الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في سياق النقاش الدائر حول حل ” الدولة العلمانية الديمقراطية الواحدة على كامل أرض فلسطين“.

عبد الرحمن البيطار

2020 / 6 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني




بعد أن تَعَرَّفنا على الإستراتيجية العربية التي أعلن عنها عبد الناصر مباشرة بعد الهزيمة في حرب حزيران ١٩٦٧ ، أنهيتُ يومية أمس الخميس ١٤ أيار بسؤالين :
“ماذا كان الموقف العربي تجاه فلسطين منذ إعلان عصبة الأمم فَرْض الإنتداب البريطاني عليها في تموز من العام ١٩٢٢؟.
كيف تغير الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية منذ ذلك الوقت ؟ “
لقد لاحظتم أني ، خلال الفترة الممتدة ما بين عامي ١٩٥٢ و ١٩٦٧، أعودُ لـ ” عبد الناصر ” عند تَحديد الإستراتيجية العربية .
نعم، إني أعود في تبيان ذلك إلى القائد عبد الناصر ، لأنَّه هو بالتحديد، بَيْنَ جَميع الزعماء العرب، الذي كان يمتلك تصوراً ورُؤية تقدمية، عربية الإطار ، قَوْمِية المضمون ، للأمة العربية ولمستقبلها ؛ رُؤية وَضَعَت مصر ، ما بين تموز ١٩٥٢ و أيلول ١٩٧٠، في مكانها الطبيعي التاريخي ، عربياً ودولياً ، ولأن رُؤيته تلك ، حَضَنَتها بِشَكلٍ ساحق الجماهير العربية من المحيط الى الخليج ، ورضيت به زعيماً لها .
وهذه الرؤية هي التي تخلت عنها مصر الرَّسمية بعد بُرْهةٍ من الزمن من وفاة عبد الناصر في ٢٨ ايلول ١٩٧٠، في كل العهود التي تلت رحيله .
وَعَبْد الناصر هذا، لَمْ يَطِقْ أن يرى اٌستراتيجيته الشاملة – بشُعْبَتيها العربية من جهة ، و الفلسطينية من جهة أُخرى – تنهار في أيلول ١٩٧٠، بالصدام الدموي الذي اٌنفجر في الأُردن بين الجيش العربي الأردني ، وحركة المقاومة الفلسطينية والتي أفضت الى خروج المقاومة من الأردن ، وهو البلد المحاذي للضفة الغربية ، حيث التجمع السكاني الفلسطيني الكثيف، وهو المُحاذي أيضاً ، بأطول حُدود، لدولة الكيان الصهيوني في فلسطين، والمُطِل كذلك على مواقعها الإستراتيجية كافةً ، أقول ، لم يَطِق عبد الناصر أن يرى الشُّعبة الفلسطينية من اٌستراتيجيته تَسقط ، لأن كان يَعي أن ذلك سيتركه حصراً مع استراتيجية برنامجها ” إزالة آثار عدوان عام ١٩٦٧ ” فقط ، دون الشَّق الفلسطيني منها ،أو ، بأحسن الأحوال، بشق فلسطيني ضعيف، مِمّا سيهدد الحقوق الفلسطينية برمتها.
لنَعُد الآن الى السؤالين أعلاه ، والقصد من ذلك الوصول الى تقييم موضوعي بعيد عن الأوهام والحماسة ، لنستنبط من ذلك ما يهمنا عند التّصدي للسؤال المتعلق باٌستراتيجية النضال الوطني البديلة.
لقد اٌخترتُ تاريخ صدور قرار عُصْبة الأمم بإعلان فرض الإنتداب البريطاني على فلسطين ، أي تموز من العام ١٩٢٢ ، باٌعتباره تاريخاً فاصلاً في تاريخ القضية الفلسطينية لمرحلتين إثنتين :
المرحلة الاولى : ما قبل عام ١٩٢٢
المرحلة الثانية : ما بين ١٩٢٢ و ايار ١٩٤٨.
لنبدأ في هذه اليومية تناول المرحلة الاولى ; أيَّ فلسطين ما قبل العام ١٩٢٢.
هناك حقبتان إثنتان في هذه المرحلة :
• الحَقبة الأولى: وهي تتعلق بالفترة الممتدة من العام ١٨٨٠ و تاريخ الإحتلال البريطاني للقدس في كانون أول من العام ١٩٢٧.
• الحقبة الثانية : وهو تبدأ بتاريخ الإحتلال البريطاني للقدس ، وانهزام الجيش العثماني المدافع عن المدينة ، أي بتاريخ كانون أول ( ديسمبر )١٩١٧ . وتمتد هذه الحقبة من هذا التاريخ وحتي تموز ١٩٢٢، أي لمدة اربعة سنوات و ثمانية اشهر تقريبا.
حول الحقبة الاولى ، هناك مَعالِم فيها يَنبغي أن نعطيها حقها من التمعن والتفحص والبيان.
هذه الحقبة ، والتي تمتد على نحو (٣٧) عاماً هي الجزء الأخير من الفَتْرة التي هَيْمَن فيها العثمانيون على بلاد الشام ومصر والتي امتدت إلى نحو أربعة قرون ( من العام ١٥١٧ الى العام ١٩١٧).
ما يَهُمّنا في هذا الحقبة القول بأن فلسطين كانت إحدى الولايات العثمانية ، وسكانها يَحملون التابعية العثمانية ، وكانت تدار أجزاءها من مَراكز إدارية عُليا تَتمركز في عدد من المدن الرئيسية في الدولة العثمانية ، إبتداء من الأستانة (إستنبول) مروراً بدمشق ، واٌنتهاء ببيروت.
بكلمات أُخرى ، لم تكن فلسطين ( بحدودها المعروفة الآن، أي بحدود سايكس بيكو) عندما احتلها البريطانيون في عام ١٩١٧ ، وحدة إدارية عثمانية واحدة ، بل كانت مُقَسمة إدارياً الى ولايات تم رسم حُدودها بخطوط أُفقية ، كل واحدة منها تشكل حزءاً من ولاية ما وتتبع والٍ يُقيم “خارج” فلسطين “بحدودها المعروفة الآن”،
فشمال فلسطين ، على سبيل المثال ،كان جُزْءاً من أراضي ولاية بيروت ومحكوم من قَبل واليها .
هذا على صعيد الجغرافيا ، أما السكان ، فسكانها أسوة بسكان جَميع مناطق الدولة العثمانية ، كانوا يحملون التابعية العثمانية ، وبتمتعون بحرية الحركة والعَمَل في أرجاءها، ولكنهم جميعا كانوا محكومين من الأستانة ( إستنبول) ، وهي التي تتولى إدارة جَميع أحوالهم ورسم السياسات الخارجية والداخلية للدولة العثمانية ، بما في ذلك شؤون الدفاع وكانوا يمدون الجَيش العُثماني بالجنود الذين كانوا يُشاركون في حروب الدولة في أوروبا وآسيا وفي شبه جزيرة القِرِم .
أمّا سُّكان فلسطين ، بحدودها المعروفة الآن ، فكان أغلبيتهم يَعْمل في الزراعة ( فلاحون)، وفي التجارة ، وفي الصناعة التقليدية ( الصابون، الدباغة ، الأجبان ،…) ، وكذلك في الخَدَمات ؛ رجال دين ، قِطاع التعليم ، الصِّحة ، ..الخ ، كما أن نسبة من السكان كانوا من البدو المُقيمين والرُّحّل .
كانت أوضاع الفلاحين في فلسطين-وهُم الذين يشكلون غالبية سكان فلسطين ( بحدود سايكس بيكو أي الحدود المعروفة الآن) ) – على درجة كبيرة من السوء والتضعضع ، وقد تدهورت أوضاعهم أكثر وذلك مع قيام الدولة العثمانية في أواخر العقد السادس من القرن التاسع عشر بإصدار قانون الأراضي في العام ١٨٥٨ ، وقانون الطابو عام ١٨٦١ ونظام الطابو في العام ١٨٦٤، ومع قِيامها كذلك باستدعاء الشباب الى الجندية للمشاركة في حروب الدولة العثمانية في اوروبا ، وفي اسيا ، وفي شبه جزيرة القِرِم، مِمّا أضعف قوة العمل في الاراضي الزراعية في فلسطين.
كانت الدولة العثمانية في ذلك الوقت في أوضاع مالية صعبة ، وكانت مديونيتها الأجنبية قد ارتفعت الى مناسيب عاليه ، مِمّا حدا بـ “نيكولاي الأول” ، قيصر روسيا الى وصفها في العام ١٨٥٣ بالرجل المَريض ، والى دعوة بريطانيا الى الاشتراك معه في اقتسام املاك الدولة .
سعت إدارة الدولة العثمانية الى اعتماد أساليب مختلفة لتعزيز مداخيلها المالية وذلك عبر رفع الضرائب القائمة ، وسن قوانين جديدة لتحصيل الأموال التي تحتاجها. وكان قانون طابو الأراضي هو أحد تلك الأساليب.
كان لقانون الطابو تأثيرات هائلة على أوضاع الفلاحين في عمومًالولايات العُثمانية ، وفي الولايات التي تشمل أراضي فلسطين بحدودها المعروفة الآن ايضاً. فبموجب هذا القانون كان على كل من يملك أو يَدّعي ملكية أرضٍ ما أن يُسَجِّلها في الطابو. وبالتّالي وبَعْدَ تسجيلها ، فإنه يترتب على مالكها دفع ضريبة سنوية على إقتنائها ، وضريبة أخرى على منتوجها .
ولتفعيل هذه الضريبة ، مَنَحت الدولة العثمانية سُلطة الجباية لطبقة من الأفندية والباشوات والمخاتير ، وخَصَّصَت لهم حصة ملموسة منها . وبالتّالي منحتهم الدافع المستمر لتحصيل اكبر قدر من الاموال الجبائية كل عام .
وَضَعَ هذا القانون الفلاحين في أوضاع بالغة الصعوبة ، ففي أوقات المَحَل والقحط ، كان الفلاح ، ولتلافي مُصادرة أرضه ، يضطر على التنازل ( المؤقت) عن أرضه للأفندي أو الباشا أو المختار ، مُقابِل أن يقوم هؤلاء بتسديد الضريبة عن الفلاحين ( المضطرين ) وفق ترتيب يَقضي بأن يقوم هؤلاء ( أي الفلاحين أصحاب الاراضي الأصليين ) بتسديدها في الموسم القادم ، وبالتالي استرجاع ملكياتهم (المرهونة)او المنقول ملكيتها (مؤقتاً) لهؤلاء .
كانت النتيجة المباشرة لهذا الوضع أنه وخِلال حَوالي خمسين عاماً من بدء تطبيق هذا القانون ، – أي خلال الفترة الممتدة من عام ١٨٦٥ و ١٩١٥- أن اٌنتقلت ملكية كثير من أراضي فلاحي فلسطين للأفندية والباشوات والمخاتير . أمّا الأفندية والباشوات والمخاتير ، فقد أصبح أغلبهم يملكون جُزْءاً كبيراً من أراضي الفلاحين في فلسطين . ولأنَّ جُزْءاً كبيراً من هؤلاء لا يعملون ولا يملكون الخبرة في فلاحتها ، فكانوا عادة ما يتخلصون منها ببيعها ، أو بتحويل أصحابها الأصليين إلى عمال مأجورين في أراضيهم .
هؤلاء الأفندية والباشوات هم من أبناء الولايات العثمانية في بلاد الشام ويَحملون التابعية العثمانية .
وكما ذكرت أعلاه ، فإن أراضي شمال فلسطين ( أي منطقة نابلس وجنين وغيرها وسهل مرج بني عامر ) كانت تعتبر حَسب التقسيمات الإدارية العثمانية جزءاً من أراضي ولاية بيروت ،وكان سكانها يتبعون لحاكم الولاية العُثماني، ولذا فإن أفندية وباشوات منطقة شمال فلسطين على سبيل المثال كان بَعضهم ينتمون الى مُدُن في بلاد الشام لا تقع ضمن حدود فلسطين المعروفة الآن – أي حُدود سايكس بيكو- .
كانوا أوْ أصبحوا ملاكين للأراضي ،ولم يكونوا فلاحين .
لقد قَرّرتُ إلقاء الضوء على هذا الجانب لكونه لعب دوراً أساسيا ،- كما سأُبين لاحقاً – في عملية إنتقال ملكية أراضي في فلسطين ، وفي غيرها الى الشركات اليهودية المتخصصة بشراء الأراضي في وقت لاحق، هذه الشركات التي أسستها الوكالة اليهودبة بعد العام ١٨٩٧، وقَبْل العام ١٩١٧، أي قبل إنهيار الدولة العثمانية.
لا حاجة لعَمَل استنتاجٍ في هذه اليومية ، فلَم نستكمل بعد ما يجب أن يُقال عن هذه الحقبة .

عبد الرحمن البيطار

عمان – ١٥ أيار ٢٠٢٠








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشقيران: الإخوان منبع العنف في العالم.. والتنظيم اخترع جماع


.. البابا فرانسيس يلقي التحية على قادة مجموعة السبع ودول أخرى خ




.. عضو مجلس الشعب الأعلى المحامي مختار نوح يروي تجربته في تنظيم


.. كل الزوايا - كيف نتعامل مع الأضحية وفكرة حقوق الحيوان؟.. الش




.. كل الزوايا - الشيخ بلال خضر عضو مركز الأزهر للفتوى يشرح بطري