الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكرى مرور عامين على سجني.. فهل انتصر الإسلام

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2020 / 6 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ذكرى مرور عامين على سجني .. فهل انتصر الإسلام؟
تمر بعد أيام الذكرى الثانية لصدور حكم إدانتي ودخولي السجن في الكويت، بعد أن صدر حكم قضائي نافذ بحبسي لمدة شهرين تحت مسمى ازدراء أديان على خلفية مقابلة شخصية لي على قناة الجزيزة تحدثت فيها عن التطبيقات الإسلامية للحدود الدينية، وكذلك بسبب مجموعة من التغريدات النقدية للإسلام على منصة تويتر. تلك المنصة التي وجدت من أجل حرية الرأي والتعبير والفكر وتبادل المعرفة والتواصل مع الآخرين، ثم ما لبثت أن أصبحت في الكويت، وفي غالبية مجتمعاتنا العربية، وسيلة للسجن والمراقبة وتدمير حرية وكرامة الإنسان.
عامين قد مضيا، مع كل احداثهما المحلية والاقليمية والعربية والدولية، فهل انتصر الإسلام في الكويت بعد أن تم سجني؟. وهل اختفى الفساد والظلم والتخلف والقهر والعنصرية والنفاق والجهل؟.. وهل السجن والحبس هو الوسيلة المثلى لمعاقبة الرأي والفكر؟..وهل فعلا الإسلام سوف ينتصر بعد أن يسجن تابعيه ومعتنقيه بعد نقدهم له؟..وهل رب الإسلام بحاجة الي السجون والمعتقلات وترويع الإنسان وإهانة كرامته واستلاب حريته حتى يخبرنا بعدم نقد الإسلام؟.. لا شك أنها أسئلة عميقة لن نجد لها جوابا شافيا في مجتمعات وشعوب لا تزال تتعاطى الأديان بطريقة بدائية قائمة على الوصاية والكهنوت ومحاسبة النوايا والضمائر وملاحقة الناس على شكلهم وافكارهم وميولهم وهمساتهم.
فمن هي حرية الرأي والتعبير التي تحاربها السلطات السياسية العربية والمؤسسات الدينية ورجال الدين والفقهاء، ويتمسك بها كل كاتب ومثقف ومغرد في عصر اليوم؟.. في الحقيقة يمكن اعتبار حرية الرأي والتعبير من أهم الحقوق الإنسانية، لما تخلقه من ابداع وتفكير ومحاججات فكرية لا متناهية، وليس هذا فقط، بل يمكن اعتبار هذا الحق في الرأي، أحد الوسائل المهمة للدولة نفسها في تعظيم مساحة الحريات لديها، ودعم الشفافية والمراقبة وتمكين الديمقراطية وممارسة العملية السياسية بكل تجاذباتها لمصلحة العامة والمجتمع. ونظرا لأهمية هذا الحق للإنسان في كل زمان ومكان، قامت ونشأت التشريعات القانونية والدولية لحماية هذا الحق بتفاوت وتباين يختلف بحسب النظام الحاكم ووعي الشعب وثقافة المجتمع. ويعود أول اعتراف ضمني بحرية الرأي والتعبير الي اعلان حقوق الانسان الفرنسي الذي صدر بعد الثورة الفرنسية عام 1789، حيث نصت المادة 11 منه على " التداول الحر للأفكار والآراء هو أحد حقوق الانسان الهامة، فيجوز لكل مواطن أن يتكلم ويطبع بصورة حرة مع مسؤوليته عن سوء استعمال هذه الحرية". وعلى صعيد المجتمع الدولي، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948، الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تضمن حق كل شخص بالتمتع بحرية الرأي والتعبير. وتبنت الجمعية في عام 1966، العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي يعكس ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الانسان، وتتمتع أحكامه بصفة الإلزام القانوني للدول التي تصادق عليه، حيث أكد في المادة 19 منه على حق كل انسان في اعتناق الآراء دون مضايقة والتعبير عنها ونقلها الي الآخرين دونما اعتبار للحدود بالوسيلة التي يختارها.
لهذا تم اعتبار ضمان ممارسة حرية الرأي والتعبير بمثابة الركن الأساسي لبناء المجتمع الديمقراطي الحر، والدعامة الأساسية لحماية الأفراد من التعسف والظلم، وعلامة مميزة للمجتمع المدني في تثوير طاقات الأفراد وإشراكهم في إدارة شؤون الحياة العامة في الدولة. وتسبب غياب هذا الحق الإنساني، على مدار التاريخ، في الكثير والعديد من المظالم والترهيب والتجاوزات القانونية والأخلاقية ضد الأفراد وضد كرامتهم وكيانهم واعتبارهم البشري.
وينطلق معارضوا فكرة حرية الرأي والتعبير من كونها قد تسمح بالإنفلات والتسيب واهانة المعتقدات والأعراض والرموز الدينية والتاريخية. ولهؤلاء نقول، بأن الهدف الاساسي لحرية الرأي والتعبير هو تنوير الرأي العام، ومده بالمعلومات والأفكار والمقارنات والتجارب والوقائع، وليس التعرض الي سمعة الآخرين وأعراضهم، فهذه التجاوزات يمنعها القانون والأخلاق، وهي أمر وشأن طبيعي يحدث في كل المجتمعات، ولا يمكن التعويل عليها والاستناد عليها لتجريم ومنع حرية الرأي والتعبير بشكلها الايجابي. بينما من يدعي بأن حرية الرأي والتعبير تم استغلالها للتعرض للمعتقدات الدينية وتحقير الاديان والرموز الدينية، نقول أيضا لهؤلاء، بأن ما يعتقدونه وما يؤمنون به ليس ملزما للآخرين تصديقه وتبجيله، ولا يمكن اعتباره حجة عليهم، لانتفاء القصد الجنائي في عملية طرح الرأي وتداوله في نقد الاديان والمعتقدات طالما لا يدعو الي العنف والقتل والكراهية. أما من يقول بأن نقد الاديان هو اساءة للمشاعر الإنسانية، فنرد على هذا القول، بأن مفهوم الإساءة الي المشاعر الدينية هو مفهوم غامض وغير عقلاني ومبهم. فالإساءة الي المشاعر ليست جريمة ملموسة مادية تحدث ضررا، بقدر ما تكون المشاعر احساس ذاتي غير قابل للإثبات، وأيضا يختلف من شخص لآخر، ولا يمكن قياس الإساءة الي المشاعر بشكل علمي يمكننا من خلاله تحديد درجات الإساءة ومفعولها. ولهذا قيل في أجمل توصيف للحرية، وخصوصا حرية الرأي والتعبير "أنت حر طالما لم تضر".
الآن، وبعد مرور عامين على خروجي من السجن، لم أرى الإسلام قويا أو منتصرا أو قد حقق اهدافه. ولم أرى المسلمين في أفضل حال وأعز شأن وأعلى مكانة. ولم أسمع بأن المنجزات الإسلامية قد غزت الأسواق أو وصلت الي الفضاء أو خلقت وصنعت الابداعات والتجارب واللقاحات. بعد مرور عامين على سجني، رأيت الدين الإسلامي محاصر بالمؤسسات الدينية والمذاهب الطائفية والصراعات المذهبية. رأيت الإسلام دينا فقد الكثير من التعاطف الإنساني، والدخول اليه عن قناعة واقتناع ومحبة. بل رأيته دينا محاطا بالأسلحة والقيود والممنوعات. دينا قد تحول من بث مكارم الأخلاق الي سلاحا بيد الجهلة من الفقهاء ورجال الدين والحكام.
لهذا هل يمكننا اليوم اعتبار قوانين ازدراء الأديان، قوانين ذات قيمة أو فائدة للإسلام؟.. وهل حقيقة الأمر أن الدين الاسلامي يجد قوته ومكانته واعتباره في كونه قابلا للنقد والتحليل والتفكيك كي يبين للناس وللتاريخ بأنه قوي الحجة وعظيم البنيان ومتين الأدلة؟.. أم سوف تستمر المؤسسات الدينية الناطقة باسمه في تحدي القوانين الدولية وتجريم حرية الرأي والتعبير من منطلقات ضعيفة ومضحكة ولم تعد تمارس أو تطبق الا في العصور الوسطى. لقد تمت محاكمة العديد من العلماء والمفكرين والكتاب وغيرهم في مجتمعاتنا العربية والاسلامية، منذ نشأة الإسلام وحتى عصرنا الحالي، ممن مارسوا حقهم في الرأي والتعبير بخصوص الدين الإسلامي، لكن انتهى بهم الأمر، إما مقتولين أو محروقين أو منفيين أو في السجون. وقد تعرضت عوائلهم وأطفالهم الي فقدان المعيل أو الداعم لهم. فهل يقبل الإسلام مثل هذه التصرفات التي تمارس باسمه وهو من جاء رحمة للعالمين؟.. وهل انتزعت الرحمة والرأفة والعدالة من قلوب القضاة والمستشارين عندما يصدرون مثل هذه الأحكام، وهم من باعتبارهم يمثلون الحق والعدالة والانتصار لحقوق الإنسان؟.
إن حرية الرأي والتعبير، علامة على التطور والتقدم. فلم يحدث أي ابداع، ولم تتجاوز الأمم عثراتها، الا بالنقد الصادق، وجرأة الكلمة، وصدق النصيحة. بينما في مجتمعاتنا، لم يتعلم المواطن العربي شيئا عن حرية الرأي والتعبير والفكر، لانها جريمة في القانون والدين والمجتمع. لهذا بقى الثالوث المرعب (الدين، الجنس، السياسة) خارج النقد، بعكس ما قاله ديكارت "ما من شيء خارج النقد. وقد تأدلجت الشعوب العربية على ذلك، لأن فكرة الحرية، لم تتعامل معها بشكل حضاري وقانوني وأخلاقي، لانها بكل بساطة غير موجودة في تربيتنا وفي تعليمنا وفي عقولنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حد الردة وازدراء الاديان هم الداعم للاسلام
مروان سعيد ( 2020 / 6 / 20 - 10:37 )
تحية للاستاذ عبد العزيز عبد الله القناعي وتحية للجميع
الحمد لله على سلامتك واشكر الرب اخرجوك سالما ولم يكفروك ويعدموك
ما يدعم الاسلام ثلاثة حد الردة وقانون ازدراء الاديان والبترودولار
واكثرهم دعما هو حد الردة وكانت اكثر حروب المسلمين هي على المرتدين وقال الشيخ القرضاوي لولا حد الردة لاانتهى الاسلام ومع ذلك ان الملايين كشفوا الاسلام على حقيقته وتركوه وتحدوا الموت والقتل والاضطهاد
https://www.youtube.com/watch?v=ZadMaykcgns
واكثر الذين تركوه مثقفين اطباء ومهندسين وعلماء
والسؤال الانسان اذا ولد بدين كيف يجبروه عليه الى الابد اين حرية التفكير والاختيار
ومودتي لك وحمدا على سلامتك


2 - إلى مروان سعيد
عبدالعزيز القناعي ( 2020 / 6 / 20 - 16:53 )
تحياتي لك صديقي واتفق معك تماما في رؤيتك حول أزمة العقل العربي المسلم وتحديات التفكير بوجود حد الردة وغيره من القوانين المجحفة بحق الإنسان مهما كان مختلفاً.

اخر الافلام

.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين


.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ




.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح


.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا




.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم