الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتيال وطن

زكية خيرهم

2020 / 6 / 11
الادب والفن


أحداث عشوائية منذ نشأة الإنسان ....قتل وحروب ... لا تغيير ياتي من المفاهيم الإنسانية ... قبائل تهاجم بعضها بالوحشية نفسها التي هاجمت بها الإمبراطوريات في الزمن السالف. تلتها جمهوريات ودول عزفت على نفس وثيرة الاحتلال والنهب .... حروب أهلية بذات الوطن ...لابد من حروب وكسب مال .... فمرحلة كمال الإنسان مستحيلة ...لا حرية من غير قانون يحميها ....ولقد علّمنا التاريخ ان البشرية لم تتعلم شيئا ...



بعد الهروب القسري من الوطن واللجوء الى احدى جزر قارة الاحلام، أرض الانسانية والسلام. جلس سليم على صخرة ينظر الى البحر ويتحسر. لم يبق في عمره سوى ذكرى تحترق عن خديعة محتقنة بداخله. تتماثل أمامه لحظات حائرة وصور طفولته التي جفّت أزهارها وتبعثرت فوق أكفّ القدر. طنين صاخب ينخر جدار عقله، يرقب هروبه الى حيث اللامكان. سجين صمت كئيب، وحزن يطوّقه، مشحون بالهم والأسى. يتحدث في داخله وكأنه يهذي. لم يعد يرى ذلك البحر الأزرق الممتد ولا حتى يحس بنفسه كان كشبح في غربة والمشهد امامه ساحة معارك ضروس في الوطن. يحاول أن يفهم الفاجعة التي حلت وتحوّلت الى حرب اختلط الحابل فيها بالنابل ثم تحولت الى صراع عالمي. يتحسر على طفولة مزقتها الأشرار. يتذكر رغد الحياة وتفوقه في كل المواد وافتخار والديه به. يتنهّد ... كل شيء كان جميلا الى ان اغلقت الابواب على وجوهنا. فاختفت انوار الشمس وعمّ ضباب متشح بسواد غطى الوطن. شرّ مُطلق طغى وتجبّر ويد جائرة سادية قصفته ... مزقته ... فأصبح ينزف ويصيح. أخطبوط همّه تكميم الأفواه، كالموت يُحدّق طوال الوقت ... يمنع التجوال ... يقتل براءة الأطفال ... يقتلع الأعين ويبثر الأرجل ....يرعرع الرعب في النفس حتى تخاف من ظلّها. كائن سُلّط على الوطن فعكّر صفو حياته وداس على كرامته وجعله تحت أدران حقبة طويلة من الظلم والإرهاب. ذنبنا أننا نؤمن بقلب نابض بالدهشة وشمس دافئة وبنور القمر. فانهال علينا بوابل من قنابل و جحيم رصاص ببسالة واتقان. فأصبح الوطن شاردا في الهذيان، وتعددت جراحه وكثر النزيف لعشرات من الأطفال وكبار السن. نساء يؤلمها الوجع تحمل أطفالها، تجري بين الأزقة هاربة من بيوتها والموت يطاردها ... تصرخ وسط الشوارع راكضة الى حافة المجهول.. صوت الجراح ورائحة الدم تعمّ المكان. اطارات محروقة في الشوارع تبعث سوادا ورائحة نتنة وسط ذلك الزحام ... غبار ونار ...أصوات نواح متناثرة وكأنها بقية داحس والغبراء... قنابل تنزل كصاعقة من السماء ...سيارات على الطّرقات المتعرجة، هاربة نحو غياهب المجهول ... يطاردها الرعب ... تتخبط في متاهات من حفر ومتاريس لا يخرج منها إلا من كتبت له حياة جديدة. رائحة جوع بشري مخيف .... اطفال تحت الرّدم يُكبّلهم الموت بأساوره وشباب يحاولون اخراجهم من تحت كوم الحجر ويصرخون: الله اكبر ...! لم يعد أمل في الوطن. أصبح عقيما مفجوعا، توارى بعيدا باتجاه آخر نقطة في الزمن المنتهي. فلم تعد تسكنه الشمس ولا فراشات تحميه. شوارعه تقود للقبر وهواءه يمنح رحيق الألم والعهر مفتونا يقود فيه الهمس الى زنازين الجلاد. لم يعد مكان لنا في الوطن. تعاظم حزننا وصغرت الدنيا في أعيننا. وهربت الناس أفواجا من جحيمها كأسراب حمام تركض نحو المنافي. يجرجرون أنفاسهم المنقبضة، مندفعين لا اراديا يمارسون غريزة البقاء. تاركين وطنهم كان يوما آمنا مزدهرا. اجهش سليم بالبكاء عن أمل ألقي جزافا في جوف اليمّ، ووطن متشح بالسواد أصبح وكرا للموت وساحة حرب بالوكالة. هبّ نسيم الغروب البارد فتوارت الشمس الى ان اختفت كما اختفت آمال سليم الذي كان يجثو فوق الصخر... ينكسر وحيدا. روحه تشي بالرغبة وتشفّ عن الحنين. يُلملم حزنه .... يتكوّم همّا ....ينهار بكاء عن حال الوطن. يتذكر كيف كيف كان وجهه مغطى بالتراب وكأنه أخرج من ردم وهو يكبت نحيبه ويترجرج شاردا خلف تلك الوجوه الشاحبة الهاربة والليل الدامس يهرول من خلفهم ليفترش عليهم عباءته، والنيران من خلفهم تلتهم أطراف الأرض، وقصف القنابل ورائحة البارود تبعثر الأمكنة وهم يركضون نحو المنافي. واصل مع ذلك الفوج الهارب وهو يُعلّق آماله المكبوتة وينتظر الفرج كغيره. يجري معهم و عينيه يملأهما الخوف من ضياع ومجهول يحومان حول روحه والتفكير في والدته واخوته. الرعب يعتري أوصاله خوفا من عدم الوصول الى بر الأمان. شغفه الوحيد الاستقرار في مكان آمن مع والدته واخوته الصغار بعيدا عن جحيم الوطن. شاحنات جمعت ذلك الحشد الغفير وانطلقت بهم نحو الساحل. كان الركاب مكتظين كالخضار في زحمة صمتهم، متقوقعين تحت زنزانة جراحهم المثخنة. رعب وصمت من الهول، وسليم بينهم متعكزا على شروده، يثرثر في صمت عن خوفه اللامتناهي وعن غربته ووحدته. الركاب يتطلعون إلى بعضهم وصمت مختوم على أفواههم. عيونهم تدور كالذي يغشى عليه من الموت. وبعد ساعات سرمدية توقفت تلك الشاحنات قرب الساحل. نزل الجميع هناك حيث استقبلهم المهربين بزوارقهم وبصحبة مسلحين. لم ينعم بركوب تلك الزوارق إلا من كان بحوزته مال. انطلقت الزوارق المكتظة بالركاب الى داخل البحر في ذلك الليل البهيم يجلد زمهريره الروح. ورغم ازدحامهم في ذلك القارب الذي يمتطي الرياح والعواصف، كانت عيونهم عطشى للوصول الى برّ الأمان وهم ينصبون شراكا في جنة احلامهم المزدانة بالرجوع يوما. بعضهم يقرأ الكلام في صمت الآخر. رغبة الأمواج تُفقدهم اللذة ونكهة الملح. أطفال ترتعد من لسعة البرد والخوف ... عيونهم جاحظة من تلك الرياح التي تحاصرهم والغيوم تلتفّ حول أعناقهم. رُضّع تبكي وأمهاتهم يتبعثرن فوق أكُفّ القدر والقارب يدرع بهم بدون رحمة عرض البحر ...يتمايل مع أمواجه العاتية التي تتلاطم عليهم وترمي بوجههم عويلها وظلامها... تُبلّلهم فتزيد من آلامهم. شباب تصرخ محاولة الضغط على اطراف القارب والنساء متجهمات تبكي. فضّلوا غدر البحر عن نيران اليابسة ... تائهين يرصدون خرائط يأسهم من شرفة السماء ... كانوا وشيعة للريح والصقيع ... لا طعام .. لا ماء .. ولا مال. اختاروا طريقهم بعيدا عن القتل والسفك. هائمون على وجوههم إلى أن قذفت بهم الأمواج الى جزيرة السلام. نزل الجميع من تلك الزوارق مبللين منهكين الى الشاطئ. وسليم بينهم في صمت يتطلع الى الجزيرة، كان يشعر بنوع من الاطمئنان حين شاهد ثلاث رجال في انتظارهم. كرسوا أنفسهم لمساعدة اللاجئين على تلك الجزيرة. بدأ الشباب يقفزون من القارب وتوجه الجميع الى الشاطئ فرحين. مشوا نحو اليابسة حيث الأشجار وطريق للسكك الحديدية. وجدوا مئات من اللاجئين من قبلهم قدموا هاربين من اوطانهم المحترقة التي تركوها من ورائهم. منهم من دامت رحلته عدة أشهر وهناك من دامت اعواما إلى أن وصلوا لأول مرة الى جزيرة السلام. كانوا يسلمون على بعضهم فرحا للنجاة من الغرق فهناك زوارق كثيرة ابتلعتها المياه إلى قاع البحر. ظلوا يمشون ساعات على طول سكة حديدية، تطوف عليهم ظلال الوداع وهم يحملون أمتعتهم خلف حدود الحياة. يمشون افواجا كقطار يسافر فيه جميع البشر، يسيرون الى أن أبصروا بيوتا من القش على شكل خيم ... وعدد كبير من اللاجئين. كان سليم يقفز من الفرح وينظرالى سيدة شابة بجانبه تحمل ابنها. ينظر اليها ويقول في فرح: "وصلنا الحمد لله". ابتسمت الشابة له فهي مثله لا تعرف أن تلك الاكواخ ككهوف يسكنها بدائيين. كسجن كبير مكتظ باللاجئين .. اوضاعه مأساوية... مياه ملوثة ...لا ماء ولا مراحيض ... قطط وفئران تحوم وتجول من حولهم ونقص في كل شيء. سليم ذلك الطفل الذي لم يبلغ سن الرشد، يحمل هموما اكبر منه ....لم يجد هناك من يسمع همس أحلامه المستلقية على جفنيه ... كان صامتا ورأسه منحن وسط ذلك الزحام متدليا فوق حياة يدثرها الوجع. احلامه اختفت وابتسامته اندثرت. دموع من الحاضر المرير في عينيه وخوف من الاتي المجهول ... يشعر بالاحباط والتيه ... كان يجلس مقرفصا تحت حرّ خيمة .. يهدّه التعب ويؤرقه النوم ... يشعر بالعطش والحزن عن اللا انسانية حتى في تلك الجزيرة ... لا احد في العالم يشعر بهم أو يفكر فيهم. منتشرين متشردين بين ذهول ووحشة لا تنام ...وبين تلك الحدود أحيانا يُقصفون بقنابل غازية من الجنود ... هربوا من من قنابل أوطانهم لتستقبلهم اخرى غازية تُقصف عليهم حتى لا يقطعون الحدود ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي


.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل




.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي