الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدنيا دار اختبار، لكَ فيها حرِّيّة الاختيار

مصطفى حجي
(Mustafa Hajee)

2020 / 6 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يقول قائل: "إنَّ الله خَلَق الدنيا دار اختبار وامتحان، ومنحك حرِّيّة الاختيار فيما تفعل فيها فأنت حر...
لكن إذا أردتَ أنْ تفعل فيها ما لا يُريده الله فسيغضب منكَ وسيشويكَ في الجحيم إلى الأبد!!!"...

وهنا دعوني أَسأل: ما قيمة حريّة الاختيار إذا كانت ممارستها قد تجلب في بعض حالاتها عواقبًا غير ضروريّة؟، أليس مِن بديهيّات حريّة الاختيار أنْ يُعرض عليَّ العقد بشروطه وقواعده قبل أنْ أقبل به وأوَقِّع عليه، أنْ يَتمَّ عرض خيارات [تجربة الاختبار] عليَّ قبل بدايتها كي أقبل الخوض فيها أو أرفض الخوض؟
ربَّما إنْ كان ذلك لقلتُ: أعتذر، أنا لا أريد الدخول في تلك المدرسة ولا أرغب بتقديم الامتحان فيها، لا أريد أنْ أخوض بالتجربة... حريَّتي تقول أنّي أريد العدم، لا أريد الوجود.

مِن هذا يَتوضَّح لنا عدم صحّة نظريّة أنّنا مخيَّرون مِنْ عند الإله فالفكرة مِن الأساس لم يتم عرضها علينا كي نقبل بها أو نرفضها، بالتالي هي فُرِضتْ علينا فرضًا دون اختيار منَّا.
(إذا فسدت البداية والانطلاقة فستفسد الفكرة بأكملها).

هذا بالنِّسبة لموضوع حريَّة الاختيار والإرادة الحرَّة، أمّا عن فكرة أنَّ الدُّنيا دار امتحان واختبار فخُذ التَّالي:

لِنحاول تبسيط صورة هذا الاختبار ولنطرح إجراءاته ونتصوّرها وعلى هذا الأساس نحكم عليه إنْ كان اختبارًا عادلًا أم لا.

-- مدَّة الامتحان غير منصفة للجميع فالبعض يأخذ حظَّه مِنَ الوقت في الإجابة، والبعض الآخر تُسحب منه ورقة الامتحان قبل أنْ تتسنّى له فرصة الإجابة...
(إنَّ مِن شروط الاختبار العادل أنْ تُعطى نفس المدَّة للجميع، لكن هذا لا يحدث في الدُّنيا فمِنَ الناس مَنْ يعيش عشرين أو ثلاثين سنة، ومنهم مَنْ يتجاوز السَّبعين والثَّمانين، منهم يعيش عمرًا أقل، ومنهم أكثر).

-- معظم الطلَّاب يُذاكرون ليَجدوا في النهاية أنَّهم كانوا يَستذكرون دروسهم خارج المنهج المقَّرر دون أنْ يَعلَموا أنَّ مناهجهم ملغيَّة فيرسبون إثْر هذا...
(معظم النَّاس يُولَدون على دينٍ غير الإسلام «ويظنّون أنّه الدِّين الحق» فيعملون بتعاليمه ويلتزمون قوانينه ويفعلون المقبول فيه ويَتجنَّبون المكروه، ثُمَّ بعد مماتهم يتفاجؤون بأنَّ دينهم لَمْ يَكُن الصحيح وقد كانوا على ضلال «رغم ظنّهم في دنياهم أنّه الحق» فيُرسَلون إلى الجحيم).

-- بعض الطَلَبة توفَّرتْ لهم فُرص ذهبيّة للمذاكرة والاستيعاب، وتَلَبَّتْ لهم كل أدوات المساعدة وبالتالي يكونون قد حصلوا على فرصة تُسهِّل عليهم تقديم الامتحان، ثمَّ يُمتَحنون في غُرفٍ نظيفةٍ مكيَّفة، والبعض الآخر من الطَلَبة يذاكرون في إسطبلٍ للخيول أو في مستودعٍ للخردة دون أيَّة أداة للمساعدة وتحت أقصى الظروف صعوبة...
(مِنَ النّاس مَنْ يُولَد على الإسلام «الدِّين الحق» ويعمل به ويبقى عليه، بالتَّالي تكون فرصة دخوله للجنَّة عالية في الآخرة، ومنهم مَنْ يُولَد على غير الإسلام كما أسلَفنا ويبقى عليه ظنًّا منه أنَّ دينه الموروث هو الدِّين الصحيح، فيَتعبَّد به وغالبًا لن تَسنح له فرصة دراسة الإسلام والاطّلاع عليه ومِنْ ثُمَّ يَقتنع به ويَعتنقه كي يَحظى بالجنّة، بل إنَّ منهم مَنْ لم يسمع بالإسلام قَطْ فيرسب نهايةً في الامتحان فيُعاقَب بالنار).

أيضًا أودُّ أنْ ألفت النَّظر إلى أمرٍ آخر...

مِنَ النّاس مَنْ يُولَد في دولة غنيّة متقدِّمة وفي عائلة مُقتَدرة، بالتالي يَحصل على جميع حقوقه في الحياة ويعيش بأفضل صورة، ويُحقِّق جميع ما يَطمح إليه...
على الطرف الآخر مِنَ النّاس مَن يُولَد في دولة متأخِّرة غارقة في التَّخلُّف، وفي عائلة فقيرة محكومة بعادات وتقاليد عفى عليها الزَّمن، لا يحصل على أبسط حقوقه، لا هدف له في الحياة سِوى تأمين لقمه عيشه، منهم مَنْ يكونُ عبدًا لمجتمعه وأهله فلا يَملك قرارًا مستقلًّا يَخصُّه (كالإناث اللواتي لا يحظَينَ على نفس فُرص الذُّكور).

حسب المعطيات السَّابقة نرى أنَّ اختبار الدُّنيا ليس اختبارًا منصفًا عادلًا؛ ذلك لأنَّ مِنْ شروط الاختبار العادل أنْ تُعطى نفس الفُرَص للجميع في الظروف ذاتِها، وهذا ما لا يحدث في الدُّنيا مِمَّا يُعطِي الحقَّ لنا بالتَّساؤل هنا:

ما ذنب مَن حظِيَ بعمرٍ أقلَّ مِن غيره في دنياه واختباره (عاش سنينًا أقل)؟.

ما ذنب مَن يُولَد على غير الإسلام في بيئة غير إسلاميّة، ممَّا يجعله ذو فرصةٍ ضعيفة ضئيلة بعيدًا عن «الدِّين الحق»، ولِماذا يوجَد غيره يكونُ قد وُلِدَ على الإسلام وأورث له المجتمع هذا الدِّين ممَّا يجعله يحظى بفرصة أفضل؟

هل هذا اختبار عادل حقًّا؟! هل جميع النّاسِ يعيشون نفس الظُّروف ويحصلون على ذاتِ الفُرص؟.

اختبار عادل!!!
- لا أظن هذا -

تحيّاتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعمير-لقاء مع القس تادرس رياض مفوض قداسة البابا على كاتدرائي


.. الموت.. ما الذي نفكر فيه في الأيام التي تسبق خروج الروح؟




.. تعمير -القس تادرس رياض يوضح تفاصيل كاتدرائية ميلاد المسيح من


.. تعمير -القس تادرس رياض: كنيسة كاتدرائية ميلاد المسيح مرسومة




.. تعمير -القس تادرس رياض: كنيسة كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصم