيازات في هذه البلاد حيث تظهر بعض الشخصيات كنماذج بشرية فوق القانون، الشيء الذي يؤدي إلى تراكمات استثنائية قد تتسبب مع مرور الوقت في انهيار الشرعية الوطنية استنادا إلى هذه المعطيات اتسمت رؤية السلطة التنفيذية في معالجتها لشبكات الاختلاس، بالتناقض بين مستواها الشكلي والعملي، فمن الناحية السطحية، تبدو إعلانات الحكومة حاملة لطابع التنديد والاستنكار بمسلسل نهب المال العام، ومنسجمة مع ضرورة التفكيك لبنية المتلاعبين، وقد خطى التيار الكتلوي في الحكومة خطوات متطورة على مستوى الاعتراف الرسمي بالعديد من نماذج اختلاس الأموال العامة، والإقرار بالاختلالات الخطيرة ذات الطابع المالي في مشاريع كلفت بتنفيذها مؤسسات عمومية، إلا أن هذه الممارسات في مجملها تبقى مجرد واجهة التي يعتمدها الكتلويون كورقة قد تحقق بعض المكاسب السياسية. وفي المقابل هناك لوبي تقليدي متنفذ في أجهزة الحكم يقف كسد مانع، وعنصر مقاومة قوي يجهض كل محاولة تعزز فرص محاسبة المفسدين على أرض الواقع، ويرجع نجاحه في هذا الشأن إلى تحكمه في عصب مؤسسات الإدارة عموديا وأفقيا، مما يبقي على الوجود الهامشي لأي مبادرة قد تأتي من جهة حكومية أخرى. ولهذا فالخطة الرسمية في مقاربة ظواهر التبذير تخضع لهذه التوازنات ومواقع القوة الداخلية للسياسات العامة، مما جعلها مطبوعة بالمرونة الخجولة والمتخبطة بين التقدم والتراجع، غير قادرة على كشف العوالم السرية في سرقات الأموال العامة وتسخيرها للأغراض الخاصة وعلى الرغم من تصريحات وزير الاتصال والناطق الرسمي للحكومة باستمرار مكافحة هذه الآفة بحزم وشدة، وكذا توقيع المغرب على اتفاقية مكافحة الفساد 2003 ، واجتماع الوزير الأول مع الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة، فإنها إشارات لم يتبعها أي إجراء فعلي قد يعزز مصداقيتها، وبذلك لازال أخطر الجرائم المالية في تاريخ الإدارة المغربية، معلقة بمصير مجهول في وقت تستمر فيه عمليات ضخ أموال الشعب في مؤسسات عمومية وشبه عمومية رغم إفلاسها السابق، بالإضافة إلى الإحجام على عدم إحالة أغلب الملفات إلى القضاء، وتكريس صورة تسريح المتهمين والمشبوهين، والتأخر في الإعلان عن مشروع يفضي إلى نظام حقيقي للافتحاصات رغم الحجم الكبير للفراغات الواضحة في الوسائل والأشخاص العاملة في هذا الباب .
- خطاب المجتمع المدني : مازالت ملفات نهب المال العام غير مطروحة للتداول العلني بمشاركة كل الفاعلين، وتبقى أغلب الحقائق تحت مظلة دوائر السلطة تكشف منها ما تريد ووقت ما تريد، وهو وضع أقل ما نقول عنه، أنه مناقض ولا ينسجم مع شعارات المسيرين المتبجحة بتخليق الحياة العامة. وفي ظل هذا المأزق المنهجي العملي أصبح من الضروري وجود مقاربة مختلفة لمعالجة ملف الفساد المالي. قراءة تستطيع التحرر من إكراهات الدولة، وتكشف عن التفاصيل، وتسرع مبدأ الجزاء والعقاب في حق المتورطين. وتماشيا مع الحاجة الماسة لهذه الرؤية الجريئة، تأسست بعض منظمات المجتمع المدني، شكلت قفزة نوعية وصياغات مغايرة في معالجة الفساد المالي الذي خرب جسم الإدارة المغربية، كالجمعية المغربية لمحاربة الرشوة (ترانسبارنسي) الهيئة الوطنية لحماية المال العام، ومنتديات جهوية تشتغل في هذا المجال، بغض النظر عن طابعها الجنيني، تبقى تراكمات تنظيمية وتجارب، استطاعت تسليط الضوء على أهم الجوانب المظلمة في هذه الآفة كما أنها عمقت الوعي الوطني بخطورة هذه الظاهرة وفق منظور جديد، يتجاوز على الأقل النظرة التبسيطية للموضوع المسيجة بخلفيات غير معلنة وقد تمكن الفاعلون في الرأي العام الوطني بفضل هذه الجمعيات التعرف والوقوف على صور كثيرة من تجليات الارتشاء العام، والاطلاع على اقتراحات جديدة لإحداث أجهزة حقيقية للمحاسبة والمراقبة، ودعت إلى رفع شعار المسائلة وحرمان ناهبي المال العام من الحقوق السياسية والوطنية وتجريم كل فعل ارتشائي. إلا أن وسائل التعبير التي تعتمدها هذه المنظمات لتحقيق تواصلها مع المواطن أو إسماع صوتها لكل المعنيين، تتعرض للحصار الذي يصل إلى المنع، مما يجعل مواقفها ومقترحاتها تبقى معزولة حتى تغير السلطة المركزية تصورها الأساسي لهذا الملف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكر و اضافة
الياس النياري ( 2011 / 4 / 16 - 16:38 )
لا يجب التكلم عن جراة الشعب او المجتمع المدني دون خلق صورة نقدية لوضعهم الاجتماعي الصحي السياسي القضائي لدى وجب محاربة هذه الظاهرة بشتى انواع التضحية و التضحية لا تعني التمرد ولكن ارادة عيش و تغيير يطمح له الشعب المغربي

اخر الافلام

.. -جبل- من النفايات وسط خيام النازحين في مدينة خان يونس


.. أزمة المياه تهدد حياة اللاجئين السوريين في لبنان




.. حملة لمساعدة اللاجئين السودانيين في بنغازي


.. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في ليبيا: هل -تخاذلت- الجن




.. كل يوم - أحمد الطاهري : موقف جوتيريش منذ بداية الأزمة يصنف ك