الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رمز الشر في تاريخ الاديان الإنسانية الحلقة 1

طالب عمران المعموري

2020 / 6 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الشرُّ قيمةٌ أخلاقيَّةٌ نُدْرِكُها من خلال نقيضها الخيْر ، تمامًا، كتصوّرِنا لصِلَةِ الله بالشّيطان فالأعمال الخيرة والشريرة هي محور عقيدة كل دين، وتدعو كل الأديان والفلسفات إلى الابتعاد عن العمل السيئ وتوجه الإنسان نحو الأفعال الخيرة للخلاص. لكن منذ بدء الحضارة ظهرت جدلية الخير المطلق والشر المطلق. (1)
مسألة وجود الشر في العالم وفي النفس الانسانية كائن ما ورائي لم يخل منها معتقد ديني، قَدْ رَبَطَ الفكر الدّيني بين وُجُودِ الشّر أوْ بَدْءِ وُجُودِه وقصّة أوْ أُسْطُورَة آدم – فالشّر قَرِينُ الخَطِيئةِ التي أنْزَلَتْ آدم من عَلْيَائِهِ
أنّ أكْلَ آدم وحوّاء من ثمار الشّجرة المُحرَّمة كان ناتِجًا عن بحثهما عن سبب منعهما من ذلك الفعْلِ ،إذن، فهما “قد مزّقا حاجز الجهلِ” ،وأصبح صنيعهما نُشْدانًا للمعرفةِ ، فهما “أكلا فعرفا وأوّل ما عرفاه هو الجسد” ، لذلك، سُمّيت الشّجرة المَنْهيّ عنها في التّوراة ،”شجرة المعرفة”.
ارْتِباطُ الشرِّ بالعقوبةِ التي تعرّضَ إليها آدمُ بسببِ إغواءِ الشيطان لقرينِهِ حوّاء عبر حثّها على ارتكابِ المحْظورِ الدّينيِّ ، فالشرُّ ، إذن ، مُتأصِّلٌ في الكونِ . أمّا ثانيها ، فيتمثّلُ في صِلَةِ الإنسانِ بالشرِّ ، إذ أنّ الشرَّ فِعْلٌ إراديٌّ يمتلكُ ناصِيَتَه الإنسان ، فهو مصدَرُهُ وضحيّتُهُ ، ولا شيطانَ إلاّ شيطانُ النّفسِ الأمَّارةِ بالسّوءِ .
وكذلك قَوْلُهُ إنّ َالشيطان يَجْري من ابن آدم مَجْرى الدَّمِ ، إنّما هو مَثَلٌ أيْ يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ فيُوَسْوِسُ له ، لا أنَّهُ يَدْخُلُ في جَوْفِهِ وَمَا نَصِلُ إليهِ من هذا التَّحْديدِ المُرْتَبِط بِمَرْجَعِيَّةٍ إسلاميّةٍ مُوَجِّهَةٍ لزاوية النَّظر إلى الشّر
، وَرَمْزُهُ مُتَعدّدُ الوُجُوهِ ، أحَاديُّ الفِعْلِ : / الشّيطان / إبليس / الحيّة/ التنين ،
إبليس ” مشتّق من فعل أَبْلَسَ ،وأَبْلَسَ من رَحْمَةِ اللّهِ أَيْ يَئِسَ ونَدِمَ ، ومنه سُمِّيَ إبليس وكان اسمه “عزازيل”،وفي التَّنْزيل العزيز ” يَوُمَئِذٍ يُبْلَسُ المُجْرِمُون ” وإبليس، لعنة اللّه : مشّتقّ منه لأنَّهُ أَبْلِسَ من رحمة اللّه أي أَويسَ
حَيْثُ يَرْمُزُ الشّيطانُ إلى جَميعِ القُوَى التي تُحْدِثُ الاضطِرَابَ ، وَ تُظْلِمُ الكَوْنَ ، و تُضْعِفَ الوَعْيَ و تَجْعَلَهُ يَرْتَدُّ نحْوَ اللاَّمَحْدُود
( الشيطان ) مَرْكَزُ الظَّلاَمِ، عَكْسَ اللَّه مَرْكَزُ النّورِ. الشّيطان يَحْتَرِقُ في العالمِ السُّفْلِيِّ وَاللّه يُشِعُّ في السَّمَاءِ … ” .
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ﴿٣٦ البقرة﴾
كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴿١٦٨ البقرة﴾
مَهْمَا كان شَكْلُه ، فإنَّ هَدَفَهُ وَاحِدٌ : حِرْمَانُ آدم من نَعِيمِهِ وَتَضْليلُهُ عن الطّريق القَويمِ ، ذلك أنّ : “الأفعى (الشيطان) ، تُمثِّل في قلب أسطورة آدم نفسها ، الوجهَ الآخَرَ للشّر
لعبت الحية أو الأفعی دورا بارزا في أساطير العالم، وهي أحيانا تظهر بمظهر الوجود الخير، وأحيانا أخرى بمظهر الموجود الشيطاني. والحية في التراث اليهودی المسيحی ترمز دائما إلى الشر أو الشيطان، ففی سفر التكوين: فقال الرب الإله للحية لأنك فعلت هذا ملعونة أنت من جميع البهائم، ومن جميع وحوش البرية. على بطنك تسعين، وترابا تأكلين كل أيام حياتك،(الإصحاح الثالث: 14). وذلك بعد غواتيها للمرأة لتاكل من الشجرة المحرمة.
وإذا كان النص السابق لم يوحد بين الحية والشيطان فإن كُتَّاب العهد الجديد وحدوا بينهما.
وفي سفر العدد نجد أن الشعب اليهودی: "تكلم على الله، وعلی موسی فارسل الرب الإله على الشعب الحية المحرقة. فلدغت الشعب فمات قوم کثيرون من إسرائيل.. فصلی موسى لأجل الشعب.. وصنع حية من نحاس وضعها على الراية، فكان متى لدغت حية إنسانا، ونظر إلى حية النحاس يحيا، (عدد الإصحاح الحادی والعشرون : 5 - 1).
والحية التي صنعها موسی من نحاس شبيهة بحية مماثلة كانت مخصصة لإله الحياة في الطقوس السومرية. ويبدو أن الحية النحاس ظلت مستخدمة بعض الوقت. إذ يقال لنا إنها كانت موضع تبجيل خلال عهد حزقيا (717- 989 ق.م) وأن هذا الملك حطمها: سحق حية النحاس التي عملها موسی، لأن بنی اسرائیل کانوا إلى تلك الأيام يوقدون لها، ودعوها "نخشتان"، (الملوك الثاني - الإصحاح الثامن عشر : 4). واستخدم المسيح صورة الحية النحاسية في قوله: "كما رفع موسى الحية في البرية، هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان". إنجيل يوحنا: (الإصحاح الثالث : 14).
وكانت الحية المتوحشة في الديانة المصرية القديمة هي "أبوفيس" العدو اللدود لإله الشمس رع وللإله حوریس، والإله أوزوريس، وهي تحاول دائما أن تمنع الشمس من الشروق كل يوم. وكان المصريون يصنعون حية من الشمع وينقشون عليها اسم أبوفيس ويتلون عليها التعاويذ والرقي ثم يلقون بها في النار. وتكون نتيجة هذه الطقوس أن تشرق الشمس على أرض مصر كل يوم. غير أن نفس المصريين رأوا في الحية رمزا على البعث ؛ لأنها تغير جلدها.
يُرمز للخير والعمل الصالح بالملائكة واللون الأبيض والسماء والزهور وتغنى الأدباء والشعراء بالنور وشروق الشمس على أنه صورة على التصالح مع الذات وخير الإنسان وخير البشرية.
يُرمز إلى للشر والأعمال السيئة بشياطين والنار والعالم السفلي واللون الأسود ولطالما تفنن الفنانون بإرعاب الناس بتصوير الليل على أنه مبعث الأرواح الشريرة.
المصادر
الرحمن والشيطان/ السواح ،فراس .منشورات دار علاء الدين، دمشق، 2000 .
الدين المصري / الماجدي، خزعل. دار الشروق، عمان، 1998.
أفعى رمزية/ ويكيبيديا
دين الانسان/ السواح ، فراس .منشورات دار علاء الدين، دمشق،2002.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل