الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من هو الفيلسوف الاطول عمرًا والاغزر نتاجًا؟1/ 2

داود السلمان

2020 / 6 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هناك نكهة فريدة، وميزة خاصة حينما يكتب الفيلسوف تاريخ الفلسفة، والميزة هذه، تكمن في أن نظرة الفيلسوف للفلسفة هي ليست بالضرورة أن تكون نظرية المؤرخ عينها. والسبب بكل بساطة، أن نظرة الفيلسوف يكون فيها عمق، وتحيلي ونقد، وأما المؤرخ فهو ناقل بالدرجة الاولى واحيانا يكون ناقد. وبهذا نخاف رأي الدكتور زكي نجيب محمود في مقدمته التي كتبها في تقديمه لكتاب "حكمة الغرب" للفيلسوف برتراند رسل، إذ يقول: "ليس الفيلسوف أفضل من يكتب عن تاريخ الفلسفة، مثلما أن الفنان ليس خير من يحكم على فن الآخرين".
ويعزو الدكتور السبب كون موقف الفيلسوف يتلون مع الفلسفات الاخرى من التي قد لا تنسجم ورؤاه. يريد أن يقون أنه لا ينقلها بمصداقية تامة، يعني قد يشوش عليها احيانا، كونها تخالف اهواءه الفلسفية والاعتقادية. وأنا لا اعتقد ذلك، لأنه الفيلسوف حينما يكتب عن الفلسفة، فإنما ينسى نفسه أنه فيلسوف، بل هنا يعمل كباحث، وديدن الباحث أن يكون محايدا، وهذا هو الصحيح.
وانما يعني الدكتور زكي بذلك نفسه، لأنه باعتقادي، أفضل من كتب عن الفلسفة وعن الفلاسفة، وأن اسلوبه في الطرح يمتاز بالعمق والتحليل والموضوعية. وهو الذي استشفيته من بعض كتبه التي قرأتها له.
وأما رأينا القائل بأن الفيلسوف هو افضل من يكتب تاريخ الفلسفة، فحجتنا هي راسل نفسه، حيث أن "تاريخ الفلسفة الغربية" والذي هو ثلاثة اجزاء، و"حكمة الغرب" في جزأين، فهما برأيي افضل كتابين قرأتهما في هذا المضمار، فالكتابان دراسات معمقة استعرض فيها المؤلف معظم المدارس الفلسفة، بالشرح والايضاح، بدأ من الفلسفة ما قبل سقراط مرورا بالعصر والوسيط الى الفلسفة الحديثة، وختمها بالفلسفة الوجودية، خصوصا في كتابه الاخير هذا.
لذلك تجد الفيلسوف، حينما يريد أن يؤرخ للفلسفة لا يبدأ بنقل المادة نفسها من المصادر القديمة، وانما يبدأ بإعطاء فكرة عامة عن المادة الرئيسة التي يريد أن يؤرخ لها، بعدها يقوم بتحليلها ومن ثم نقدها، ليعطي بعدها وجهة نظره الخاصة، واضحة وبلا رتوش.
وهذا ما لاحظناه لدى برتراند رسل في "تاريخ الفلسفة الغربية" والذي قسمه الى ثلاثة اقسام بثلاث مجلدات.
وُلد برتراند آرثر ويليام راسل في 18 أيار/ مايو عام 1872 في تريليش، مونموثشاير لعائلةٍ أرستقراطية. وكان جده رئيس وزراء الملكة فيكتوريا، وأبوه في العماد الفيلسوف جون ستيوارت مل.
فهو فيلسوف وعالم إنجليزي، اشتهر بميوله الليبرالية ومعاداته للحروب. تلقى عدة جوائز مهمة من ضمنها جائزة نوبل الفخرية في الآداب. وقد حصل عام 1950 على جائزة نوبل في الآداب لشجاعته في حرية القول والفكر.
لم يتلق راسل في حياته تربية دينية فعلية على الرغم من الجو الديني المحيط به، وأظهر اهتماماً كبيراً بالرياضيات والفكر الديني. وفقاً لسيرته الذاتية التي كتبها بنفسه، فقد استنتج عدم وجود إرادة حرة أو حياة بعد الموت في عمر الخامسة عشرة؛ متأثرًا بهذا بالفيلسوف اليوناني أبيقور، ليهجر بعدها حجة "المسبب الأول" التي قال بها ارسطو وسار على نهجها معظم فلاسفة الاسلام، كحجة لتأكيد وجود إله ويصبح مادياً بعمر الثامنة عشرة، يؤمن بالمادة كأساس للحياة وللوجود.
وقد آمن راسل مذهب اللاأدرية، وحجته على عدم وجود اله هي نظريته التي اطلق عليها ابريق الشاي السماوي، فـ "ابريق الشاي السماوي، هو حجة منطقية استخدمها راسل لتبيان أن مسؤولية الاثبات تقع على المدعي، خصوصاً في الأديان والميتافيزيقيا. الحجة تفترض الادعاء بوجود ابريق شاي يدور حول الشمس في مكان ما بين الأرض والمريخ، هذا الإبريق صغير جداً بحيث تتعذر رؤيته بالعين أو بالتلسكوبات حتى.. يقول راسل أن طرح هذا الادعاء سيجعل الجميع يطالبون بدليل وجوده، لكن بنفس الوقت فلا يوجد أي دليل على عدم وجوده ولا يمكن اثبات ذلك. من المثال يناقش راسل بأن الإثبات يجب أن يكون من مقدم الادعاء لأن العديد من الأشياء لا يمكن إثبات عكسها أصلاً لكن ذلك لا يجعلها مقبولة بمجرد عدم إمكانية دحضها".
وهذه النظرية، بعضهم أيدها، والبعض الآخر استهجنها، وعدّها فكرة "سخيفة" لا يمكن لفيلسوف أن يطرحها كفرة تناقض نظرية وجود اله للكون، دبر الامور ثم ابدعها من لا شيء.
لكن أفكاره المنطقية قد ساهمت في كثير من الإنجازات الحديثة في علم المنطق وقواعد الرياضيات.
وفلسفة رسل غير المؤمنة كئيبة، نظرة التشاؤم واضحة عليها، فزعمه بعدم وجود إله يجعل الإنسان وحيداً في العالم، فاقدا للعون والمساعد في هذه الحياة المترامية الاطراف، الحياة المخيفة، وعندما يدرك الإنسان هذا، ويشعر بفظاعة العالم في قلبه، ويتحدى ذلك بشجاعة ويكف عن الشكوى والرثاء لنفسه، سيعرف الإنسان معنى السعادة. فالسعادة هي غاية الحياة، لا يصل إليها المرء إلا بمواجهة الخوف والقضاء عليه بشجاعة، والتفكير الحر والرأي المستقل، وجعل الطبيعة كلها بما فيها طبيعة الإنسان، موضوعاً للدراسة العلمية، فلا يمكن للإنسانية أن تتقدم إلا بالتزود بالشجاعة التي لا تلين لمواصلة الطريق سعياً وراء الحقيقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو