الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خاطرة في معرفة النفس

رواء محمود حسين

2020 / 5 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وبدأت أرحل مع إبن حزم في عوالم النفس، وقرأت له حواريته العميقة في معرفة النفس، إذ يقول:
" أطلت الفكر في نفسي، بعد تيقني أنها المدبرة للجسد، الحساسة الحية العاقلة المميزة العالمة، وأن الجسد موات لا حياة له، وجماد لا حركة فيه إلا أن تحركه النفس، وبعد إيقاني أنها صاحبة هذه الفكرة، والمحركة للساني بما تريد إخراجه مما استقر عندها فقالت مخاطبة لنفسها، باحثة عن حقيقة أمرها.
ويضيف ابن حزم: .... يا أيتها النفس المشرفة على ذلك كله: ألست التي لم تقنعي بهذا المقدار من العلم على عظمه وطوله، ولا ملأ خزانتك هذا الحظ من الإشراف، على كبر شأنه وهوله، حتى تعديت إلى ما كان قبل حلولك في هذا الجسد وارتباطك به، من أخبار القرون البائدة والمماليك الدائرة والأمم الغابرة والوقائع الشنيعة والسير الذميمة والحميدة، ووقفت على أخبارهم وعلومهم فشاهدت كل ذلك بمعرفتك إذ لم تشاهديه بحواسك. قالت: بلى.
…... يا أيتها النفس الغابطة لهذه العظائم المشرفة على هذه الأمور الشنيعة. ألست التي لم يكفك هذا كله حتى تجاوزت العالم بما فيه، وطفرته من جميع نواحيه، فشاهدت الواحد الأول، ووقفت إلى الحق الأول المبدع للعالم بكل ما فيه، فأشرفت على انه هو، وتوهمت إحداثه لكل ما دونه لتوهمك لكل ما شاهدته بحواسك، فأحطت بكل هذا علماً، واحتويت على جميعه فهما. قالت: بلى".
ويضيف ابن حزم أيضاً: " ….. يا أيتها النفس التي بلغت هذه المبالغ النائية، وترقت إلى هذه المراقي العالية، وسربت في تبك السبل الغامضة، واستسهلت الولوج في تلك الشعاب الخافية، وسمت إلى التوقل إلى تلك المنازل السامية، وتكلفت الارتقاء إلى دار تلك الفلك الشاهقة: تفكري إذ وصلت إلى هذه الرتب، وخرقت تلك الحجب، ورفعت دونك تلك الستور المسبلة، وفتحت لك تلك الأبواب المغلقة المقفلة، وسهل عليك تولج تلك المضايق الهائلة، وتأتى لك تخلل تلك الثنايا البعيدة، هل عرفت مائيتك، وهل دريت كيفيتك، وهل وقفت على أي شيء أنت، وما جوهرك وهل أشرفت على حملك لصفاتك، كيف حملتها قال: لا، ما عرفت شيئاً من ذلك".
…. يا أيتها النفس المعجب شأنها فيما علمت وفيما جهلت: هل تذكرين أين كنت ومن أين أقبلت، وكيف تعلقت بهذا الجسد المظلم الميت الجاهل، وكيف تصريفك له، وكيف بقاؤك فيه بالأسباب الممسكة لك معه، وكيف انفصالك عنه عند الآفات العارضة له قال: لا.
….. يا أيتها النفس المعترفة بجهل ذاتها، الواقفة على علم ما عداها: ألست أنت المخاطبة والمسؤولة السائلة قالت: بلى.
…… فما قطع بك عن معرفة ذاتك وصفاتك، ومكانك وبدء شانك، ومحلك وتنقلك، وكيف تعلقت بهذا الجسد وكيف تصريفك له وكيف تنقلك عنه فتدبرت هذا فأيقنت أنه لو كان علمها ما علمت بقوتها وطبيعتها، دون مادة من غيرها، لكان المعجز لها مما جهلته أسهل عليها من الممكن لها مما علمت. فاعترفت بان لها مدبراً علمها ما علمت من البعيدات فعلمته، وجهلت ما لم يطلعها طلعه من القريبات فجهلته.
فيا لك برهاناً على عجز المخلوق ومهانته وضعفه وقلته، نعم وعلى أن النفس لا تفعل ولا تقعد إلا بقوة وإرادة من قبل غيرها لا تتجاوزها ولا تتعداها، ….".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك


.. إسرائيل -مستعدة- لتأجيل اجتياح رفح بحال التوصل -لاتفاق أسرى-




.. محمود عباس يطالب بوقف القتال وتزويد غزة بالمساعدات| #عاجل


.. ماكرون يدعو إلى نقاش حول الدفاع الأوروبي يشمل السلاح النووي




.. مسؤولون في الخارجية الأميركية يشككون في انتهاك إسرائيل للقان