الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأمُّلات...

هاشم عبدالله الزبن
كاتب وباحث

(Hashem Abdallah Alzben)

2020 / 5 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"خِطاب الهزيمة"
لحنٌ حزين، صوتٌ مُرتعش، وكلمات عن: خسارة ما، وداع حدث، شيء ما لم يكن في الحُسبان كان وأستمر، وخلفية هذه اللوحة/الحالة: مشهدٌ كئيب، سماء رمادية، وشمس مُعتمة، وطبيعة بلا حياة،

"خطاب الهزيمة" خطر على بالي هذا العنوان لنص لا أدري عن ماذا سيتحدث، رغم إلحاح الفكرة، وأنا أستمع لموسيقى بلا تحديد، بيتهوفن وشوبان، ضوء القمر وذكريات الماضي،
ليس مُجرد خِطاب يحتفل بالهزيمة، هو حالة وجودية تستحق التأمل وحتى الدراسة، كيف تُصبح الهزيمة إسلوب حياة، قاعدة أساسية ينطلق منها الإنسان مهزومًا بالضرورة، لا ينطلق إنما يُصيبه الشلل، دون أن يَعي ذلك،
حتى كتابتي هذه هي نوع من خِطاب الهزيمة، لا أدري ما هي معايير الإنسان المهزوم، لكنه حتمًا هو ذاته الإنسان المهدور والمقهور... هو الإنسان المسجون دون وعي في دائرة ضّيقة، تخنقه الدائرة، وتجعله محدود الرؤية والقُدرة، يألفها كأنها العالم بأسره، حياة كاملة في دائرة، دائرة الهزيمة...

ربما نحتاج وعي ذاتي بالدائرة/السجن، عندها يبدأ نضالنا لتحطيم الدائرة، ولكن... من أين للإنسان المهزوم طاقة النضال؟
أعتقد بأن النضال طاقة لا تنضب وإن تراكمت عليها الأوهام، والوعي الذاتي هو المِعيار، أقصد معيار النضال،
ومثلما يوجد إنسان مهزوم بالطبع هُناك مُجتمع/وطن مهزوم، والوعي الذاتي هُنا من أجل النضال هو وعي جَمعي،
لا تكون الهزيمة حالة نهائية إلا كوهم يُومن به المهزوم، أو عندما تتغلغل إلى الداخل، والوطن المهزوم شرط إستمرار نظامه السياسي وجود روح الهزيمة في أجساد الشعب وأروقة وزوايا مؤسسات الدولة... هكذا تتوارث الأجيال "جينات الهزيمة"، وتبقى الدائرة تتسع للمزيد دون أن تتوسع، وربما تنفجر أخيرًا بسبب ذلك، وإنفجارها خراب وفوضى يختلط بشظايا الهزيمة...

أُدرك فوضى كلماتي، لكن لا بأس، ولأعود للإنسان المهزوم، أشعر بسذاجة كلماتي؛"إنسان مهزوم" الأمر يبدو وكأنه تلاعب بالألفاظ أو مُبالغة أو كلام بلا معنى؟!
ما "الإنسان المهزوم"؟
بلا كلمات كثيرة هو الكائن الفارغ من طاقة الحياة، الفارغ أو المُفرَّغ.

طاقة الحياة تعني التحرك والإنطلاق، الغوص في أعماق الأشياء والإشتباك مع الخارج والمجهول، دون خوف وتردد، لذلك خطاب الهزيمة هو كلام مُشبع بالتردد والخوف والندم، خِطاب رثائيّ حزين، يُثبط العزيمة ويقتل الحركة...

***

" الإنسان الباحث"
حياتنا بحثٌ مُستمر، تبدو العبارة مألوفة، وبحثنا هذا المُستمر غير مُباشر غالبًا، نحنُ نبحثُ دائمًا عن أشياء بلا وعي مِنا... الآن، لا أدري لماذا يخطر على بالي "المعنى" كموضوع للبحث، نحنُ نبحث عن المعنى بشكل أو بآخر، ربما لو لم أقرأ خلال الفترة الماضية كتاب عالم النفس فيكتور فرانكل "الإنسان يبحث عن المعنى" لما خطرت ببالي هذه الغاية : البحث عن المعنى،

ما معنى الأشياء؟ وهل يوجد معنى داخلي؟ وهل المعنى فكرة أم شيء ملموس نُدركه بحواسنا؟

ماذا لو أن المعنى فكرة نصلُ إليها مُجهدين بعد طول عناء، ونجدها وهم؟
ماذا لو بقينا نبحث بلا غاية، بلا وعي، من باب أننا أحياء وهذه الحالة-حالة الحياة تتطلب البحث الذي يرتدي رداء المألوف والروتين؟

الإنسان الباحث، جميعنا هذا الإنسان، ووعينا ولاوعينا بالبحث هو معيار... لا أدري معيار ماذا، كنت سأكتب:"معيار السواء الوجودي" لكنني لست واثقًا بهذا المعيار، ربما عندما نَعي حقيقة وجودنا-البحث المُستمر، نفهم ذواتنا أكثر، ونستوعب اللحظات دون أن نُبددها.

***

"لن تستطيع التحكم بالخارج.." العبارة مألوفة، لكنها تنطوي على الكثير من الأجوبة والسلوان لنا في تفاصيل حياتنا والمعنى الحياتي الذي نحتاجه دائمًا لنعيش بشكل حقيقي... ولكن ما هي معايير ومُحددات الحياة الحقيقية؟
لا أعرف الجواب الحقيقي، وكما هي حياتنا تبدو أحاجي كثيرة، مجموعة ألغاز نُصادفها إن توقفنا عندها أصابتنا الحيرة وربما الحسرة، الأمر ليس مُعقدًا كما يبدو ولا هو بسيط، الأمر فقط يستدعي مِنا محاولة الفهم، النظر للأحداث الحياتية بموضوعية، ولكن كيف؟ كيف نفهم الأشياء بموضوعية دون تشويه، دون تهويل وتحجيم؟

هذه الأسئلة تُؤرقني كثيرًا بل ونشأ في داخلي إضطراب بشأنها، تتزاحم في ذهني وتُعكر صفوي، وهذا الأخير هو أحد إحتياجاتنا الأساسية: الصفاء الذهني. بالتأكيد تشتت القارئ كما أنا الذي أكتب كأنني أرمي الكلمات دون ترتيب وصياغة، في البداية ذكرت إستحالة سيطرتنا على الخارج، وهذا الشيء البديهيّ جدًا، أعتقد بأنه يحدث في تفاعلنا مع الحياة بشكل لا إرادي!
دائمًا نُحاول لأجل الخارج-خارجنا، نبذل جُهدنا في التماهي والتصالح معه، نعيشُ وفق معاييره ومُستجداته، نغرق بالخارج تمامًا، وبالتالي يحدث أن نفقد صلتنا بأنفسنا، ننسى مَن نكون؟ وما هي تطلعاتنا ورغباتنا؟ لا نعرف أنفسنا، ولا نُدرك داخلنا، بكل ما فيه من طاقات ومخاوف وتشوهات ومواهب... الخ، حتى نقمع الداخل أو نقتله بقصد أو بدون قصد، وما هي النتيجة؟

كيف نتصالح مع الخارج دون أن نشوّهه؟ أن نرى الخارج كما هو، لا أن نراهُ  بصورة خيالية، تجعل من الواقع شيئًا لا يُطاق. بمعنى أن نُدرك الخارج كشيء مُنفصل عنّا، لأن إدراكنا لهُ كشيء ذاتي، يجعلنا نرتهن لهُ، أيّ نُصبح جزء منه... وهذه الحالة نقيضها، أن نُسيطر على داخلنا، لا بالمعنى الحرفي للكلمة، إنما بوعينا لأنفسنا، كيف نفكر ونرى ونُدرك..
التصالح هُنا لا يعني القبول، التصالح نوع من الوعي الموضوعي للأشياء، وعندما نفهم أنفسنا حتمًا سنفهم وجودنا بكل تفاصيله، وتُصبح حياتنا واضحة وصالحة.

