الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب الدعوة بين العمالة الفقهية والعمالة التقليدية

جعفر المظفر

2020 / 5 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في محاولة التمييز بين حزب الدعوة وجماعة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية برئاسة آية الله محمد باقر الحكيم الذي كان قد تأسس في أثناء الحرب العراقية الإيرانية في بداية الثمانينات من القرن الماضي
وذلك قبل أن يفتتح حفيد العائلة المؤسِسَة "عمار الحكيم" دكانته الأخيرة تحت مسمى "تيار الحكمة" لأجل المشاركة به في سوق الإنتخابات عام 2018.
المهم هنا ضرورة التمييز بين ثلاثة آيات لتقارب الأسماء بينهم, وقد وجدت أن الجيل الحالي لا يقف مليا للفصل بين تلكم الأيات الثلاث فيذكر أحدها حينما يكون المقصود هو الثاني أو الثالث, والرجال الثلاثة هم آية الله محمد باقر الصدر أحد أبرز المؤسِسين لحزب الدعوة, والأقرب إلى الخميني من رجال الشيعة في العراق والذي يتحمل على الصعيد الشعبي الشيعي المسؤولية الأساسية في التمهيد لنشوب الحرب العراقية الإيرانية. ولأهمية هذا المشهد المفصلي في التاريخ العراقي الحديث سوف تكون هناك مقالة مخصصة لتوضيح دور هذا الآية في التمهيد لتلك الحرب الكارثية بعد أن صار سياقيا تحميل الخميني – صدام مسؤولية إشعالها وإهمال الضلع الثالث الذي يتحمل المسؤولية معهما ألا وهو محمد باقر الصدر.
أما الآية الثالثة فهو السيد محمد محمد صادق الصدر والد مقتدى الصدر والذي يقود في الوقت الحالي تياره الموزع على (هَمٍّ وطني) عراقي و(هَمٍّ تَبعي) إيراني ومن رحم الهَمّيْن يخرج لنا (وَهْمُنا العراقي والعروبي) حجة الإسلام مقتدى الصدر.
أما بالنسبة للدعوة والمجلس فيتخذ بعض الباحثين من طبيعة ومسار العلاقة بين التنظيمين, حين وجودهما معا في إيران وبخاصة في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي , مادة للتأكيد على وجود خلاف حقيقي بينهما بسبب نوعية علاقة كل منهما مع النظام الإيراني.
في هذا الإتجاه هناك من يرى أن أصل الخلاف كان قد تأسس على الإتجاه العروبي لحزب الدعوة, والذي منحه قدرا ملحوظا من الإستقلالية عن النظام الإيراني في مقابل جماعة المجلس الذي كانت تبعيتهم لإيران محسومة, وهنا يستشهد الباحثون بأهمية ما جرى بعد ذلك بين قيادة الدعوة ونظام الأيات في إيران والذي نتج عنه رحيل قيادات الدعوة عن إيران وتوزعها على بلدان عدة مثل بريطانيا وسوريا.
لكن هذه المشهد وحده لا يكفي للتأكيد على وجود تناقض حقيقي بين توجهات الدعوة وتوجهات حركة الإسلام السياسي الإيراني والذي يشتق بعض الباحثين منها فكرة التنظير لعروبية التنظيم الدعوي. كما أن مقارنة الدعوة مع المجلس على صعيد علاقتهما مع الإسلام السياسي الإيراني قد تكون مفيدة لغرض تحديد من هو الأقرب من بينهما لمركز القرار الإيراني ولا تصلح للتنظير لعروبية الواحد منهما.
إن الأمر دون شك يحتاج إلى بحث أوسع وهو لا بد وأن يتوقف بدايةً أمام حيثيات التأسيس.
على عكس المجلس الذي كان تأسس في طهران بتوجيه ودعم من المخابرات الإيرانية في بداية الحرب العراقية الإيرانية, والذي أوكلت إلى رئيسه محمد باقر الحكيم مهمة تنظيم العراقيين الهاربين أو المسفرين إلى إيران لدعم الجيش الإيراني, فإن حزب الدعوة كان نشأ عام 1957 لغرض مقاومة الحركة العلمانية, وهو أمر كان كشفه السيد نوري المالكي, أحد قياديه في الأصل ورئيسه بعد ذلك, في أكثر من كلمة أو تصريح مصور.
إن ذلك لا يعني غياب الصلة العضوية بين إيران الآيات والدعوة, فالإشارة إلى قدم التنظيم وكونه سابقا على قيام الثورة الإسلامية التي أطاحت بنظام الشاه لا يلغي حقيقة وجود عمق فقهي وتعاطف بنيوي مع الحركة الدينية ومع الإسلام السياسي الإيراني. في تلك الفترة كان نظام الشاه من جانبه معاديا لحركة رجال الدين الذين قاسموه التأثير على توجهات الرأي العام الإيراني. أما في العراق فلم يكن التصنيف المذهبي بعد قد أخذ مداه, وسنعثر على ما يشير إلى أن التنسيق بين الدعوة والأخوان المسلمين كان قد جرى على أعلى المستويات وكان التعاون بين الحزبين يستلهم مشتركاتهما الدينية والسياسية.
ولو تيسر لنا متابعة حقيقة الخلاف الذي نشأ بعد ذلك بين الدعوة وسلطة الخميني في طهران فسنعثر على ما يفيد أنه لم يكن أتى بناء على صحوة وطنية دعَويّة وأنما نتيجة لرفض تلك القيادة لقرار الخميني الذي ألزم الدعوة بالمرور إلى السلطة الإيرانية من خلال المجلس الأعلى للثورة الإسلامية, اي مجموعة باقر الحكيم, التي كانت تشكلت حديثا في طهران بعد إنفجار الحرب بإشراف من المخابرات الإيرانية, حيث إعتبرت قيادة الدعوة هذا الإيعاز محاولة لجعلها تنظيما ملحقا بآخر أقل شأنا وتاريخا إضافة إلى جعلها تبعا لمرجعية مخابراتية أحطت من شأنها كمرجعية سياسية وحولته من حزب سياسي إلى مجرد مؤسسة ذيلية تابعة للعمامة الإيرانية. وليس هناك ما يشير مطلقا إلى أن الإختلاف بين الدعوة والنظام الإيراني قد حصل نتيجة إختلاف هوياتي متأسس على تضادات وطنية أو قومية.
الوقوف بتفاصيل أخرى أمام هذا المشهد سياخذنا في حديث لا يتسع له هذا الإيجاز, لكن قراءة بعض أدبيات تلك المرحلة ومن أهمها كتاب (الصدر بين دكتاتوريتين) لكاتبه عادل رؤوف الذي كان أحد كوادر الدعوة بالذات ستضع أيدينا على أصل الخلاف بين الدعوة من جهة والنظام الإيراني من جهة أخرى, وسوف يهدينا هذا الكتاب أيضا إلى أصل الخلاف بين الصدر نفسه والنظام البعثي لنكتشف أن السيد محمد باقر الصدر لم يكن حمامة وديعة وإنما هو يتحمل بالأصل أيضا مسؤولية كبيرة في تفجير الوضع العراقي الداخلي وتهيئة المناخ الذي ساعد على إنفجار تلك الحرب.
والحال إني لم أتبع هنا تقرير السلطة البعثية بعمالة الدعوة, وسواء كنت من أنصارها أو من أعدائها فإن موقفي من الدعوة يتأسس على سلوكية هذا الأخير وليس على التوصيف البعثي. وهنا فإن موقف هذا الحزب من الحرب العراقية الإيرانية وقبله موقف الصدر من الخميني وعلاقتهما الفكرية الحميمة التي جعلت الأول يطلق عبارته المشهورة (ذوبوا في الإمام الخميني) لا تحتاج إلى شرح لحقيقة ما تعبر عنه في التعريف السياسي.
وفيما بعد سوف يسير السيد نصرالله في لبنان على نفس خطى السيد محمد باقر الصدر حينما يجاهر بصراحة مطلقة بطبيعة العلاقة بين حزب الله اللبناني والقيادة الإيرانية مؤكدا على أن هذا الحزب ليس تابعا لنظام الآيات في طهران فحسب وإنما هو جزء لا يتجزأ منها لطبيعة الفقه المشترك الذي يجعل الإثنين واحدا.
لا أتعامل مع تبعية وعمالة الدعوة لإيران أو عمالة حزب الله من خلال التعريف النمطي لمعنى العمالة والذي يتأسس على الفهم المخابراتي لها, إنما نحن هنا أمام حالة من العمالة الفقهية التي تجعل مفهموم العمالة السياسة والمخابراتية أقل خطرا بملايين المرات عن أختها الفقهية.
في خانتها الأخرى, اي المخابراتية والتجسسية فهي هنا عبارة عن إنحراف شخصي ذا طابع أخلاقي, أما العمالة الفقهية فهي هنا أس البلاء, لكونها تنقل طائفة عراقية برمتها من خانتها الوطنية لتجعلها أقرب للدولة الأجنبية منها إلى دولتها الوطنية, فهي تحقق بداية العمالة الثقافية التي تنفجر حينما تُفَعَّلُ سياسيا كما حصل في اثناء هيمنة الدعوة على مركز القرار السياسي في العراق.
وحول المشْهدين, كل على حدة, يمكن تأليف العشرات من المقالات والكتب, لكن يكفي منها الملخص المفيد الذي يشرح كيف حولت قيادة الدعوة العراق إلى مكب نفايات إيرانية وحولته من بلد بتاريخ عملاق إلى مجرد شعبة تابعة يديرها جنرال إيراني.
لقد باتت إيران, بفضل من الدعوة وبقية الصحابة من الإسلام السياسي بدكانته الشيعية وفيما بعد بدكانته السنية أيضا, هي التي تتحكم حتى بإختيار رئاسة الوزراء.
وربما يقودنا الخلاف حول ولاية الفقيه بين فقه الدعوة وفقه الخميني لفكرة إستقلالية الدعوة عن الدولة الإيرانية ثم الإتساع لبناء فهم خاص نستدل به لبناء نظرية تقول بوجود محسوس للخطاب الدعَوي العروبي. لكن ذلك سيكون أشبه للباحث عن الإبرة داخل كومة قش. ذلك أن الخلاف على نظرية ولاية الفقيه لا يعني وجود خلاف على المشتركات الفقهية التي تؤسس للعمالة حال تفعيلها على يد المنظومة السياسية.
إن ولاية الفقيه هي نظرية لنظام حكم, وبغيابها فإن المشتركات الفقهية الأخرى تكفي عشرات المرات لتكريس تبعية الطائفة للبلد الأقوى, وهو هنا إيران بطبيعة الحال, والتي لا يستطيع الفصيل الإسلامي السياسي الشيعي إلا أن يتكأ عليها لحسم أفضليته في ساحة العراق ذات الثنائية الطائفية التي سيؤدي تفعيلها سياسيا لتأسيس التبعيات على مستويات وإتجاهات مختلفة.
وبعد يا صديقي هل ترانا, أنت وأنا, بحاجة إلى أن نكون أتباعا لصدام لكي نصدق أن حزب الدعوة, نتيجة لفقهه الديني السياسي الطائفي, لا يمكن أن يكون إلا عميلا من الوزن الثقيل لإيران, وأن من شأن هذا اللقاء الفقهي المشترك أن يكون مدمرا للحالة الوطنية إذا ما جرى تفعيله سياسيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 180-Al-Baqarah


.. 183-Al-Baqarah




.. 184-Al-Baqarah


.. 186-Al-Baqarah




.. 190-Al-Baqarah