الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعظيم المضحي..رقص انتفاعي أَم حقيقة واقعة

كمال انمار احمد
كاتب على سبيل النجاة

(Kamal Anmar Ahmed)

2020 / 5 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لا يمكن في أَيِّ بلدٍ في العالم نسيان الذين ضحوا بكل ما عندهم من أجل الدفاع عن قضية معينة تخصه.أَعتقد أَن هذا الأَمر من الثوابت الوطنية كما نعرف،و المساس بها يعد نوع من الجرم العاطفي المفزع.المسألة برمتها لا تكمن فعلا في منزلة الشهيد المدافع عن قضية تخص الوطن،بل في مقدار النفاق الظاهر و البؤس المريع في مسألة التضحية.و بما أَنَّ الحديث يخص مجاميع محافظة،فان الفصل حينها بين الدين و البسالة يبدو أمرا صعبا،بل و اعتقد انه شيء مستحيل بالنسبة لي على الأَقل،فالحقيقة إِنَّ الدين و خصوصا الإِسلامي يعد منبعا جيدا للمحافظة الشديدة،و ما يتبعها من تقاليد و موروثات ذات أَثرٍ تراثي في التفكير و السلوك.و كل مدافع عن الوطن ينتمي إِلى المجاميع المحافظة لابد و أَنْ تكون غايته محافظة بالتأكيد،و لا يجب الحديث عن غايات عامة،فالاعتقاد بوجود غايات عامة داخل المنظومات المغلقة قد يعد نوعا من الأمل الزائف برغم وجود استثناءات على نطاق يمكن عده ضمن نطاقات "التشدد المغالي في إِيجاد الفسحة"من اجل بث غايات الآخرين ضمن السرب و المجموعة." لا اعتقد إِنِّ الحديث هنا عن مديات التشدد داخل المنظومات المحافظة،فهذا ليس ما يُهم ،بل إِنِّ ما يجب الحديث عنه،داخل حدود ما هو النمط التعاملي مع الانسان سواء أكان مدافعا عن الوطن ام لا.

لكن و بما ان الحديث الآن مقتصر على المدافع عن الوطن،فان الأَوْلَى أَنْ نتحدث عن التعامل الاعتيادي مع الإِنسان قبل أَن يضحي بنفسه و قبل اندفاعه لفعل ذلك،و لمحة فاحصة على الشخص المُضحي و طبيعة علاقاته الاجتماعية و مدى اهتمام الدولة به سنجد إن هناك اختلاف واضحا في طبيعة النظرة إِليه قبل و بعد التضحية و من جانبين ،المنظور الأَول : منظور الدولة ،و المنظور الثاني منظور علاقاته المختلفة ،و مما يبدو جليا هنا إِن المنظورين يختلفان من حيث الأداء السلوكي بكل تأَكيد،إِلا إِن حتمية ما تحتم حقا تشابه كبير في النتائج الخاصة بمنزلة المضحي بنفسه. المضحي هو في كل حال إِنسان يبحث عن معنى لحياته من خلال عمله،و لربما يكون المضحي موظفا أَو متطوعا ,صحيح إن هذين المفهومين يكادان يختلفان في التسمية لكن في بعض الأَمور و بمرور الوقت يصبح منظور الاختلاف حتى في التسمية ضئيلا بل لا يكاد يحسب له حساب

فالمضحي الموظف يؤدي وظيفته بكل تأَكيد من خلال التضحية،و مقابل هذا يجني راتبه المستحق كأي موظف آخر لكن هنا ما يختلف هو إِن المضحي الموظف دائم في وظيفته الدفاعية او الهجومية،و هو يُعد من وجهة نظر بيروقراطية قد أَتم الضوابط التدريبية و القتالية من اجل هدف يوضع له من قبل جهات عليا-كما يسمونها-و تضحيته بهذا المعنى تعطى بمقابل،و هذا المقابل هو الذي يضمن عيشه بدرجات يمكن اعتبارها أساسية في الكثير من الجوانب. هذا المضحي الموظف يُعامل كأي انسان اعتيادي مقابل "التضحية المميتة ظاهريا"دون ان يُنصَب له أَي تمثال او تُوضع له اية صورة في أَي مكان،دون حتى أَنْ يُرفَّع او يُهنَّئ من قبل أَي شخصٍ مسؤول في إِطار الإطراء الفعلي الذي يحصل عليه -نفس المضحي- حين تكون تضحيته "تضحية مميتة فعليا"في هذه الحالة يختلف الأَمر كثيرا يا لهول الاختلاف فحين يضحي احدهم بنفسه و يخسر حياته يبدأَ المدح و الإطراء و المحاسن من كل جانب.فنرى إِن من يهمهم أَمر التضحية على مستوى الخدمة المحسوبة شخصيا،يعلقون صور الشهداء في المديريات و المناطق التي يسكنوها،بل و حتى في الشوارع العامة في بعض الاحيان ،و يكتبون فيها من عبارات التعظيم و التمجيد المضلل"بهرجة ما بعد التضحية المميتة"،مثل؛البطل،القائد،المجاهد...الخ و تحصل عوائلهم على مُنح خاصة و أراضي في كثير من الاحيان مع الاشارة و بكل إسف إِلى ان الكثير من عائلات المضحين بارواحهم لم يحصلوا على مثل هذه المنح لاسباب معينة منها خارجة عن القانون ضمنيا،و منها طبيعية في مستويات معينة. هذا المضحي المسكين كان يعيش حياة البؤس و الاشمئزاز و لم يكن يُذكَر حتى بأدنى اهمية،لكن حين يكون جثة هامدة،يصبح بطلاََ لا مثيل له،يا لهول البطولة،و مغواراََ لم يخلق له شبيه.و كل هذا مما يدعو الى العجب،"فكيف يا ترى يكون منطقيا رؤية الانسان المضحي و هو حي بلا اهتمام،لكن حين يموت يصير قائداََ و باسلاََ و شهيد الأمة و المدافع عن حدودها و الذائد عنها"كيف يمكن أَنْ يكون هذا الانسان المضحي مُكرَّماََ في مماته بينما كان يعاني في حياته الفقر و الحرمان و اللامبالاة،أيمكن فعلا أَنْ يُكَرَّم الانسان بهذه الطريقة،اعتقد انها ليست وسيلة اكرام على الاطلاق،انها ليست سوى "رقص المنفعة من اجل تحقير التضحية"نعم انها وسيلة السياسة و عُقد الاستماتة التراثية،من اجل رفع شأن من لم يكن له شأن،و بما ان صاحب الشأن هذا لم يعد له وجود فعلي،فان ما سيحل بدلاََ عنه في علو الشأن حقا"من يظل رافع شعار المضحين" و الدفاع عنهم بقوة و عن ما فعلوه في سوى المعركة. البعض يظن ان هذه الطريقة هي امثل الطرق من اجل تكريم المضحين،ايظن هؤلاء ان هذا مؤثر على المستوى خارج السرب،لا اعتقد هذا،كون وضع الصور و كثرتها بشكل عشوائي في الشوارع العامة لا يدل على ادنى اهتمام بالمضحين،بل يعني " الغاية الظاهرية المقننة لفعل ذلك ".اي إن الدولة تسيء للمضحين حين تضع صورهم فقط حين يفارقوا الحياة،بينما تعم اللامبالاة بأحوالهم حين يكونون فيها،اعتقد بان هذا اسوء ما تقدمه الدولة لهؤلاء على الاطلاق"

. فلنعامل المضحين باحترام بكل حال،سواء اكانت تضحيتهم مميتة فعليا او ظاهريا،دعونا لا نعطي كل هذه الاهمية العظمى لتضحيتهم المميتة فعليا،فانها ليست سوى جزء يسير من التضحية الأعظم ،التضحية المميتة ظاهريا،وهي في الواقع اشد ضراوة من الموت كثيرا،اعتقد انها كذلك في الكثير من الاحيان. اما القسم الاخر من المضحين فهم المتطوعون بنداء الخطر،هؤلاء تطوعوا لاسباب مختلفة و هم يُدَرَّبون بشكلٍ سريع للذهاب إِلى ساحات القتال،هؤلاء في البداية لا يحصلون على أَية مرتبات،لكن ما يدفعهم الى هذه التضحية قد يبدو من اجل الخلاص الابدي من الشر لكن هذه مثالية مغالية في الوصف فما يدفع هؤلاء الى التضحية أسباب عديدة،قد يتداخل إِحداها بالآخر،فقد تكون عقائدية،او شمولية في وصف معين،او شخصية غير واضحة،او لها علاقة بما يهم المضحي فكريا او ثقافيا او دينيا او شخصيا،ما اريد استنتاجه هنا"هو انه لا يوجد على الاقل في مواقف محددة غالبة هدف مثالي للمضحي طوعيا بل يوجد بدلا عن هذا الهدف المثالي الذي قد يوجد شفاهيا على مستوى الثناء اللاواعي اهداف اخرى متداخلة و غير ذات صلة بأية اهداف خالصة نحو الارض المُدَافَع عنها او المُهاجمة". في هذا الاستنتاج لا يجب ان نتوقع ان الاهمية تكمن في اهداف التضحية الطوعية،فهذا ليس مهما فعليا و لا يدعو ايضا الى الارتياب.المهم ان هولاء المضحين يمثلون اهمية دفاعية او هجومية في اوقات الأزمات العسكرية،و لا يجب النظر بكل حال الى ما يريده كل مضحي طوّعي من تضحيته،الوقت ليس في صالحنا اذا كنا في حالة أزمة عسكرية. لكن الهدف الحقيقي لابد ان يقال،حتى لو بدا خارج عن المثالية،فالخروج عن المثالية يدعونا بالفعل الى التفكير مليا بما نعنيه بكل شيء حولنا و منها التضحية و المضحين و الوطن و الحروب،هذه في النهاية مفاهيم تدعو المرء الى التأمل قليلا.

و لو اخذنا الدعاية الإعلامية لمنزلة المضحي و بسالته لوجدنا ان" ما يدور في الحديث عن المضحين من تعظيم و تمجيد ليس سوى وسيلة اخرى بيد السياسيين للنيل من الغضب المستعر ضدهم،او إيقاف معارضة تحاول الإيقاع بهم،او لسبب انتفاعي على مديات متباينة"اما الحديث القوي في المجالس الاجتماعية عن منزلة هذا المضحي ليس سوى هدف اخر لاعلاء شأن صاحب المجلس او مجاراة مستوى الناس من اجل الصيت و السمعة لا اكثر،او لإظهار شيء ما لدى المتحدث يود لفت نظر الاخرين به.كل هذا لا يدعو المرء الى ان يصيبه الفتور،بقدرما يجعله يفكر كم من الجيد لو عملت الدولة على رعاية الأفراد بكل حال،و نحن بالفعل نحقق نجاحاََ في جعل الامور تسير بهذا النحو،و لا اعتقد حقا انه يوجد نكوص الى الوراء فيما يخص التقدم نحو الافضل ما دام لايوجد حائل عارض،و بالتالي فكل شيء يسير نحو الافضل من سابقه،و برغم البؤس الذي نراه الآن لكن لا بأَس فقد كان هذا البؤس أَشدَّ ضراوة فيما سبق و أَعتى مما يمكن تصوره.

و على اية حال اود اضافة شيء ما و هو ان ما يجب علينا كدولة و أفراد فعله هو ان نُقَدِّر الانسان المضحي و غير المضحي ايضا و هو حي بدلا من تمجيده حين يموت،فهذا اسوء ما نفعله له على الاطلاق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا