الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكواكبي.. والاستبداد الديني2/ 2

داود السلمان

2020 / 6 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وبمعنى آخر، إن النزعة الدينية تُعد اكبر نزعة في الانسان.. أن الانسان يمكن أن يتنازل عن كثير من القضايا ويتهاون فيها، ويكمن أن يعيد النظر فيها، الا النزعة الدينية، فمن النادر، والنادر جدا أن تجد الانسان يغير فكرته عن الدين، أو يبدله، وهذا لا يقع الا بوقوع صدمة للذي يغير نزعته الدينية، أو خلال تأثير بحوث مُعقمة خضع لها ودرسها لسنوات طويلة.
يقول الكواكبي: "والحاصل أن كل المدققين السياسيين يرون أن السياسة والدين يمشيان متكاتفين، ويعتبرون أن إصلاح الدين هو أسهل وأقوى وأقرب طريق للإصلاح السياسي".
وهذا الرأي ليس بصحيح، ولا نقف بجانب الكواكبي عليه، فالواقع يقول عكس ذلك تماما، والسبب أن السياسيين هم يخضعون لعوامل المصلحة، والمصلحة المشتركة، المبنية على المنفعة، إذ أن الكثير من السياسيين عندهم المنفعة المادية والشخصية هي فوق الكل، فأين ما يجد السياسي مصلحته فيجري ساعيا اليها، ولا تهمه بعد ذلك القيم والمبادئ، لأن تلك المسميات هذه هي مجرد لقلقة على لسانه، فالمنصب والاموال والاغراءات الاخرى هي ما يسيل لها لعابه.
واما الدين فشأنه مختلف جدا، فالأحقاد التي تأتي عن طريق الدين لا يمكن أن تخمد شرارتها ابدا، والا لماذا كثرت في المعمورة هذه الاديان والمذاهب والمعتقدات، وهذه الحروب التي شُنت على اسس دينية؟. فلو كان ثمة تصالح وتقارب في وجات النظر، وتسامح ديني لتجنبنا تلك الحروب الدينية التي راح ضحيتها ملايين الابرياء على مدى التاريخ.
ثم يصب الكواكبي جام غضبه على الفقهاء المتصدين، من الذين بيدهم الحل والربط حيث يتهمهم بأنهم شرعوا احكاما بتقديس الفقهاء، فذهب معظم الناس الى الوئام في هذا التشريع "ومن يدري من أين جاء فقهاء الاستبداد بتقديس الحكام عن المسئولية حتى أوجبوا لهم الحمد إذا عدلوا، وأوجبوا الصبر عليهم إذا ظلموا، وعدوا كل معارضة لهم بغيا يبيح دماء المعارضين؟!".
والتاريخ مشحون بمثل هؤلاء الفقهاء، والذين اطلق عليه عالم الاجتماع علي الوردي بـ "وعاظ السلاطين". فهؤلاء الوعاظ ساهموا مساهمة واضحة في بقاء المستبد سادرا في غيه.
وهذا ليس بغريب كما يرى الكواكبي، بل "والأغرب من هذا وذاك أنهم جعلوا للفظة العدل معنى عرفيا وهو الحكم بمقتضى ما قاله الفقهاء حتى أصبحت لفظة العدل لا تدل على غير هذا المعنى، مع أن العدل لغة التسوية؛ فالعدل بين الناس هو التسوية بينهم، وهذا هو المراد في آية: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ، وكذلك القصاص في آية: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ المتواردة مطلقا، لا المعاقبة بالمثل فقط على ما يتبادر إلى أذهان الأسراء الذين لا يعرفون للتساوي موقعا في الدين غير الوقوف بين يدي القضاة".
أي أن الفقهاء الذين عناهم الكواكبي اوهموا الناس بأنهم يرومون تطبيق العدالة، حيث فسروا هذا المفهوم (العدالة) حسب اهوائهم، وقاسوه حسب مقاسهم، خلافا لما يريده الواقع وتقبله الانسانية.
وكأن الكواكبي يأسف على الدين الحقيقي الصحيح، الذي به تسعد الناس، لأنه فُقد أو بُدل، والذي فعل به ذلك هم الفقهاء، طلاب السلطة والاهواء. ذلك "الدين الذي فقد الأنصار الأبرار والحكماء الأخيار فسطا عليه المستبدون والمترشحون للاستبداد، واتخذوه وسيلة لتفريق الكلمة وتقسيم الأمة شيعا، وجعلوه آلة لأهوائهم السياسية فضيعوا مزاياه وحيروا أهله بالتفريع والتوسيع، والتشديد والتشويش، وإدخال ما ليس منه فيه كما فعل قبلهم أصحاب الأديان السائرة، حتى جعلوه دينا حرجا يتوهم الناس فيه أن كل ما دوّنه المتفننون بين دفتي كتاب ينسب لاسم إسلامي هو من الدين، وبمقتضاها أن لا يقوى على القيام بواجباته وآدابه ومزيداته، إلا من لا علاقة له بالحياة الدنيا".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جون مسيحة: مفيش حاجة اسمها إسلاموفوبيا.. هي كلمة من اختراع ا


.. كل يوم - اللواء قشقوش :- الفكر المذهبي الحوثي إختلف 180 درج




.. الاحتلال يمنع مئات الفلسطينيين من إقامة صلاة الجمعة في المسج


.. جون مسيحة: -جماعات الإسلام السياسي شغالة حرائق في الأحياء ال




.. إبراهيم عبد المجيد: يهود الإسكندرية خرجوا مجبرين في الخمسيني