الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزهد حتى المنتهي

أمينة النقاش

2006 / 6 / 25
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


فى جنازته رأيت رجالاً فى التسعين وشبانا فى العشرين، ونساء أصبحن جدات، وفتيات مازلن فى المدارس وعمالا وفلاحين ومثقفين وكتاب وطلاباً وأساتذة جامعات، ووزراء سابقين وحاليين وقادة سياسيين من مختلف الأجيال والتيارات والرؤى الفكرية.
لم أدهش كثيرا لهذا الحشد المهول الذى رأيته، فهكذا كان أحمد نبيل الهلالي، الإجماع الوحيد فى الحياة السياسية المصرية بكل تبايناتها.
لم ألجأ إليه فى شيء، وردنى خائبة أبداً، سوى مرة وحيدة، حين نشأت لدى بعض الأصدقاء فكرة فى منتصف السبعينيات الماضية، ظنوا أنها تخفف عنه بعض معاناته. فقد رأوا أن محامى الشعب، الذى يقضى معظم يومه متنقلا من محكمة إلى أخري، مدافعا عن سجناء الرأى وعن العمال وقضاياهم، ينتقل بوسائل المواصلات العامة، فبرزت الفكرة لدى الصديق محمد عبد الرسول، أن يجمع اليساريون من بينهم مبلغا من المال لشراء سيارة لكى تيسر على نبيل الهلالى رحلاته اليومية بين المحاكم، والتى تقع معظمها فى أماكن متباعدة. رفض نبيل الهلالى الفكرة رفضا قاطعا، وحين أعدت المناقشة معه فى نفس الفكرة، ابتسم ابتسامته الساخرة والساحرة، وقال : أنا بدون سيارة مبسوط كده.
لم يستطع أحد أن يفرض عليه نموذجا معينا من الحياة، كانت الحياة النموذجية فى رأيه هى فى الزهد حتى المنتهي، والتقشف والتعفف والبساطة والتواضع والذوق الآثر، لم يسع لفرض اختياره على الآخرين، أو لومهم لأنهم لا يشبهونه، لقد آمن أنه لم يكن لمثله أن يكون سعيدا ببذخ فى محيط من الشقاء، واقترنت السعادة لديه برد الحقوق لأصحابها وتخفيف قبضة الظلم والقهر عن الضعفاء والمظلومين.. لذلك أكتفى بأن يكون هو نفسه.
كان نبيل الهلالى يهمس وهو يتحدث بشكل شخصي، لكن صوته كان يجلجل فى جنبات المحاكم رغم نحول جسده، وكان حضوره طاغياً، ولأنه كان مهنيا محترما، عميقا فى مهنته، فقد أدهشت مرافعاته القضاة، لأنه كان يدرس القضايا التى يعمل بها، دراسة وافية دقيقة، تلم إلماما واسعاً بالقوانين التى تنظمها.
وفى إحدى قضايا محاكمة مجموعة من الشيوعيين بتهمة قلب نظام الحكم، قال نبيل الهلالى إنه ليس فى القانون تهمة تسمى الشيوعية، لكن التهمة فى قانون العقوبات، هى العمل على قلب النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية، وأنه يرى أن النظام السياسى ليس من النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية ، ودلل على ذلك أن النظام الديمقراطي، قائم على حق المواطنين فى تغيير النظام السياسي. أنصت القاضى إليه بإعجاب بالغ محييا بلاغة لسانه وفصاحة كلمته ثم سأله: وهل الدين يا أستاذنا من النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية؟ ثم طلب منه إعداد بحث قانونى ردا على تساؤله.
كانت الوجوه التى تشيعه، يغمرها شعور قوى باليتم وافتقاد الأمان، وإختلال ميزان الكون، بفراقها عنه، لكن من قال إن الموت وهو أقصى درجات الغياب، قادر على إخفاء ضوء النهار وإطفاء شعاع الشمس وإغلاق نوافذ الأمل؟
سكت صوت نبيل الهلالي، لكن رسالته التى ايقنت أن العدل سينتصر على الظلم مهما كان الليل طويلا، وصدى صوته الجسور، وبهاء عقله المستنير ، وحكمته الوسيمة، ستظل تجلجل فى خلجات القلوب.
أحمد نبيل الهلالى سلاما.. فمثلك أبداً لايموت.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR


.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي




.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه


.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر




.. عمر باعزيز عضو المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي