الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحروب الدينية:(ف:3 )الاسلام: (1)

داود السلمان

2020 / 5 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أولاً: الخوارج
أول فرقة انشقت عن الاسلام، هُم: الخوارج. والاسباب الكامنة وراء انبثاق هذه الفرقة، أو قُل انشقاقها عن الاصل، لا فرق، هي اسباب سياسية وايديولوجية، كحالة طبيعية حالها حال آلاف الفرق والاديان والمذاهب وما شاكل، منذ فجر تاريخ الاديان يوم اخذت تتنافس هذه الاديان فيما بينها، والبقاء للأقوى. ولا تزال هذه الفرق والاديان تتوالد كالأميبا الى يومنا هذا، ولن تتوقف طالما الحياة في حالة استمرار.
تطورت الاديان، وعلى مدى تطورها حدثت انشقاقات وتقسيمات وتقلبات، يعود كل ذلك للاجتهادات والاختلاف في الرؤى، كالتجديد مثلا ونبذ كل ما هو قديم، ولم يُعد يجدي نفعا ولا ينسجم مع البيئة والظروف التي تعيش في كنفها تلك الاديان، وبالتالي يحصل تنازع ويفضي الى التطاحن والتقاتل فيما بينهم، وبالنتيجة تتوالد منها فرق واديان أخرى. فمن كانت له القوة العسكرية والمقدرة، والامداد المالي والمعنوي وكثرة العدد في الجيوش والمعدات، فهو الذي سينتصر في النهاية ويقضي على خصومه. وهكذا دواليك.
وسميّ الخوارج بهذه التسمية لأنهم خرجوا عن الدولة المركزية، واختلفوا معها اخلافا سياسيا وايديولوجيا كما ذكرنا، جاعلين أن الدولة هذه، قد خالفت الاسس الصحيحة التي قام عليها أصل الدين. وكأمور طبيعية في كل عصر واوان، لابد للدولة أن تحارب كل من تراه يريد الانشقاق والبلبلة، ولا يخضع لقوانين تلك الدول، وفعلا حاربت الخوارج الدولة وارادت أن تقطع دابرهم، في حرب سجال، لأن بقائهم يشكل خطورة وتحدي لكيان الدولة، مما قد يتسبب في ضعفها، وربما انيارها فيما بعد، خصوصا وأنها دولة فتية.
يذكر بعض المؤرخين، ومنهم ابن الاثير صاحب كتاب (الكامل في التاريخ) والمسعودي في (مروج الذهب) وغيرهما: إن عدد الجيش الذي خرج عن الدولة كان يربو على اثنتي عشرة الف مقاتل، وذلك بعد الهدنة التي تمت بين جيوش الدولة وجيوش الشام، والذين هم بدورهم قد اختلفوا كذلك مع الدول، عقب الحرب التي اطلقوا عليها حرب صفين. واصل اختلاف الخوارج وهو اعتراهم حول الاسس والمباني التي قامت عليها تلك الهدنة، حيث اجتهدوا ورأوا إنّ هذه الهدنة باطلة ولا تنسجم مع المبادئ والاطر التي تكوّن منها اصل الدين الذي دخلوا فيه على وفق ذلك.
فالدولة المركزية عملت على امور دبلوماسية أولا لحل تلك الازمة التي واجهتها وباغتتها، من دون حسبان أو سابق انذار. فبعثت لهم اكثر من مبعوث، يصالحهم ويفاوضهم ويبين لهم أنهم على خطأ، ويجب عليهم العودة الى احضان الدولة وعدم الدخول معها بحرب عسكرية، وأن يخضعوا الى قوانين هذه الدولة، لأن عدم رجوعهم يعني ستحصل عواقب وخيمة لابد أن تقع على عاتقهم ويتحملون هُم مغبتها، لأنه الدولة غير عاجزة على قتالهم، ولو اصروا على رأيهم وركبوا رأسهم ستندلع الحرب لا محالة وسيكونون هُم الخاسرين، هو ثانيا.
فقبل بعضهم هذه النصيحة والمشورة، فعاد الى احضان الدولة وكفر عن ذنبه، وحافظ على دمائه وامواله. والبعض منهم اصر على مقاتلة الدولة ولن يرجع: أما النصر وأما الشهادة.
فقرعت طبول الحرب، وبدأت السنة نيرانها تحرق الاخضر واليابس، وتلتهم كل شيء يعترض طريقها ويقف ازائها. ففر من فر وقُتل من قُتل، في معركة طاحنة لا تقل بشاعة وجرما وتجاوزا على مبدأ الانسانية – الانسانية التي قام اساس وجودها على الانسان نفسه، بحسب النظرية الوجودية التي وضع لبنتها الاولى الفيلسوف كيركجارد.
ونحن، حينما نتكلم هنا عن الخوارج، فلسنا مؤيدين أو مناوئين، فقط الذي يعنينا هو: السير التاريخي، لنكشف به الحقائق التي قد تبدو للبعض بأنها واضحة، وللبعض الآخر أنها يعتريها الغموض والتشويه احيانا. ومثل كذا حوادث، كلٌ ينظر اليها بحسب منظاره الخاص، وبحسب ما تمليه عليه متبنياته: العقائدية والفكرية، وثقافته الدينية الموروثة. والحروب بصورة عامة هي دمار للبشرية، ووباء لا يمكن ايقافه، بغض النظر عن الذي يرى أن الحق معه، والباطل مه خصمه.
والسؤال: هل انتهت تلك الفرقة واندثرت، بعد خسرانها المعركة؟.
فالجواب: كلا.
فقد ظلت هذه الفرقة قائمة حتى اخيرا تولدت منها سبع فرق رئيسة كبرى: وهي المـُحَكِّمَة الأولى، والأزارقة، والنجدات، والصفرية، والعجاردة، والإباضية، والثعالبة. وكل فرفة من هذه الفرق تولدت فرق الاخرى فيما بعد، بحسب ابي الحسن الاشعري في كتابه "مقالات الاسلاميين".
على أن الخوارج، بعد هزيمتهم المنكرة في معكتهم مع الدولة، ظلوا يتربصون بالدولة، ويقتنصون الفرصة تلوى الفرصة، للأخذ بثأر اصحابهم الذين قُتلوا بتلك المعركة. فلم يرضهم الا أن يقتلوا رئيس الدولة نفسه، والقائد العام للقوات المسلحة آنذاك.
وبالفعل اختاروا من يقوم بهذه المهمة الصعبة، فوجدوا شخصا بعينه، من المتحمسين الناقمين على تصرفات الدولة، فخطط لطريقة القتل، في الساعة المعينة ولليوم المعلوم، فقام بأغيال الرئيس في وضح النهار.
وكانت عملية الاغتيال اشبه بالعملية التي قام بها احد الاسلاميين في وقتنا الحاضر، يوم قام باغتيال الرئيس المصري انور السادات، بتهمة أنه عقد صلحا مع الكيان الصهيوني.
ويحدثنا التاريخ بأن الخوارج بعد مقتل خصمهم الاول على يديهم تتضعضع الكيان السياسي للدولة وكثرت الاضطرابات الداخلية، وهم لم ينته نشاطهم، بل ظلوا يتتابعون مسيرهم في الخروج على السلطة الجديدة والتي تمثلت في الدولة الاموية، ثم الدولة العباسية، واستمر نهجهم، واصرارهم على البقاء. حتى ذكر لنا المؤرخ المسعودي في (مروج الذهب) إن الضحايا التي سقطت في تلك الفترة بالآلاف، من كلا الفريقين، فضلا عن الجرحى والمعاقين على مستوى ثلاث معارك طاحنة في وقت قياسي لا يتجاوز ثلاث سنوات.
ونستنتج من ذلك: إن كل من يتبنى فكر ديني معيّن يتصور أن الحق معه، ويسير الى جانبه، ويتماشى مع النهج الذي يتبناه. وأن أي فكر آخر يخاف فلسفته هذه ونهجه، هو فكر ظلامي، ونهج خاطئ، يجب محاربته وأنهاء وجوده، ووجود من يعتنقه. لتستمر الحروب الدينية، ودائما يكون ضحايا الناس المساكين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر