الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كلام فى التنوير 2

جيهان خليفة
كاتبة صحفية

(Gehan Khalifa)

2020 / 7 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يقول محمد محفوظ (( الحداثة لا يتم إستيرادها من الخارج بل هى حالة تنبثق من صميم المجتمع هذا يعنى أنها حالة تطور وتراكم تاريخى تتم فى داخل المعطيات التاريخية للحياه الإجتماعية تمهيدا لعملية الحداثة وحضورها وتأكيد أهمية الوعى الإنسانى فى فكرة الحداثة وضرورة الحضور الثقافى لهذا الوعى فى مختلف مجالات الحياه حضورا يؤكد تنامى العقلانية والتنوير والقدرة على إحتلال اللحظة الذاتية فى الوعى الإجتماعى ))إذا ما تأملنا تعريف محفوظ للحداثة وهو تعريف جامع مانع بلغة المنطق فسوف نستنتج بديهية أن الحداثة لم تطرق بابنا بعد لأن أول شرط من شروطها لا يتوافر لدينا وهو العقلانية سيادة العقل جعله المقدس الوحيد فالفكر العقلانى هو مفتاح الدخول لأنوار الحداثة .
إذن الحداثة لا يتم إستيرادها من الخارج كما لا يتم فرضها فكلا الوضعين سىء ، يوجد شبه إتفاق بين العديد من الكتابات أن الحداثة فرضت على شعوب الشرق عن طريق الإستعمارلذلك منذ البداية وكما يقول شيفر(( كان فيه تضاد تقابل بين الشرق والغرب هذا التضاد ينطوى على توتر بين نظام علمانى سياسى ويوطوبيا دينية ، فإدخال فكرة الدولة القومية العلمانية هذه الفكرة التى تعتبرلحظة إكتمال الحداثة كما صاغها هيجل ، عندما ندخل فكرة كهذه فى ثقافة لعب فيها الدين دور فى تنظيم الشئون السياسية والإجتماعية أدى إلى ظهور وجه شرقى خاص للحداثة وبالنظر إلى التطورات التى حدثت فى مختلف بلدان منطقة الشرق الأوسط نرى أن مصر تعتبر نموذج لتطور الإستعمار إلى ديكتاتورية كما أنها لها دور فى نشأة الإسلاماوية )) .
إذن ما نتحدث عنه هو وجه شرقى خاص جدا للحداثة وهى أقرب من وجهة نظرى لكلمة التحديث وليس حداثة وإن كان الفكر الحداثى قد أصاب بعض النخب ولكنه ظل محصور بينهم دون أن يلتقطه العامة . وكرد فعل لفرض هذا الوجه الخاص للحداثة على الشعوب العربية والإسلامية إعتبرذلك مظهر من مظاهر القهر المزدوج لذلك ظهر لنا جمال الدين الأفغانى وتلميذه محمد عبده وعملا مشروع للنهوض بالإسلام حتى يكون قادر على الدخول فى حوار مع الحداثة ووضعا صورة نموذجية للإسلام تعتبر من وجهة نظر الحداثة يوطوبيا إذ كيف ندخل للحداثة من عصور ما قبلها .
محاولة الأفغانى ومحمد عبده كانت عن طريق فتح باب الإجتهاد أى من خلال تفسير حر وتأويلى للنص القرآنى والتراث مع الوعى بالبعد التاريخى وطالبوا بالفصل بين الدين والدولة ، وإرتأوا الربط بين الشورى والديمقراطية فى الغرب كل ذلك بهدف الحصول على نموذج مدنى للإ سلام ،ولكن حركة محمد عبده والأفغانى وإن كانت ألقط حجر فى المياه الراكده إلا أنها فشلت على مستويين فى مواجهة العلماء التراثيين الرافضين لأى إصلاح ومعتبرينه بدعه بل ضلاله يستحق صاحبها الإستتابة ومن ناحية أخرى فشل أمام النخب العلمانية التى عظمت فكرة القومية والقوة العسكرية من خلال صياغة سياسة تحالف عرقية علمانية وهى القومية العربية ، ومع إستيلاء الإنجليز على مصر 1882 تم تعطيل كلا المشروعيين .
يقول شيفر (( التحديث الإستعمارى تسبب فى تغيرات إجتماعية كثيرة منها تحديث الزراعة والعمل بأجر ونشأة طبقة العمال والهروب من الريف كل هذه التغيرات أدت إلى ظهور ظروف جديدة لتوجه مختلف تماما طبقا للتعاليم الإسلامية مما أدى إلى ظهور حسن البنا((1906- 1945)) والإخوان المسلمين ، لذلك حركات الإصلاح الإسلامى بتصورها على تقارب المدنيات لم تبلغ هدفها بسبب فرض الحداثة التى إعتبرت مظهر من مظاهر القهر الإستعمارى الموجه ضد الإسلام ولعل هذه الذريعة إتخذتها الأصولية الإسلامية على مدار عملية التحديث فى العالم الإسلامى حيث نشأ تضارب بين الغرب العلمانى والنخب المتواءمة معه من ناحية والأصولية الدينية من ناحية أخرى )) . وما زال هذا مأزقنا حتى الآن فإذا أخرجنا الإستعمار من المعادلة بقى لنا نخب علمانية فى مواجهة جيوش الأصولية الدينية المتوغلة حتى الأعماق بداخل الشارع العربى ذلك الشارع الراكع منذ عقود على سجادة المعبد وأمام كرسى الحاكم ممنوع عليه التفكير إلا من خلالهما يستعيذ بالله من رجس العقل . ولعل ذلك ما دفع طه حسين فى طرحه للحداثة أن يؤكد على إيمانه بأن الحداثة لن تصبح ثقافة عامة إلا إذا تشربها المجتمع ككل ولكن كيف تلك هى المشكلة .
الآن نحن أمام حشود منساقة مغيبة وضمور نخبوى فما الحل إذن ؟ محاولات التنوير تأتى خافتة سطحية باب الإجتهاد مغلق بل موصود بحماية أزهرية عتيدة ما الحل ؟ هل من طريق ؟
يرى هاشم صالح فى كتابه الإنسداد التاريخى (( بضرورة فتح ثغرة فى جدار تلال المحظور لابد من الإقتراب منه بجراءة لابد من تفنيد تركة التراث اللعينة بل خلع القداسة عنها يتساءل عن سبب هذا الجمود الطويل الذى لحق بكل الشعوب العربية والإسلامية فيأتيه الجواب أنه التناقض المطلق بين النص والواقع بما يشمله من تطورات علمية سياسية فلسفية فالإلتزام بحرفية النص يؤدى إلى إنكار كل ما أتت به عصور الحداثة بل نبذها وإعلان الحرب عليها كما فعل الظواهرى وبن لادن أو إنكار النص نفسه لذلك يقع المسلم فى هذا التناقض الحل إذن فى التأويل المجازى للنص والإعتراف بالمشروطية التاريخية للنص بالضبط كما فعل المسيحيون فى أوروبا بعد التنوير وتشكيل اللاهوت اللبيرالى .
لابد من التفريق بين ما هو تاريخى وما فوق التاريخ مثلا الأحكام والحدود تاريخية مرتبطة بعصرها لذلك هى غير ملزمة لنا ، المسيحة لم تدخل فى مصالحة مع الحداثة إلا بعد تطبيق المنهج التاريخى على نص الإنجيل والتوراة وتجاوزت هذا الإنسداد بل الجمود )) .
نخلص من ذلك أن مشكلة حداثتنا المتعثرة تكمن فى النص وجموده ذلك التابو العتيد العصى لابد من تفكيكه ولن يكون ذلك إلا من خلال معركة فكرية شرسة قد ندفع ثمنها مئات بل آلاف الضحايا ولكن حلاوة الوصول سوف ترمم كل الضحايا وستنهى المعاناه ولعل ما يحدث الآن شرارة البدء أو التمهيد الذى لابد منه كى نفتح كل الملفات المغلقة منذ ألف سنه أو أكثر فلحظة جمودنا بل تخلفنا ولدت مع إنهزام المعتزلة أول إتجاه فلسفى حقيقى فى الإسلام من هنا لابد أن يكون البدء .

مصادر :
1- محمد محفوظ (( الإسلام الغرب وحوار المستقبل)) – المركز الثقافى العربى – الدار البيضاء
2- هاينريش شيفر ((صراع الأصوليات التطرف المسيحى –التطرف الإسلامى – والحداثة الأوربية )) – ترجمة الدكتور صلاح هلال
3- هاشم صالح (( الإنسداد التاريخى – لماذا فشل مشروع التنوير العربى )) – صادر عن دار الساقى بالإشتراك مع رابطة العقلانين العرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!


.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر