الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا حصل للأدب الكوردي بعد الإسلام -الجزء الثاني

محمود عباس

2020 / 6 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لا خلاف بين المؤرخين على أن اللغة الفهلوية الساسانية، أي لغة أردشير بن بابك بن ساسان الكردي، الذي نصب نفسه شاهنشاه على إيران بعد القضاء على أخر ملوك الإمبراطورية الاشكانية، وبدأ ببناء الإمبراطورية الساسانية، أصبحت اللغة السائدة في السلطة والإدارة، ولمراكز العبادات الدينية، كالمانوية والذي ولد نبيهم (ماني ابن فتك 216-276م) في مناطق الريف، شمال بابل، والبعض يذكر أنه ولد في مناطق ماردين، والمزدكية ونبيهم ( مزدك موبذان 487-528م) ولد في منطقة نيسابور والبعض يذكر أنه ولد في منطقة خربوت، وفيما بعد للمعابد لزرادشتية التي أصبحت ديانة الإمبراطورية، وأصولها ومنشأ نبيهم المولود في أورميه الواقعة في شرق كوردستان تعود إلى قرون عديدة قبل الميلاد، وفي هذه الديانة وتاريخها دراسات عديدة واسعة.
العديد من الباحثين والمؤرخين المعاصرين لا زالوا يستخدمون الخلط التاريخي بين الإيرانية كسلطات وحضارات ساهمت فيها شعوب أو كانوا روادها كما ذكرنا في الحلقة الأولى، والفرس كشعب من الشعوب الإيرانية، العنصر الرئيس في الحضارة الأخمينية والذين لم تقم لهم قائمة كشعب أو إدارات ضمن الحضارات اللاحقة إلا بعد ظهور الإسلام بقرون ثلاث. فإضفاء الصفة الفارسية على كل الشعوب والحضارات والممالك الإيرانية تنم إما عن جهالة الباحث والمؤرخ أو خباثته وانتماءه للعنصر الفارسي أو المتأثر بهم، وقد سقط فيها المؤرخون المسلمون اللاحقون فيما بعد إلى أن أصبحت صورة نمطية مترسخة في ذهنهم، بخطئها، وعليه ففي كل بحوثهم ودراساتهم، لم يجدوا معضلة في استخدام كلمة الفرس أو الفارسية على كل ما يخص الشعوب الإيرانية، فأطلقوا ولا زالوا كلمة الفارسية على الإمبراطورية السلوقية، الذين كانوا قادتها من الأسر اليونانية الذين قضوا على الحضارة الأخمينية، ولم يسمحوا للعنصر الفارسي بالظهور من بعدها، حكموا جميع الشعوب الإيرانية، والفرس ظلوا مكون مهمش ضمن الإمبراطورية. ومثلها الإمبراطورية الاشكانية كانوا من شعوب شمال شرق إيران، ولم يكن لهم علاقة عرقية أو لغة مع الفرس، والساسانيون كانوا كردا إدارة وهيمنة والعنصر المسيطر كانت القبائل الكردية المنتمية إليها أل بابك ساسان.
علما أن بعض المؤرخين المسلمين في بحوثهم ينتبهون إلى هذه الجدلية الخاطئة، وبينهم الطبري وأبن الأثير، وهذا الخطأ التاريخي تجاوزها المؤرخون الأوربيون عن معرفة وإدراك، فمعظم كتبهم المترجمة حرفت أثناء الترجمة ولم يتقيد بحرفيتها المترجمون، لوجود الصورة النمطية المسبقة عن هذا الدمج ما بين الإيرانيين والفرس، وبين العجم والفرس، فالفرس عندهم يحمل كل هذه الصفات، ولا بد من التنويه إليها وإلا فتاريخ الشعوب الإيرانية ستظل محرفة مثلما تم تحريف تاريخ السلطات الإسلامية العربية وعلى مدى قرون عديدة، إلى أن أصبح جميع الشعوب التي تعيش على الجغرافية المسمى جدلا بالوطن العربي بالشعب العربي، وكثيرا ما يدحض حتى مفهوم الشعوب العربية، وبها يتم إلغاء كل الأمم الأخرى الخاضعة لسلطاتهم بعدما كانوا أصحاب الأرض قبل الغزوات العربية الإسلامية، وذلك تحت نظرية مطعونة فيها، قيلت في بدايات الإسلام، كل من يتكلم العربية فهو عربي، ومثلها درج فارسيا كل الشعوب الإيرانية، وكذلك الذين كانوا تحت حكم الإمبراطورية العثمانية عد عثمانيا واليوم جميع من تحت سيطرة السلطة التركية تركي.
وهذه من المعضلات التي تواجه المؤرخين والباحثين الذين يحاولون تصحيح هذا التحريف الممتد على مدى قرون عديدة، وخاصة عند الاعتماد على المراجع المترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربية والفارسية والتركية، فعلى سبيل المثال كتاب (إيران في عهد الساسانيين) يميز الكاتب أرثر كريستنسن بدقة عندما يتحدث عن الشعوب الإيرانية أو الفرس أو الساسانيين، وكذلك كتاب المؤرخ العالمي ويل ديورانت في كتابه (قصة الحضارة) دقيق في مصطلحاته، وكذلك المؤرخون الروس أمثال فاسيلي بارتولد، وميخائيل بتروفسكي، وباسيل نيكتين ومينورسكي. والألمان زيفريد هونكه وثيودور نولدكه، والفرنسي هنري لاوست، والهولندي هنري ألبرت شولتز، وغيرهم.
حرفت السلطات الفارسية السامانية تاريخ الشعوب الإيرانية إلى أن أصبحت على ما هي عليه، ومثلها شوهت نصوص الأديان المذكورة وأدب الحضارة الساسانية على قدر ما تمكنت منه، عندما فرضوا على الفردوسي كتابة (شاهنامه) الملحمة التي أحيت فيها تاريخ الأخمينيين، وروجت للمكون الفارس وللغتهم، علما أنها واللغة الكوردية من نفس العائلة، أصولهما كما هي معروفة هندو أوروبية، ولم يختلف عليها أي مؤرخ أو باحث، ولمعرفة هندستهما أنظر كتاب المهندس محمد توفيق علي (اللغة الكوردية، انحدارها وتشعّب لهجاتها ومشروع لتوحيدها) بمجموع صفحاته ألـ 26، إلا أن المملكة السامانية والغزنوية والفارسية منذ الصفوية وحتى اليوم، لم تراعي هذا التقارب الثقافي واللغوي، بل امتصت تاريخ الشعوب الإيرانية ولغاتهم وفي مقدمتهم تاريخ ولغة الشعب الكوردي إلى درجة لم يتمكن أي كاتب أو سلطة في التاريخ تقديم مثل ما قدمته هذه الممالك والسلطات وخاصة السامانية والغزنوية لشعبها، باستثناء السلطات العربية الإسلامية.
سرقوا أساطير شعوب المنطقة ومن بينهم فنون وحوليات وقصص الشعب الكوردي، كما وحرفوا تاريخ الشعوب الإيرانية لخدمة الشعب الفارسي، إلى درجة نسبوا كتاب (زندي آڤيستا) لتاريخهم الروحي والثقافي، وهو شرح لأفيستا، فهي وجميع ملحقاتها المنسوخة على 12000 قطعة من جلود البقر، والبالغ 21 جزءاً، مكتوبة باللغة الفهلوية الساسانية وليست الفهلوية الأخمينية، وكانت تقرأ باللغة الفهلوية الساسانية حتى القرن التاسع الميلادي قبل أن تضيع أغلبيتها، أما عن أفيستا، كتاب زرادشت، فمعظم المؤرخين، بينهم الباحث ( أنكتيل ديوبيرون 1735-1805م) أول من حصل على النسخة الأصلية لأڤيستا من أحد الكهنة الزرادشتيين في الهند، يؤكدون أنها كانت مكتوبة بلغة قريبة من السنسكريتية، وهذه أصل لعدة لغات من ضمنهم الكوردية والفارسية، ويقول الدكتور خليل عبد الرحمن في حاشية مقدمة كتابه (أفيستا الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية) والمترجمة من قبل كل من السادة: د. عبد الرحمن نعمان، خالدة حسن، سليمان عثمان، عبد الرحيم مقداد، الصفحة 7 " أفيستا: تعني " الأساس، الأصل، الحمى، الملاذ" كونها مشتقة من كلمة Upasta بمعنى الأساس، وأفيستا تعني "بداية الحياة" في اللغة الكوردية الهورامانية، وفي الكوردية الكرمانجية تحمل دلالة " الحمل Avis...." ".
ومعظم تأويلات المؤرخين أمثال إدوارد براون في كتابه (تاريخ الأدب في إيران) وحسن بيرنياس في كتابه (إيران باستاندا) الذي يحلل الربط بين لغة أفيستا والكردية الحالية، والشيخ محمد آية الله، الذي يقول أن أفيستا مكتوبة بلغة الماديين المطابقة للغة الموكريانيين، وآرثر كريستنسن (إيران في عهد الساسانيين) وغيرهم كثر تتناقض ما آل إليه خانلري في كتابه (تاريخ اللغة الفارسية) وأيده فيها الدكتور ذبيح الله صفا في كتابه (تاريخ الأدب الفارسي) على إن اللغة الساسانية هي أصل الثاني للغة الفارسية، ويسميها بالفارسية الدرية (الحديثة) المجمعة من معظم اللغات السابقة بعدما أصابها الضمور على مدى القرون الطويلة من هيمنة اللغة اليونانية والفهلوية الجنوبية والشرقية واللغات الأخرى للإمبراطوريات المتتالية على المنطقة مع غياب العنصر البارسي منها. علما أنه يناقض نفسه فيما بعد عندما يقول، أن اللغة الفارسية الحديثة هي "صورة متطورة من إحدى اللهجات الفارسية الموازية للغة الفهلوية التي بقيت منتشرة في أنحاء ايران الشرقية والشمالية ولاسيما المناطق التي اعتنقت الإسلام طوعاً دون حرب والتي بقي حكامها من أهلها الإيرانيين فلم تتأثر باللغة العربية كسائر المناطق حتى القرن الثاني الهجري" فما بين الموازاة والأصل مسافات، كما وأن التناقض واضح في البعد الأخر، وهو أن الفرس لم يسكنوا يوما إيران الشرقية الشمالية، ولئلا يزج نفسه في الخطأ لا يذكر أسم الفرس هنا، بل يبدلها بسكان إيران، لئلا يأتي على ذكر الكورد، كشعب من شعوب المناطق الشمالية لإيران...
يتبع...
الولايات المتحدة الأمريكية
[email protected]
1/5/2020م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس