الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متى يصبح الدين أفيونا للشعوب - 3

أيمن عبد الخالق

2020 / 5 / 25
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


متى يصبح الدين أفيونا للشعوب ـ 3
((إن الفقر لايصنع ثورة، وإنما وعي الفقر هو الذي يصنعها، فالطاغية وظيفته أن يجعلك فقيرا، وشيخ الطاغية وظيفته أن يجعل وعيك غائبا)).........كارل ماركس
قد عرفنا في المقالات السابقة أن للإنسان ثلاث مراتب للإدراك، مرتبة حسية يباشر بها الأشياء التي يواجهها في هذه الحياة، ومرتبة خيالية حافظة لهذه الصور الحسية ومرتبة عقلية إنسانية واعية ومميزة بين الصواب والخطأ.
ولكن نقطة ضعف العقل الإنساني مع قوته التمييزية أنه مجرد نور ينير لنا الطريق، ولكن لايحرك عواطفنا ومشاعرنا الوجدانية، ومن أجل ذلك لايتفاعل معه أكثر الناس، ولايؤثر على أفعالهم الاختيارية.
أما الحس والخيال فهما يحركان المشاعر والعواطف بقوة، مع هذا الفارق وهو أنّ الحس تأثيره مؤقت ومحدود بما يواجهه الإنسان في لحظته، على خلاف الخيال الذي يحتفظ بنحو دائم بهذه الصور الحسية المؤثرة والخواطر والذكريات في محفظته الشخصية، ويستدعيه الإنسان في أي لحظة يحبها، ويستطيع حينها أن يركّب ماشاء له من الصور العجيبة التي لاتتناهي من نسج خياله.
ومجموع هذه الصور والخواطر الموجودة في محفظة الخيال التي تم تشكيلها من خلال تدفقها إلى الأذهان على مر الزمان من البيئة التي يعيش فيها الإنسان، والتي يمكن أن تنبعث
في أي لحظة لتحدد لنا المواقف وردود الأفعال، والتي تشكل في الحقيقة عقل الإنسان الباطن، ومفتاح شخصيته، هي التي يسميها علماء الانثربولوجيا والاجتماع بالمخيال الاجتماعي.
وكما يسعى النظام الرأسمالي لتوظيف هذا المخيال في التأثير على مشاعر الناس وجعلهم منبهرين بانجازاته التقنية وزخارفه الشكلية الجميلة التي لاتتناهي ولاتقف على حد، بحيث يظلوا يلهثون وراء منتجاته اليومية المتنوعة، فإن أكثر رجال الدين لاسيما المؤسسات الدينية الرسمية يلعبون على نفس هذا الوتر المخيالي ، ولكن يعزفون سيمفونيات أخرى لاتعتمد المقامات المادية الغريزية المُفرِحة التي يستعملها الرأسماليون ، بل المقامات المعنوية الغيبية التراجيدية المحزنة والمحفزة التي تثير العواطف الدينية الغيبية.
وهذا المخيال الديني يتم برمجته وإعداده بطبيعة الحال في المجتمعات الدينية منذ زمان الطفولة عن طريق التنشئة الدينية التلقينية، وترسيخه عن طريق الشعائر والطقوس الدينية، وأساليب الشحن المعنوي المتعددة، بحيث يصبح عقل أغلب المتدينين مُغيب تحت ضغط هذا المخيال القاهر والمشحون بالرموز والدلالات المختلفة، والذي بدوره يُفقد الإنسان القدرة العقلية على التحكم في أفعاله الاختيارية.
وتحريك هذا المخيال الديني يتم بأسلوبين بحسب ماتقتضيه الظروف الاجتماعية والسياسية، فالأنظمة الاستبدادية ومؤسساتها الدينية الرسمية التابعة لها إذا أرادوا منع الناس من النهوض والثورة ضد ظلمهم وطغيانهم، وقمع حركات المعارضة والإصلاح والتغيير الاجتماعي يحركون هذا المخيال بعيدا عن القضايا الاجتماعية الحساسة، ويوجهونه تجاه العالم الأخروي بحيث يجعلونهم يعرضون عن الدنيا وعما يجري حولهم من ظلم وفساد وطغيان، ويجعلونهم يعيشون حالة من النشوة الروحية والتنفيس المعنوي الذي يعوضهم عن واقعهم المؤلم ومعاناتهم الاجتماعية.
ومن هنا نفهم معنى مايقوله "كارل ماركس" بأن (الدين زفرة المضطهد في المجتمع الرأسمالي، وانه أفيون الشعوب) حيث يلعب المخيال الديني المُسخّر دور الأفيون المُخدِر للمشاعرالإنسانية بحيث ينسى الإنسان أو يتناسى مشاكله ومعاناته الاجتماعية، وهو معني قول ماركس(وشيخ الطاغية يجعل وعيك غائبا).
وأما إذا أرادت تلك الأنظمة أن ترد العدو الخارجي، أو توسع من نفوذها في العالم، فإنها تلجأ لتجييش هذا المخيال الديني واستنفاره وتثويره تحت شعار الجهاد في سبيل الله، كما كانت تفعل الأنظمة الدينية المسيحية في القرون الوسطى في حروبها الصليبية، والأنظمة الدينية الإسلامية في فتوحاتها وغزواتها في عصر الخلفاء، والذي وصل إلى ذروته على زمان السلاجقة والخلافة العثمانية، وكما تفعل الحركات الدينية المتطرفة في زماننا هذا والتي أحرقت الأخضر واليابس وانتهكت كل القيم الإنسانية.....فالمخيال الديني في هذه الحالة يكون بمثابة قنبلة موقوتة يمكن تفجيرها في أي لحظة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت