الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
العقلية الإنتحارية للشعب العراقي
ناهده محمد علي
2020 / 6 / 4المجتمع المدني
من المعروف أن لكل ظاهرة ظروف ذاتية وموضوعية ، ويزخر العراق بالكثير من الظواهر الإيجابية والسلبية عبر تاريخه السياسي والبعض منها له وجهان إيجابي وسلبي كظاهرة الإنتحار السياسي والعشائري . فقد وُظفت هذه الظاهرة في الكوارث السياسية والإقتصادية لصالح الشعب العراقي كالهجومات الإنتحارية على الجيوش الإستعمارية منذ الحكم العثماني على العراق ثم البريطاني والبعض منها لم يأخد الشكل الفردي بل الجماهيري وكان هناك إنتفاضات وثورات ، وقد كان لهذه الهجومات إرث حضاري وإقتصادي في هجوم البدو عى بعضهم البعض لأجل المغانم أو للثأر ، وقد كانت أيضاً تأخذ شكلاً فردياً أو جماعياً لخدمة كرامة العشائر وسمعتها بين البدو إلى أن وظفها الدعاة المتشددون والمشايخ الدينية لصالح أهداف محددة بفرض إستراتيجيتهم في التطرف الديني على أكبر عدد من العامة ، وهو ما وُضف هذه الظاهرة توضيفاً سلبياً لهدف حرق معالم الحضارة والدين معاً وتغليب العرف الديني .
إن الدين الإسلامي واضح في رأيه حول ظاهرة الإنتحار ولهذا عقوبته في القرآن والسنة . لكن هذه الظاهرة قد تنقلب إنقلاباً إيجابياً فكانت ثورات الشباب في كل الدول العربية ومنها العراق ذات أهداف ثورية إجتماعية إلى أن سُحب من تحت قدميها البساط ، لكن هذه الفئات حلُمت بالتغيير الجذري والحضاري للمجتمع العربي وطالبت بحقوقها بشكل سلمي ثم وضعت قسراً في حيز الإنتحار ، فأما الموت أو الإنتصار ، ففضل هؤلاء الشباب الموت وكانت بطولات إنتحارية صمودية وليست هجومية ، فكان شباب إنتفاضة تشرين هم رمز للعقلية الإنتحارية الغير مخيرة لإثبات الوجود .
إن الفكر الإنتحاري في المواسم الدينية كمو،سم عاشوراء ووفيات الأئمة حيث يسير الآلاف من المسنين والمرضى من كافة مدن العراق بإتجاه النجف الأشرف مع علمهم بخطورة هذا التوجه وقد يسقط في الطريق العشرات من المرضى والذين وضعوا لأنفسهم هدفاً وهو طلب الشفاعة أو الرزق أو الشفاء . ولو حللنا هنا هذه الظاهرة لوجدنا أن الفرد العراقي قد وضع لنفسه هدفاً لا يحيد عنه فهو يسخر من الموت لأنه يعيش الموت الحقيقي كل يوم ، فهو ما بين البطالة والفقر والمرض وبالتحديد مرض السرطان المتفشي بين أوساط الشعب العراقي وأخيراً جاءت ( كورونا ) ، حيث لا البنى التحتية ولا البناء الصحي يحتملان ثقل هذا المرض ، وكما أصبحت المنظمات الحكومية منظمات سمسرة ، أصبحت مهنة الطب والصيدلة مكسب تجاري قبل أن تكون وظيفة إنسانية ، فالفرد العراقي قد يلقى الموت في لقمة مسمومة أو دواء فاسد أو عبوة مزروعة أو من القتل العشوائي في الأعراس والمآتم ولعبة كرة القدم ، أو من طالب ثأر أو لمشتبه في سلوكه الشخصي أو السياسي ، وهنا لا يجد الفرد العراقي سوى ( السلاح ) حتى أصبح هو الصديق الحقيقي للفرد بعد أن تفككت عُرى العائلة العراقية وأصبحت تجارة السلاح والمخدرات هي البديل للمصانع والمزارع ، ثم يأتي بعد هذا كله من ينادي بالحجر في البيوت ويمنع التجوال ويطالب بأخذ الإحتياطات الصحية اللازمة للأفراد لكن الشعب لا يستجيب وكالعادة تُفرض الأوامر بقوة السلاح والشعب أيضاً لا يستجيب مع أن العالم كله قابع في بيته ، لكن للعراقيين أمر مختلف ، إذ كيف يقبع في بيته من ليس لديه إلا قوت يومه وربما لا يملك حتى هذا ولمن يسمع ، أيسمع للحكومة العراقية التي عانى الشعب منها ما عانى وليس هناك ود متبادل ما بين الشعب والحكومة . أضرب مثلاً لدولة كبيرة مثل ألمانيا تقودها مستشارة عظيمة تود شعبها والشعب يبادلها الود والإحترام ، إلتزم الشعب لأوامر الحجر المنزلي وقُدمت مساعدات للموظفين والعمال لكي تكون دعماً لهم في حجرهم ، ودولة صغيرة مثل نيوزيلندا حينما فرضت رئيسة الوزراء الحجر المنزلي قدمت لكل الموظفين والعمال حوالي 80٪ من رواتبهم وقدمت مساعدات للمؤسسات التجارية المتضررة بسبب الحضر وقبل هذا أغلقت المطارات والموانيء وقد أطاع الشعب الحكومة لأنه كان يتمتع بالكفاية الإجتماعية ولم يشكل الحجر المنزلي عائقاً للحياة ، ولم تطرح رئيسة الوزراء شعارات دينية أو سياسية أو خطابات رنانة ، ولم تشهر الشرطة السلاح بوجه الشعب الخائف من المرض بل كان منطق الوعي الإجتماعي هو السائد ما بين الشعب والحكومة .
أسمع كثيراً بأن فايروس كورونا أصبح نكته أو مثاراً للسخرية لدى الشعب العراقي وهو يعلم أن هذا المرض قاتل لكنه لم يُبال ، فهو في كل الأحوال قد يموت جوعاً أو مرضاً أو برصاصة طائشة أو مستهدفة ، وبالرغم من أن الفرد الواحد المصاب قد يعدي تسعين شخصاً من المخالطين وهو ما تؤكده أعداد المصابين المتزايدة كل يوم والتي لم تصل إلى قمة الهرم لحد الآن .
إن الشعب العراقي قد تعود على الإنتحار شنقاً أو غرقاً أو بإبتلاع كمياة كبيرة من المخدرات الرخيصة ، ومن الغريب أنك تسمع صراخ رجل الشارع وهو يقول ( أين هو الموت فليلحق بنا ) ، فيخرج بعض المعممين ليمنحوا بركاتهم لمنع هذا المرض عن الناس ويصدق العامة غير مبالين بالعدوى ولا بالموت ، وعلى هذا الأساس يكون الخروج إلى الشارع والمخالطة العشوائية هو الإنتحار بعينه ، ولو كان أبناء الشعب قد وجدوا الرعاية الكافية والظروف الموضوعية التي تساعدهم على الحجر المنزلي لإستجابوا لأوامر الحكومة ، لكن الموت هو الخيار الأزلي الذي عاشه هذا الشعب ولو وجد الحياة الكريمة التي يستحقها لتمسك بها لكنه وللأسف كان دائماً ما بين المطرقة والسندان .
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. السفير الأممي الفلسطيني: مذكرة اعتقال نتنياهو نقطة تحول لتحق
.. الأمم المتحدة تدعو إلى وقف إراقة الماء في سوريا بعد سقوط عشر
.. الأمم المتحدة: 280 ألف نازح جراء المعارك في سوريا
.. مصادر العربية: الاتحاد الأوروبي علق مؤقتا ملف عودة اللاجئين
.. أردوغان خلال اتصال مع الأمين العام للأمم المتحدة: مرحلة جديد