الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بحث في الدين(4)

داود السلمان

2020 / 5 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نعم، هذا صحيح على اعتبار أنه تغيير جذري لما يسود الناس من واقع مرير ومجتمع تنتشر فيه كثير من القضايا الفاسدة التي لا تنسجم والانسان السوي الذي يطلب الخير لأجل الخير لا لأجل منفعة شخصية، ويريد هذا الخير أن يعم الجميع. التغيير يأتي حينما تشعر المجتمعات بالخطر الذي يحدق بها، والمصير المجهود الذي ينتظرها لا سيما في خضم حكم الطغاة، ساعتها تطلب التغيير وتنشد الخلاص، والهروب من واقعها الضحل. وحينما تأتي الانبياء لغرض هذا التغيير تجد اول من يحاربهم هؤلاء الطغاة والمستكبرين والمنتفعين واصحاب النفوذ واصحاب رؤوس الاموال الذين بيدهم كل شيء ويتحكمون بأرواح البشر، وبالمقابل نجد أن الفقراء والمسحوقين اول من يستجيب نداء الانبياء ويرحب بهذه الثورة وهذا التغيير المرتقب، وعليه يكونون الفقراء أول المضحيين في مشعل هذه الثورة، وبالتالي سيكوون تحت قبضة الطغاة، فيسقطون شهداء مضرجين في سبيل هذا التغيير. وهكذا هي الثورات التي وقعت، بكل اشكالها وتنوعها، ولازال صداها يقرع طبول التاريخ.
فيخطئ كل من يرى إنّ الانسان ليس بحاجة الى الدين، والسبب، أن الحياة لا تستقيم بدون الدين، لكن أي دين؟ الدين الذي يدعو الى الرفع من شأن الانسان، الدين الذي يسمو بالإنسان ويدعو لما فيه الخير والمحبة للإنسان، الدين الذي يخدم الانسان، لا الانسان الذي يخدم الدين، الاديان بلا وجود البشر لا قيمة لها. فكما يقول مكيافيلي "الدين ضروري للحكومات لا من أجل الفضيلة ولكن لغرض السيطرة على الناس". وهذا الرأي وأن كان رأياً متطرفاً، لكن الانسان كذلك هو بحاجة الى رادع، ان لم يكن له رادع من ضمير، فالرادع هو الوحيد الذي يكبح جمع الانسان، وتعريف الانسان هو حيوان متوحش، لا كما عرف ارسطو الانسان حيوان ناطق، فلو أن الانسان تيقن إنّ بعد الموت لا توجد حياة أخرى ولا هناك حساب ولا كتاب، ولا يوجد من يحاسبه على ما قام به من افعال صالحة او طالحة، فانه سيصبح كالحيوان الكاسر يقتل كل من يقف ازاءه ويعترض طريقه، وليحول الحياة الى جحيم لا يطاق، لا تردعه حتى القوانين الوضعية، فهو مع علمه بذلك وفعل من الجرائم ما فعل، ولا زال يفعل، وفي كل يوم نسمع من خلال الاخبار والتقارير حجم الجرائم التي يفعلها الانسان، فما بالك لو علم أنْ لا شيء ينتظره بعد الموت. وقد تنبه لهذا الامر توماس جفرسون، فكان يتساءل: " ماذا كان تأثير الإكراه على الدين؟. الإكراه على الدين جعل نصف العالم حمقى والنصف الآخر منافقين". الايمان قيمة اخلاقية يكتسبها الانسان عن طريق الاخلاق كما صرح بذلك كانط، الفيلسوف الالماني الكبير صاحب نظرية نقد العقل، فالذين نجبرهم على اعتناق دين معين بالخوف والاكراه ستكون العاقبة وخيمة، ووخيمة جدا، سيصبح الانسان منافقا يقول على لسانه ما لا يضمره في قلبه، وسيخرج المتطرف شاهرًا سيف العداوة واستغلال أخيه الانسان، خصوصًا اذا تلبس بلباس الدين وذهب لمعاملة الناس على هذا الاعتبار، وهو اعتباره رجل دين يريد أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، بحسب ادعاؤه، وهذه هي نظرية استغلال الدين وقد حذرنا من يتقمص هذه النظرية ويخدع الناس بها، كذبًا وزورًا، فقط لتحقيق مآربه والوصول الى هدفه. فالكثير لا يعي مفهوم الدين ولا مغزى الدين " إن الدين هو كدح من أجل تصور ما لا يمكن تصوره وقول ما لا يمكن التعبير عنه، إنه التوق إلى الا نهائي" كما يقول ماكس مولر. ويقصد بـ الا نهائي هو الله، اذ يريد أن يقول أن الانسان يتعب ويلاقي النصب والبحث المستمر، فيما أراد أن يبحث اذا كان باحثا او مفكرًا، ومع هذا، أن ذلك الشيء الذي يبحث عنه ليس من السهل اليسير أن يصل اليه، بل يحتاج ذلك الى عناء طويل، وصب وتجلد، وفوق هذا وذاك يقين لا تشوبه شائبة، والقين دائمًا ما يكون يقين قلبي يمكن أن يطمئن اليه، عند ذلك سيشعر بقيمة الدين الروحية والحاجة الماسة الى الدين، والا لم يحصل ذلك اعتباطا، انه التوق وعندما يتوق الانسان الى معرفة حقيقة، ويصيبها بسهم الوجد او الوصول الى كنه غائب عن ناظريه وهو في الخارج موجود، فسيتنفس الصعداء حينما يبغ مبتغاه، ويسقر بالتالي ضميره وينعش ذهنه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جون مسيحة: مفيش حاجة اسمها إسلاموفوبيا.. هي كلمة من اختراع ا


.. كل يوم - اللواء قشقوش :- الفكر المذهبي الحوثي إختلف 180 درج




.. الاحتلال يمنع مئات الفلسطينيين من إقامة صلاة الجمعة في المسج


.. جون مسيحة: -جماعات الإسلام السياسي شغالة حرائق في الأحياء ال




.. إبراهيم عبد المجيد: يهود الإسكندرية خرجوا مجبرين في الخمسيني