الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخطاء القرآن اللغوية: 7) تناقض النص القرآني

سامي الذيب
(Sami Aldeeb)

2020 / 6 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ذكرنا في مقال سابق
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=676207
بأن الأخطاء اللغوية في القرآن تنقسم إلى 11 نوع
وسنعرض هنا النوع السابع منها: تناقض النص القرآني

انواع التناقض
---------
يقول القرآن: «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا» (4: 82). وقد فسر المنتخب الفقرة الأخيرة كما يلي: «إذ لو كان من عند غيره لتناقضت معانيه، واختلفت أحكامه اختلافًا كثيرًا». ولكن حقيقة الأمر أن القرآن مليء بالتناقضات.
يمكن ان نجد تناقضًا في كل خطاب على عدة مستويات منها:
- على المستوى الإملائي، كأن يتم كتابة كلمة بطريقتين مختلفتين، وقد تعرضنا له تحت بند الأخطاء الإملائية
- وعلى مستوى الجملة بالانتقال من المتكلم أو المخاطب إلى الغائب أو العكس، أو بالانتقال من المفرد إلى المثنى أو الجمع والعكس، أول الانتقال من الماضي إلى الحاضر أو الأمر أو العكس، أو الإنتقال من المذكر إلى المؤنث أو العكس، وقد ذكرناه تحت بند الأخطاء النحوية ونظرية الالتفات.
- وعلى مستوى الأحكام كأن تأمر بشيء ثم تعود وتأمر بشيء آخر في نفس المجال أو تُدخل استثناء لم يكن موجودًا في البداية
- وعلى المستوى الروائي: بأن تذكر كلامًا أو حيثية في موضوع ما، ولكنك تكرر الموضوع مغيرا الكلام أو الحيثية.
وقد حل الفقهاء والمفسرون تناقض الأحكام من خلال نظرية الناسخ والمنسوخ والتي سنتكلم عنها هنا على سبيل التعريف لأنها ما زالت تثير كثيرًا من الجدل وإن لم نتعرض لهذا الموضوع في كتابنا هذا لعدم صلته بالأخطاء اللغوية والإنشائية. ومن يهمه الأمر يمكنه الرجوع لطبعتنا العربية للقرآن التي ذكرنا فيها الآيات الناسخة والمسنوخة. فما يهمنا هنا هو التناقض على المستوى الروائي بسبب علاقته بالأخطاء الإنشائية. ولنبدأ بتناقض الأحكام والناسخ والمنسوخ.

تناقض الأحكام والناسخ والمنسوخ
--------------------
وفقًا للمصادر الإسلامية استمر الوحي لمدة 23 عامًا وقد صاحب مجتمعًا متغيرًا. وكأي نظام قانوني طرأت عليه تغيرات تحكمها ضوابط اختلفت حسب الزمان. وهنا يتدخل موضوع النسخ الذي يعرفه الفقهاء بأنه رفع الشارع حكمًا شرعيًا بدليل شرعي متأخر. وهذا يحدث عندما يتعارض نصين وعُرف تاريخ كل منهما فالمتأخر ينسخ المتقدم . وهنا تكمن أهمية معرفة تسلسل القرآن.
جاءت كلمة نسخ في العهد القديم باللغة العبرية بمعنى الإزالة في أربع آيات: كما أَنَّ الرَّبَّ كانَ يُسَرَّ إِذا أَحَسَنَ إِلَيكم وكثَّرَكم، أَنَّه يُسَرَّ أَيضًا إِذا أَهلَكَكم وأَبادَكم، فتُقتَلَعونَ (וְנִסַּחְתֶּם֙) مِن على الأَرضِ الَّتي أَنتَ داخِل إِليها لِتَرِثَها (تثنية 28: 63)؛ أَمَّا الأَشْرارُ فيُستَأصَلونَ مِنَ الأَرْض والغادِرونَ يُقتَلعونَ (יִסְּח֥וּ) مِنها (الأمثال 2: 22)؛ الرَّبّ يُدَمّر (יִסַּ֥ח׀) بَيتَ المُتَكَبِّرين ويَنصِبُ مَعالِمَ الأَرمَلَة (الأمثال 15: 25)؛ لِذا فاللّهُ للأبِدِ يُدَمّركَ يَقْبِضُ علَيكَ ومِنَ الخَيمةِ يَقتَلِعُكَ (וְיִסָּחֲךָ֣) ومِن أَرضِ الأحْياءَ يَستأصِلُكَ (مزامير 52: 7). وجاءت كلمة نسخ في القرآن في آيتين هجريتين: الآية 2: 106 والآية 22: 52 بمعنى أزال وأبطل، ورفع شيئًا وأثبت شيئًا آخر مكانه، وإزال شيئًا بشيء يتعقبه.
وقد كتب العديد من الفقهاء القدامى والمعاصرين حول هذا الموضوع الذي لا غنى عنه لفهم القرآن، ومعرفته شرط لممارسة القضاء والإفتاء. ويذكر السيوطي في هذا المجال: «قال الأئمة لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ. وقد قال علي لقاضٍ أتعرف الناسخ من المنسوخ قال لا، قال هلكت وأهلكت» . وقد أثار موضوع النسخ خلافات في زمن النبي. واتهمه البعض بتغيير آيات القرآن لتتماشى مع هواه ونزعاته كما حدث مع إلغاء نظام التبني حتى يتمكن من الزواج من زينب امرأة زيد. ونذكر هنا قولًا شهيرًا لعائشة: «ما أرى ربك إلا يسارع في هواك». ولكن آيات قرآنية صرحت بأن هذا التغيير كان بإرادة الله:
وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (16: 101)
مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2: 106)
يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (13: 39)

ويميز الفقهاء المسلمون بين أشكال مختلفة من النسخ نذكر منها:
- قد تنسخ آية آية أخرى مع بقائهما في القرآن. فيقال هنا: نسخ الحكم وبقاء التلاوة. ونذكر في هذا المجال نسخ حكم الآية 2: 115 بواسطة الآية 2: 144 التي حددت القبلة في الصلاة إلى الكعبة.
- قد تنسخ آية حكمًا في آيةٍ أخرى ولكن كلتاهما رفعت من القرآن مع بقاء حكم الآية الأخيرة. فوفقًا لشهادة عائشة كانت هناك آية تمنع الزواج بسبب الرضاعة إن كانت عشر رضعات، فنزلت آية خفضت هذا العدد إلى خمس رضعات وبقي هذا الحكم نافذًا ولكن اختفت الآيتان من القرآن. فيقال هنا: نسخ التلاوة مع بقاء الحكم. وتروي عائشة أن آية الرضاعة كانت تقرأ في القرآن حتى وفاة النبي وكانت مكتوبة عندها على ورقة وموضوعة تحت سريرها، ولكنها انشغلت بوفاة النبي وبعدها فدخلت سخلة وأكلت الورقة. وفي رواية أخرى عن عائشة أنها قالت: لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير. ولقد كانت في صحيفة تحت سريرها، فلما مات النبي وتشاغلت بموته دخل داجن فأكلها. والداجن هنا الحيوان الذي يربى في المنزل وكان السائد منه في المدينة الماعز. وإن صحت هذه الرواية، فلماذا لم تضف إلى القرآن لاحقًا؟
- قد تنسخ آية حكمًا في آيةٍ أخرى ولكن الآية المنسوخة تبقى في القرآن بينما الآية الناسخة اختفت منه. فهكذا ما زالت الآية 24: 2 تسن على 100 جلدة في حالة الزنا ولكن هذا الحكم تم نسخه من آية اختفت من القرآن تسن على الرجم وفقًا للخليفة عمر .
- هناك آيات أوحيت إلى النبي ولكن نسيها من حفظها ومحيت مما كتبه كتبة النبي بأعجوبة. ونجد صدى لهذه الظاهرة في الآيتين 87: 6-7 و2: 106.
- هناك آيات أوحى بها الشيطان للنبي ونسخها الله لاحقًا كما تذكر الآية 22: 52. وهذا ما حدث لما يدعى بالآيات الشيطانية والتي نجد لها صدى في الآيات 53: 19-23.
- هناك آيات قرآنية نسختها السنة. فمثلًا سن القرآن على الوصية في الآية 2: 180 ولكن هذه الآية نسخها الحديث «لا وصية لوارث».
- هناك أحاديث نبوية نسختها آيات قرآنية. فمثلًا هناك حديث عن معاهدة تفرض إعادة كل من أسلم إلى المشركين وذلك قبل فتح مكة. ولكن تم نسخ هذا الحديث بالآية 60: 10.
- نسخ متعدد: ففي موضوع الخمر تم منعه تدريجيًا في ثلاث آيات متوالية وهي الآية 2: 219 التي نسختها الآية 4: 43 التي نسختها الآيتان 5: 90-91 ولكن دون ذكر عقاب عليه. وقد جاء حديث يقول بأن النبي قد جلد شارب الخمر فيكون قد نسخ الآيات السابقة.

ونشير هنا إلى أن القاعدة الأساسية والمنطقية في موضوع الناسخ والمنسوخ تقول: إذا تعارض نصان عمل بالمتأخر. فالعبرة إذن في تاريخ النص، مما يفترض أن النصين يحمل كل منهما تاريخًا ثابتًا حتى نعرف من منهما ينسخ الآخر. والمشكلة في القرآن أنه يصعب تحديد تاريخ الآيات، خاصة انها غير مرتبة ترتيبًا تاريخيًا، وهناك آيات في القرآن اعتبرها الفقهاء منسوخة بما قبلها. فعلى سبيل المثال يعتبر هؤلاء الفقهاء الآية 33: 52 «لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا» منسوخة بالآية السابقة 33: 50 «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا». وقد سبق وذكرنا أن 35 سورة مكية تتضمن آيات مدنية نزلت بعد الهجرة، وفقًا للطبعة المتداولة للقرآن وكما هو بائن في قائمة السور المذكورة أعلاه، وقد أشرنا إلى الآيات المدنية (الهجرية) بحرف هـ.
ومن يدعمون فكرة النسخ في الإسلام يقولون بأن العهد القديم والعهد الجديد يتضمنان أيضًا مفهومًا موازيًا. وخلافًا لما يحدث مع المشرع الوضعي الذي يغير قانونًا بعد صدوره لأنه يكتشف لاحقًا أنه أخطأ في تقديره، فإن الفقهاء الذين يدعمون إمكانية النسخ في القرآن يقولون بأن الله حين ينسخ حكمًا من شريعته إنما يكشف لنا بهذا النسخ عن شيء من علمه السابق، منزهين الله عما يسمونه البداء الذي يستلزم سبق الجهل وحدوث العلم. فالله في نظرهم متصف أزلًا وابدًا بالعلم الواسع والمحيط بكل شيء: ما كان، وما هو كائن، وما سيكون. فيفرقون بين النسخ والبداء لأن الأول ليس فيه تغيير لعلم الله، بينما الثاني يفترض وقوع هذا التغيير. والذين يرفضون إمكانية النسخ إنما يخلطون بينه وبين البداء، فيتخذوا من استحالة البداء على الله ذريعة للحكم باستحالة النسخ عليه، ويحاولون المستحيل لتأويل الآيات وإقصاء شبهة التعارض بينها وبين الآيات الناسخة حتى لا يطعنوا بعلم الله. ويضيفون بأن أحكام القرآن لا تبطل ابدًا، والنسخ إبطال، فلا يرد على هذه الأحكام، وهذا ما توحيه الآيات التالية:
- لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ (10: 64، مكررة في 6: 34).
- وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6: 115).
- لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (41: 42).
- وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (18: 27).
ولن ندخل هنا في تفاصيل هذا الجدل الذي بدأه أبو مسلم الأصفهاني المعتزلي (توفى حوالي عام 934)، أحد علماء المفسرين، وما زال مستمرًا. فلا مكان لهذا الجدل إلا عند من يعتبر الشريعة من عند الله وليست من صنع البشر.

يؤدي هذا الجدل إلى عواقب وخيمة في بعض الأحيان. فقد أودى بحياة المفكر السوداني محمود محمد طه الذي شنقه النميري عام 1985 لأنه انتقد تطبيق الشريعة الإسلامية معتبرًا أن القرآن المكي قد نسخ القرآن المدني الذي يتضمن الأحكام الشرعية . وبسبب علاقة طبعتي هذه مع نظرية هذا المفكر، علينا ان نعير بعض الانتباه لما يقوله.
في كتابه «الرسالة الثانية من الإسلام» ، يعتبر محمود محمد طه أن القرآن المكي هو أصل الإسلام، أما القرآن المدني فهو قرآن سياسي يأخذ بالمعطيات المكانية والزمانية. وعليه فإنه يرى أن القرآن المكي ينسخ القرآن المدني وليس العكس. وهذا الموقف يحل معضلة التعامل مع النص القرآني، وهو أحد الدوافع التي جعلتني أنشر القرآن بالتسلسل التاريخي. وحسب علمي لم ينادِ محمود محمد طه بنشر القرآن بالترتيب التاريخي، ولكن هذا الترتيب يساعد على فهم نظريته. فالقارئ يرى فيه بصورة واضحة مضمون القرآن المكي ومضمون القرآن المدني، ويستطيع أن يحكم بذاته كيف تم التحول من موقف متسامح دون تمييز إلى قرآن مُسَيَّس، قتالي، يميز بين أتباع النبي محمد والآخرين، وبين الرجل والمرأة. فمن الملاحظ أن الآيات المكية تستعمل عامةً عبارة «يا أيها الناس»، بينما الآيات المدنية فقد استبدلتها بعبارة «يا أيها الذين آمنوا». ففرقت بين الناس على أساس الإيمان. قارن على سبيل المثال بين الآية: «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا» (7: 158) والآية: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ» (4: 144). ولم يفرق القرآن المكي بين الرجل والمرأة، على العكس من القرآن المدني. قارن على سبيل المثال بين الآية: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» (16: 97) والآية: «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا» (4: 34). ويلاحظ في هذا المجال أن آيات الميراث التي تعطي للمرأة عامةُ نصف ما تعطي للرجل في الميراث (انظر مثلًا 4: 11 و176) والآية التي تجعل شهادة المرأة تساوي نصف شهادة الرجل (2: 282) ، وآيات القصاص والعقوبات قد جاءت في القرآن المدني (انظر مثلًا 2: 178 و179 و24: 2 و5: و33 و38). وكذلك آيات القتال، ومن ضمنها آية السيف الشهيرة (9: 5) التي سنتكلم عنها والتي اعتبرها الفقهاء المسلمون ناسخة لكل الآيات المتسامحة، بينما يرى محمود محمد طه عكس ذلك.
ويسمي محمود محمد طه القرآن المدني بالرسالة الأولى التي يجب تجاوزها للوصول إلى الرسالة الثانية المتمثلة بالقرآن المكي. ولكن بالإضافة إلى العواقب القانونية الخطيرة التي توصل لها نظرية محمود محمد طه، فإنها تخالف المنطق القانوني المتعارف عليه ليس فقط في الشريعة الإسلامية ولكن أيضًا في كل الشرائع الوضعية التي تعتبر انه في حالة تعارض نصان يعمل بالمتأخر. فمحمود محمد طه يرى عكس هذه القاعدة ويعتبر أن المكي (وهو النص المتقدم) ينسخ القرآن المدني (وهو النص المتأخر). .

ويذكرنا هذا الكلام بقول المسيح:
ولَمَّا أَتمَّ يسوعُ هذا الكَلام، تَرَكَ الجَليلَ وَجاءَ بِلادَ اليَهوديَّةِ عِندَ عِبْرِ الأُردُنّ. فَتبِعَتهُ جُموعٌ كَثيرة، فشفاهم هُناك. فَدنا إِليهِ بعضُ الفِرِّيسيِّين وقالوا له لِيُحرِجوه: أَيَحِلُّ لأَحَدٍ أَن يُطَلِّقَ امرَأَتَه لأَيَّةِ عِلَّةٍ كانت؟ فأَجاب: أَما قَرأتُم أَنَّ الخالِقَ مُنذُ البَدءِ جَعلَهما ذَكَرًا وَأُنثى وقال: لِذَلِكَ يَترُكُ الرَّجُلُ أَباهُ وأُمَّه ويَلزَمُ امرَأَتَه ويصيرُ الاثْنانِ جسَدًا واحدًا. فلا يكونانِ اثنَينِ بعدَ ذلكَ، بل جَسَدٌ واحد. فما جمَعَه الله فلا يُفرِّقنَّه الإِنسان. فقالوا له: فلِماذا أَمَرَ موسى أَن تُعْطى كِتابَ طَلاقٍ وتُسَرَّح؟ قالَ لهم: مِن أَجْلِ قساوَةِ قُلوبِكم رَخَّصَ لَكم موسى في طَلاقِ نِسائكم، ولَم يَكُنِ الأَمرُ مُنذُ البَدءِ هكذا. أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: مَن طَلَّقَ امرَأَتَه، إِلاَّ لِفَحْشاء، وتَزوَّجَ غيرَها فقَد زَنى. فقالَ له التَّلاميذ: إِذا كانَت حالَةُ الرَّجُلِ مَعَ المَرأَةِ هكذا، فلا خَيرَ في الزَّواج. فقالَ لهم: هذا الكلامُ لا يَفهَمُه النَّاسُ كُلُّهم، بلِ الَّذينَ أُنعِمَ علَيهِم بذلك (متى 19: 1-11).

ورغم الأهمية التي يعطيها الفقهاء القدامى لمعرفة الناسخ والمنسوخ، فإن الكتاب المسلمين القدامى والمعاصرين غير متفقين على عدد الآيات القرآنية المنسوخة. فابن الجوزي (توفى عام 1200) يذكر 247 آية منسوخة بينما السيوطي (توفى عام 1505) لا يعترف إلا بـ 22 آية منسوخة هي 73: 1-3* و2: 180 و2: 183 و2: 184 و2: 240 و2: 284 و8: 65* و3: 102* و33: 52 و60: 11 و4: 8 و4: 15* و4: 16* و4: 33* و24: 2 و24: 58 و58: 12* و5: 2 و5: 42 و5: 106 و9: 41. وبعد فحص كل هذه الآيات اعتبرت موسوعة قرآنية نشرتها وزارة الأوقاف المصرية عام 2003 أن فقط الآيات السابقة مع إشارة * يمكن اعتبارها منسوخة . وقد جمع مصطفى زيد كل الآيات التي اعتبرت منسوخة في تسعة مصادر قديمة فوجد عددها 293 آية ولم يقر إلا بنسخ ستة نصوص هي 73: 1-3 و8: 65 و4: 15 و4: 16 و4: 43 و58: 12 . وأما مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، فإنه يقول إن المتفق عليه مما قيل بنسخه لا يزيد عن النصين الآتيين فقط، هما: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً» (58: 12) و«يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا. نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا» (73: 1-3). وما عدا ذلك فهو موضع اختلاف بينهم . ويقول ولي الله الدهلوي عن سعة النسخ عند المتقدمين: «اتسع باب النسخ عندهم وتوسعوا في موضوعه، وكان للعقل فيه مجال فسيح، وللاختلاف فيه مكان واسع. ولذلك بلغت الآيات المنسوخة إلى خمسمائة آية، بل إذا حققت النظر تجدها غير محصورة بعدد». وهو يرى انه «لا يتعين النسخ إلا في خمس آيات» .
ونضيف هنا إلى أن بعض المسلمين يرفضون فكرة النسخ جملةً وتفصيلًا.
والاختلاف الشاسع بين مواقف المؤلفين المسلمين في هذا المجال دليل على عدم وضوح نص القرآن حتى للمتبحرين في علومه، وهذا يناقض ما يقوله القرآن عن نفسه: «قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ» (5: 15)؛ «تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ» (27: 1)؛ «بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ» (26: 195). وهذا الاختلاف في تحديد الناسخ والمنسوخ يدعو إلى الحذر قبل أن نحكم على آية بأنها منسوخة أم لا.

تناقض على مستوى الرواية
------------------
هناك نصوص كثيرة تتكرر في القرآن تتعلق خاصة بالقصص. ونجد تناقضًا في حيثيات تلك القصص المكررة مما يعطي انطباعًا بأن مؤلف القرآن نسي ما كان قد قاله في سورة اخرى في نفس الحادثة. ويطلق على هذه الظاهرة مرض الزهايمر. ولاكتشاف هذه الأخطاء يجب وضع تلك القصص المكررة في جداول لمقارنتها. ولا يمكننا في مقالنا هذا القيام بهذه المهمة التي قد نكرس لها كتابًا منفصلًا. ونعطي هنا على سبيل المثال قصة تكليم الله لموسى من وسط النار في بعض السور، دون ذكرها جميعًا:

سورة النمل
إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا سَآَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آَتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (27: 7)
سورة القصص
فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (28: 29)
سورة طه
إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (20: 10)

سورة مريم
وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (19: 52)
سورة القصص
فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ (28: 30)

سورة النمل
يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27: 9)
سورة القصص
أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (28: 30)
سورة طه
إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (20: 12)

سورة النمل
وَأَلْقِ عَصَاكَ. فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (27: 10)
سورة القصص:
وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (28: 31)
سورة طه
قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (20: 20-21)

سورة النمل
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ (27: 12)
سورة القصص
اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ (28: 32)
سورة طه
وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ (20: 22)

سورة النمل
إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (27: 12)
سورة الشعراء
أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (26: 10-11)
سورة القصص
إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (28: 32)
سورة طه
اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ (20: 46-47)

ونعطي هنا امثلة أخرى للتناقض في الرواية:
- تقول الآية 68: 49 «لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ» بينما تقول الآية 37: 145 «فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ». فهل نبذ أم لا؟ وهل مذموم أم سقيم؟
- تقول الآيتان 73: 9 و26: 28 «رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»، والآية 55: 17 «رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ» والآية 70: 40 «فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ».
- هلك عاد في الآية 54: 19 بريح صرصر في يوم نحس مستمر، وفي الآية 41: 16 في أيام نحسات، وفي الآيتين 69: 6-7 في سبع ليال وثمانية أيام.
- تقول الآية 38: 76 و7: 12 أن الجن خلق «من نار» بينما تقول الآية 55: 15 «من مارج من نار».
- وفي رواية قوم لوط يقول القرآن ان الله أنزل عليهم حَاصِبًا (54: 34)؛ مطرًا (7: 84)؛ مطر السوء (25: 40)؛ حجارة من سجيل منضود (11: 82)؛ حجارة من سجيل (15: 74)؛ رجزًا من السماء (29: 34).

--------
مدير مركز القانون العربي والإسلامي http://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية والإيطالية للقرآن بالتسلسل التاريخي وكتابي الأخطاء اللغوية في القرآن وكتبي الأخرى: https://sami-aldeeb.com/livres-booksll








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - سامى الذيب
على سالم ( 2020 / 6 / 30 - 01:55 )
من الواضح استاذ سامى انك تعمل جاهدا وبكل طاقتك على ان يترك كل المسلمين ديانه محمد البدويه الارهابيه بسبب الاخطاء والخرابيط والدجل والغباء , هذا اكيد شئ جيد يحسب لك


2 - أخطاء القرآن اللغوية
سامي الذيب ( 2020 / 6 / 30 - 06:58 )
https://youtu.be/VKmj7kPNHNQ أخطاء القرآن اللغوية: 7) تناقض النص القرآني


3 - كلامك يدل بان الاسلام ممكن يتصلح
مروان سعيد ( 2020 / 7 / 1 - 08:11 )
تحية لنبينا الحبيب سامي الذيب وتحيتي للجميع
هل تعتقد لو اهملوا السيرة الغير مشرفة والاحاديث التي فضحت الاسلام وقلبوا الناسخ والمنسوخ يمكن في امل لاانعاش الاسلام وانقاذه من الغوما
وهل كان محمود محمد طه يريد تنقية القران من الاخطاء وترتيبه بحسب الانزال الصحيح
وتصور لو نجح هذا العالم واصبح الاسلام نقيا متطورا مماشيا للعصر يح يقضي على جميع الاديان اتعرف نبينا لماذا لاانه يعترف بجميع الانبيا وقد سباهم جميعا ويمكن يضمك انت له وتصبح اخر انبياء الله والمرسلين
فكرة خطيرة ولكن لكثرة الجهلاء المسلمين لن يتحقق هذا وخاصة شيخ الازهر لايريد تغيير حرف من السنة والاحاديث المشمئذة وهذ اثبات من انسان محترم يريد الاصلاح المستشار احمد عبده
https://www.youtube.com/watch?v=2apN8To_N7g
من كتاب الاقناع في حل الفاظ ابي شجاع
يوجد فيه فظائع ويدرس في جامعة الازهر
ونشكر الله على هذا ليعرف من له عقل ان الاية التي تقول
لو كان من عند غير الله لوجدت فيه اخطاء كثيرة
وحضرتك اثبتت ان هذا من عند غير الله ورحمة الله على سلمان الرشدي فقد كشفه منذ ومن
ومودتي للجميع

اخر الافلام

.. أكبر دولة مسلمة في العالم تلجأ إلى -الإسلام الأخضر-


.. #shorts - 14-Al-Baqarah




.. #shorts -15- AL-Baqarah


.. #shorts -2- Al-Baqarah




.. #shorts -20-Al-Baqarah