الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقد العقلي للأديان في علم الِملل والنِّحل(5)

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2020 / 5 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


موقف ابن حزم في نقد الأديان (النصرانية)

ووضع ابن حزم أسلوبه هذا في انتقاده للنصرانية. ولم يكلف نفسه جهد البرهنة على أن نصوص النصرانية وكتبهم "المقدسة" مكتوبة من قبل ناس وليس بوحي الهي، لأنهم هم أنفسهم يقرون بذلك. ثم أن النصرانية لم تنشأ دفعة واحدة. بل تعرضت إلى صيرورة طويلة في العقائد والعمل والعبادات. كما أنها لم ترتبط منذ البدء بالدولة. وتعرضت في بداية أمرها إلى ما يقارب ثلاثمائة سنة من المطاردة والملاحقة والعذاب، بحيث عرضها إلى تغيير وتبديل وتحوير، شكل أحد أسباب "تحريفها" عن الأصل. وهو تحريف لم يكن معزولا عن تدخل اليهود فيه، لا سيما وأنها نشأت بينهم. إضافة لذلك أثرت في النصرانية الكثير من الأديان مثل المانوية والوثنية أيضا . أما دعوى النصارى بمعجزات حوارييهم فهو كذب كدعوى بعض الفرق الإسلامية مثل الروافض والمتصوفة عن معجزات أئمتهم وأوليائهم . لهذا لم يعتبر ابن حزم وحدانية النصارى وحدانية مجردة، بل توحيدا مقرونا بالتثليث. وبهذا المعنى لا يختلف هو كثيرا عما تقول به الزرادشتية واتباعها القائلين بالاثنين (الثنوية). بل اعتبر الزرادشتية والثنوية اكثر تجريدا من النصرانية. حقيقة أن بن حزم يؤكد على أن ما يقوله هو في الأغلب إيمان وعقائد الأغلبية الساحقة منهم. فهناك فرق اريوس التي تقول بالتوحيد المجرد وان عيسى عبدا مخلوقا وهو مجرد كلمة الله التي بها خلق السماوات والأرض. وهي فكرة اقترب منه بولص الشمشاخي القائل بالتوحيد المجرد وان عيسى عبد الله ورسوله خلقه الله في بطن مريم وانه إنسان لا إلهية فيه. لهذا كان يقول "لا ادري" عندما يسألوه عن الكلمة والروح القدس. كما كان مقدونيوس يقول بالتوحيد المجرد وعبودية عيسى كسائر الرسل وانه روح القدس وكلمة الله وكلاهما مخلوقان. أما الفرق الأساسية الكبرى مثل الملكانية والنسطورية واليعقوية، فإنها تجاذبت تأييد وقبول الأغلبية بين النصارى. فالملكانية هي مذهب جميع الملوك باستثناء الحبشة والنوبة (مصر والسودان)، كما تنتشر بين نصارى أفريقية وصقلية والأندلس والشام. وتقول الملكانية، بان الله عبارة عن ثلاثة وهي الأب والابن والروح القدس، كلها لم تزال ولا تزال وان عيسى اله تام، لم يقتل منه إلا الإنسان، والإله بقي، ومريم ولدت الإله والإنسان وانهما معاني ابن الله. وشاطرت النسطورية عقائد الملكانية، لكنها تميزت عنها بمقالات منها أن مريم لم تلد الإله وإنما ولدت الإنسان، وان الله لم يلد الإنسان وإنما ولد الإله. وهو مذهب منتشر في الموصل والعراق وفارس وخراسان، كما يقول ابن حزم. أما اليعقوبية، فإنها تقول بان المسيح هو الله نفسه، وان الله صلب وقتل، وبقى العالم بدونه ثلاث أيام بلا مدبر، وان الله عاد محدثا، وان المحدث عاد قديما. وهو مذهب منتشر بين أهل مصر والحبشة.
وانطلق ابن حزم في معرض انتقاده لعقائد النصرانية من القول بأنه لولا وجود أقوالهم هذه في القرآن لما أوردها بسبب وثنيتها الخالصة. ولولا انه شاهد النصارى "ما صدق أن في العالم عقلا يسع هذا الجنون" . وفيما يتعلق بآراء اليعقوبية، فيكفي المرء الإشارة إلى أن ما تقوله يدخل في باب المحال والممتنع عقلا وحسا. والشيء نفسه يمكن قوله عن فكرة الاقانيم. إذ ماذا يعني أن الثلاثة لم تزل وأنها شئ واحد؟ ولماذا استحق أن يكون أحدهم أبا والآخر ابنا والقول في نف الوقت أن الثلاثة واحد؟ والا تبطل كلمات الإنجيل مثل "سأقعد عن يمين أبي" و"أن القيامة لا يعلمها إلا الأب وحده" هذا الاعتقاد؟ إضافة لذلك ليس هناك أساسا منطقيا في آراء النصرانية القائلة بان الله حي عالم وجب أن تكون له حياة وعلم، وان الحياة هي روح القدس وعلمه هو الابن. لأنها ليست اكثر من استدلالات لغوية وليست منطقية. بل انه اعتبرها اشد الاستدلالات غثا. أما تأويلها على أساس "خصوصية اللغة اللاتينية"، التي تقول في علم العالم انه ابنه فهو تأويل باطل. لأنه لا خلاف في وجود مصطلحات الأب والابن والروح القدس في الأناجيل. وأنها نقلت في البداية عن العبرانية إلى السريانية. وليس في العبرانية شئ من هذا القبيل. بمعنى أن العلم يعني الابن. ولو كان الأمر كذلك لأدى إلى إسقاط صفة القدرة. فالاستدلال بكونه عالما ليس اصح من الاستدلال على كونه قادرا. لاسيما وان بولص أكد في إحدى رسائله على أن "المسيح هو قدرة الله وعلمه". ولا معنى للقول بان القدرة هي الحياة، وألا لكان العلم هو الحياة. وإذا قالوا أن العلم ليس الحياة لأنه قد يوجد حي ليس عالما مثل المجنون، فإننا نقول قد يكون أيضا حي ليس بقادر مثل المغشي عليه. وإذا كان الابن هو العلم وروح القدس هو الحياة فكيف يمكن إقحام المسيح في الابن وروح القدس؟ فهل المسيح هو حياة الله وعلمه؟ وكيف يمكن لمريم أن تولد ابن الله، أي كيف يمكن لها أن تولد علم الله؟
أما بناء فكرة التثليث على أساس الأعداد، انطلاقا من أن الثلاثة اكثر كمالا، فانه حكم بلا دليل. إذ لا ينبغي أن يوصف الله بالكمال والتمام لأنها مجرد إضافات. ولا يوجدان إلا في الناقص. ثم أن كل عدد بعد الثلاثة اتمّ من الثلاثة لأنه يجمع أما زوجا وفردا أو زوجا وزوجا. إضافة لذلك أن هذا القول يتعارض مع فكرة أن الثلاثة هي واحد. وذلك لان الكل هو ليس الجزء، كما أن الجزء هو ليس الكل. والفرد جزء للثلاثة كما أن الثلاثة كل للفرد والزوج. والفرد غير الثلاثة والثلاثة غير الفرد والعدد مركب. والعدد ليس الواحد، والواحد ليس العدد، ولكن العدد مركب من الآحاد. فالكلام هو ليس حرف، والحرف هو ليس الكلام. ولو كانت القضية في الأعداد فقط لكان الاثنين افضل لأنه يجمع فرد وفرد وهو زوج أيضا. ثم أن كل عدد محدث، وكذلك كل معدود. والمعدود لا يوجد قط إلا في عدد كما أن العدد لا يوجد قط إلا في معدود. والواحد ليس عددا .
أما فكرة الاتحاد والحلول فهي على تهافتها لا أساس لها في النصرانية. أنها مجرد تأويل بعض ما ورد في كتب اليهود مثل الزبور وكتاب زكريا واشعيا وارميا. إضافة لذلك انه لا تتمتع بأي أساس منطقي وعقلي . لهذا اعتبر ابن حزم "تبرير" الاتحاد والحلول مجرد دعوة حمقاء لا يقبلها العقل والحس. أما تأويل الملكانية على انه شبيه باتحاد النار في صفيحة محماة، فانه يعني القول بوجود عرض في جوهر، وبالتالي يعني أن الإله عرض والإنسان جوهر. وهي فكرة فاسدة، كما يقول ابن حزم. أما مشابهته باتحاد الماء بالمر كما هو الحال عند اليعقوبية، فانه يشبه تأويل الملكانية. وذلك لان استحالة الإله إنسانا يعني أن المسيح إنسان وليس إلها. وإذا استحال الإنسان إلها فان ذلك يعني أن المسيح إلها وليس إنسانا. وان كان كل منهما لا يستحل في الآخر كما تقول النسطورية، وان الإنسان إنسان والإله اله، فانه حال شبيه بحال كل فاسق وفاضل في العالم، كما يقول ابن حزم. لان ذلك يؤدي إلى أن يكون المسيح وغيره سواء. لهذا اعتبر ابن حزم محاولات الكنيسة اللاحقة وبالأخص في تقنينها لرموز الإيمان في مجمع قسطنطينة عام 381 مجرد "وساوس وجنون لا يمتحن الله به إلا مخذول" .
والشيء نفسه يمكن قوله عن الكلمة. وهنا يتساءل ابن حزم عن ماهية الكلمة وما إذا كانت هي الأب أو الابن أو الروح القدس أم شئ آخر. فان كانت شيء آخر فليس ذلك إلا التربيع، وان قالوا أنها أحد الثلاثة فهي مجرد دعوى لا دليل لها وعليها . لقد أراد ابن حزم القول، بان الآراء النصرانية في محاولاتها وضع أسس نظرية للإيمان تؤدي بالضرورة إلى توليد معضلات اشبه بالجنون، لأنها لا تستند إلى العقل والمنطق. كما نعثر في مواقفه النقدية تجاه النصرانية على نفس الرؤية التي ميزت كتابات الباقلاني. لكنه بالخلاف عنه يحلل بصورة نقدية ويقارن النصوص "المقدسة" وكتبهم النظرية ومجادلتهم المباشرة متتبعا الأفكار الكبرى والصغرى من اجل كشف تهافتها العقلي والمنطقي. أما محاولات النصارى اللاحقة البحث عن دليل على ظهور المسيح المنتظر في كتب اليهود وبالأخص الزبور واشعيا، فإنها مجرد استدلالات وهمية، كما قول ابن حزم. إذ الأناجيل نفسها تختلف في مواقفها من المسيح. ففي إنجيل لوقا نراه ينظر إلى المسيح نظرته إلى نبي وعبد لله (الاصحاح24:19). إضافة لذلك أن ما ورد عن المسيح في الأناجيل لا يؤيده شئ غير التقليد. وينطبق ذلك أيضا على رموز الإيمان الأخرى مثل الأب والابن والروح القدس، لان الأساس فيها يعود لتقليد الأسلاف من الأساقفة، كما يقول ابن حزم .
مرت الأناجيل وكتب النصرانية الأخرى بمرحلة طويلة من التغير والتبدل. وهي مرحلة كفيلة بان تتعرض الكثير من مفاهيمها الأولية إلى "تحريف" كما يقول ابن حزم. لكنه أخذها كما هي، باعتبارها "كتبا مقدسة". ولم يجادل الأفكار المنتشرة آنذاك عن أن إنجيل متي كتب بعد ثمان سنوات من قتل المسيح باللغة العبرانية، وترجم لاحقا لليونانية، بينما كتبت الأناجيل الأخرى من قبل مارقس ولوقا الطبيب ويوحنا باللغة اليونانية. حيث كتب مارقس إنجيله بعد 22 سنة من قتل المسيح، وبعده بقليل أنجز لوقا إنجيله، في حين أنجز يوحنا إنجيله بعد مرور ستين سنة من قتل المسيح. أما كتاب الافركسيس (أعمال الرسل) فيعود إلى لوقا الطبيب، في حين كتب يوحنا الوحي والإعلان (رؤيا يوحنا)، الذي اعتبره ابن حزم كلاما غاية في السخف والركاكة والخرافات الباردة. والشيء نفسه يمكن قوله عن أحكامه المتعلقة بما اسماه بالرسائل القانونية السبع (ثلاثة منهن ليوحنا واثنتان لبطرس وواحدة ليعقوب بن يوسف النجار والأخرى لأخيه يهوذا). أما رسائل بولص العديد، فإنها "مليئة بالحمق والرعونة" حسبما يقول ابن حزم . مما سبق يتضح، بانه اخذ كتب النصرانية كما هي ولم يناقش "تاريخها" بالمعنى العلمي الدقيق للكلمة، مع انه كان يعرف الكثير من جوانبه بصورة عميقة ودقيقة. لقد وجه نقده إليها من خلال إظهار افتقادها للمنطق والعقلانية، واختلاف مضامينها حول قضايا واحدة ومجادلتها بمعايير اللاهوت والفلسفة والمنطق. من هنا نراه يسلط الأضواء على اختلاف الأناجيل فيما بينها حول حياة وشخصية المسيح. إذ نراه يستغرب مخالفة إنجيل متي لإنجيل يوحنا في مواقع كثيرة. وعلق على ذلك قائلا، بأنه إذ كان يوحنا هو الذي ترجم إنجيل متي من العبرانية إلى اليونانية كما يقولون فلم لم يدققه مع ما عنده؟ لكنه يترك هذا السؤال ويأخذ بنقد ما اعتبره كذبا وتحريفا متعمدا من جانب النصارى الأوائل لتعاليم المسيح. ففي معرض انتقاد لإنجيل متي، باعتباره اقدم أناجيل النصرانية، نراه يجعل منه مادة للمقارنة أيضا بالأناجيل الأخرى. وينطلق في نقده لفكرة الاصطفاء النصرانية، التي اعتبرها ابن حزم مخالفة لما في كتب اليهود عن المسيح المنتظر. وما تقوله الأناجيل بهذا الصدد غاية في التناقض والاختلاف. فالفكر النصراني يحاول البرهنة على ألوهية المسيح، بينما تظهره أناجيلهم بصورة مغايرة. ففي إنجيل متي يظهر نسب المسيح الآدمي (اليهودي). وهو الأمر الذي أعطى لليهود اتهامه بأنه ابن يوسف النجار. وكل ما في إنجيل متي يؤكد ذلك. بينما ينسبه إنجيل لوقا بصورة مغايرة لما في إنجيل متي. وهذه ليست الطامة الكبرى، كما يقول ابن حزم. ففي إنجيل متي ولوقا اللذين يرسمان شخصية المسيح نراهما كلاهما يتكلمان عن صراعه مع إبليس (الإصحاح الرابع). حيث وجد فيه ابن حزم مهزلة لا معنى لها، بالنسبة لمن أرادوا تصويره إلها. إذ كيف يمكن لشيطان أن يجرب ويحارب من هو إلهه وربه ما زال المسيح هو محل روح اللاهوت؟ وهي فكرة تشبه ما تقوله عامية أهل الأندلس "أعطه من خبزه كسيرة". وجعل ذلك ابن حزم يقول، بان المفاهيم الواردة عن المسيح في الإنجيل لا ينبغي أن تقال إلا للمجانين. وانه لا معنى للحديث هنا عن اللاهوت والناسوت، وذلك لان إبليس نفسه يخاطبه حسب أناجيلهم بعبارة "أن كنت ابن الله فافعل". إضافة لذلك أن الأناجيل تدعوه بصيغة مختلفة. فأحيانا تطلق عليه لقب ابن الله وأحيانا ابن الإنسان. وهو تناقض اعتبره ابن حزم "مستعصيا على الحل" .
بينما نراه يتكلم في مواقع أخرى عن أمه وأبيه واخوته وأخواته. إضافة لذلك تغزر الأناجيل بتناقضات عديدة مثل الموقف من شريعة موسى وقضية النسخ وغيرها من القضايا. ففي إنجيل متي نرى المسيح يقول "لا تظنوا إني جئت لانقض الناموس أو الأنبياء، بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم، إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة حتى يكون الكل".(الإصحاح الخامس:17-18). لكنه بعد قليل يبدأ بنقض الناموس كما هو جلي في مواقفه من الزنا والطلاق وغيرها من القضايا. ثم ينقض الختان وأعيادهم وكل ما حرمته اليهودية. وفي موقف آخر يعطي للحواريين حق التحليل والتحريم، الذي لم يقم هو به نفسه . وقد أعطى ذلك لابن حزم إمكانية الحكم على توكيد فكرة تحريف آراء المسيح ومواقفه الأولية. ثم أن الأناجيل لا تحتوي، كما يقول ابن حزم، على أخطاء وتحريف فحسب، بل وعلى أخبار تجعل المسيح كذابا، مثل ما هو وارد في إنجيل متي في الإصحاح التاسع (18-25) عندما يحي المسيح صبية ميتة ويقول لوالدها :الصبية لم تمت لكنها نائمة! واستنتج ابن حزم من ذلك أما أن يكون المسيح كذابا أو انه لم يقم بمعجزة . وفي الإصحاح العاشر منه يعطي لتلامذته السلطان على الأرواح النجسة وإبراء المرضى، كما يشير في أماكن أخرى إلى علمه بمن سيسلمه للقتل من بينهم. وعلق ابن حزم على ذلك قائلا، كيف يمكن للرب أن يعطي السلطان على الجن وإبراء المرضى لمن يعرف انه سيسلمه للصلب؟ أما إنجيل يوحنا فانه يزيد الطين بلة عندما يتكلم عن يهوذا الاسخريوطي وتصويره على انه كان سارقا. وفي الأناجيل نقرأ كيف أن المسيح قال لحوارييه انه سيبقى في الأرض ثلاث ليال كما بقى يونس في بطن الحوت ثلاث ليال. بينما لم يبق هو حسبما ورد في الأناجيل اكثر من ليلة ونهار وجزء يسير من ليل، لأنه دفن قرب مغيب الشمس من يوم الجمعة مع دخول ليلة السبت وقام من القبر قبل الفجر من ليلة الأحد . كما نعثر في الأناجيل على أعداد لا تحصى لمظاهر الخرافة والجهل وانعدام العقل، كما هو الحال على سبيل المثال في الإصحاح الثالث عشر من إنجيل متي في كلامه عن حبة الخردل التي نمت شجرة. إذ وجد فيها ابن حزم جهلا بالفلاحة . ولم يعر ابن حزم اهتماما للتأويلات اللاحقة التي تفرض تصوراتها على النص، انطلاقا من أن هذا الأسلوب لا يثبت بحد ذاته عند القائلين به كما انه يتغير تاريخيا. والدليل على ذلك وجوده عند الجميع، بينما النص "المقدس" يفترض صلاحه وثباته والوضوح فيه كما هو.
وقد وجد ابن حزم في نشاط اليهود الأوائل الذي دخلوا النصرانية أحد الأسباب الجوهرية في تحريف مضمون النصرانية وإلباس المسيح درعا "إلهيا" وإدخال مفاهيم التثليث والتشبيه والبنوة والتقديس إليها وملئها بالخرافات والخزعبلات . ولم ير في فعلهم هذا أمرا غريبا بسبب امتلاء ديانتهم بهذا الحشو. ولعل مواقف من اسلم منهم ودخل بعض فرق الإسلام، كما هو الحال بالنسبة لفرق الغلاة من الشيعة دليلا على ذلك.
أدى ذلك إلى أن تتحول النصرانية إلى وثنية جديدة، كما يقول ابن حزم. وهو سبب نقض الإسلام لها. أما محاولات أساقفتهم ورجال الكنيسة منهم استغلال "معجزات" الحواريين منهم فهو خداع خالص. إذ لا برهان عقلي ولا دليل حسي عليه. وذلك لان الحواريين منهم نشطوا في السر. ولو كان لديهم منها شيء لعملوه في العلن أي لما اضطرهم ذلك للتخفي والتشرد . أما أقوالهم بان المسيح اخذ بجراحه آلام الناس وعذاباتهم وبكلومه ذنوبهم، فإنها غاية في السخف. إذ كيف يمكن اخذ ذنوب الناس بكلومه. ثم نحن نراهم يتألمون ويتعذبون كما يتألم ويتعذب غيرهم. ويذنبون كما يذنب غيرهم. وكل إنسان يتحمل مسئولية ما يقوم به . أما القسس والأساقفة منهم، فانهم يعملوا عبر "تحريرهم" من الذنوب على خداع العوام منهم وتكبيلهم بالخرافات والإيمان التقليدي. ولا يغير من هذا الحكم طبيعة عبادتهم المخلصة منها والمخادعة. فالإخلاص فيها حالة تميز جميع الأديان. بل أن رجال المنانية والصابئة اشد عبادة منهم، لان الصابئة كانوا حتى يخصون أنفسهم ويسملون عيونهم، أما الهنود فانهم أقسى تجاه أنفسهم إذ كانوا يرمون أنفسهم في النار تقربا لبوذا ولا يلتحفون شيئا ويمشون عراة. وليس صبر قسسهم وحوارييهم الأوائل بأشد ما كان عند المنانية ورجالها على عقيدتهم ولا عند رجال القرامطة وأمثالهم. لو عرف المرء حقيقة قسسهم لأصيب بالجفلة مما هم فيه، ولأدرك انهم "افسق الخلق واجمعهم للمال" . من هنا حكم ابن حزم النهائي عن أن تقليدهم الأعمى جريمة لأنه "لا جريمة اشد من تقليدهم والتغاضي عما أوجبته العقول وبراهينها التي وهبها الله للإنسان ليميز الحق من الباطل" .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا