الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة الوطنية وفق “سرير بروكرست”!

بير رستم
كاتب

(Pir Rustem)

2020 / 6 / 30
المجتمع المدني


يقول الكاتب عزيز الحدادي في مقالة له بعنوان؛ (ما معنى الدولة الوطنية) منشورة في موقع “القدس العربي” بتاريخ 5 فبراير 2020 وبخصوص الدولة الوطنية ما يلي: “لا شيء يمنع الدولة من هويتها الوطنية غير النزعة الطغيانية أي وحدانية التسلط بلغة ابن خلدون” ويضيف؛ (والحال أن الدولة الوطنية لا تكون في الطريق نحو التفكك إلى قبائل، إلا عندما تتخلى عن طبيعتها الليبرالية التي تؤمن بالتعدد الإيديولوجي الذي يقوم حول الحرية والفكر «فما يجعل عصرنا عصرا عظيما هو امتلاكنا الحرية والفكر» كما يقول هيغل، فحرية التفكير وحرية التعبير تشكلان ماهية الدولة الليبرالية التي تدافع عنهما إلى حدود التطـرف، ولعـل معنـى الـدولة الوطـنية هو نفسـه معنى الليـبرالية على مسـتوى حقـوق الإنسـان، فكلـما انزلقـت الـدولة في فضاء حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، كلما صارت دولة وطنية..). إنطلاقاً من التعريف السابق بين مفهومي الحرية الليبرالية والدولة الوطنية وإلغاء الهوية الوحدانية -مهما كانت طائفية دينية أو قوموية إثنية- من التسلط والهيمنة على الهوية الجمعية “الوطنية” هي التي تؤسس لترسيخ مبدأ الشراكة وتحقيق الدولة الوطنية المنشودة.

وبالتالي ومن خلال التعريف السابق يمكن القول؛ بأن الدولة الأوربية المعاصرة التي جاءت إبان حربين عالميتين أودت بحياة الملايين من البشر نتيجة صراعات الدولة والفكر القوموي العنصري وقبلها الصراعات المذهبية الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت، فقد حققت شرطها التاريخي بحيث نجد اليوم مجتمعات ليبرالية مدنية معاصرة وبناء الدولة الوطنية الحديثة، فمثلاً بلد مثل سويسرا تجد فيها عدد من المكونات الثقافية اللغوية حيث هناك الألمانية والايطالية والفرنسية إلى جانب الرومانشية والذين لا يشكلون إلا 0،06% من مجموع سكان سويسرا ورغم ذلك تعتبر لغتهم وثقافتهم ضمن الثقافات الأربعة المعترفة بها في الدستور السويسري كلغات رسمية وطنية، لكن عندنا وللأسف فإن شركاؤنا في سوريا -وأقصد الكثير من النخب السياسية والثقافية العربية، إن لم نقل كلهم- يريدون منا أن نقبل ب(دولة وطنية) على مقاسهم بحيث لا تختلف كثيراً عن الجمهورية العربية السورية هويةً وثقافةً وحضارة، بل ربما حتى اسماً وليس فقط مضموناً وهوية؛ أي أن تكون دولة وطنية بهوية عربية -وهو نفي معرفي ثقافي لمفهوم الدولة الوطنية أساساً- حيث إنهم يرفضون حتى تغيير اسم الدولة وذلك من خلال رفضهم إلغاء (العربية) المضافة إليها ناصرياً-بعثياً (قوموياً)، بالرغم من إننا جميعاً نعلم؛ بأن عند التأسيس كانت تعرف بالدولة السورية.

وهكذا فإن الدولة الوطنية في مفهوم هؤلاء (الشركاء) ليس إلا أن نقبل ببعض الحقوق الثقافية في مناطقنا والمحصورة ربما في بعض المنتديات والجمعيات الثقافية التي تهتم بالتراث والفولكلور والزي الشعبي وبعض الرقصات والأغاني وفي أحسن الأحوال السماح لنا بتعلم اللغة الكردية من خلال معاهد وكورسات خاصة وربما وإن عطفوا وحنوا علينا أن يتم تعليم اللغة الكردية ضمن الصفوف الأولى وبساعات محددة وليست لغة رسمية إلى جانب العربية، كما نجد في سويسرا حيث يكون كتابة وإصدار وثائق ومراسيم البلاد باللغات الثلاث الرئيسية، كما يتم تدريسها وتعليمها بشكل إجباري لكل تلاميذها بحيث تكون لغة الكانتون الأساسية هي اللغة الأولى في التعليم وبعد عامين من الدراسة تدخل لغة ثانية من اللغات الثلاث الأساسية وتضاف اللغة الثالثة في المرحلة المتوسطة، طبعاً إلى جانب اللغة الانكليزية ومنذ البدء كلغة عالمية وبذلك يتقن أي سويسري لغات بلده الثلاث الرئيسية حيث اللغة الرابعة هي لغة محصورة داخل كانتون واحد من كانتونات سويسرا والبالغة عددها (26) ست وعشرون كانتوناً وهو كانتون صغير يسمى غراوبندن ومع ذلك فإن لغتهم -وهي لغة قديمة مثل الآرامية في سوريا ببلدة معلولا التابعة لريف دمشق- تعتبر لغة وطنية معترفة بها رسمياً.

بالأخير يمكننا القول؛ بأن مقياس وطنية البعض في بلداننا المشرقية -ومنها سوريا مقصد الحديث- يشبه مقياس قاطع الطريق اليوناني “بروكروست” حيث تقول الأسطورة؛ بأن كان له سرير يقيس عليه كل من يتم القبض عليه من قبله فيضعه على ذاك السرير، فإن كان أطول يتم قص رجليه أو رأسه وإن كان أقصر يتم مطه وشده لكي يصبح بمقياس سريره وذلك بعد أن يتقطع إلى أشلاء طبعاً .. وهكذا (الوطنيين) السوريين يريدون بناء دولة المواطنة في سوريا على ذاك المقياس، فإما أن يجعلوا الكردي عربياً أو هو مهاجر ويجب طرده إلى ما وراء الحدود، بالرغم من أن الذين خلف الحدود يقولون ويرددون نفس الإسطوانة وبأننا “لسنا السكان الأصليين” وإنما نحن بدو رحل أتينا من خلف الحدود .. وهكذا فالكردي لا وطن له وبالتالي لا مواطنة له ولا حقوق وطنية و”وجع دماغ”، فإما الترحيل والرحيل -ودون أن نعرف إلى أين- أو أقبلوا بهذه “الوطنية” التي على مقاسنا حيث نضعكم على سريرنا البروكروستي الجديد بنسخته العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معاناة النازحين الفلسطينيين في غزة تزداد جحيماً بسبب ارتفاع


.. السيسي: لم تتردد مصر في إغاثة الأشقاء الفلسطينيين وصمدت أمام




.. أخبار الصباح | -العمال البريطاني- يفقد تأييد الأقليات العرقي


.. اللاجئون السودانيون في تشاد يعانون نقص الخدمات الأساسية




.. مراسل العربية أسامة الكحلوت: الجيش الإسرائيلي يحاصر عددا كبي