الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دور وأثر التعاونيات في مكافحة تغير المناخ والحفاظ على البيئة بمناسبةالاحتفال باليوم العالمي للتعاونيات

محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي

2020 / 7 / 4
المجتمع المدني


اليوم الدولي للتعاونيات هو احتفال سنوي للحركة التعاونية يُقام في أول سبت من شهر يوليو منذ عام 1923 ثم شرعت الأمم المتحدة بالتعاون مع الحلف الدولي للتعاونيات بالاحتفال بهذا اليوم ابتداء من عام 1995، حيث أنشئت لجنة مختصة بتعزيز مفهوم التعاونيات والنهوض بمؤسساتها، وتعمل في إطار شراكة بين أطراف مصلحة متعددين من مؤسسات عامة وخاصة عالمية لدعم المؤسسات التعاونية التي تركز على الناس وعلي مفهوم الاكتفاء الذاتي بوصفهما عاملان مهمان من عوامل التنمية المستدامة..
والهدف من هذا الاحتفال السنوي هو إذكاء الوعي بالتعاونيات ونشر ثقافة العمل التعاوني وفقا للقيم والمبادئ التعاونية العالمية، وتوكيد ذلك من خلال إبراز مساهماتها في حل المشاكل الرئيسية التي تتصدى الأمم المتحدة لحلها، ولتعزيز الشراكات ولتوسيعها بين أطراف الحركة التعاونية الدولية والجهات الفاعلة الأخرى.. يواجه العالم اليوم عدم استقرار النظم المالية ، وزيادة الإمدادات الغذائية وانعدام الأمن ، وتزايد عدم المساواة في جميع أنحاء العالم ، وسرعة تغير المناخ وزيادة تدهور البيئة ، وبالتالي تتزايد الاحتياج العالمي للنظر في نموذج جديد من المشاريع الاقتصادية والاجتماعية فتوجه العالم للتعاونيات ، بوصفها عنصرا هاما يمكن أن يسهم في من تحقيق الأهداف التتنمية المستدامة.
وتأتي احتفالية عام 2020 تحت شعار "لنتعاون ولندعو الجميع إلى مكافحة تغير المناخ" ، حيثلا توجد دولة محصنة من تغير المناخ وأثبتت الدراساتإن انبعاثات غازات الدفيئة أعلى بأكثر من 50 % عما كانت عليه في عام 1990، ولذا يسبب الاحترار العالمي ظهرت تغييرات طويلة الأمد في نظامنا المناخي تهدد بدورها ، ما لم نتصرف بسرعة ، بعواقب لا يمكن تجنبها. ووقع الاختيار على موضوع التعاونيات في إطار العمل المناخي ليكون موضوع هذا العام لمعالجة هذا الأمر، ولدعم الهدف 13 من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالعمل المناخي.. ويؤثر تغير المناخ تأثيراً شديداً في سبل العيش في جميع أنحاء العالم، ولا سيما تاثيره في الفئات الأشد حرماناً من مثل صغار المزارعين والنساء والشباب والشعوب الأصلية والأقليات العرقية، الذين يتعين عليهم التعامل مع الكوارث الطبيعية الشديدة وتدهور الموارد الطبيعية. ولذا التركيز هذا العام على مساهمة التعاونيات في مكافحة تغير المناخ. تهتم الحركة التعاونية العالمية بدراسة موضوع البيئة في علاقتها بالتنمية المستدامة وحقوق الإنسان باعتبارها من المواضيع التي تحتاج إلى التعاون بشأنها بين مختلف الفاعلين في الدولة والمجتمع الدولي، لاسيما داخل الفضاءات العلمية والجامعية، فجهود الدولة وحدها لا يمكن أن توفر تلك الحقوق، بل يجب أن تتظافر الجهود لكفالتها خاصة مع منظمات المجتمع المدني وبالأخص المنظمات التعاونية.
والاهتمام بهذا الموضوع يعود للأهمية التي باتت تحظي بها الحقوق البيئة، والتي تعتبرها المواثيق الدولية ضمن الجيل الثالث لحقوق الإنسان، ومنها الحق في الحياة، والحق في الغذاء، والحق في الولوج إلى مصادر المياه، والحق في بيئة سليمة خالية من الأمراض، والحق في التنمية المستدامة. إن البحث في حق الإنسان العيش في بيئة نظيفة لا يمكن أن يأخذ أبعاده الحقيقية إلا بتناوله ضمن سياقه الطبيعي من خلال دراسة العلاقة بين البيئة والسياسة في إطار تفاعلات السياسة (Politics) والبيئة (Environment) وظهور سياسات بيئية (Environmental Policies) وارتباط فعاليتها بدرجة النضج السياسي البيئي ودور التعاونيات في تجسّيد مفهوم التنمية المستدامة بانحيازه للعدالة، وحقوق الإنسان في بيئة نظيفة (الهدف 13 ). أيضا تحديد مدى التقارب ما بين سياسات التنمية المستدامة وحقوق الإنسان، حيث يشير الواقع إلى أن تجاوزات حقوق الإنسان والبيئة هي محصلة علاقة غير متوازنة بين التنمية والبيئة، ومن ثم ضرورة أعاده صياغة نظرية التنمية لتنتصر للإنسان الذي أهملته مسارات التنمية بدون حدود لعقود طويلة وهذا ما تركز عليه المنظمات التعاونية منذ 1843م. فالدعوة إلى تلبية حاجات الأجيال الحالية بدون الأضرار باحتياجات الأجيال القادمة تدعم فكرة العدالة مع الحفاظ على محدودية التنمية، بالرغم أن عملية المصالحة ما بين التنمية والبيئة تواجه مصاعب جمة لما لها من ترابطات شائكة لكل المجالات المتعلقة بالبيئة. إن التعاونيات منذ تأسيسها قبل أكثر من 175 عاما تدعم فكرة حقوق الإنسان في بيئة نظيفة كرد على مظاهر الظلم وغياب العدالة بصورة عامة، الي جانب الظلم البيئي وغياب العدالة البيئية وأساليب التنمية غير المستدامة، وان حقوق الإنسان البيئية لا يمكن أن تتم إلا من خلال تبني أهداف التنمية المستدامة ممثلة بالمساواة بين الأجيال الحاضرة وأجيال المستقبل. وتؤكد التعاونيات عبر تاريخها الطويل علي إن عملية مشاركة الجمهور ومؤسسات المجتمع المدني في صناعة واتخاذ القرار التنموي من خلال عملية تقييم الأثر البيئي، تعد من أهم الآليات لإحقاق حقوق الإنسان البيئية، وتمكين المجتمعات من حماية حقوقها البيئية من خلال إتاحة المعلومات البيئية حول حجم ومدى الضرر البيئي للمشاريع التنموية وتبني مبدأ من يلوث يدفع للحفاظ على حقوق الإنسان وطبيعة بيئته ومواردها من التدهور والنضوب.
ومن هنا يبرز دور وأثر التعاونيات من خلال وعيها بخطورة مشكلة البيئة وضرورة إدماجها في حقوق الإنسان، والتكاتف مع الفاعلين الاخرين في المجتمع من أجل هذا الحق الأساسي، وذلك بالاعتماد علي ارثها الكبير في التوعية التثقيف وبناء القدرات وتنمية المهارة القانونية بمعرفة الإطار القانوني للبيئة لنجاح الموارد البشرية عبر القيادات التعاونية في الإدارة الرشيدة لتثبيت حقوق الأنسان ودعم التنمية المستدامة. والتعاونيات عبر تاريخها الطويل منذ 1844 تدعم الحق في المعرفة، وتنمي المستوى المعرفي والإنساني لصانعي القرار السياسي، والمستوى الأخلاقي لأصحاب القرارات الاقتصادية وامتلاك نظرة أكثر ذكاء وشمولا للعالم والمستقبل. كما أن التعاونيات من خلال القيم والمبادئ التعاونية تساهم بفاعلية في توفر استراتيجيات عمل ذات طابع شرعي للتدخلات، كما تتميز بأنها عالمية الطابع وفوق موضوع سيادة الدول، وذات فعالية عالية، عادلة ومتناسبة ومتوازنة لحماية البيئة، وفي نفس الوقت ذات الطابع التطوعي التوافقي بعيدا عن الإكراه.
وفي مؤتمر التعليم والبحث التعاوني جامعة مانشستر 5 – 6 أبريل 2017، إتضح الوجود الفاعل للتعاونيات بأنواعها المختلفة في شتي بقاع العالم، ودورها وأثرها في تحسين حياة الناس ونقلهم من الفقر والحاجة الي عالم الاكتفاء الذاتي ثم تقديم خدمات ممتازة لمجتمعاتهم، والعيش بعزة وكرامة، وذلك لتمتعها بنظام توعوي وتعليمي وتدريبي علمي وعملي فاعل، يضعها دائما في قلب الاحداث والتفاعل معها وتغييرها للافضل. بالاضافة لتمتع التعاونيات بمهارات أكثر إبداعاً في التعامل مع المشكلات البيئية والتنموية، وانخفاض تكلفة الخدمات، والقدرة على جذب التمويل، وتماسها مع الناس بطريقة مباشرة من خلال تبني منهج قائم على المشاركة القاعدية “التنمية من القاعدة”.
وتتجه الحركة التعاونية العالمية، وعلى قمتها الحلف التعاوني الدولي (ICA) للتركيز على كيفية تحقيق الرؤية الاستشرافية والتميز المؤسسي للتعاونيات لها القدرة والفاعلية عبر عضويتها من المواطنين باعتبارهم (أصحاب الحق Right holder) من تعزيز الجهود العالمية للحفاظ على البيئة نظيفة وصحية وسليمة، ودعم حقوق الانسان والسعي الواعي لتحقيق التنمية والحفاظ علي استدامتها. فالحقائق العلمية والوقائع العملية تشير الي أن العمل المؤسسي خير وأولى من العمل الفردي، محققا التوازن، بين الروح الفردية، والروح الجماعية، والتربية المتوازنة التي لا تحيل الناس أصفاراً، وفي نفس الوقت كبح وضبط الفردية الجامحة، بحيث يصبح المجتمع الوسيلة الواسلة لأنجاب الفرد الحر، المنتج والحريص على مجتمعه وتنميته.
مما يأتي يظهر دور وأثر التعاونيات في الآتي:
1- التعاونيات تركز على الفرد من خلال المجموعة، والفرد يمثل الغاية والوسيلة وهو العنصر الأساسي في بناء المجتمع، بشرط قيامه بدوره الأكمل وهو تعاونه مع بقية أفراد المجتمع، والأمة بتعاون أفرادها، هي أمة الريادة، لأن التعاون يخلق إضافة كيفية وكمية فتتوحد الأفكار والممارسات تحقيقا للمصلحة العامة، وههنا تنبع أهمية التعاونيات والعمل المؤسسي للحفاظ علي البيئة وحقوق الانسان وتحقيق التنمية المستدامة. والعمل التعاوني الجماعي المؤسسي يمتاز علي العمل الفردي بتحقيقه صفة التعاون والجماعية والعمل المشترك، وبالتالي يمكن توجيها للحفاظ علي البيئة وتحقيق التنمية المستدامة.
2- إن التعاونيات التي تنشأ وتؤسس بصورة سليمة وصحيحة تتمتع بالتميز والاستدامة، تحقق وتحافظ على مستويات أداء متفوقة تلبي وتتجاوز الاحتياجات والتوقعات المحتملة، وترتكز ثقافة التميز على تبني مجموعة من القيم والالتزام بها من قبل كافة العاملين وبالتركيز على أصحاب الحق(Right holder) العضوية التعاونية، وتسعى من خلال عملياتها إلى تقديم منتجاتها أو خدماتها لهم حسب رغباتهم واحتياجاتهم. ان التميز يتطلب الجودة، والجودة ليست خيارا بل هي ضرورة لا بديل عنها، لأنها رحلة نحو التميز والتحسين المستمر، مما يستوجب إعادة النظر في الأنظمة الحالية، وتبني الأنظمة الإدارية الحديثة، وهذا يمكن الوصول اليه عبر التعاونيات. فالتعاونيات الجيدة التأسيس تعني بالتميز المؤسسي المتفرد والتفوق الإيجابي في الأداء والممارسات والخدمات المقدمة، مع الإجادة في العمل والأداء الكفؤ المبني على مفاهيم إدارية رائدة تتضمن التركيز على الأداء والنتائج والقيادة الفعالة والإدارة بالمعلومات والحقائق وتطوير العمليات والتحسين المستمر وبناء شراكات ناجحة وطنيا وعالميا، هذا الوضع يسهل للأعضاء (المواطنين) تبني كل الأفكار والأساليب الداعية للحفاظ علي البيئة ودعم حقوق الانسان.
3- التعاونيات لها المقدرة علي الأداء المتميز عبر مستوياتها التنظيمية والإدارية، وتعمل بروح الفريق، أي منظمات متعلمة، تعمل بالتعلم من تجاربها ومن التجارب الرائدة، ومن منظمات تعتمد مركزية القرار، إلى منظمات تعمل باللامركزية، وتمكن المديرين والمؤهلين من العاملين كصناع قرارات، في مستوياتهم الإدارية، ومن الإدارة بالأوامر، إلى الإدارة بالمشاركة، ومن الإدارة بالتخمينات، إلى الإدارة بالمعلومات، ومن الإدارة الكسولة، إلى الإدارة بالابتكار. كل ذلك توفره المنظمات التعاونية ذات التأسيس الجيد والسليم وفقا للأسس والقيم والمبادئ التعاونية العالمية التي أقرها الحلف التعاوني الدولي.
4- المنظمات التعاونية توفر فرص عمل منتجة ومستدامة لأعضائها، وتقوم بدعم وتنشيط الجوانب البيئية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية في المجتمع، والمساهمة بفاعلية في تحقيق مستقبل أفضل.
5- تلتزم التعاونيات بالمسؤولية الاجتماعية تجاه المجتمع الذي تنشط فيه كونها حلقة مهمة في سلسلة الاقتصاد المحلي ونسيجه الاجتماعي تسهم بشكل وأخر في خلق فرص عمل وتحقيق التنمية المستدامة وقد اسهمت التعاونيات الى حد كبير في التقليل من حدة الفقر والبطالة وخلق تنوع في فرص العمل، وكونها مؤسسة ذات بعد اجتماعي تحرص على تقديم الخدمات اللازمة وتعزيز المنافع للأفراد والجماعات على حد سواء في الوقت نفسه تأخذ بعين الاعتبار المساهمة في تلبية الاحتياجات الاجتماعية.
مستشار التعاون وشئون التعاونيات
وزارة الصناعة والتجارة الإتحادية - السودان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط