الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كأس العالم وتسليع مشاعر الجماهير

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2006 / 6 / 25
المجتمع المدني


يرى الرأسماليون في ألعاب كأس العالم في المونديال و في كل دورة فرصة عظيمة لإنعاش التجارة بوسائل الرياضة ، وخدمات القنوات التلفزيونية ، و تسليع مشاعر جماهير الكرة والرياضة.
والآن وقد انتهى الفرح الإيراني والعربي بالنسبة لمن أطلق عليهم بممثلي العرب والإيرانيين بالخروج من الدور الأول دون تحقيق أي تقدم ، مقدمين أسوأ مشاركة في تاريخهم الكروي ، وكانت الخيبة أجمل هدية يقدمها هؤلاء اللاعبون لحكام بلدانهم ، وهي هدية تليق بهم دائما.
لقد كانت الرياضة وسيلة جادة ومقنعة لمد عرى الصداقة و التعارف بين بنات وأبناء الشعوب المسلمة ، لكن ما يسف له هو أن الأنظمة الدكتاتورية والطغاة في بلداننا تستغلها في سبيل تقوية سلطاتها وذر الرماد في العيون للحؤول دون رؤية فسادهم و امتصاص أية حركة احتجاجية وجماهيرية على الوضع المزري والطغيان والفقر والبؤس.
ونجد أن ردة فعل الشارع الرياضي في أي بلد مؤثرة جدا في سياسته الداخلية وتعقبها نتائج سريعة، وحدثت في بلدان كثيرة تجرعت شعوبها مرارة الخسارات الفاضحة . وقد نشر موقع " كردستان نيت" بالغة الكردية أن شبانا كرد حضروا المونديال بأعلام كردية لإثبات الحضور الكردي في هذا المهرجان العظيم. ولم أقرأ هذا الخبر في مكان آخر ، ولم أشاهد أية لقطة تؤكده أثناء مشاهدتي للألعاب التي قدمتها قنوات التلفزة السويدية. لكن نشر هذا الخبر سيكون حقا ذا تأثير كبير على حكومة إقليم كردستان و حزبيها و أعضائهما وأنصارهما . فهؤلاء الشباب أدلوا بأصواتهم في ما يسمى بالانتخابات التشريعية في العراق للتحالف الكردستاني رغم أنهم يعرفون أن أحزابه وقادتهم ربطت مصير كردستان بسياسات القوى الطائفية والقومية والرجعية في العراق والمنطقة على عكس طموحهم القومي بالاستقلال وتشكيل دولة عضو في الفيفا والأمم المتحدة.
فالكرة فن ذاتي وروح حضارية لا يستعار ولا يباع ولا يشترى وهو كالسياسة وخوض الحروب ومواجهة الخصوم صعب المنال ووليد التجربة والتدريب واعتماد على النفس . وقد أصبحت المساعي لأي بلد في سبيل نيل عضوية الفيفا أهم بكثير من كل الجهود والمحاولات من أجل انتزاع قبول عضوية الأمم المتحدة.
أما الواقع العربي الذي يعاني من بؤس حقيقي في معرفة ما يدور في العالم على الصعيد السياسي والمعرفي عموما، وما تشيعه أجواؤه السوداء من حالات اليأس والقهر والحزن ، فقد عبرت عنه هزيمة الفريقين السعودي والتونسي الذين خرجا من المونديال يجران أذيال الخيبة.

فالعرب الذين ينتابهم البؤس واليأس والهزائم يريد الكثيرون منهم أن يجعلوا من الكرة أفيونا يخفف من آلامهم المزمنة وما يخفف عنهم قليلا من وطأة الهزائم والذل.
فهذان الفريقان انعكاس صادق للواقع العربي حيث المجتمع العربي تسوده المافيا في كل مجالات الحياة ، ومنها الرياضة.
و إن الكرة هي إحدى أهم وقائع الحياة في هذا العصر، فكلما تقدم المجتمع ، خطت الرياضة خطوات إلى الأمام وساهمت أكثر في التعبير عن مشاعر الجماهير الشعبية. وإن خسارة فريقي العرب كانت ضرورية لتكون صدمة تحرك ركود الفكر والشعور عند الشعوب العربية ، ولتفكر في جوانب أكثر ضرورية في الحياة منها وسائل الكفاح للتحرر من واقعها المؤلم مع الدكتاتورية والاستبداد.
ألعاب المونديال في هذه الدورة مثلما في كل الدورات غطت على بقية أحداث العالم ، وإن مئات الملايين من البشر نسوا أمور الحياة الأخرى لينفعلوا مع مشاهد الألعاب تلك . وليس غريبا أن تنتهز الأنظمة القمعية انشداد الناس إلى الألعاب وانفعالهم معها لتصفية المزيد من خصومها ومعارضيها ، مثلما فعل النظام البعثي في سبعينيات القرن الماضي أثناء ألعاب المصارعة التمثيلية لعدنان القيسي ، ومثلما انتهز النظام الإسرائيلي مونديال عام 1982 لاجتياح لبنان .
يطلق بعض علماء السوسيولوجيا على كرة القدم عبارة " الأفيون العاطفي " للشعوب، والبعض يعبر عنها بتسمية " أكبر تجارة مربحة للترفيه والمشاعر" ، ولماذا لا حينما يرى الرأسماليون في عواطف البشر و مشاعرهم سلعا يزايدون فيها .
وفي لعبة كرة القدم أيضا مثل مجالات الحياة الأخرى الخاسرون أكثر عديدا من الفائزين .وحين تنادي أبواق الإعلام البرجوازي أنه لا خاسر في هذه اللعبة إنما هي صادقة وتعني أنها في كل الأحوال، وبغض النظر عن الفرق الفائزة والخاسرة ، تحقق تجارتها أرباحا هائلة.
كرة القدم لعبة الفقراء ، وأنها على عكس تجّار المشاعر والدم وسيلة تعبير إنسانية عن المحبة والصداقة والأحلام الجميلة سواء وعي اللاعبون ذلك أم لم يعوا، و أن الكل مقتنعون بأن الخسارة فيها يعوَّض عنها بالمزيد من الاتحاد والتضامن ، سواء بين الخاسرين أنفسهم ، أو بينهم وبين الفائزين.
إن جماهير الكرة كان دوما و منذ كان الصراع الطبقي هدفا مغريا لجشع الرأسماليين أصحاب مصانع الملابس والأحذية الرياضية ، ومالكي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة. فلو عرفنا أن تكلفة الإعلان لمدة نصف دقيقة في القناة التلفزيونية التي تقدم لعبة بين فريقين قويين أثناء التوقف تبلغ أكثر من 200000 ورو ، لتصورنا حجم أرباحهم الخيالية من هذه اللعبة الشعبية التي اغتصبتها البرجوازية.
كثر ما يكون اللاعبون في كثير من المنتخبات الوطنية الأوروبية من أصول أفريقية ، ومن الجنوب الكوني مما يدعو إلى التفكير بكون مصادر الثروة من نفط ومعادن ثمينة أخرى وأيدي عاملة رخيصة و الواقعة في الجنوب والمستثمرة في الشمال. و يدعوناأيضا إلى تصور هذه السوق شكلا من أشكال العبودية الحديثة في عصر العولمة والبوست مودرنيزم. بالأمس كان الأباطرة الرومان يتسلون بمصارعة عبيدهم حتى الموت ، واليوم يرى عرابو العولمة ومصدّرو الديمقراطية في مشاعر الجماهير سلعة وتجارة وربحا بل حدود.

السبت, 24 حزيران, 2006
مالمو- السويد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير المعارضة والأكراد واللاجئين على كفيّ الأسد وأردوغان؟ |


.. الأمم المتحدة تكشف -رقما- يعكس حجم مأساة النزوح في غزة | #ال




.. الأمم المتحدة: 9 من كل 10 أشخاص أجبروا على النزوح في غزة منذ


.. فاتورة أعمال العنف ضد اللاجئين والسياح يدفعها اقتصاد تركيا




.. اللاجئون السودانيون يعيشون واقعا بائسا في أوغندا.. ما القصة؟