الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نفض فكرة الوجود لدى محمد سعيد رمضان البوطي

هيبت بافي حلبجة

2020 / 6 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


نقض فكرة الوجود لدى محمد سعيد رمضان البوطي
بلا ريب ولا أدنى إرتياب ، لايعتبر الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي فيلسوفاٌ ولا عالماٌ ولا مفكراٌ ولا باحثاٌ ، إنما ، والحق يقال ، إنه أستاذ جامعي بإمتياز ، يدرك القضايا الفلسفية بروح حسابية سخيفة وتافهة ، فالبعد هو البعد ، والهو هو الهو ، والأسود لونه واحد ولادرجات فيه ، والنظام يقتضي المنظم ، والمعلول يقتضي العلة ، والبعرة تدل على البعير . وحينما دون مؤلفه المعروف والمسمى ( كبرى اليقينيات الكونية ) ، وكإنه كان يدرك الكون ، ويدرك محتوى اليقينيات ، ويدرك مبتغى هذا الكلام كبرى اليقينيات الكونية ، وفي الحقيقة هو لايدرك ، مطلقاٌ ، موضوع مؤلفه إلا على مستوى الحسابي الأولي ، فلو صدقت تلك التسمية لما كان ثمة أي خلاف في الإعتقاد بتلك اليقينيات ، لكان الخلاف ، ربما ، على بعض الجزئيات ، أو على الجزئيات المكملة لتلك اليقينيات .
ينطلق البوطي في فهمه للمدركات من خلال قاعدة أرهقت الفلاسفة والعلماء والمفكرين ، وأربكت الفلسفة والعلم والفكر ، ألا وهي البحث عن تفسير كلي شامل للوجود وللكون ، وتماهى ذلك مع البحث عن المطلق ، الإله الأبدي ، الروح المطلقة ، ومن ثم تحاكت مع منطوق الحقيقة السرمدية ، الحقيقة التي ينبغي أن نستسلم لها حتى لو صادرت العقل والمنطق وموضوعية التجربة البشرية ، و بالأدق موضوعية مفهوم مانسميه ، تجاوزاٌ ، بالكون . هذه القضية أرهقت وأربكت ، كما لو إنك تسأل ، الان تحديداٌ ، إمرأة طاعنة في السن من قبيلة الهونزا ، عن مضمون نظرية الكوانتم . ومعاذ الرب أن أستهزأ من تلك المرأة الوقورة ، لكن المبتغى هو الخلل الفاحش مابين الوعي الذاتي ومابين إمكانية البحث عن منطوق التفسير .
ولأجل أن تتضح معالم مانرمي إليه من هذه المقدمة ، لامناص من أن نطرح موضوع إشكاليتين ، لدى محمد سعيد رمضان البوطي ، للبحث ومن ثم للنقض . الإشكالية الأولى وهي إشكالية المادة ، مفهوم المادة ، ماهي المادة ، وهل حقيقة ثمت مادة ، وإن وجدت كيف يمكن لنا أن ندركها ، وهل أدركها محمد سعيد رمضان البوطي خارج سياق هذه الطاولة وذاك الكرسي على غرار عباس محمود العقاد . الإشكالية الثانية وهي إشكالية الوجود ، ماهو المقصود من هذه الكلمة ، كيف يمكن أن نعي موضوع الوجود ، هل للوجود أنواع وجود إلهي وآخر غير إلهي ، وهل يعقل أن توجد أنواع للوجود ، وهل من الممكن أن تتحقق تلك الأنواع فعلياٌ ، وهل من المنطقي والمعقول أن يخلق وجود ما وجوداٌ آخر وكيف ولماذا وأسئلة أخرى لاتعد .
