الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمنة كشرط إمكان لبناء دولة في لبنان

معمر عطوي
كاتب وصحافي

(Moammar Atwi)

2020 / 5 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لم يستسغ بعض "الصناديد" من بقايا الشبيحة الحزبيّة والطائفية شعار "كلن يعني كلن" الذي رفعته الثورة الشبابية ضد العهد وضد النظام اللبناني الفاسد، بعد مرور البلاد بسلسلة كوارث طبيعية وأمنية وسياسية واقتصادية-مالية. فهؤلاء الذين يرفضون محاسبة الفاسدين والمجرمين بحق الشعب والوطن، كل بحسب زعيمه وجماعته، هم من حوّل لبنان الذي كان يشكّل واحة الحريّة في الشرق، إلى زواريب "داعشيّة" يمثلها كل فكر إقصائي أو عنصري أو فوضوي أو متعصب متطرف يصادر مؤسسات الدولة لمصلحة مشاريعه الأسطوريّة.
لا حل لمشكلة لبنان إلاً بتغيير هذا النظام الطائفي لجهة توزيع المناصب والوظائف وإلغاء قانون 6و6 مُكرّر، الذي يعتمد التوازن العددي بين الطوائف بدلاً من اعتماد الكفاءة والمؤهّل العلمي.
بهذا المعنى، لا يمكن أن يعود لبنان كما كان يُسمى "سويسرا الشرق"، إلاَ حين تصبح السلطات بيد الشعب فعلياً، وحين يصبح الشعب مؤمناً بأن الديموقراطية التوافقية هي أكثر البدع المثيرة للسخريّة. ديموقراطية لا قدرة للشعب على ممارستها الا من حيث مصالح الميليشيات وتوازن القوى المحليّة والإقليمية، بينما تجري سويسرا الغرب كل عام على الأقل ثلاثة استفتاءات شعبية عامة على مستوى جميع الكانتونات الستة والعشرين حول مواضيع معيشية واقتصادية وقضايا سياسية ومصيرية.
ربما يبدأ الحل في لبنان باعتماد الديموقراطية الصحيحة غير القائمة على أساس الخوف من التفوق العددي لطائفة ما، وذلك بناءً على قوانين علميّة صارمة تلغي كل مطهر ديني أو طائفي من الدستور وآليات الممارسة السياسية والحزبيّة. سيقول البعض هذا حلم بالمستحيل، لكن لا يبدو أن هناك مُستحيلاً أكثر من هذا الواقع الماساوي الذي نعيشه اليوم؛ انهيار كامل لا يمكن الخروج منه إلاّ بحكمة وعقل مُستنير يلقي بكل هذه المفاهيم التقليدية التي تحكم الذهنية السياسية والشعبية في المزبلة، ويحاول تأسيس نظام جديد يشكّل قطيعة مع الموروث البربري الذي يحكمنا.
هذا التغيير الذي يتطلّب جرأة في مكان ما ووعياً في أمكنة عديدة، يعتمد التربيّة الوطنية في المدارس والجامعات، وكتاب تاريخ وطني يتجاوز كل المفاصل ذات الحساسيات المذهبية والطائفية أو السياسية. لعل أقلّه الغاء المحاكم الشرعية الدينية ومُخصّصات رجال الدين التي تذهب هباءً، واعتماد القانون المدني للأحوال الشخصية لكل اللبنانيين، وشطب الطائفة الدينية أو المذهب من السجلات والغاء كافة المناصب الدينية التي تُكبّد الخزينة مليارات الدولارات لدواعِ نفعية مادية لا علاقة لها بالدين كمحمول روحي لا من قريب ولا من بعيد. ولضمان عدم حدوث أي تفوق عددي، ينبغي حلّ جميع الأحزاب الحالية بما فيها تلك التي تزعم أنها علمانية ويسارية، واستبدالها بأحزاب لها برامج تقدّمية واضحة، تخلو من أي فقرات دينية أو عنصرية او تشجيع على الكراهية وبث الفرقة وتعظيم الذات على طريقة «نحن سفينة النجاة» او «أصحاب العقيدة الصحيحة» والتي تحمل في مضمونها التفكير والإقصاء.
نحتاج إلى أحزاب ديموقراطية بعيدة كل البُعد عن برامج تعتمد الأساطير المذهبيّة والخرافات الدينية كمشروع مستقبلي لها تجرّ من خلاله بقيّة اللبنانيين عنوة نحو الدمار، كما هو حاصل الآن مع مشروع ولاية الفقيه. نحتاج الى أحزاب تمارس الديموقراطية في أطرها التنظيمية أولاً، فلا تعمل على تقديس الأشخاص والأفكار، ولا تتفاخر بالولاءات للخارج. أحزاب ممنوع عليها تلقي أي مساعدة مادية او عينية أو تسليحية من الخارج. أما في الداخل فينبغي أن تخضع التبرعات لمعايير معينة وضمن حدود لا يمكن تجاوزها.
الحل قد يبدأ بتشكيل أحزاب لا تحمل في بياناتها وبرامجها أي مزج بين السياسة والدين، أو بين الدين والمجتمع. أحزاب لا تحمل في دساتيرها أي دعوة كراهية ضد الآخر أو أي نزعة عصبوية تستند على القومية الشوفينيّة وتتغذى من شعارات "نقاء الدم". بناءً على هذه التغييرات الجوهريّة في تشكيل النظام العلماني المدني، تصبح المؤسسات الدينية ودور العبادة مؤسسات ذات مهام اجتماعية أو أمكنة لممارسة الحياة الروحية، من دون أي هيمنة لها على اي قطاع من قطاعات السلطة السياسية او الاقتصادية او التربوية، ولا تتلقى أي مساعدات أو تمويل من الدولة.
لعلّه لا قيامة للبنان إلا بثورة علمانية، (من دون أي مقارنة بأي ثورة تاريخية لا فرنسية ولا غيرها). لكن لتكن هذه الثورة إيماناً في قلب كل لبناني بأنها هي الحلّ الوحيد للخروج من مزبلة العالم إلى "سويسرا الشرق».
من المشروع الحلم ببناء هذه الدولة لأن كل ما دون هذا التغيير، هو مجرد شعارات لن تعطي لبنان لا سيادة ولا استقلال ولا حريّة ولن يسمح بممارسة ديموقراطية، ولا حتى عودة قرش واحد من النقود المسروقة. أتعرفون لماذا؟؟ لأن كل سارق يتلطى بحزبه، وكل حزب يتلطّى بطائفته، وكل طائفة تتلطى بمن يستغلها من الخارج من دول أو منظمات سرية أو مافيات عالمية وكل واحدة من هاته المراجع تزعم الحكم بأمر الله.
الأنكى من كل ذلك أن سلاح الفتنة الذي صادر مؤسسات الدولة وسخّر الاقتصاد اللبناني لخدمة أباطير المافيا الكبار في المنطقة من موسكو الى دمشق مروراً بطهران وكاراكاس، يتلطى بأقدس قضية هي قضية فلسطين، من أجل تمكين صهيونية جديدة تستند إلى المذهب الشيعي الصفوي (لا المذهب الشيعي العلوي)، لتتلاقى مع صهيونية يهودية مثل كمّاشة، من أجل الإطباق على المنطقة واستغلال ما تبقى فيها من خيرات. نعم الدولة الطائفية او الدولة الدينية هي ذريعة لاستمرار إسرائيل قويّة في المنطقة. من شعارات تحرير فلسطين تتغذى الأنظمة التوتاليتارية وتعطي الدولة العبرية جرعات قوة وذرائع لمضاعفة دعم الغرب لها في وجه التطرف الديني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah