الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لحية العنزة ..والسروال الشرعي ..!

هادي فريد التكريتي

2006 / 6 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الإرهاب الذي يجتاح العراق ، لم يبق للمواطن ، مساحة حياة اعتيادية يمارسها ، فيها بعض فرح أو سرور ، فجرائم القتل على الهوية ، والتفخيخ والتفجير ، تجري على قدم وساق ، في كل مكان ، وفي كل وقت ، بحيث لم تترك مجالا للشك ، من أن القائمين بهذه الجرائم ، قد فقدوا كل إحساس بالقيم الإنسانية ، ناهيك عن قيم الدين والمذهب الذي ينتمون إليه ، فهؤلاء القتلة ، تجردوا من كل مشاعر بشرية تربطهم بالمحيط الذي ينتمون إليه ، نتيجة غباء وجهل ذاتي من جهة ، وتوجيه ديني منحرف ، متخلف ومضلل من جهة أخرى ، فاختلطت على هؤلاء القتلة باسم الدين والشرع ، مفاهيم وقيم الحياة ، ومفردات السلوك اليومي مع الآخرين ، فما عادوا يفرقون بين الإنسان والحيوان ، في فرض وإلزام أحكام " شرع الله " على الآخرين ، بدعوى مسؤولية تنفيذها نيابة عن الله ونبيه ، ففي خبر مؤكد نقله صديق تلفونيا ، بأن فراش مدرسة ابتدائية للبنات ، في إحدى القرى التابعة لمحافظة ديالى ، قتل من قبل عناصر إسلاموية ـ طائفية بعد أن أنذروه ، لسوء سلوك متعمد وفاضح .لعنزتين يمتلكهما .! والقضية كما روتها مديرة المدرسة كالآتي : " الفراش من سكنة القرية ، متزوج وله طفلتان ، يعيش هو وعائلته بالقرب من المدرسة ، لحماية وخدمة المديرة وأحدى المعلمات ، هذا الفراش يمتلك عنزتين جميلتين ، يسد بحليبهما حاجة بنتيه والمعلمات ، يطلق سراح عنزتيه ترعيان في المنطقة القريبة من المدرسة ، وفي أحيان كثيرة يلهو الصغار معهما ، وكان سعيدا بمرح ولعب الأطفال وهو يرقبهم مع عنزتيه . قبل قتله بأربعة أيام ، من قبل دعاة الإسلام ، جاءني مرتبك الحال ، بين ضاحك ساخر ، ومرتبك خائف ، وهو يحمل رسالة ترتجف في يده ، قائلا : هل تصدقين أم ستسخرين مني ؟ قلت ما الأمر ؟ قال وجدت هذه الرسالة معلقة برقبة إحدى العنزتين ، وفيها تهديد بقتلي إن لم ..؟ قلت أكمل إن ماذا ؟ قال لا أستطيع ...أمر مخجل أن أتحدث معك به ..أخذُت الرسالة من يده وبدأت بقراءتها ، تسمرت عيناي على كلمات تهدد بالقتل " ننذرك خلال ثلاثة أيام ، عليك إن تتدبر حفظ عورة العنزتين وتلبسهما سراويل شرعية ، وإلا سنقتلك ." ضحكت من هذا الطلب ، وقلت أن في الأمر مزحة من تلاميذ المدرسة ، فهل من المعقول أن يصل الهوس الديني إلى الحيوانات ..؟ فقلت له ماذا أنت فاعل ؟ قال وهل من المعقول أن أفعل هذا ، إن فعلت ، سيقول الناس عني أصابه مس من الجن ، وسأكون موضع سخرية واستهزاء رجال القرية ونسائها ، وحتى الأطفال سيعتقدون بأني قد جننت ..! بعد أربعة أيام تسللوا ليلا لفراشه وقتلوه ، فهل من يصدق هذا ..؟"
البارحة كنت أتصفح ما تكتبه المواقع الألكترونية من أخبار ومقالات على مواقعها ، وقرأت مقالا طريفا للسيد مهدي قاسم ، بعنوان " ومضات خاطفة ، العقلية العربية ولحية العنزة " المقال باختصار ، حوار حول العقلية العربية وإمكانية تطورها ، يدور بين فيلسوف وحكيم ، يتمخض عن رهان بينهما ، فالفيلسوف يراهن على إمكانية التغيير ، منطلقا من قدرة العقل على استيعاب المعلومات المعرفية عن طريق التعليم " ومنجزات المعارف والعلوم والثقافة والفن .." والحكيم قد أصدر حكما بعدم قدرة العقلية العربية على التطور لمواكبة ما يجري في العالم ، منطلقا من مبدأ الواقع والمعايشة ومدى تقبل العقلية العربية ، أو رفضها ، للآخرين والتفاعل معهم " بحكم خبرته وتجاربه وثقب نظرته العميقة والنفاذة ، قد أبدى شكه الكبير في إمكانية حدوث تلك المعجزة ، معجزة تغيير العقلية العربية الراسخة بثوابتها المتكلسة .." في نهاية المطاف تتحقق شكوك الحكيم ، المبنية على التجربة ,ومتابعة الواقع ، الموسوم بتخلف العقلية العربية وعدم مسايرتها للتطور ، ويخسر الفيلسوف الرهان ويقر بهزيمته لانشداد العقلية العربية لماضيها ، المتمثل ب " بلحية العنزة " ، وعاطفيتها ـ العقلية العربية ـ المتمثل بالبكاء بحرقة على فراق العنزة ، وعدم قدرة " تلميذ الفيلسوف " على تجاوز ماضيه أو نسيانه للفترة التي قضاها مع عنزته..!
سبحان الله ، هل تبقى " العنزة " قدر هذه الأمة ، التي يقال عنها ( خير أمة أخرجت للوجود ) ..! فإذا كانت العقلية العربية ، بحد ذاتها ، ميؤوس من تطورها ، رغم كل القدرات المادية والعلمية المتاحة لتطورها ، وإمكانيات العصر المتوفرة لانتقالها إلى مواقع انسانية أفضل ، فكيف الحال إذا ما أضفنا لهذه العقلية ـ العربية ـ ما أسبغه وأشاعه حملة الفكر الإسلاموي ـ التكفيري المضلل ، والعقلية الطائفية التي ترفض العيش والحياة ، إلا بالعودة لما قبل أكثر من 1400عام ، بكل ما في هذه الحقبة من ممارسات شائنة ، على عقلية المجتمعات العربية والإسلامية ، من شعوذة وضلالات وتزوير وبهتان وكذب وتزييف وتدليس ، ليست لأجيالنا ولعصرنا يد في صنعها ، ولسنا قادرين على التخلص منها ، لأن القائمين على هذه العقلية المتخلفة ، بيدهم مقاليد الأمور ، ويصرون على معاكسة منطق الحياة والتطور ، ويجهدون أنفسهم ، بإصرارهم على تغيير حياة الناس وقناعاتهم ، ومحاولة غسل أدمغتهم ، وإقناعهم بالقوة والإكراه ، أن التحرر سبة ، وحرية العقل جريمة لا تغتفر ..! هل من المعقول ، أيها القائمون على الدين ومذاهبه وطوائفه ، أن ُيقتل إنسان لأن عنزته ، تسير مختالة ، كما خلقها الله وأراده لها دون " سروال " شرعي ، والبشرية تغذ السير نحو مستقبل دون حدود لتحرره وحريته وديموقراطيته ، ما يريده منا الإسلاميون والتكفيريون وطوائفهم من دعاة " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " في " بلاد العرب أوطاني " أن ننحدر إلى مهاوي التخلف والانحطاط ، أكثر مما نحن عليه وفيه في ظرفنا الراهن ، لتسود عقلية الراعي المتخلف الذي تستفزه جنسيا " عنزة " في مجتمعه خلقها الله حرة ! ولله في خلقه شؤون ..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد: المسيحيون الأرثوذوكس يحتفلون بـ-سبت النور- في روسيا


.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4




.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا


.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة




.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه