الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب لك تنحني الجبال من مراثي الأحبة الجزء الخامس

بلقيس الربيعي

2020 / 6 / 15
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


لمناسبة اليوبيل الفضي
لإستشهاد البطل ابو ظفر




أحَبَّـهُ مَـنْ لم يبصرْه .. ورثاهُ مَـنْ لم يلتقِـه ..
تباهى به الجبلُ شقيقا ً له .. وتفاخر السهلُ به إبنا ..
به من الجبال شموخ القِـمَم .. ومن النخل انحناءُ السعف للكادحين
شفافٌ كدموع العشـق .. صلبٌ كمطرقة العامل ..حادٌّ كمبضع الجرّاح ..
دافيء كخبز ِ صباحات الفلاحين .. نقيٌّ كالسيف لحظة َ تجَرُّدِه من غمدِه ..
لم يكن بالمسافر ِ فأنتظرُ عودته على رصيف محطة ٍ ، ولا بالميت فأرثيه ..
منذ خمسٍ وعشرين دورة ِ شمس ، و " ظفرُ " تنتظرُ عودته ليمشط لها ضفائرها ..
منذ خمس ٍ وعشرين دورة شمس و " يسار " يؤجِّل أعياده ، مترقبا ً اللحظة التي يحطُّ فيها " هدهد " البشرى على نافذة عينيه
منذ خمس وعشرين دورة شمس و " بلقيس " تنسج أهدابها منديلا ً للفارس الذي طوى الدنيا على صهوة " كلاشينكوف " نحو الأبدية حيث الخلود ..
مـنذ خمـس وعشرين دورة شمس والصعـاليك المرضى يتعكزون أضلاعهم ..منتظرين عودة " عروة بن الورد " لينسج لهم بأنامل محبته قمصان العافية ..
***
ها أنذا الان أكتب في الوقت الضائع من عمري ، عن صديق طفولتي .. وزميل صباي .. ورفيق شبابي .. نافخا ً في رماد ذاكرتي ، بحثا ً عن جمرة المستحيل لأسجر تنـّور كهولتي أملا ً في رغيف خبز ٍ يليق بمائدة اليوبيل الفضي لذكرى إقامة " د . محمد بشيشي " في دار الخلود ..
لست بالراثي .. فالخالدون لا يحبون الرثاء .. ولا ثمة قبرٌ يمكن أن يتسـع لوطن .. وهل كان " محمد بشيشي " غير وطن ٍ ماؤه المحبة ُ .. نخله النضال .. شعبه الفقراء والأطفال والعشاق والطيور ؟
***
في " زقاق دبْعـَنْ " حيث البيوت متلاصقة تلاصقَ قطيع من الماعـز يسير في مسرب ٍ ضيِّق ، وُلِدَ الشهيد البطل " أبو ظفر " لأبٍ يشعُّ بشاشة ً يعمل مراقبا بلدية. وأم ٍ ترى في كل طفل ٍ من أطفال البيوت الطينية إبنا ً لها .. لذا اختار البطل " محمد بشيشي " أن يكون حارسا ً لأحلام الفقراء ، وسادنا في محراب آمالهم ... وأبا ً لكل الأطفال الذين وأد الطواغيت طفولتهم ...
في هذا الزقاق ، عرف الشهيد معنى الفقر الجليل ، حتى إذا صار فتى ، قرأ أول مرة ، وفي خلسة من شقيقه " شهيد الخياط " منشورا سريا ً راح يتلوه علينا قبل أن يعيده إلى " دشداشة " شقيقه .. يومها صار الفتى رجلا يتحدث عن الوطن الحر والشعب السعيد ، وعن الرغيف الذي سيكون أكبر من الصحن .. والصحن الذي سيغدو أكبر من المائدة .. والمائدة التي ستكون باتساع الوطن ..والوطن الذي سيكون جنة أرضية حين تتنظف مراعيه من ذئاب الديكتاتورية وضباع التعسف وأشواك القهر ـ فلا غرو حين تخرج طبيبا وعمل في معمل " سمنت السماوة " أن يغدو مستوصفه الطبي ملاذا للعمال .. ومستراحا للكادحين .. ولا غرو حين تكشر ذئاب الديكتاتورية عن أنيابها ، أن تقوم حكومة قطيع الذئاب بنقله بعيدا عن العمال إلى ناحية " الدغارة " دون أن تدرك أن عيادته ستغدو قبلة الفلاحين والكسبة .. ومنتجع محبة ٍ للفقراء ..
***
كان مهيّـأ للشهيد البطل " أبي ظفر " أن يكون شاعرا أو روائيا .. شغفه بالقراءة وأسلوبه في التعبير يشيان بذلك ..
حين قـرر مدرس اللغة الإنكـليزية في ثانوية السـماوة " عـبد الباقي الصافي " إخراج مسرحية شكسبير " تاجر البندقية " لم يجد أفضل من الشهيد " أبي ظفر " لدور البطولة ـ ليس لأنه الأذكى بين مجايليه في اللغة الإنكليزية فحسب ، إنما ولأن المدرس كان يعرف أن الشهيد يحمل حقدا مقدّسا ً على مصاصي دم الفقراء أمثال " شايلوك " .. ولقد برع الشهيد في المسرحية التي شارك في تمثيلها " محمد فاضل " و " هادي يونس " و " محمود شاكر الإمامي " و " سعد محمد شاكر العزاوي " .. فالشهيد كان من رواد الحركة المسرحية في مدينة السماوة ، مثلما هو من رواد الحركة الطلابية التقدمية ..
***
أبا ظفر .. يا صديق طفولتي وزميل صباي ورفيق شبابي ، أتسمعني ؟ إنّ قاتليك قد دخلوا مزبلة التاريخ تحفُّ بهم اللعنة ... وها أنت حيٌّ في ضمير الأبد يحفُّ بك النور وتتهجى كتاب خلودك الأبدية ..
" بلقيسك " غدت أما ً لكل أطفال الشهداء والعصافير والشجر .. يداها نهران خرافيان يسقيان غراسك .. عيناها مغتبقك .. وقلبها مصطبحك ... و " ظفرك " غدت حمامة جناحاها باتساع آفاقك ... و " يسارك " أضحى نخلة بحجم شهامتك .. فنم قريرا في فردوسك أيها الشفيف كدموع العشق .. الصلب كمطرقة العامل ..الشامخ كجبال بهدينان .. الدافئ كخبز صباحات الفلاحين .. والنقيّ كالسيف لحظة تجرده من غمده ..
أيها المقيم في صدر الأرض قلبا ً : لن أرثيك ... فأنا أعرف أن الخالدين لا يحبون الرثاء ..

الشاعر : يحيى السماوي









الشهيد الدكتور محمد بشيشي (أبو ظفر)
نجم بين الظالميين الجدد




محمد بشيشي (أبو ظفر)، من مواليد السماوة عام 1946. تخرج من كلية الطب في بغداد عام 1970. وعمل طبيباً في العراق و في اليمن الديمقراطية، ثم في فصائل الأنصار في كردستان منذ تموز /1981. كان مسؤولاً عن الشؤون الطبية في بشت ئاشان. وقد انتخب من قبل زملائه لهذه المسؤولية.
كما ذكرت في مذكراتي، ان المجزرة الدموية التي نظمها (الاتحاد الوطني الكردستاني) بقيادة جلال الطالباني في الاول من ايار/ 1983 استهدفت تدمير موقع الحزب الشيوعي العراقي في منطقة بشت ئاشان.
وكنت في غاية القلق من نتائج المعركة ضد الاتحاد الوطني الكردستاني (اوك)، في نهاية آب/1983؛ والتي سميت (بشت ئاشان الثانية).
فقد هدفنا من تلك المعركة الثأر لخسائرنا في الأولى، واستعادة مواقعنا المفقودة.. فكانت النتائج انكسارا وخسائر جديدة في المعركة الثانية.
كنت أتطلع إلى أول العائدين من تلك المعركة فكان الدكتور (أبو ظفر). وحين سألناه عن النتائج اختصرها بقوله: "راد كرون كصًوا آذانه!‘‘
قبل أن يغادر مواقع الأنصار حتى صيف 1984، سأل رأيي في السفر لزيارة عائلته وطفليه ظفر ويسار، فشجعته على السفر. وعند العودة من الخارج، عبر الحدود. استشهد في كمين بتاريخ 27/أيلول/1984.
ربطتني بهذا المكافح الباسل علاقات المودة. ولاحظت فيه حساسية الوعي للمسؤوليات السياسية وقوة الملاحظة.
كان لا يبخل على زملائه وخاصةً على مرضاه، بالمعاملة الطيبة، ورؤية الأمل بالمستقبل. ولا زلت احتفظ بالذكريات الطيبة عن لقاءاتنا وأحاديثنا. ولي معه بعض الصور المشتركة.
ها قد مرت اثنتان وعشرون سنة على فقدان محمد. كبر ابناه ظفر ويسار .
انتهت الزوجة الوفية بلقيس الربيعي من متاعب البحث عن اثر لمحمد، في هذه الزاوية او تلك من زوايا العراق الواسعة.لها منا الشكر وهي تحفز فينا وفي كل محبي محمد، واجب استذكاره وتخليده.
زوجتي أم خولة، مازالت تحتفظ بذكريات جميلة عنه،عن الروعة الانسانية للطبيب المناضل. فكم كان يجهد نفسه، حتى فوق طاقة التحمل البشري، كي يتفقد الاخرين ويوفر العلاج و الرعاية لمن إحتاجهما.
اليوم، حين يغوص العراق كله في الآلام والمأساة، نشعر بالحاجة الى من يركن لحميتهم الوطنية، للدفاع عن العراق المستباح والشعب المذل.
محمد، هو سليل عشيرة الظوالم، التي اشتهرت ببلائها في ثورة حزيران / 1920 ضد الاستعمار البريطاني. و يرتبط والده بشيشي بصلة القربى ب(شعلان ابو الجون) رئيس عشيرة الظوالم و احد قادة الثورة البارزين.
ونظرا لمعرفتي لسمات محمد المبدئية والاخلااقية، استطيع القول، انه لو كان بيننا اليوم، لكان نجماً بين الظالميين الجدد.
تحية للذكرى الطيبة لمحمد ولجميع رفاقه الذين استشهدوا على دربه.

باقر إبراهيم يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.