الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البني آدم والانسان...

عبد السلام الزغيبي

2020 / 6 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قلم/ عبد السلام الزغيبي

ما صادفته من أحداث في حياتي دعاني الى التفكير في اخلاق الناس، وكيف يمكن ان تخدعك مظاهرهم مهما ظننت انك قد بلغت من الخبرة بالحياة، بما يكفي لمعرفتهم، وبدأت أتسأل عن المعنى الحقيقي لكلمة انسان ومن يستحق ان نطلق عليه هذا الوصف ومن لا يستحقه.

ربما تتفق جميع الكائنات الحية وليس الانسان وحده في عدة خصائص، مثل التوالد والطعام والمشي والتنفس والوقوف" البعض على اثنين والبعض على اربعة" وهذا كله لا تجعل الكائن الحي انسانا، وربما يقول أحدهم ان الفارق بينهما هو التفكير، لكن هذه الخاصية ليست كافية للحكم لتمييز الانسان عن الحيوان، ربما هذا الشخص المتعلم المفكر لايحمل في قلبه ذره من العطف والحنان وحسن معاملة الناس، وهو الشئ الوحيد في نظري الذي يجعله جديرا بوضعه في خانة الانسان ، فاذا فقد هذه الصفات لايهمني اذ كان متعلما ام جاهلا غنيا أو فقيرا، فهو آدمي، لا يرقى لدرجة الانسان المتكامل النزيه.

هذا الانسان المتكامل النزيه، هو من بحث عنه الفيلسوف اليوناني ذيوينيس الكلبي ( Διογένης ο Κυνικός )، (نحو 421 - 323 ق م). يُعتبر من أبرز ممثلي المدرسة الكلبيّة الأوائل. ولد في سينوب بتركيا، ودرس في أثينا على انتيستنيس. قال صاحب الملل والنحل: «كان حكيما فاضلا متقشفا لا يقتني شيئا ولا يأوى إلى منزل.» عاصر الاسكندر المقدوني،خلال تواجده في أثينا وكان له موقف بسيط وعميق في نفس الوقت، اذ شاهد الاسكندر"ذيوينيس " وهو قابع في جوف برميل متهالك، فاقترب منه، وقال له: «إنني أستطيع مساعدتك أيها الرجل، فاطلب ما تريده، فقال له ذيوينيس: أريد شيئاً واحداً منك، ابتعد فأنت تحجب عني أشعة الشمس». ويقال ان القائد المقدوني قل يوما «لو لم أكن الاسكندر لوددت أن أكون ذيوينيس ».

كان ذيوينيس يؤمن بأن الفضيلة هي سر الحياة وسر السعادة، وأنها أيضاً المعرفة، وقد سبق وقال بهذا التوجه سقراط، والذي لا يعلمه ديوجين أن آراءه وفلسفته، باتت تياراً من تيارات الفلسفة حتى اليوم يسمى الكلبية، وهي ترى أن السعادة هي المقدرة على التخلي عن كل شيء، وأن السعادة تتحقق عبر تمكننا من الاستغناء والاكتفاء. وتميز ديوجين عن أتباع المذهب الفلسفي الكلبي بأن هو من قام بتطبيقه عملياً، وهو يحاول من خلال هذا أن يثبت للناس أن الفضيلة واقع وليست آراء أو نظريات فقط.

بطبيعة الحال كان فقيراً فلم يكن يملك شيئاً، ولكنه تميز بقوة ضبط النفس والتقشف والزهد، وأيضاً بمقاومته لشدة برودة الشتاء أو لشدة حرارة الصيف، وفي اللحظة نفسها كان يرفض التبذير والإسراف والترف.

إتخد "ذيوينيس" نمط حياة ،شكل صدمة للمجتمع والنخبة الأثينية. الرجل إتخد من برميل خشبي مسكنا له ،قضى بداخله أكثر من نصف عمره ،والذي إمتد إلى تسعة عقود . كان يجوب أزقة وشوارع أثينا حافي القدميين ،مرتديا معطفيا قطنيا أسود اللون ،مستندا إلى عصاه ، حاملا في يده قنديلا متقدا ، حينما سأله أحدهم ،لما توقد القنديل ،ونور الشمس يلف المكان؟ كان جوابه : أنا أبحث عن الإنسان ..أرى رجالا كثر ..لكن لم أصادف بعد إنسانا !

اليوم نحن جميعا اكثر الحاحا للخروج لحمل مصباح ذيوينيس الذي لم ينطفئ منذ تلك الحقبة الغابرة، منذ ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد وحتى اليوم، ذلك المصباح المضيء الذي كان يجول به في الأرجاء، يبحث عن الوفاء والاحترام والأمانة والصدق والإخلاص، وجميع القيم النبيلة،والتي فقدناها منذ زمن، وفقدنا معها الانسان النزيه، وهو النواة الاولى المكونة للعالم الفسيح الذي نعيش فيه وبدونه لامعنى لوجودنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا