الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوميات الحجر (16) وجها لوجه

حكيمة لعلا
دكتورة باحثة في علم الاجتماع جامعة الحسن الثاني الدار البضاء المغرب

(Hakima Laala)

2020 / 5 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يوميات الحجر الصحي 16
وجها لوجه
مر على دخول المغرب في الحجر الصحي الإجباري شهران ونصف، وذلك ابتداء من اتخاذ هذا الإجراء كاحتماء من الفيروس بتاريخ 20 مارس 2020. كان من المفترض أن تنتهي الفترة الأولى من الحجر في 20 أبريل إلا أنها مددت لمدة شهر آخر ، ليتم تمديدها مرة أخرى إلى 10 يونيو. هذا التمديد كان ولازال سببه الرئيسي هو عدم انخفاض عدد المصابين بالفيروس بالشكل الذي يشير إلى قرب زواله. عند ظهور الكوفيد 19 في شهر مارس عرف المجتمع المغربي ردود فعل كثيرة حول نوع المرض وأسبابه وخصوصا طرق العلاج منه. ظهرت في تلك الآونة فكرة انتشرت كثيرا في الخطاب اليومي للمغاربة وعلى الصفحات الاجتماعية، هاته الفكرة تتلخص في كون المرض إن كان من فعل الإنسان أو من فعل الله ، فهو يجعل الجميع سواسية أمامه، وهذا يعني أنه لن يستثني الأغنياء الذين من عادتهم اللجوء إلى المصحات الخاصة للتداوي أو السفر إلى بلدان أوربا للقيام بذلك. زاد الإحساس عند الكثير من القائلين بصحة هاته الفكرة وخلق عند البعض نوعا من الابتهاج، وقد نقول التشفي في الفئة التي لم تطأ أبدا أرجلها المستشفيات العمومية والتي لن تستطيع السفر بسبب غلق الحدود. إن هذا الخطاب خلق يقينا عند فئة كبيرة، بأن خطر العدوى هو متساوي اعتمادا على خطاب ديني قدري. انتشر الاعتقاد بالمساواة أمام الكوفيد 19 ودعمه الفكر الميتافيزيقي الغيبي المستبطن عند الطبقات الشعبية والفقيرة. إن فكرة المساواة أمام الكوفيد لم تكن تحتمل شكل الفرضية بل كانت يقينا غير قابل للمناقشة. بعد استفحال الفيروس في المجتمع المغربي والتأكد أن الفئات الأكثر تضررا منه هي الفئات التي تعيش العجز الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي يمكن التساؤل عن ماهية هذا الاعتقاد ومدى صحته.
إن فكرة مساواة الأفراد أمام كوفيد 19 فيها كثيرا من الباطل والبناء الإيديولوجي، إن أفراد المجتمع المغربي ليسوا في واقع الأمر متساوين أمام الجائحة، إن الأمر لايهم فقط الرأسمال الصحي التي يعتمد البنية الجسمانية للشخص كقياس أو كسبب مباشر، إن هذا العنصر من الممكن اعتباره أحد المؤشرات أو أحد الامتيازات في مقاومة الفيروس في حالة المرض. إن عدم المساواة أمام الجائحة تتجاوز هذا المعطى لعناصر خارجية عن ذات الشخص وهي مكتسبة خلال مساره الاجتماعي، دورها الأساسي هو تحديد قدرته في الاحتماء أو مواجهة المخاطر التي تحيط به في إطار هاته الجائحة أو غيرها. إن التمايز بين الأفراد يكمن بالأساس في رساميل أخرى وهي الرأسمال الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي. إن التمكن الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي يمكن صاحبه من الوعي بخطورة الجائحة ، الانخراط في حماية ذاته ومحيطه وذاك في إطار مناخ اقتصادي آمن ومؤمن. إن هذا الواقع يتأكد يوميا من خلال المصابين بالكوفيد 19 حاليا. إن هاته الحقيقة الاجتماعية أصبحت ملموسة بالأرقام و أيضا بعدد المصابين المنتمين إلى الأحياء الشعبية التي تعيش حالة عزلة بسبب انتشار الفيروس بين ساكنتها .إن عدم المساواة أمام الفيروس بين الطبقات المحصنة ماديا واجتماعيا وتعليميا وبين أولئك الذين لايملكون أي من هاته الآليات المحصنة لهم أصبح جليا. فالفئة الأولى في إمكانها التكفل بحاجياتها والاشتغال إما من داخل البيوت أو في مكان يحترم قواعد الوقاية من الفيروس ويتنقلون أيضا بوسائل نقلهم الخاصة أما أولئك الآخرون، أي الفئات الغير المحصنة فهم أولا وقبل كل شيء لايستطيعون التوقف عن العمل، زيادة على أنهم يشتغلون في أماكن غير محصنة مثل العمال و العاملات في المصانع، و العاملين في إطار الاقتصاد الغير المهيكل، هؤلاء مضطرون لاستعمال وسائل النقل العمومية المكتظة والغير المؤمنة ضد الفيروس، الخلاصة أنهم في حالة خطر مستمر.
إن فكرة أن المرض هو ابتلاء من عند الله هي من أحد الخطابات الضابطة للفكر المجتمعي المغربي، إن هذا الاعتقاد يلغي فكرة مسؤولية الفرد حين سقوطه في مرض معين ويجعل فعل الوقاية والاحتماء جد ضعيف عند فئة لا يستهان بها من المغاربة. أن هذا الفكر الغير الواعي بالمسؤولية الشخصية في الوقوع في المرض، والإيمان المطلق بأن المرض هو ابتلاء من عند الله وغايته التكفير عن الذنوب في الدنيا قبل الآخرة تحول إلى إحساس بالامتياز في علاقة الإنسان الفقير مع الله. إن هذا الإحساس بالامتياز بني انطلاقا من معتقد تفوق الضعفاء والفقراء في علاقتهم من الله. فكما أنهم يعتقدون أن المرض ابتلاء من عند الله فهم أيضا يعتقدون أن الفقر ابتلاء من عند الله وهو علامة محبته لهم، فهم "أحباء الله". إن هذا الفكر الراسخ في الفكر المجتمعي المغربي الأكثر هشاشة هو نتيجة حملات دعوية تصب كلها في القضاء والقدر وفي الجزاء والعقاب. الأدهى من هذا أن الحركات الدعوية المؤطرة لفكرة العقاب والجزاء تعتمد فكر القدر أو "المكتوب" لكل إنسان، إن الإنسان يعيش ماكتب له في "اللوح" . ينتهي هذا الخطاب إلى فكرة أن مال الأغنياء هو سبب عذابهم، فالقوم الغني "سيصلى نارا حامية" اعتمادا أو استنباطا من السورة الأكثر استعمالا ألا وهي سورة "الغاشية". إن اعتماد هاته الأفكار يفضي إلى قراءة مغايرة عند الإصابة ببعض الأمراض . من هنا اعتبرت فئة كثيرة من المغاربة أن الجائحة هي عقاب للخارجين عن طاعة الله وأنهم سيكونون من المستبعدين والناجين من الجائحة. إن هذا الفكر الغيبي القدري الذي يستهدف بالخصوص شرائح معينة من المجتمع المغربي جعل هؤلاء لا يدركون الفوارق السوسيواقتصادية والفكرية التي تضعهم في موضع الاجتياح والاهتزاز والسقوط أكثر في أسفل السلم الاجتماعي عند حلول كل أزمة أيا كانت، كما لا يعون ذواتهم كموضوع احتماء ووقاية ، هم يعيشون في خطاب خارجي عن واقعهم بل يبعدهم يوما بعد يوما عن واقعهم المهتز على جميع المستويات.
إن الاعتقاد بالامتياز عند الطبقات الفقيرة هو نتيجة تغلغل الإيديولوجية التي نشرها الأصوليون. إن هؤلاء اعتمدوا نظرية التمايز الطبقي العكسي la différenciation inversée des classes على أساس التقابل بين الامتياز الديني و الامتياز الاقتصادي « la convergence entre privilège économique et religieux » . في إطار هذا التقابل يصبح من الضروري إلغاء الواحد منهما. فمن خلال اختيار الامتياز الديني ينعكس الترتيب الكلاسيكي فتصبح الطبقات الأكثر فقرا والتي تحتل أسفل الهرم السوسيواقتصادي في الترتيب الطبقي في قمة التسلسل الهرمي الديني في إطار التقرب من الله ونيل الجنة، وبهذا يصبح التسلسل الهرمي المبني على المؤشر السوسيواقتصادي للطبقات ملغيا وبدون جدوى في حياة الفرد وليس مطلبا من مطالبه.
إن إيديولوجية التحفيز بالغيبي هو إنهاء لتواجد الإنسان في الحياة في شكلها إلانساني، بل إن التحفيز بالغيبي يخلق له قطيعة مع واقعه اليومي ويخلق عنده نوع من السعادة التي تتولد علامتها من المخيلة الميتافزيقية، و التي ستتحقق شريطة المعاناة في الحياة الدنيا. لقد ردد هؤلاء الدعاة فكرة تقول بأن الفقير له جزاء ومقام رفيع في "الدنيا الأخرى" مقابل بؤسه في الحياة الدنيا. إن الأغنياء في إطار هاته التراتبية المعكوسة يأتون في أسفل الهرم، وكذلك الشأن في إطار نيل الجزاء في الآخرة سيعيش الأغنياء القهر والحرمان الذي عاشه الفقير في حياة الدنيا ولن يدخلوا الجنة. إن الفكر الميتافيزيقي الذي اعتمده الدعاة الأصوليون استهدف الإنسان الفقير لتسخيره واستخدامه للوصول إلى السلطة الدنيوية والإبقاء عليها، كما استهدف الإبقاء على الطبقات الفقيرة حماة لسلطانهم. إن هاته الإيديولوجية المخادعة هدفها هو خلق تبعية عمياء لفكر يستعبد الإنسان من طرف الإنسان حتى يتنكر الإنسان لحقوقه الدنيوية من عمل ومسكن وتطبيب وتمدرس وعيش كريم.
إن كوفيد 19 فكك اليقين بالمساواة أمام العدوى بالفيروس ومفهوم المساواة بشكل مطلق في المجتمع المغربي ، كما خلخل مفهومبن أساسيين في الفكر الأصولي وهما الاصطفاء والحماية الميتافزيقية. بل إن أصحاب هذا الفكر ومتزعميه لم يستطعوا ضمان الحماية الكافية والفعلية لمريديهم ولا لأماكن استقطابهم، بل إنهم من خوفهم احتموا أكثر ربما من الآخرين للفوز بالحياة الدنيا ونبذوا مريديهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|