الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حنانيك يا موت..غاب نهار آخر..

إكرام يوسف

2006 / 6 / 20
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


يبدو أن يونيو مازال مصرا على أن يظل شهر الآلام بالنسبة لجيلنا .. ذلك الذي ذاق مرارة انكسار النفس للمرة الأولى مع هزيمة 1967 ـ والقلب بعد أخضر بكرـ فها هو عظيم آخر يغادرنا في يوم أسود من أيام هذا الشهر.. "الأستاذ" أحمد نبيل الهلالي "القديس" طاهر القلب نبيل الروح صلب الإرادة قوي الأيمان بحق الشعوب في العدل والحرية.. ابن الطبقة الأرستقراطية المصرية الذي ولد وفي فمه "ملعقة ذهب" كما يقولون؛ الذي تولى والده "نجيب باشا الهلالي" رئاسة وزراء مصر مرتين في عهد الملكية؛ آخرهما عشية ثورة 1952. إلا أنه اختار بمحض إرادته وبوعيه الفكري وحسه الإنساني الراقي أن ينحاز إلى صفوف الفقراء؛ فكان مكتبه بوسط القاهرة ملجأ لكل مظلوم؛ وحصنا لكل صاحب رأي. حتى أولئك الذين اختلفوا معه فكريا ولم يتورعوا عن تكفيره؛ لم يجدوا عندما تعرضوا لمحنة الاعتقال محاميا بارعا صلبا يتطوع للدفاع عنهم دون مقابل أفضل من "الأستاذ". فلا يوجد في مصر صاحب رأي أو صاحب قضية لا يعرف ذلك العنوان الشهير (5 شارع محمد صدقي بباب اللوق) الذي يلجأ إليه كل مظلوم دون أن يحمل هم الرسوم والأتعاب.. بل أن مكتبه كان أيضا مدرسة تربى فيها العديد من رجال القانون؛ فما يكاد شاب يتخرج من كلية الحقوق ويرغب في التدريب على يد أستاذ قدير؛ ويذهب إلى مكتبه طالبا التتلمذ على يديه إلا ويلقاه "الأستاذ" مرحبا باذلا خبرته وعلمه لكل من يريد وبلا أي مقابل أيضا.. ورغم ما كان ذلك يكلفه من طاقة مادية أصبحت تفوق قدراته إلا أنه لم يتململ مرة ولم يشك حتى من تزيد البعض في استغلال كرمه وسماحته.. وكان كل من يعملون في مكتبه يتصرفون كما لو كان كل واحد منهم هو صاحب المكتب الأصلي؛ حتى أن البعض بالغ كثيرا في استغلال هذا الكرم .. أذكر أنني فرحت جدا عندما سمعت من ابني المحامي المتخرج حديثا أنه وزملاء له كثيرين ينسخون مرافعات "الأستاذ نبيل" ويتبادلونها فيما بينهم ليستذكروها ويتعلمون منها؛ وكل من فاتته مرافعة لا يهدأ حتى يجدها ويضيفها إلى مكتبته. فاطمأن قلبي كثيرا ليس فقط لأنني عرفت أن ابني وضع قدميه على بداية الطريق الصحيح كمحام ورجل أدرك أن للحياة معنى آخر يتجاوز الطموحات الشخصية المزيفة والأطماع المتدنية الرخيصة؛ وإنما لأنني عرفت أيضا أن "زملاءه الكثيرين" يفعلون نفس الشيء. فازددت إيمانا بأن شبابنا الذي ظلمه البعض واتهمه ـ على عمومه ـ بالسطحية والابتذال مازال بين صفوفه من يحملون هم الوطن ويحلمون بتغييره إلى الأفضل. . ذاق نبيل الهلالي مرارات الاعتقال والتعذيب ؛ كما عرفته ساحات النضال من أجل العدل والحرية طوال ستة عقود منذ بدأ نضاله ضد الاحتلال والاستبداد إبان العصر الملكي وحتى قبل وفاته بأسبوعين عندما دخل المستشفى للمرة الأخيرة وسط هلع جميع محبيه وتلاميذه الذين كانوا جميعا يحاولون التهرب من شبح اليتم الذي بات يتهددهم. ولم تهدأ حركته دفاعا عما يعتقد وعن حرية الفكر والعقيدة (وهو عنوان أحد مؤلفاته الكثيرة) إلا عندما هدأت أنفاسه ثم توقفت ليرحل عنا يوم السبت الماضي تاركا في قلوب تلاميذه من رجال القانون ومن النشطاء السياسيين المدافعين عن العدل والحرية لوعة. ولم يكن جرح الحركة المصرية اندمل على فقد أحمد عبد الله رزة عالم الاجتماع السياسي وأحد رموز جيل الحركة الطلابية في السبعينيات من القرن الماضي في السادس من نفس الشهر وبعده بيوم رحيل يوسف درويش المحامي الوطني واليساري البارز وأحد رفاق نبيل الهلالي في النضال خلال العهدين الملكي والجمهوري. فهل أصبح مكتوبا علينا أن نتجرع كأس أحزان هذا الشهر يوما بيوم.. نفس الشهر الذي يحمل ذكرى عبد الحميد العليمي في الرابع منه وفي نفس اليوم وإن كان بعده بعشر سنوات صديقه وزميله شهاب سعد، وبعدهما بأيام تحل ذكرى أروى صالح.. فهل تواعد جميع الأحبة على أن يكثفوا أوجاعنا على فقدهم في أيام متقاربة؟ حنانيك يا موت.. قلوبنا لم تعد تحتمل؛ فهي لم تقد من صخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ?? ???? ????? ???????? ??????????


.. مسمار جديد في نعش المحافظين.. السلطة الرابعة في بريطانيا تنح




.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: -إذا وصل اليمين المتطرف للحك


.. انفجار سيارة يؤدي إلى إصابة عضوين من حزب العمال الكردستاني




.. تواصل الاجتماعات في مقر حزب التجمع الوطني... ماهي أبرز محاور