الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تنوير أهل العراق ..... هل يعرف العراقيون بعضهم ؟ الجزء الثاني

علي وتوت

2006 / 6 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أولاً - الجماعــات الفاعلـــة
يعيش الأفراد في جماعات متنوعة، وتتبدى المشكلة في علاقة الفرد بالجماعة، فمن المعروف أن الجماعة ذات تأثير واضح على الفرد. إذ يؤكد المختصون على أن تأثير الجماعة هو المحدد العام لتكوين اتجاهات الأفراد وتغييرها، وما يؤثر فيهم من نواح متعددة. فالجماعة الاجتماعية تتكون من مجموعة الأفراد المتفاعلين في شبكة من العلاقات الاجتماعية. فهي من حيث المنطوق العام وحدة اجتماعية ملموسة يمكن ملاحظتها، ولها وضع اجتماعي يشتمل على أدوار فردية وعلاقات بين الأفراد، ولها سلوكيات معينة، وهي تحقق مصالح مشتركة لأعضائها، كما أنَّ لها نشاط اجتماعي.
وأهم الجماعات التي تصوغ اتجاهات أفراد المجتمع في العراق هي:
1) العائـلة Household : تشكل العائـلة وحدة اجتماعية مختلفة لا تتواءم مع متطلبات المجتمع المتحضر، فهذه الجماعة برغم أنها تعيش في دار واحدة وتربط أعضاءها علاقات اجتماعية متماسكة، إلا أنها تضم أجيالاً عدة في العادة لا تقتصر على الوالدين والأبناء، بل إنها قد تشمل الأحفاد (وحتى أبناء الأحفاد في بعض الأحيان). فالأبناء لا ينفصلون مع أسرهم عن بيت العائلة الكبير حفاظاً على ديمومة العلاقات المتماسكة بشكل كبير والتي تقوم مراعاة للأعراف والقيم الموروثة، وليس الجذب الجنسي والمعاشرة الجسدية التي تقوم بين الزوجين، مثلما هو عليه حال الأسرة في المجتمعات الصناعية الحديثة، وليس اعتماداً على المصالح والأهداف المشتركة التي تربط بين الآباء والأبناء، بالرغم من وجود هذه المصالح والأهداف.
إن القضية هنا كما يصفها أحد الأنثروبولوجيين العرب تبدو (نوعاً من النسق أو السيستام المجتمعي المتكامل والقائم منذ أمدٍ طويل، والذي يبدو صعباً كسره أو الإخلال بشروطه). فالعائلة لا تقع في نطاق هذه المؤسسة، فقط الأسرة الفردية الحديثة هي التي تقع في نطاقها. ونحن نعرض للأسرة بمعنى آخر كحالنا عندما نقول إن شخصاً ما عضو في أسرة ممتدة. ففي هذا المعنى لا تعـّد الأسرة مؤسسة. بل إن العائلة أهم الجماعات الفاعلة في المجتمع في العراق المعاصر، تعد من قبل المختصين من الجماعات ما قبل الحديثة أو ما قبل المتحضرة.
2) العشيرة Clan : ليست العائلة هي جماعة الانتماء الفاعلة الوحيدة في مجتمع العراق، بل هناك انتماءات أخرى تفرض بنفسها وبقوة على الأفراد في هذا المجتمع، منها الانتماء العشائري والقبائلي. والعشيرة هي جماعة الأفراد ذات الأصل الوراثي الواحد، وعادةً ما يعتقد أفراد العشيرة الواحدة في وجود جد واحد مشترك، وأحياناً يكون ذلك الجد شخصية أسطورية. فالقبيلة جماعة تتميز بقيامها على أساس التسلسل القرابي الواحد، أما من جانب الأب (أي أبوي) أو من جانب الأم (أي أمومي النسب)، لكنه ليس بالضرورة مُشتَركاً، أو ناتجاً عن زواج خارجي، أو قرابة طوطمية، أو محلية. وتعد جماعة العشيرة وحدة مكانية لأنها تمثل امتداداً للعائلة، وتتميز بتسلسل قرابي معين يتفق مع نظام سكن خاص، إن هذه الجماعة لا يمكن إدراكها، إلا فقط بالإشارة إلى نسق القرابة، فهي تكوين قبلي متحرك، مأخوذة إفرادياً أو في جماعها.
أما القبيلة Tribe فهي جماعة أكبر من العشيرة، وهي تضم عادةً عدداً من العشائر التي تنتمي أو تشعر بالانتماء إلى قرابة طوطمية واحدة. وهي وحدة اجتماعية متماسكة، تتمتع بدرجة من الاستقلال السياسي.
وتنقسم القبائل الكبيرة إلى عشائر، والعشائر إلى بطون والبطون إلى أفخاذ. ويحكم القبيلة الكبيرة شيخ للمشايخ، فهو آمرها المطاع ورئيسها الأكبر (كرئاسة آل السعدون فيما مضى لقبائل المنتفق، وآل فرحان لقبائل شمر على سبيل المثال )، ويرأس العشيرة والبطن الشيوخ، ويرأس الأفخاذ الرؤساء. ويختلف نفوذ شيخ في العشيرة أو البطن بالنظر إلى مقدرته على إدارة العشيرة ومقدار ثروته وعلاقاته برجال أسرته وكثرة ذويه وأقاربه وهلّم جراً. وكثيراً ما يتنعم الشيخ بنفوذ أبيه وجده الذي ترأس العشيرة فيما مضى.
إن الباحث حين يتناول العشيرة والقبيلة بالتحليل مشيراً إلى أهميتهما في المجتمع ، فإنه يشير بالمثل إلى دورهما في الممارسة السياسية في الدولة الحديثة في العراق، وأثر ذلك كله في قضية حقوق الإنسان وضماناتها، ذلك أن ممارسة السلطة في العراق اعتمدت كثيراً على العشيرة (القبيلة) كأهم الجماعات المرجعية في شخصية الفرد العراقي، بالضّد من اعتبارات الكفاءة والتحصيل و... ما إلى ذلك من مفاهيم دولة المؤسسات ومجتمع القانون. وباعتبار أن هذا المفهوم يقود إلى ما أشار إليه بن خلدون من العصبية، وتمكين (ذوي القربى) حتى ولو كانوا غير مؤهلين لإشغال مناصبهم، بدلاً من الاعتماد على ذوي الكفاءة من الأغراب ممن يتمتعون بثقة الناس واحترامهم أو ممن لهم نوع من التمثيل الديموقراطي الحر. فإن ذلك بالضرورة يقود إلى ضياع حقوق الكفاءات والتحصيل العلمي في تبوأ المناصب القيادية بحجة عدم الولاء العشائري أو القبلي، والذي كما هو واضح دائماً يختلف عن الولاء الوطني، فجماعات العشيرة أو القبيلة، ومن قبلهما جماعة العائلة لا تعني الوطن.
ومع أن العشيرة والقبيلة ما تزال وحدات اجتماعية قوية في الأرياف والقرى, والبلدات Towns (وهو حال معظم ما يسمى بمدن العراق), فإنها ليست قوية في المدن الكبرى، لكن هذا ليس مطلقاً أيضاً، ففي ظل انتكاس الدولة في العراق مثلاً، لمرات عدة، عادت هذه التجمعات لتأخذ حيزاً مهماً - على الرغم من صغره- في تسعينات القرن الماضي، لكنه أكبر مقارنةً بعقدي السبعينات والثمانينات من نفس القرن. إذ لم يبق من العشائر سوى حمولاتها وبيوتات قائدة, وهي تقتصر إلى الوحدة الباطنية والتجانس. بعضها ما يزال قوياً, وبعضها ليس سوى اسم مندرس. وهي تتحول في المدن إلى حركات ومنظمات اجتماعية, تجمع أيديولوجيا القرابة (التقليد) بالعمل الحزبي الوطني (الحديث).
ويورد لنا أحد الباحثين العراقيين أسماء ما يقرب من (244) عشيرة تنتمي إلى عدد من القبائل الكبرى، منها (16) عشيرة بدوية عربية [(من أهمها قبيلة (شمر) التي تنقسم إلى قسمين كبيرين هما (شمر جربة) و(شمر طوقة)، ينقسم كل منهما بدوره إلى عدد من العشائر والأفخاذ، وقبيلة عنزة التي تنقسم إلى عدد من العشائر والأفخاذ. (راجع: عباس العزاوي: عشائر العراق، بغداد، مطبعة بغداد، (أربعة أجزاء)، صدر الأول منها عام 1937 وآخرها في العام 1955)]، و(176) عشيرة ريفية عربية [من أهمها قبائل المنتفق وبني حجيم والخزاعل وبنو حسن وآل فتلة والجنابيون وآلبوسلطان والجبور وزوبع ودليم وعقيدات وبقارة وتسكن جميع هذه القبائل على ضفاف الفرات. وتنقسم كل منها إلى عدة عشائر وأفخاذ. فيما تسكن على ضفاف دجلة قبائل الإزيرج وبنو مالك وأبو محمد وأبو دراج وبنو لام وسواعد وربيعة وعزة وخزرج وبنو تميم وبنو أوس وعبيد وطي وتنقسم كل منها إلى عدة عشائر وأفخاذ (راجع:. طه الهاشمي: جغرافية العراق، بغداد، مطبعة المعارف، 1936، ط2، ص (104- 109) ]، وبالمقابل فإن هناك ما يقارب الـ (52) عشيرة كردية [منها قبائل هولمان وديزئي و كردي والجاف وخوشناو وغيرها الكثير، وتنقسم كل منها إلى عدة عشائر وأفخاذ (راجع:. طه الهاشمي: جغرافية العراق، بغداد، مطبعة المعارف، 1936، ط2، ص ( 109- 112)]. وتتفاوت هذه العشائر في أهميتها السياسية وفقاً لحجمها ومكانتها وملكيات شيوخها من الأراضي.
إن الانتماء القبلي والذهنية العشائرية هي الذهنية التي تحكم معظم أفراد المجتمع في العراق. إذ أن الانتماء للعشيرة، على الرغم من هشاشته، اثبت بأنه أهم وأقدر على حماية الفرد وضمانته وفرض احترامه في المجتمع من الدولة الضعيفة ، غير القادرة على حماية نفسها، كما هو حال الدولة في العراق. لكن بعضاً من هذه القوة كان يستند على محاولة النظام الدكتاتوري السابق تفعيل النظام العشائري في تسعينات القرن الماضي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم