الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل كان علي الوردي تيميًا؟1/ 2

داود السلمان

2020 / 5 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ذكرنا في اكثر من مقال وقلنا: إنّ ابن تيمية هو رجل فقيه، قبل كل شيء، وموغل في هذا الاختصاص، وليس من العقل بمكان أن يأتي أي باحث أو كاتب فيجعله في مصاف الفلاسفة.
وهذا رأيي في ابن تيمية قديمًا ولي دلالاتي فيما اقول ولست ادعي أو اتجاوز على الرجل. ثم أنه هو نفسه لم يقل بأنه فيلسوف.
وانما نحن ننقد ابن تيمية كفقيه لا كشخص بعينه، كما قد يذهب البعض الى هذا المذهب.
ثم أن ابن رشد كان فيلسوفا وفقيها في آن، لكن الفرق بين الرجلين، أن ابن رشد لم يكن متطرفا في آرائه وقضايا الاخرى التي تعرض لها، كفقيه، وله كتاب معروف، هو " بداية المجتهد ونهاية المقتصد في الفقه". ففيه آراء فقهية بحتة تناول الرجل فيها مسائل فقهية كثيرة، لا توجد فيها روح تطرفية او تكفيرية، بحسب اطلاعي على هذا الكتاب. بعكس كتب ابن تيمية وخصوصًا الفتاوى، والتي ملأها بالغث والسمين.
عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي، يعتقد في كتابه "منطق ابن خلدون"، وفي سياق عقده لمقارنة بين ابن تيمية ابن خلدون، حيث يقول أن ابن تيمية هو اكثر بُعدًا وعمقا من ابن خلدون، وهو يضاهي الغزالي في عمقه الفلسفي، ويمتاز عن ابن خلدون بميزات فكرية ومنطقية لا يمكن أن يصل اليها ابن خلدون، كما يعتقد.
وليس هذا فحسب، بل يصف الوردي ابن تيمية بأنه من اعظم فلاسفة الاسلام!، فالوردي ناسيًا أو متناسيًا كبار فلاسفة الاسلام والذين اشاد بهم وبحجم فلسفتهم وغورهم في هذا الاطار أو العلم المسمى بالفلسفة، الا وهو المستشرق والباحث الكبير دي بور في كتابه "تاريخ الفلسفة في الاسلام". فقد قال بحق كلٌ من: الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد وابن النفيس والغزالي وابن مسكويه والجاحظ: أنهم فلاسفة عظماء قدموا للإنسانية ما قدموا: من نظريات علمية وفلسفية وانسانية عظيمة، بل وحتى طبية ورياضية وهندسية وفلكية وسواها ما قدموا، وكذلك ما ابدعوا من فكر فذ ما لا ينكر، أو يخفي على أي باحث أو متتبع.
ومن الجدير بالذكر أن دي بور في كتابه، آنف الذكر، لم يذكر ابن تيمية في كتابه هذا، ولم يشر اليه من بعيد ولا من قريب، بل ولم يعدّه من عداد الفلاسفة. ونقول أن باحثا ومدققا بحجم هذا الرجل حينما يتجاوز ابن تيمية ولم يذكره على أنه فيلسوفا، انما هو في هذا المضمار يؤكد رأينا في ابن تيمية، وهو القول بأنه ليس من عداد الفلاسفة. خصوصًا وأن دي بور ذكر في كتابه تقريبًا معظم فلاسفة المسلمين، حتى عد منهم الجاحظ واعتبره فيلسوفا، والمعروف عن الجاحظ أنه اديب وكاتب وشاعر وليس معروفا عنه أنه فيلسوف؛ صحيح أن الجاحظ له آراء فلسفية متناثرة في بعض صفحات كتبه، لكنه لم ينتبه الى تلك الآراء الا القليل من الباحثين، ومنهم دي بور على سبيل المثال. وقد أطلعت على كتاب في الاخلاق للجاحظ، الا أنه ليس فيه عمق فلسفي، من وجهة نظرية القاصرة، فهو عبارة عن مواعظ وما شابه.
ويرى الوردي أن ابن تيمية عمل على نقد السببية والعقلانية ونقد المنطق حتى وصل الى القمة، بحسب تعبيره.
وربما نقد السببية هو الذي اثار حفيظة الوردي مما جعله يعده من ارباب الفلسفة، فاعُجب به.
ولم يقف الوردي عند هذا الحد فحسب، بل أنه جعله بمصاف فرانسيس بيكون وجون ستوارت مل، وهما من كبار الفلسفة الحديثة، ولهما آراء قيمة في علم الاجتماع والسياسة. فيقول: "إن اهم ما قام به ابن تيمية في هذا الصدد هو أنه أخذ يشكك في صحة الكليات العقلية العامة التي كان المناطقة يجعلونها مقدمات لأقيستهم المنطقية ويعتمدون عليها في براهينهم اعتمادا لا يجوز الجدال فيه. فهذه الكليات في نظر ابن خلدون ليست ضرورية ولا بديهية وليس لها وجود خارجي" (منطق ابن خلدون، ص 57)
واذا كان فعلا ابن تيمية يرى هذا الرأي، فنحن لا نلومه على هذا القول ولم نعترض عليه، لأنه رأي فقيه، وجُل الفقهاء لا يلتفتون الى معظم النظريات العقلية ومنها مبدأ السببية وما شاكل، خصوصًا وانها لو خالفت بضاعتهم التي رُدت اليهم، أو لم ترد، فهم يسيرون على حافة النص، ويخوضون في دائرته الضيقة، ولا يتجاوزون ذلك مطلقا، ولا يجتهدون مقابل النص، ونعتقد أن الفقهاء ينسفون أي نظرية عقلية أو علمية اذا انصدمت مع نص من نصوصهم التي يعتبرونها مقدسة، وقد جُبلوا على ذلك، وساروا عليه مسار القطار على سكة الحديد، وهذا لا يحتاج الى شرح وايضاح.
ثم أن الوردي يأخذ بشرح الكليات العقلية ويقول أنها "في رأي ابن تيمية موجودة في الاذهان وليس لها كيان خارجي بذاته. والبرهان المنطقي القائم على هذه الكليات لا يوصل اذن الى علم يقيني، أنما يوصل الى امور ظنية مقدرة في الذهن فقط. إن العلم الحق عند ابن تيمية هو الذي يستمد حقائقه من الاشياء الجزئية المتعينة بأشخاصها في الخارج لا من الكليات المقدرة في الذهن. والطريقة التي يتوصل بها العلم الحق هي الانتقال من الجزئي الى الجزئي، وذلك حسبما يسميه الفقهاء بقياس الغائب على الشاهد.". (المصدر السابق، ص 58)
وهذا الرأي، وأن كان فيه نوع من الصحة، لكنه ليس كل الصحة، أو الجزء الكبير منها، لا كما يرى ابن تيمية ويشاطره الوردي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حزب الله وإسرائيل.. جهود أميركية لخفض التصعيد | #غرفة_الأخبا


.. مساع مكثفة سعيا للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل قتلت لونا الشبل؟


.. بعد المناظرة.. أداء بايدن يقلق ممولي حملته الانتخابية | #غرف




.. إسرائيل تتعلم الدرس من غزة وتخزن السلاح استعدادا للحرب مع حز