***

فجر اليوم تسائلتُ في لحظة شرود ذهني: لماذا أكتبُ إنطباعاتي؟ ما الداعي لتسجيل أفكاري التي تشتعل فجأة وتختفي بلا وعي؟ وبسرعة، رأيتني أكتب كمن يرى مشهدًا ما، يراهُ لوحة فنية مُدهشة، رغم أنه مشهد مألوف، كغروب شمس في يوم خريفي أو سماء ليلية مليئة بالنجوم، نعم أكتب لأجل إشباع شعور داخلي مُلح، شعور بالدهشة ومحاولة الفهم والإستغراق في التفاصيل، الكتابة نوع من تسجيل اللحظات عن طريق سبر أغوارها وتفحصها جيدًا، اللحظات التي تتبدد وتُطوى،
اللحظات المُؤقتة، كم هي مُرعبة هذه الحقيقة، وكم هي مُدهشة، حقًا، إننا قد نستغرق في اللاشيء، ونعيشُ العُمر دون أن نعرف مَن نحن؟ أو دون أن تطرق أذهاننا الأسئلة الصعبة، الأسئلة التي تصفعنا لنستيقظ، ونبدأ حياتنا الحقيقية، حياتنا التي ربما نعيش عمرنا كله دون أن نحظى بلحظة منها... أقصد حياتنا الحقيقية.

***

" بيوت تتمايز عن بعضها بالفخامة، صُلبة لكنها من قش، وعقول مليئة بالنقاط التي تتنافر وتفتعل في الرؤوس ما يجعل عيونها ذاهلة... حياة من الجُهد والخوف والتوتر، هذه حياتنا الآن، ربما"

لماذا يتفاخر الناس ببيوتهم.. أسماءهم.. حسبهم ونسبهم... وإنتماءاتهم؟ لماذا يسلك الإنسان في حياته سلوك واحد يتسم بالتظاهر والإدّعاء؟ الكثير من الأسئلة تجول في ذهني عن ظواهر إجتماعية تبدو لوهلة مألوفة أو طبيعية جدًا، لكنها أعراض لإضطرابات لوّنت حياتنا بألوان المُعاناة والبُؤس والألم، جعلتنا نعيشُ بلا داخل، بلا جوهر، ننكبُّ بكامل وعينا على السلوكيات التظاهرية، وهكذا ندور في حلقات تتشابه وتتناقض، حلقات-سجون ندخلها بلا وعي ولن نخرج منها-نتحرر منها إلا بالوعي،

ماسلو من العلماء الذين فسّروا الحاجات الإنسانية، ففي نظريته النفسية الإنسانية يضع ماسلو "هرم الحاجات الإنسانة"، قاعدة الهرم: الحاجات الفسيولوجية، كالغذاء، والنوم... يليها؛ حاجات الأمن، ومن ثم حاجات الحُب والإنتماء، والحاجات الجمالية، وأخيرًا رأس الهرم: تحقيق الذات، وهرم الحاجات هذا ينقسم: لحاجات نفسية وحاجات مادية، النفسية من القاعدة، والمادية من الرأس، لن أخوض في تفاصيل هذه النظرية وأهميتها وصدقيتها على الواقع الإنساني، ولنأخذها كأنها حقيقة تُفسر سلوكنا، ولنفترض أن هدف الأنسان الأسمى هو تحقيق ذاته، كُلنا نبحث عن الإنجاز والإبداع، لكننا نرتطم بحاجاتنا الدُنيا-السُفلى، تتوقف حاجتنا عند حاجة الأمن أو الإنتماء، أو لأننا نفتقد روح الجمال في حياتنا، نضيع في ظلام الواقع القبيح!
نحن نبحث دائمًا عن ما نفتقد، والبحث يحتاج لبوصلة، لخريطة، لشيء واضح نبحث عنه، عندها تتشوه بوصلتنا، ونتعب في بحثنا عن اللاشيء حرفيًا... فوجودنا بلا وعي، وإنغماسنا في المألوف والمُعتاد، وشعور الأمن في إتبّاع السائد، وشراهتنا للحاجات الفسيولوجية... كُل ذلك يؤدي بهرمية الحاجات لأن تصبح بعثرة، يُصبح الرأس قاعدة، والقاعدة رأس، تحقيق الذات يكون حُلم/وهم لذيذ، والجماليات أشياء نمطية، والشعور بالأمن خوف جوهري، والإنتماء إنقياد أعمى!
تلك التشوهات تحدث عندما ينعدم الوعي الذاتي، الوعي الذي يُعيد ترتيب الهرم، وينجو من خلاله الإنسان من عبثية الواقع، ويُحقق ذاته...


***

"يهربْ من الحياة، وهو حيّ"

دائمًا هو هارب من لحظته، هاربٌ إلى غير وجهةٍ مُحددة. تائه، ضائع، هائمٌ على وجهه، يتخبط في حدود الأماكن المجهولة، والمُرعبة.

شبحُ إنسان، بلا هوية وبلا ملامح، مُظلم وشاحب.

على صفيحٍ هشّ يسيرُ بلا قوة ولا رؤية. يرى الأشياء بعيونه الزُجاجية المُعتمة... لا يظنُّ ولا يعرف، اللامعرفة حُفرةٌ سقط فيها دون أن يعرف. ثمة حاجز يحول بينه وبين العالم... العالم حادّ ومُؤذي وفظيع، عالمه سليط اللسان والرؤية. تصفعهُ الأحداث، صفعة وراء صفعة، دون أن يستقيظ! دون أن يقف ويُعيد النطر ويُمعن التفكير!
كأنه تحوّل لآلةٍ تعمل وفق ما صُنعت لأجله، وشعوره الداخليّ ينضبُ بريقه... تتجمد ليونته... يُصبح حجريًا، ويشعر بذلك، لكنه لا يعرف....

لا يعرف...

ومن اللحظة يهرب، لأشياء كثيرة تُخدّر آلامه، أشياء تجرح إنسانيته، لتنزف، ليخسر ما تبقى له منها... عندها يكون بقايا إنسان، لا يلبث أن يتشوّه تماماً، من الداخل، بعدها أصبح شيء،

شيء.. الآن هو كائن مُشوّه، وآليّ، الآن يستطيع أن يعيش دون ألم ودون معنى...

أخيرًا ،والفكرة بلا حدود، من أجل المعرفة التي تحمي جوهر الإنسان، نحتاج إلى الجهل الذي يُؤلم، وبحثًا عن علاج لهذا الألم، أن نجتهد في بحثنا عن المعرفة...

***

"لستَ مهزومًا، ما دمُت تُقاوم" - مهدي عامل


الأسوأ والأفظع من إحتلال الأرض هو "إحتلال الإرادة"، هذا الإحتلال الذي يُؤدي لهزيمة كاملة، نهائية، وهو المعيار الأساسي لأيّ إحتلال "ناجح"،

الهزيمة، الخسارة، والضعف كلّها حالات طبيعية، مُؤقتة، وهي وجهٌ آخر لنقائضها؛ ولكن إذا حدثت هذه الحالات في عُمق الإنسان/الشعب، تُصبح جُزء أساسي من الوعي... وهُنا تكون الهزيمة هزيمة فعلًا،
وهذا ربما يُفسر السبب الرئيسي لهزيمة العرب أمام الإحتلال الصهيوني عام 1948، وما تبعه من هزائم، نعيشها إلى يومنا هذا، لا أريد الدخول في تحليل سياسي، لكنني أعتقد بأن ما يتعلق في نفسية الفرد يُمكن إسقاطه على نفسية شعب أو أمة كاملة، وهذه المقالة ليست إلا تعليق على فكرة "إحتلال الإرادة"
الإحتلال الخطير الذي يُفقد الإنسان قيمته الوجودية، وإنسانيته تُصبح هشّة، رخوه، والإرادة بلا مُبالغة هي قيمة الإنسان الأساسية إذا خسرها بأيّ درجة أو شكل، يخسر وجوده ويتحول لكائن مقهور ومهدور بشكل طبيعي وعادي!

وهذا الإحتلال كما هو مُكتسب، يحدث فجأة أو بشكل تدريجي، هو أيضًا يُوّرث، يُلقّن ويُدّرس، إذن عملية مُقاومة هذا الإحتلال وإستإصاله عملية صعبة جدًا، وبطبيعة الحال ليست مُستحيلة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران