الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الله أم صورة الله البشرية؟

ميشيل نجيب
كاتب نقدى

(Michael Nagib)

2020 / 6 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أوصلتنا النصوص الدينية لمن يقولون عنه أنه الله إلى طريق مسدود لا وجود فيه لإله حقيقى يمكننا الوثوق فى كلامه، لأن النصوص التوراتية والقرآنية المأخوذة عنها قصص السابقين كشفت عن وجهها ومخترعها البشرى، لأنها مجرد قصص تحكى أحداث حاكم دكتاتور دموى لا يحب من يختلف عنه بل من ليس معه فهو عليه، هكذا يفكر هذا الإله ذا الفكر الطفولى حتى أصبح البشر فى نظره أعداءه لأنه ببساطة لم يتحدث معهم ويظهر لهم شخصه كإله، بل كان شخصاً خرج من خيال المتشوقين إلى آلهة تسود عليهم وأجلسوه على كرسى عرشه وسردوا قصص عنه وأساطيره وأوامره الدموية التى يدمر بها مجتمعات بأكملها ليزرعوا الخوف فى قلوب البشر، كما رواها ودونها أدعياءه الرسل فى كتب واطلقوا عليها صفة القداسة حتى لا يشك فيها أحد أو يتجرأ فى وصفها بالخرافات العقيمة.

هذا الطريق المسدود وجدنا فيه سيوف رجال الله يسلطونها على رقابنا لأننا لم نؤمن بكلامهم الطفولى الغريب، ولأننا رفضنا الأنصياع إلى عقائدهم التى ورثوها عن أجدادهم وأجداد أجدادهم ورثوها عن اجداد أجداد أجدادهم وهلم جرا..، وأمام هذا الكلام الموروث والمنقول من جيل إلى جيل شفاهية ثم كتابة لا يوجد أحد على ثقة فى قائل هذه القصص، ومستحيل على الله نفسه الظهور لأنه لا وجود له فى عوالمنا المادية أو الروحية لكن الإنسان البائس يبحث عن إله يتعبد له ولو لم يكن له وجود حقيقى، بل إله يختلف عن الأصنام أنه صنم غير مرئى يقنع نفسه أنه موجود فى مكان ما ويحارب ويقتل من أجله، حتى يكون له أتباع يقنعوا أنفسهم فى وجود هذا الإله ويرفعون إليه أيديهم بالصلوات والتضرعات والتوسلات بأن يرزقهم ويشفيهم من الأمراض ويبعد عنهم الكوارث والجائحات مثل كورونا، رغم أنه كما يقولون هو إله واحد يفعل ما يشاء يفعل الخير ويصيب البشر بالشر والأمراض التى لا يعرفها إلا هو لأنه العليم والخبير والبصير الذى على كل شئ قدير!

قد يضحك بعضكم فى سره مستعجباً: إذا كان الله إله حقيقى خالق كل شئ، هل يحتاج أن يوصف نفسه بانه عليم وخبير وبصير وجبار وقادر على فعل أى شئ...؟؟ وهل هناك آلهة أخرى موجودة تنافسه هذه المكانة التى لا وجود فيها لآلهة أخرى؟
طبيعى أن يكون الخالق عليم بكل شئ بل هو مصدر العلم والسمع والبصر والإرادة والمشيئة بل مصدر وجود كل شئ، إذن هل يوجد إله أو حاكم يتكلم عن نفسه بهذه الطريقة البدائية الطفولية؟ للأسف نعم يوجد إله لكنه بشرى من لحم ودم هو الذى كتب كل هذا وفى أولى النصوص التوراتية وضع أساس الألوهية حين قال فى التوراة العهد القديم فى سفر التكوين 1: 27 : فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ.

الكلام بسيط وواضح ولا يحتاج علماء دين وكهنة وحاخامات ليفسروا الكلام أكثر من هذا إلا إذا كانوا يريدون تحريفه بتأويل معناه الحقيقى، يستطيع كل إنسان أن يفهم من هذا الكلام أن الإنسان على صورة الله ولكل إنسان أن يتخيل هذا الإله الذى لم يراه أحد، بمعنى أننا لو قلنا: خلق الإنسان الله على صورته، لأن هذه هى الحقيقة التى يخاف المتدينون ورجال الدين تصورها لأنها تنسف وجودهم وتنسف الحاجة إلى تآويلاتهم الخرافية البعيدة عن المنطق والعقل، لأنه إذا كان الله خلق الإنسان على صورته أى أن الإنسان هو صورة الله على الأرض، ولو رجعنا إلى النصوص المكتوبة سنجدها كتابات بشرية تعكس صورة الإنسان وصفاته وشخصيته والتى بدوره عكسها الإنسان على الله أو على صورة الله!!

هل وصلت الفكرة؟ إنها فكرة بسيطة لكنها أختفت من تفكيرنا بفعل تآويلات وتفسيرات رجال الدين التى أبعدت عقولنا عن الحقيقة الواقعية، فى الأديان الثلاثة يتفقون أن الله أو الإنسان كل واحد منهم هو صورة الآخر مع الأختلاف فى أن الإنسان صورة مصغرة من الله، لكنه يتمتع بنفس الصفات التى كتبها وعكسها عن نفسه وطبقها على صورة الله وجعله الخالق العظيم الجبار المهيمن إلى آخر الصفات التى تليق بالإله الواحد، أى أن الإنسان الأول ولا أقصد أدم وحواء الأسطوريين وإنما الإنسان الأول الذى بدأ التفكير فى آلهة مختلفة عن آلهة الوثنيين أى الأصنام المادية التى لها نفس أشكال الإنسان من جسم وهيئة حقيقية أمامه، أرتقى بفكره وخياله ليجعل الله الإله الجديد غير مرئى وأصبغ عليه كل ما يشاء هذا الإنسان من صفات وأعمال وقصص أسطورية كانت تذخر بها الحضارات والشعوب القديمة، وقام بتطويعها لخلق قصة الإنسان الأول كما رواها سفر التكوين وبقية أسفار موسى الخمسة، التى يرويها القرىن بأسلوب كاتب عربى عاش وسط اليهود والمسيحيين فى بيئة صحراوية أدبية وليست جاهلية كما يتهمهم البعض، بل كانت بيئة متقدمة لغوياً وأدبياً وكتبوا الشعر العربى الفصيح الذى يتم تدريسه فى الكتب التعليمية حتى الآن، وهذا دليل أنه لا يختلف ولا يقل قدراً عن فصاحة وأسلوب القرآن إلا فى المادة التى يتكلم عنها صاحب الشعر أو صاحب القرآن.

أترككم مع هذه الأفكار لتعيدوا قراءتها بهدوء وتأنى وحياد بعيداً عن الإنفعال لأنها مجرد أفكار قد نتفق أو نختلف معها، المهم أن يقول كل إنسان رأيه دون وجود سلطة تمنع عقله من التفكير بحرية نحو السماء وما أدراك ما هى السماء!
نستكمل المرة القادمة فى مقال جديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل الله معاق؟؟؟؟؟
ماجدة منصور ( 2020 / 6 / 20 - 02:45 )
تقول لنا الكتب الصفراء أن الله خلق الإنسان على صورته!!!!0
إنه قول عجيب إستحضرته البارحة في ذهني حين كنت بزيارة ميدانية لمعهد علمي خاص بالمعوقين...فسألت نفسي:: إذا كان الإنسان على صورة الله فلم يخلق أطفالا معوقين؟؟؟
بهذا المعنى يصبح الإله الذي ((خلق))هذا المعاق....معاق هو أيضا!!!0
فهل نحن نتحدث عن إله على صورة معاق؟؟؟؟
ما هذا الخلط الذي هو أبعد ما يكون عن العقل و المنطق و الحس السليم0
علينا التخلص من المنظومات الدينية جميعها لأنها تكرس صورة إله متغطرس متعجرف إنتقائي سادي لئيم دموي و لا يتناسب مع إنسانيتنا المعاصرة0
شكرا لكم أستاذ ميشيل


2 - إله الأساطير
ميشيل نجيب ( 2020 / 6 / 20 - 18:19 )
الأستاذة/ ماجدة
بعد التحية,
معك حق أن إله رجال الدين والمتدينين أصبح إلهاً معاقاً بل ويحتاج للحماية وفريقاً من الأطباء الأختصاصيين لمعالجته على خرافاته وحالته التى لا تبشر بخير للبشرية، لقد ألصقوا كل الصفات القبيحة فى إله كأنه بالفعل شخص معاق يجول يصنع شراً فى كل المسكونة،إله يشاء أرتكاب ما يريد هو من أعمال رديئة ولا يحاسب عليها يضل من يشاء ويهدى من يشاء، لكن يأتى ويوجه سهامه نحو الإنسان الأعزل ويحاسبه على توافه الأعمال وقد أعد له جهنم الحمراء، ليشوى جلده ليتعلم الأدب والأخلاق الكريمة من إلهه المعاق.
يا ليتهم يرجعون ويظهرون الإله الحقيقى الخالق الذى يتعالى بصفاته التى لا نملك وصفها بكلماتنا البشرية لقصور بلاغتنا فى وصف إله حقيقى لم يتسنى لهؤلاء المعاقين من رجال الدين رؤيته على حقيقته وأن يتناسب مع إنسانيتنا المعاصرة كما ذكرتى فى تعليقك.
بالبحث الجاد سنصل إلى هذا الإله الذى يستحق العبادة دون أن يكون جهنمى الأخلاق ولا دموى الهوية.
شكراً لك.

اخر الافلام

.. من هم المانحون الذين ساهموا في ترميم كاتدرائية نوتردام؟


.. ماهي فرضيات استعادة تنظيم الدولة الإسلامية نشاطه في سوريا؟




.. كاتدرائية نوتردام في مهب رياح التاريخ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. كاتدرائية نوتردام في باريس.. عمق أدبي وفني يكاد يضاهي الأهمي




.. مسيحيو الشرق.. عودة إلى العراق • فرانس 24 / FRANCE 24