الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاصوليه المسيحيه

رفعت عوض الله

2020 / 6 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الأصولية المسيحية

يظن بعض المسيحيين أن لا أصولية في المسيحية ، وإن الأصولية متفشية فقط في الإسلام ، و الدليل الدامغ هو وجود التنظيمات و الجماعات الإرهابية التي تقتل بأسم الله ، و الحقيقة المطلقة ، و أن المقتولين علي ضلال مطلق أوجب شن الحرب و الجهاد عليهم و قتلهم . ...
و لكنني أري كما يري غيري أن الأصولية ليست قاصرة علي الإسلام بل لها وجود قوي في اليهودية و في المسيحية .
علي أن الفرق الجوهري بين الأصولية الإسلامية و تلك المسيحية أن في المسيحية لا توجد نصوص مقدسة تبيح القتل و التنكيل بالمخالف المختلف ، و التراث الفقهي الخاص بالعصور الوسطي الناتج عن الأصولية المسيحية قد تم التبرؤ منه و إحالته لمتحف التاريخ ، و الأمر علي العكس تماماً في الإسلام فهناك نصوص مقدسة تدفع المؤمنين لقتل الذين كفروا ، و هناك تراث فقهي ضخم مازال حياً في عقول و قلوب من يتصدون للدين يقعد القواعد و يكفر و يؤثم و من ثم يجيز القتل و الذبح و إزهاق الأرواح .
الأصولية تعني ببساطة كما يقول المفكر الكبير مراد وهبه تعني أن الأصوليين يملكون الحق المطلق ، و من خلال توهم إمتلاك الحق المطلق ينظرون للعالم و للآخرين و لمعتقداتهم و مخالفتهم لهم و إختلافهم معهم ، فيحكمون بضلالهم المطلق ، فيشنوا عليهم حملات شعواء حتي يرتدوا عن ضلالهم و يتوبوا أو يقتلوا جزاء تمسكهم بضلالهم ...
في أوروبا في العصور الوسطي كل من حكمت عليه الكنيسة بالهرطقة تعرض للموت حرقاً حتي تخلص روحه في العالم الآخر . الكنيسة أقرت ما يسمي بمحاكم التفتيش للتحقق و الفحص عن صحة العقيدة و كانت سيفاً من الرعب مسلط علي الناس .
و أى سيده تتهم بأنها ساحرة حتي و لو كان كلام مرسل يحكم عليها بالحرق بالنار.
بعد ثورة الإصلاح الديني في القرن 16 م إنقسمت المجتمعات و الدول في أوروبا بين كاثوليك و بروتستانت . نشبت نيران الكراهية بين الفريقين في كل مكان في أوروبا ، و حدثت مذابح بشعة ، و تدمير و عدوان لا يمت للمسيحية بصلة بين أتباع الفريقين . و كان يقف خلف الصراع الدامي ، و نيران الكراهية الأصولية التي تتوهم إمتلاك الحق المطلق ، مما دفع المؤمنين للقتل و الذبح و التدمير بأسم المسيح و العقيدة الحقة المقبولة عند الله .
في القرن الرابع الميلادي و في الاسكندرية المدينة العظمي و التي كانت حاضرة العالم في ذلك الزمان إنتشرت المسيحية ، و تحولت اعداد غفيرة من غير المسيحيين للمسيحية ، و سجلت المسيحية إنتصارات كبيره ، و بدأت أعداد غير المسيحيين في الانحسار مما أدى الى الشعور بالزهو و العزة لدي الكنيسة و الشعب المسيحي ، و النظر لغير المسيحيين علي أنهم أولاد جهنم ، و الموت الابدي . و يبدو أن وجود شخصية مثقفة كشخصية هيباتيا الرياضية و الفيلسوفة التي تنتمي للمدرسة الأفلاطونية الجديدة ، مع سعة علمها ، و جمالها و شبابها ، و إلتفاف الكثيرين حولها ، أقول يبدو أن وجود هيباتيا قد سبب ضيقاً في الأوساط المسيحية و خاصة لدي الأكليروس فما كان منهم إلا إستعداء العامة عليها . إنتظروها في الشارع و طاردوها و اعملوا فيها ضرباً و سحلاً حتي تعرت و تشوهت و ماتت من فرط ما تعرضت له وسط تهليل العامة و الغوغاء . و الشكر لله لأنه خلصهم من تلك المبتدعة رافضة المسيح في ظل الوجود العربي منذ غزو عمرو بن العاص مصر في منتصف القرن السابع الميلادي ، و في ظل الهيمنة و قوانين الجزية و تهميش المصريين المسيحيين ، و تناقص أعدادهم تحت الضغط الذي مارسه الغزاة عليهم ، إنكمشت و ضعفت الكنيسة المصرية ، و لم يشغل بالها سوي المحافظة علي وجودها المزعزع ، و إتقاء شر الحاكم و الرعية المسلمة ، فلم يصدر عنها قرارات حكم بالهرطقة إلا في القليل النادر .
و لكن مع مجيئ رياح العصر الحديث و حدوث إتصال بين أوروبا المتقدمة و مصر العثمانية المملوكية المتخلفة جاء مع من جاؤوا الى مصر و المنطقة مبشرون و مرسلون ينتمون للكنيسة الكاثوليكية و الكنائس البروتستانتية ، فحدث أن تحول بفعل التبشير الجديد و درس الكتاب المقدس أن تحول عدد من المصريين المسيحيين المنتمين للكنيسة الأم " الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية " الى الكنائس الوافدة فصرنا مصريين كاثوليك و مصريين بروتستانت .
أفاقت الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية علي الواقع الجديد ، أي وجود كنائس أخري لها أتباع و إكليروس تشاركها أرضها و الرعية التي كانت لها وحدها .
هنا ظهرت أصولية الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية ، و حكمت بهرطقة أتباع الكنيستين الجديدتين ، و فرضت حرماناً كنسياً علي من يتصل أو يذهب للكنيستين الجديدتين .
كان الأجدر بها أن تطور من أدائها و تتعمق في بث التعاليم المسيحية ، و تنقية عقيدتها من الشوائب التي شابتها ، و لكنها إختارت الطريق السهل للدفاع عن وجودها من خلال الهجوم علي الآخرين .
أنطلق هجوم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية علي الكنيستين الجديدتين في مصر من أصوليتها التي تعيشها ، فهي بوصفها أرثوذكسية تعيش الإيمان المستقيم ، و كما دافعت عن هذا الإيمان في شخص القديس أثناسيوس الرسولي ضد هرطقة أريوس ، و عن الطبيعة الواحدة التي لها خصائص الطبيعتين في المسيح في مجمع خلقيدونية في القرن الخامس ، ها هي تدافع عن الإيمان الأرثوذوكسي القويم ضد الكاثوليك و البروتستانت .
أحد اساقفة الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية الاجلاء طلب في عظة عامة من المستمعين له أن لا يسموا أولادهم بأسم مارتن "أسم المصلح البروتستانتي مارتن لوثر " لأنه وفقاً لنص كلامه "أسم وحش " في رفض أصولي لكل ما هو غير أرثوذوكسي .
و حين أتي البابا فرنسيس لزيارة مصر ، و حدث تفاهم محمود بخصوص المعمودية الواحدة ، إنبري عدد من الأساقفة الاجلاء لرفض هذه المشورة المحمودة ، و سببوا إحراجاً للباباالمصري ...
حتي في داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية نلحظ فعل و تأثير الأصولية . فهناك موقف رافض لرؤية و نهج الأب متي المسكين في فهم المسيحية الأرثوذوكسية . و حدث أن البابا السابق المتنيح البابا شنوده كان رافضاً بشدة لهذا النهج ، و أسس الأب متي المسكين مدرسة في دير أبي مقار الذي كان رئيساً له ، و أنتمي العديد من التلاميذ لهذه المدرسة ، و هو الأمر الذي آثار حفيظة رافضي المدرسة المتاوية ، و لعل هذا يفسر الواقعة المؤسفة ، واقعة قتل الأنبا أبيفانيوس رئيس دير ابي مقار و تلميذ الأب متي المسكين المخلص ...
نعم لا إرهاب في المسيحية ، ولا نصوص مقدسة تحض علي الإرهاب ، و لكن النتيجة المنطقية المترتبة علي الأصولية ، أي أصولية ، هو القتل و الإرهاب بأسم إمتلاك الحقيقة المطلقة .
علينا أن نفرق بين الرسالة الدينية كما هي معروضة في الكتب المقدسة التي نؤمن بها ، و بين قراءتنا كبشر لمضمون تلك الرسائل . المذاهب الدينية مثل الشيعة و السنة في الإسلام ، و الكاثوليكية و البروتستانتية و الأرثوذوكسية في المسيحية ، إنما هي فهم بشري لمضمون الرسالات المقدسة محكومة بظروف القارئ و الدارس لها الإجتماعية و السياسية و الإقتصادية و الثقافية ، و هذا يعني أنها نسبية و ليست مطلقة ومتغيرة بتغير الزمان و مجمل الظروف الحضارية ، و بالتالي ليس من حق أصحاب كل مذهب أن يزعمون أو يدعون أنهم يمثلون الحقيقة المطلقة . و لعل هذا يعطينا أن نتعايش و نتعاون و نتحاور و يسود بيننا سلام إجتماعي ، فلا أحد منا يملك الحقيقة المطلقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاصولية تعني الرجوع للاصل اي للاسلاف
مروان سعيد ( 2020 / 6 / 17 - 17:33 )
تحية للاستاذ رفعت عوض الله وتحيتي للجميع
أَصَلَ الشيءَ: استقْصَى بحثَه، حتى عرف أَصله

وحضرتك تقول لاوجود في الانجيل لايات تحض على العنف
وايضا السيد المسيح لم يحمل سيف ويشكل عصابة يقتل ويسبي وينكح بل كان يمشي يصنع خيرا
وانا معك يوجد المتطرفين ومتعصبين وجهلة في كل ديانات وتنظيمات ومذاهب البشرية نعم الانسان مركب على الخطء وحتى المسيحيين انهم ليسوا ملائكة ولكن العيب فيهم وليس بتعاليهم
والمسيحية هي المحبة واعتقد كل الاديان اذا تعاملت بالمحبة سيذهبون الى ملكوت الله لاان الله ابونا اجمعين
وانظر يا استاذ ماذا يفعلون المسلمين بالاقباط هل هذا دين من الله ام من شيطان لئيم امراءة ام ثلاث اولاد يخطفوها والى الان لم تعود وهذه امراءة ثانية خطفت اربعة عشرة يوم وانهزمت باعجوبة حتى الوزير للداخلية صرح بانها اسلمت
https://www.youtube.com/watch?v=BMhG4QuK-8g
انهم اولاد ابليس هؤلاء الاصوليين
ومودتي للجميع