الإشكالية الأولى : إشكالية المادة يؤكد البوطي إنه قارع كافة الشبهات حول وجود الذات الإلهية وفندها ودحضها ، ويود أن يقارع الشبهة الأخيرة ، وهي شبهة الملحدين الماديين الجدليين الماركسين ، حسبه تعبيره الخاص ، والتي حسبها إن المادة ، التي هي محسوسة ومدركة بالحواس ، هي التي خلقت الطبيعة المفارقة لها والتي تختزل عادة بالروح ، والوعي ، والعقل ، والإحساس والشعور . وإذا ما صدقت هذه الفرضية ، فمن الطبيعي أن يكون بمكنة العلم الطبيعي أن يخلق المادة الحية ، فهل إستطاع هذا العلم تحقيق ذلك ، يهتف البوطي : بالطبع لا وكلا ، وهاهو واحد من أبرز أئمة الإلحاد في العالم ، حسب تعبير البوطي ، وهو فريديك أنجلس يشهد في مؤلفه أنتي دوهرينغ ، إن ليس بمكنة العلم الطبيعي أن ينتج الهيولى الأولية البسيطة للمادة الحية وللأجسام الأحينية . ونفس هذه الشهادة يدلي بها العالم الإحيائي الطبيعي الروسي ألكسندر أوفارين في المؤتمر الدولي الذي إنعقد في نيويورك عام 1959 بهذا الخصوص ، أي هل من الممكن أن يفلح الإنسان في تكوين هيولى المادة الحية كيمائياٌ ، فكان الجواب هو بالنفي التام والمطلق ، وقد وقع على البروتوكول النهائي لهذا المؤتمر كافة علماء الأحياء المشاركين وعلى رأسهم هذا العالم الروسي الكبير ألكسندر أوفارين الذي كان قد ترأس وفد الإتحاد السوفيتي في ذلك المؤتمر . ويردف البوطي ، وإلى يومنا هذا لم يقرر العلم ما ينسخ ذلك الجهل ، أي إن ليس في مكنة العلم الطبيعي إدراك سر وأصل الحياة ، وهذا ما يؤكده إله الكون ، ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاٌ . أي إن إله الكون يؤكد على إزدواجية طبيعة الجسد البشري ، فهو مؤنلف ، حسب الشيخ البوطي ، من محتوى المادة بعينها ومن الروح ، الروح الإلهية ونفخنا فيه من روحنا ، تلك الروح التي إذا إنعكست على الدماغ البشري تولد الوعي ، وإذا إنعكست على القلب البشري تولدت العواطف بأنواعها وهي ثلاثة ، حسب الشيخ البوطي ، الدافعة والرادعة والممجدة ، أي الحب والخوف والتعظيم حسب الترتيب ، وإذا إنعكست على الخلايا البشرية تولد الإحساس والشعور .
الإشكالية الثانية : إشكالية الوجود حيث يؤكد الإمام البوطي تفنيده ودحضه لكافة الشبهات التي طالت وجود الذات الإلهية ، وبرهن من خلال ذلك ، وببراهين أخرى مترادفة ، على إن للكون إله هو المنظم ، الواجب الوجود ، المطلق الأبدي ، الذي لا أول له ولا آخر ، خارج الزمان والمكان ، فالذات الإلهية تمتلك كافة صفات الكمال دون النقصان ، المطلق دون النسبي ، الخاصة به وبكينونته دون غيره ودون غيرها ، والتي حصرها السادة العلماء الأفاضل كتنظيم لها ، وهي عديدة جداٌ أي أكثر من تلك التي حوصرت ، في أربعة مجموعات على الشكل التالي ، صفة الله النفسية وهي صفة واحدة فقط ، وهي الوجود ، صفات الله السلبية وعددها خمسة ، وصفات الله المعنوية وعددها سبعة ، وصفات المعاني وعددها سبعة . والوجود كصفة نفسية ذاتية لله عزوجل ، وكمفهوم وكمحتوى وكضرورة ، ينقسم إلى نوعين ، نوع أصلي ( وكان من المفروض إستخدام مفردة الأصيل دون الأصلي ) ونوع تبعي ، نوع كامل ونوع ناقص ، نوع ذاتي ونوع ظلي ، والنوع الأول الذي يختص به إله الكون هو الأصلي والكامل والذاتي ، والنوع الثاني الذي يخص البشر وماتبقى من الكائنات هو التبعي والناقص والظلي ، ويؤكد الدكتور البوطي إن كل هذه الصفات ، ضمن النوع الواحد ، تعني دلالات واحدة وفقاٌ لشرط موضوع الوجود ، فوجود إله الكون هو من ذاته وليس من غيره ، من حيث هو إله ومن حيث هو هو ، أي إن ذات إله الكون ووجوده هما أمر واحد بالمطلق ، بينما النوع الثاني من الوجود هو وجوده من غيره ، من إله الكون نفسه ، فوجوده لايتحقق إلا بوجود النوع الأول ومن خلاله وبه ، محلاٌ ومحلاٌ به . ومن هنا نستدرك إن النوع الأول غير مسبوق بالعدم وغير ملحوق به فهو أزلي أبدي ، بينما النوع الثاني هو مسبوق بالعدم وملحوق به ، أي قبل وجوده كان معدوماٌ وبعد وجوده سيكون معدوماٌ ، فالخلود هو للذات الإلهية فقط ، وفقط .
إلى ذلك ، من المؤكد إن هذا التصور الباهت والمتهافت لايرتقي ، في أصوله ، إلى مستوى النقد ، فهو مجرد أرتساق كلامي يعاني من إشكاليات كارثية كبرى نلخصها في الآتي :
أولاٌ : لنرجع مليارات مليارات من السنين إلى الوراء والخلف حيث نسمي البدايات البدايات ، بداية كوننا الحالي ، بالهيولى البسيطة جداٌ ، بالهيولى الأولية ، نسميها هكذا لإنه ليس لدينا في الوقت الحالي أي تصور أفضل وأجدى وأقوى . وهنا نستبين ثلاثة قضايا لإدراك ما الذي حدث منذئذ ، ويحدث الآن ، وسوف يحدث . القضية الأولى تلك الهيولى البسيط هي لم تكن لا مادة ولاروح ولاعناصر معينة ولاكيمياء محددة ولافيزياء ثابتة ولاقواعد منزلة . القضية الثانية إن طرح أسئلة من النوع التقليدي ، ماهي هذه الهيولى البسيطة ، ماهي طبيعتها ، كيف أتت ، من أين أتت ، هي أسئلة عاقرة لامعنى لها ، وقد نحتاج ، نحن البشر ، إلى مليارات من السنين القادمة لكي ندرك المقدمات التمهيدية الأولية لأول خطوة جادة وصائبة في وعي وفهم ذلك الدرب المفضي إلى تعقل حيثيات كوننا هذا ، وعلى مايبدو إن فيزياء الكوانتوم هي المرشحة الأقوى ، وهي صاحبة المجد والفضل والزعامة في ذلك ، وقد نضطر ، في مرحلة قادمة بعيدة جداٌ إلى تجاوز موضوع فيزياء الكوانتوم إلى موضوع أصعب وأعقد ، وربما إلى غيرها ومن ثم إلى غيرها . القضية الثالثة إن هذه الهيولى البسيطة هي الحالة التوافقية والجدلية والقواعدية مابين هذه الطبيعة الحالية ومابين هذا الكون الحالي ، أي مابين موضوع الطبيعة وموضوع الكون ، أي الطبيعة والكون . في هذه القضية الثالثة إنتقلت تلك الهيولى البسيطة إلى موضوع الطبيعة والكون ، حيث تتمتع الطبيعة ، في جوهرها ، في كينونتها ، في كائنيتها بثلاثة خصائص حيوية ، بالوعي ، بالإرادة ، وبمفهوم القوانين ، وهكذا إضطرت الطبيعة بوضعها البدئي والبدائي أن تمارس ذاتها ، أن تكتشف تلك الذات ، أن تتعرف ، هي ، على ذاتيتها ، أن ترتقي في حدها وحدودها ، أن تزيد من وعيها ، أن تحسن إرادتها ، أن تطور قوانينها . وهكذا بعد ملايين من السنين أدركت الطبيعة مفهوم العناصر ، محتوى الغازات ، وبداية مرحلة التشكل وذاتية التشكل . وهكذا بعد ملايين أخرى من السنين أدركت الطبيعة موضوع الأشياء ، المجرات ، الأجرام . وهكذا بعد مليارات أخرى من السنين أصبح بمقدور الطبيعة أن تبرز ذاتيتها وخصائصها في أي موقع من تموضعها ، فهي التي جعلت من الشمس شمساٌ ، ومن القمر قمراٌ ، ومن المجرة مجرة ، ومن الأرض أرضاٌ . فما حدث ويحدث على أرضنا هذه ، هي بعينها ماجرى ويجري في الشمس ، وفي درب التبانة ، أي إن الطبيعة هي هي سواء على الأرض أم في الشمس أم في المجرة . لكن على الأرض حدثت معطيات خاصة ، مرحلة الكائنات الدقيقة ، ثم مرحلة تطور هذه الكائنات إلى كائنات أخرى ، وصولاٌ إلى مرحلة الديناصورات ، ومن ثم إلى مرحلة الإنسان ، ومن ثم إلى مرحلة مابعد الإنسان ، ومن ثم إلى مليون مرحلة أخرى . وهذا يفضي بنا إلى إستنتاج نتائج سوف نتحدث عنها في حلقات أخرى قادمة ، لكن لاضير إن ذكرنا بعضها ، إن الطبيعة قد سلكت نهج الديالكتيك في حماية ذاتها ، إن الطبيعة قد غدت هي نفسها الديالكتيك ، إن الطبيعة هي التي تتمتع بالوعي ولاوجود لشيء أسمه الروح ، إن الطبيعة هي التي كونت كل الكائنات على مدار مليارات السنين بما فيها الإنسان ودماغه ، إن الدماغ هي المادة المدركة الواعية ، أن لاوجود لأي كائن خارج الطبيعة يصادر إرادتها ووعيها أو يفرض عليها قوانينه الخاصة ، إن التحول أو التطور قد حدث في الطبيعة وبها ، سواء وفق مفهوم الألفة والتفاعل والربط ، سواء وفق مفهوم التراكم والتفسخ ، سواء من خلال التولد الذاتي والتناسخ سواء من خلال القابلية والتكامل ، سواء من خلال قوانين ومفاهيم أخرى ، سواء من خلال مفهوم الطفرات في الكروموزوم أي في الأحماض الأمينية الأربعة المعروفة ، سواء في حدود قاعدة إن التغيرات في الكمية تؤدي إلى التغيرات في الكيفية .
ثانياٌ : لنعود إلى موضوع محمد سعيد رمضان البوطي ، وتحديدأٌ إلى القاعدة الأخيرة التي ذكرناها للتو ، وهي إن التغيرات في الكمية تؤدي إلى تغيرات في الكيفية ، والتي يشرحها البوطي على هذه الطريقة الساذجة والتافهة ، فيؤكد إن هذه القاعدة المزعومة كاذبة وغير صادقة إذ لايعقل أن تتحول الأشياء حسب وزنها ، تعبير البوطي نفسه ، والدليل إن دماغ النملة صغير جداٌ ، ودماغ الجمل والحوت والفيل كبير جداٌ ، ودماغ الإنسان متوسط ، فمن المفروض حسب تلك القاعدة إن يكون الحوت والجمل والفيل أذكى من الإنسان بعدة مرات ، وأذكى من النملة بمئات المرات ، لكن في الواقع هذا الأمر غير صحيح وكاذب . بهذه العقلية الأولية يعالج البوطي هذا المبدأ ، مع العلم إن لا ماركس ولا إنجلس ولا جورج بوليتزر ولا ماو تسي تونغ ولا أحد من الماركسيين قد ذكر مفردة الوزن في كافة إطروحاتهم ، فمن أين أتى بها البوطي تلك معجزة خارقة ، ومع العلم مرة ثانية إن كافة هؤلاء قد ذكروا موضوع درجة الحرارة وحالة الماء المتجمدة والسائلة والغازية ، وموضوع الغيمة ، وموضوع الكيمياء ، وحتى موضوع الجنين ، وهناك حالات لاتعد ولاتحصى تتعلق بالنبات والحيوان والأزهار والورود ، في جميع تلك الحالات لابد أن تبلغ الكمية حداٌ معيناٌ كي يحدث تغير نوعي ، أي تغير في الكيفية ، ودون هذا التغيير النوعي لايوجد تغير في الكيفية .
ثالثاٌ : يؤكد البوطي إننا ، كبشر وكوجود بشري ، مرصودون لمهمة معينة ، أي مرصودون لغاية محددة ، وفي ذات الوقت ينفي الغائية عن أفعال إله الكون ، لإن الغائية تناقض حقيقة الوجود الإلهي ، وهذا تناقض جلي ، فإذا كانت الغائية تناقض حقيقة الوجود الإلهي ، وهي كذلك بالفعل ، لكنها ملصقة بالفعل الإلهي ومستقعدة فيه ، وإلا لكنا أمام حالة عبثية ، ولقد قلنا سابقاٌ ، إن الفعل الإلهي لايصدر ، ولايمكن أن يصدر ، إلا من إرادة إلهية ، وإلا لكنا إزاء حالة فعل يتحقق غصباٌ عن إله الكون . وهكذا ، وحسب رؤية البوطي نفسه ، ينبغي أن نكون قد خلقنا لغاية مؤكدة ، لكن الفعل الإلهي لاغائية فيه !! وفي الحقيقة ، إن أي فعل إلهي أو تصرف إلهي ، أو وجود مغاير لوجوده ، تخلق حالة تناقضية تطيح جذرياٌ بالوجود الإلهي ، فوجودنا يناقض حقيقة الإله ، ووجود الكون يناقضه ، ووجود الشيطان يناقضه ، أي لكي ينتفي التناقض عن الوجود الإلهي ينبغي ، بالضرورة المطلقة ، إذا ما ثبتنا الوجود الإلهي أولاٌ ، أن يكون إله الكون وحيداٌ بمفرده ، إله بدون رغبة ، بدون إرادة ، أي إله صرف بحت . وبالمقابل الشرطي ، إذا ما ثبتنا وجود الكون والطبيعة أولاٌ ، فإن أي وجود خارجهما هو وجود وهمي مزيف ولايمكن أن يتحقق . أي ينبغي علينا أن نختار إما الإله دون الكون والطبيعة ، أو نختار الكون والطبيعة دون الإله .
رابعاٌ : في إشكالية أنواع الوجود ، يقع البوطي سقوطاٌ مريعا حين يقسم الوجود إلى نوعين ، الأصلي والكامل والذاتي ، والتبعي والناقص والظلي ، فالوجود تعريفاٌ هو هو ، أي هو كمال كينونته ، هو حقيقة ذاته ، هو عين حقيقته ، لإن الوجود ، بكل بساطة ووضوح ، إما أن يكون أو ألا يكون ، وإن كان فهو كماله ، فلايوجد وجود وسط ، ولاوجود نصفي ، ولاوجود تبعي ، ولاوجود ناقص ، ولاوجود ظلي . والوجود هو الوجود ، هو واحد في وجوده إن جوز التعبير ، فلاتجزئة له ، ولافروع له ، ولاأقوى ولا أضعف هو صحيح ذاته ، الوجود لاينقسم ، وإن وجد وجد كله . وإذا فرضنا بوجود نوعين من الوجود ، فالفرض كاذب من منبته . وإذا قلنا إن إله الكون خلق الكون والوجود والطبيعة ، فإننا نقترف مغالطات لا تعد ولاتحصى ، ومن هنا تحديداٌ ذهب الكثيرون إلى مفهوم الفيض الإلهي لتخفيف حدة التناقضات في حيثية الخالق والمخلوق والخلق ، الأمر الذي يرفضه البوطي ، وحسناٌ مافعل ، لإن فكرة الفيض الإلهي تحتوي ، بدورها ، على تناقضات حادة من طبيعة أخرى ، تلك التناقضات التي أشرنا إليها في حلقات سابقة .
خامساٌ : في حقيقة وجودنا الخاص ، يزعم البوطي إن النوع الثاني من الوجود ، والذي هو وجودنا الخاص ، مسبوق بالعدم وملحوق بالعدم ، وإذا كان الأمر فعلاٌ كذلك ، وهذا مستحيل ، فدعونا نعترض عليه على الشكل التالي :
الإعتراض الأول : إذا كنا مسبوقين بالعدم وملحوقين به ، فإن إله الكون سيكون وحيداٌ بعدنا كما كان وحيداٌ قبلنا ، فما قيمة هذه الألوهية على الصعيد الإنطولوجي ، وعلى ماذا سيكون هذا الإله إلهاٌ ، وهل ثمة من معنى أن يبقى هذا الإله إلهاٌ بعدنا !!! .
الإعتراض الثاني : ماهي القيمة الموضوعية للتجربة البشرية طالما نحن ملحوقين بالعدم ، مع العلم إن هذا الإله ، وفقاٌ للعقيدة ، وهو الكائن الأول ، قد خلق الأنبياء والرسل ، وكان الرسول محمد عليه السلام هو الكائن الثاني ، وهوخاتم الأنبياء ، وقد زوجه من زينب بنت جحش ، ولما قضى زيد منها وطراٌ زوجناكها، وقد أسرى به ليلاٌ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وعرج به إلى ملكوت السماوات ، وفي كل سماء من السماوات السبعة نبي . ثم لماذا يخلق مأساة إبليس ، إشكالية هذا الملاك المسلم حسب فهم محمد شحرور للإسلام . ثم أين تذهب الجنة والجهنم ، والمسلمون خالدون فيها إلى أبد الابدين ، ثم ماهي قيمة اللوح المحفوظ والوصايا العشرة ، وأسئلة لانهاية لها !!! .
الإعتارض الثالث : طالما إننا ملحوقين بالعدم ، فهذا يدل على إن وجودنا هو وجود كاذب ، غير صادق ولاحقيقي ولافعلي ، وبالتالي لاوجود لنا !!! نكتفي بهذه الإعتراضات وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة والتسعين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الطاولة المستديرة | الشرق الأوسط : صراع الهيمنة والتنافس أي


.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية




.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ


.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع




.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص