الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إستعمار أجنبي حديث بلبوس ديني

وائل المبيض

2020 / 6 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لطالما إدعت السلطات الدينية على مر الزمان، بأنها سلطات ربانية، وأنها حملة المفاتيح إلى الحياة الآخرة، وأنها تمثل مشيئة الإله على وجه البسيطة؛ وسبيلها لتحقيق ذلك، هما القوتان التقليديتان اللتان ما فتأت السلطات الدينية يوما عن إستعمالها، تخويفهم بالنار تارة، وبث الأمل فيهم بنعيم الجنة تارة أخرى.
إن الناظر بعين ناقدة للحركات الإسلامية، يجد أن دفاعهم الشديد والمخيف عن الدين، ليس من باب الحرص/الحب، بل لأن الدين أفيون الشعوب - بتعبير كانط، الدين هو مصباح تأمين المصالح السحري بكل سهولة ويسر، الدين عندهم وسيلة بذاتها لإستعباد الشعوب وقهرهم، بهدف السيطرة السياسية في لبوس ديني، لأجل تحقيق مصالحهم ومآربهم الشخصية.

وفي الحقيقة ثمة مؤثرات داخلية لدى الأفراد، تساعد هذه الحركات بالتلاعب بهم وبالتأثير عليهم، حتى تتطبع نفوسهم بهذه المؤثرات، ليسهل التحكم بهم، لا كأشخاص يمتلكون عقولا، بل كدمى خشبية.
هذه المؤثرات حقيقية لدى الفرد ومكون أصيل في شخصيته، وهي بدورها من تفتح الباب على مصراعيه أمام دخول الحركات الإسلامية، هي أس القابلية للإستعمار بتعبير المفكر الجزائري مالك بن نبي، والعبودية الطوعية بتعبير القاضي الفرنسي لابويسي، والإستحمار بتعبير المفكر الإيراني علي شريعتي.
أهمها:
الروح الدينية لدى الأفراد، التي تتجلى في الخوف والرغبة في الخلود. في هذا السياق يقول برتراند راسل: "إن الخوف أساس الدين"، وهو ما يؤكده قول فيورباخ " الدين مرتبط بالخوف". الخوف من الفقر والهزيمة والأشياء الخفية التي لا يمكن تفسيرها. ففي زمن الحروب والهزائم والنكبات، والأحوال الإقتصادية والسياسية السيئة، تبزغ الروح الدينية لدى الأفراد، وبالتالي فهم يهرعون إلى المساجد والكنائس ليستعطفوا الإله أن يرحمهم ويزيل عنهم الغمة.
إذن فهناك تربة خصبة لدى الطبقة البسيطة في المجتمع، لإستقبال أيديولوجيا جماعات الإسلام السياسي، والتي بدورها تستغل الدين كأداة وظيفية، بهدف السيطرة على العقول لتحويل الأفراد إلى مؤيدين، بإستثارة عواطفهم وأحاسيسهم بالخطابيات والشعارات الرنانة التي تخاطب الروح بعيدا عن إعمال العقل.
لتصنع الدوغمائيون الذين يزعمون القبض على الحقيقة المطلقة، وهم كالروبوت، لا مفاجآت تعترض طريقهم، ولا أشياء مجهولة تثير مخاوفهم، كل تساؤلاتهم تمت الإجابة عليها، كل قراراتهم اتخذت مسبقا، وكل الإحتمالات عرفت، لذلك لا تجد في قواميسهم حيرة أو تردد، نفذ ينفذ، لا يمتلكون عقولا تفكر، تفكيرهم ينبع من آذانهم بالنقل عن زيد وعمر.
مما سبق ذكره، نتفهم العلاقة بين الدين وبين حركات الإسلام السياسي وبين الشعوب، بمعنى أنها الأكثر كفاءة بإستعباد الشعوب وإضطهادها بإسم الدين والإله، دون أدنى معارضة تذكر، في ظل غياب الحركات القومية عامة واليسار خاصة.

إن تأثر الإحتلال الصهيوني من صمود و تضحيات وبطولات الثورة الفلسطينية، دفعته إلى المنطق الأرسطي، بصناعة النقيض للأخر للحركة الوطنية، لتصبح المعادلة كالاتي: ثنائية النقيض والثالث مرفوع.
وبالتالي فتفهم الإحتلال لهذه الجزئية، سمحت بظهور الحركات الإسلامية، وهو ما تجلى بالسماح لترخيص المجمع الإسلامي في غزة، سبعينيات القرن الماضي، والذي بدوره أدى إلى ظهور حركة حما س بداية الإنتفاضة الأولى، لتكون الند والنقيض للحركة الوطنية الفلسطينية.
إن هذا المخطط الذي أثبتت الأيام والسنين صحته، والذي يعطينا أيضا دلالة واضحة عن نية الإحتلال المبيتة والمسبقة إزاء أوسلو. لهو أخطر فصل من فصول القضية الفلسطينية، والذي تأسس على نظرية مصغرة من صراع الحضارات صمويل هنتنجتون، المتمثل في إستراتيجية ثيودور هرتزل والتي بالمناسبة، قد طبقت في غالبية الأقطار العربية"كل شعب ينقسم إلى قسمين يصبح في قبضتنا".
الجدير بالذكر هنا، أن الإحتلال الصهيوني لم يبتكر أدوات جديدة، بقدر ما أجاد العزف على أيقونة الإختلافات الرؤيوية والأيديولوجية لدينا، فعمل على تغذيتها وتفعيلها لضمان إستمرارية الإنحطاط و الإنقسام والتبعية للبيادق التي بدورها ترتهن للإمبريالية والإحتلال بشكل أو بأخر.
إلى أن جاء إنقلاب 2007، وفجر نيوما الإستثناء- بتعبير إدموند هوسرل، وتعرت الحقيقة آنذاك أمام العالمين.
ليكتب التاريخ بحبر لا تمحيه الأيام ولا الأحلام، أن حما س ومنظمة التحرير ليسوا جماعة واحدة، بل جماعاتان، كل واحدة منهما لها مخيلتها وهويتها وسرديتها ورؤيتها لنفسها وتمايزها عن غيرها. نحن لسنا شعبا واحدا، بل جماعات لم ترق بعد لتكون مجتمعا، نحن نعيش ولا نحيا في بلد ادق ما وصف به هو ما عنونه كمال صليبي لكتابه " بيت بمنازل كثيرة".
ومع أنني لست من هواة مقولة"نحن أبناء اليوم"، لنتغاضى عما سبق، وهذا محال، لكن دعونا نرى إلى أين وصلت حما س اليوم، ماذا قدمت للشعب الفلسطيني، طيلة فترة حكمها!
وإليكم أهم الإنجازات:
- حولت الصراع الفلسطيني مع العدو لصراع ديني، يصب في صالح العدو، لتحشد إسرائيل جيش عرمرم من الأصولية المسيحية والانجليكانية و يهود العالم ضد الفلسطيني الأعزل.
- إقامة دولة في غزة، تمهيدا لإعلانها كإمارة إسلامية عندما تسنح الظروف بذلك، وفصل غزة عن جسم المشروع الوطني الفلسطيني، وبالتالي تقسيم الشعب الفلسطيني إلى قسمين متناحرين ومشروعين متناقضين.
- تغول الإحتلال في إنتهاك وقرصنة الحق الفلسطيني جهارا نهارا.
- تطبيق التنسيق الأمني مع إسرائيل بلبوس التفاهمات.
- نقل المفاوضات من الحدود إلى السردين.
- فشل ذريع في مشروع المقاومة المسلحة.
- فشل ذريع في تطويع المقاومة السلمية " مسيرات العودة"، وإساءة إستعمالها كوسيلة وطنية نبيلة.
- الإرتهان للخارج " اخوان مسلمين، قطر، تركيا، ايران".
- آلاف الشهداء والجرحى.
- جيوش جرارة بمئات الآلاف من العاطلين عن العمل.
- إنتشار حالات الإدمان على المخدرات والقتل والسرقات و الأخطر الإنتحار.
- تدمير النسيج المجتمعي وتفككه.
- الحرة تأكل بثدييها.
- تدمير ممنهج لمفهوم المقاو مة والوطنية والوطن، والخيانة والعدالة.
- إنعدام الحرية و قيم الديمقراطية وتحويل غزة إلى بقعة ديستوبية.
- هجرة الآلاف إلى الخارج بحثا عن حياة كريمة.
هذا غيض من فيض، والقائمة السوداء تطول!

ختاما /
نضالنا اليوم مركب، ما بين الحركة الوطنية المختطفة و إنفراد الإسلام السياسي بحكم غزة وما بين الإحتلال الصهيوني !
ما يحتم علينا ضرورة المسارعة إلى عملية تربوية وثقافية طويلة وبطيئة لنتخلص من هذا العفن الفكري وترسباته في بنية المجتمع، التي تسمح بإستحمار وإستعمار عقولنا من الداخل والخارج.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال