الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصيمي.. من الوهابية الى الالحادية3/ 3

داود السلمان

2020 / 6 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مرحلة المراجعة:
بعد ذلك طفق القصيمي يتأمل ويراجع ما كتبه ويقيسه بواقع المسلمين الراهن، وما يمرون به من نكوص مقابل عالم يعجُ بالحراك: العلمي والفكري والصناعي، والمسلمون يراوحون في مكانهم كالآلة الصماء، أهرقوا مائهم على سراب تراث تاريخه اربعة عشرة قرنا أو تزيد، وجده القصيمي لا يسمو بمجتمعات تعيش عصر العلم والثقافات المختلفة. فهم يتقدمون والمجتمعات الاسلامية تعود القهقرى، بسبب كم هائل من الفتاوى لا تسمن ولا تغني من جوع. فراح يخاطب نفسه، ويشاور عقله، ويروم بوضع حلول ناجعة، إن استطاع الى ذلك سبيلا، لإنقاذ ما يمكن انقاذه.
وهذه الفترة قدرها بعض الكتاب والباحثين بثمان سنوات، عاشها القصيمي ما بين شد وجذب، وهذه السنوات تكفي لرجل مفكر ومبدع أن يتخذ قرارا حاسما، لما سيفعله مستقبلا لعله يساهم- ولو مساهمة يسيرة - في انتشال الامة من الغرق المحدق بها، ومن السبات الذي امسك بتلابيبها، ودعاها مشلولة الحركة.
فالأمة هذه التي انجبت الفارابي ابن سينا وابن الهيثم وابن النفيس والكندي وابن رشد وابن خلدون والغزالي، وغيرهم الكثير، حريٌ بها أن تنهض من كبوتها.
وطرح القصيمي كل ذلك- فيما بعد – في كتابه "هذه هي الاغلال". حيث اعتبر أن ثمة اغلال تُكبل الامة وتضعها في سجن افرادي، بعيدا عن العالم الخارجي. والاسباب (الامراض) هذه، حاول أن يشخصها القصيمي ومن ثم يعطي لهذه الامة المضاد الحيوي لعله يجدي فيها نفعا.
فما كان من الامة الا أن رفضت هذا الدواء، وفضلت أن تعيش تحت رحمة هذا الوبال الذي ينخر جسدها، وردت على صاحب المبادرة هذه (القصيمي) بالتكفير والمروق من الدين.
وكان القصيمي قد تنبأ بانبثاق الفكر الداعشي الإرهابي في البلاد العربية والعالمية، فقد كتب في كتابه «هذي هي الأغلال» الذي صدر عام 1946: «إن أعاصير رجعية مجنونة لتهب في هذه الآونة الأخيرة على مصر التي رضيناها لنا زعيمة، وإنها لتترنح تحتها، ولا ندري أتثبت أم تتهاوى تحت ضرباتها الوجيعة، لست أحاول هنا وقف العاصفة، فهي لن تقف. ولكنها ستنكسر على الشواطئ الصخرية، ستذهب مرتها في انطلاقتها في هذا الفضاء الرحيب، وفي دورانها حول نفسها، وحينئذ نرجوا أن توجد العوامل التي تمنع هبوبها من جديد، أو لا توجد العوامل التي تجعلها تعصف مرة أخرى».
فتحول الى مرحلة أخرى، هي الاكثر اهمية في حياته، الا وهي.
مرحلة الشك:
العديد من الفلاسفة قد مروا بمثل هذه المرحلة الحاسمة من حياتهم، ثم خرجوا بنتائج قبلوها من انفسهم لأنفسهم. واذكر هنا ثلاثة فلاسفة مهمين، والقصيمي رابعهم: أوغصطين، الغزالي، وديكارت، كل واحد منهم خرج بمحصلة نهائية. ثم اخيرا مفكرنا القصيمي.
انتاب القصيمي الشك وراح يساوره، وهو الشك المنهجي، أي أن الانسان يشك لا لأجل الشك، وانما ليصل الى نتائج مثمرة، وقيم سامية غير التي اكتسبها من محيطة.
وفي هذه المرحلة اصدر مجموعة من الكتب، كان منها: "لئلا يعود هارون الرشيد" و "الإنسان يعصي لهذا يصنع الحضارات". فضلا عن غيرها، وفي هتين الكتابين نقد واضح لما تمر به الامة الاسلامية من اوضاع مزرية، وتخلف عن ركب التقدم الانساني والحضاري. وكذلك فيهما نقد للتراث ولرجال الدين من الذين استغلوا الدين لأهداف ومصالح شخصية، وراحوا يبثون التفرقة من خلال فتاواهم. بعكس كون الدين له رسالة انسانية تدعو الى الرفع من شأن الانسان، وتطالب بحصوله على مصالحه، ومن ثم تخدمه، لأن الدين وُجد لخدمة الانسان، لا العكس. على اعتبار أن دستور الدين بُني على قواعد اخلاقية وانسانية واجتماعية، وطقوس معينة بهدف الطاعة لله وللرسل الذين بعثهم بهذا الخصوص، وفق مبدأ ما آتاكم الرسول: فخذوه.

مرحلة الالحاد:
بعد مرحلة الشك، والتي كانت مرحلة حاسمة بالنسبة للقصيمي، تحول الى مرحلة الالحاد، فأعلن تمرده على الاله وعلى الدين، من خلال كتبه الاخيرة، ومنها: "الكون يحاكم الاله" و " يا كل العالم لماذا أتيت؟" وسوى ذلك.
ومن خلال الطرح الذي قدمه القصيمي في جميع كبته الاخيرة، باتت آرائه وافكاره واضحة للعيان، وهي رفض الدين جملة وتفصيلا، وعدم الايمان بهذا الرب الذي ارسل الانبياء والكتب لتكوين الاديان، لأنه القصيمي اكتشف أن الاديان هذه ساهمت بتخلف البشر بدل من أن ترفع من شأنه، وتنير دروبه. بعكس اللادينيين واللاأدريين والملاحدة الذين نهضوا بصنع الحضارات من خلال الاكتشافات والتطورات التي ساهموا فيها، وكذلك ما قدموا للإنسانية من منجزات عظيمة على مدى التاريخ، بحسب القصيمي.
وكانت ردود الافعال التي تلقاها القصيمي من خصومه، الذين كانوا في يوم من الايام، هم من لاذوا بأطروحاته ومناقشاته وردوده الصادمة لأعدائهم. كانت الردود تكفيره واهراق دمه، اذ تعرّض لعمليتين اغتيال بائتا بالفشل.
فغادر القصيمي الحياة وفي حلقه غصة، وبفهمه مرارة، لأن الامة ظلت على ما هي عليها: من اوضاع لا تُحسد عليها.
لكنه ترك للأجيال القادمة ارث فكري كبير، وجهد ذهني فذ، بغض النظر عما يحمله ذلك الارث من افكار قد لا تنسجم مع أناس، وقد تنسجم مع آخرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جون مسيحة: مفيش حاجة اسمها إسلاموفوبيا.. هي كلمة من اختراع ا


.. كل يوم - اللواء قشقوش :- الفكر المذهبي الحوثي إختلف 180 درج




.. الاحتلال يمنع مئات الفلسطينيين من إقامة صلاة الجمعة في المسج


.. جون مسيحة: -جماعات الإسلام السياسي شغالة حرائق في الأحياء ال




.. إبراهيم عبد المجيد: يهود الإسكندرية خرجوا مجبرين في الخمسيني