الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدوله والاخلاق

رفعت عوض الله

2020 / 7 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الدولة والاخلاق

هذا المقال من وحي الحكم علي الراقصة سما المصري ب3سنوات سجن بتهمة الحض علي الفسق والفجور والقبض علي عدة فتيات بتهمة الترويج لما هو مناف للادب والاخلاق عبر منصات التواصل الاجتماعي .
الدول في العصور الوسطي كانت دولا دينية بامتياز سواء في الغرب "اوروبا " او الشرق دولة الخلافة الاسلامية .
في اوروبا حكم الملوك والاباطرة وفقا لنظرية التفويض الالهي ، الملك ليس مجرد ملك يحكم شعبه ولكنه مفوض من قبل الله ليحكم . فهو صار ملكا بمشيئة إلهية . من هنا فهو حارس للعقيدة الدينية "المسيحية " ، ومن ثم عليه ملاحقة المهرطقين والقصاص منهم ، وفرض الايمان ومراعاة الاداب العامة والاخلاق ، ومحاسبة كل من يخرج علي القيم الاخلاقية ، ويفعل اويقترف ماهو منكر ومتناقض مع الاخلاق العامة . ولان لم يكن هناك من فصل بين الملك او الامبراطور والدولة فإن الملك كان يعبر عن احد وظائف الدولة الاساسية وهي حماية العقيدة والمحافظة علي الاخلاق ومراعاة الاداب العامة .
وكذا كان الحال في دولة الخلافة الإسلامية في الشرق ، فالخليفة هو خليفة لرسول الاسلام ومن ثم فهو يحكم باسم الله ، وهو امير المؤمنين، ومن ثم فهو حارس للعقيدة ، محاسب لكل كافر وخارج علي الدين ، ومقررا للاداب العامة .
في ظل الدولة الدينية المسيحية في العصور الوسطي تم حرق الراهب سافونا رولا بدعوي انه هرطوقي ، وحرق الفيلسوف القائل بوحدة الوجود جيوردانو برونو ، واجبار جاليليو علي الرجوع عن قوله بدوران الارض حول الشمس ، وحرق كل إمراة اتهموها بممارسة السحر .
وفي العالم الاسلامي قتلوا السهروردي الفيلسوف الصوفي وايضا الحلاج وغيلان الدمشقي والجهم بن صفوان وغيرهم بتهمة الخروج علي الدين .
بعد حرب الثلاثين عاما الدينية في اوروبا والتي استمرت من 1618حتي سنة 1648 ،عقد صلح بمدينة ويستفاليا ، تمخض عنه قيام الدولة القومية الحديثة .
الفرق الجوهري بين دولة العصور الوسطي الدينية ، والدولة القومية الحديثة ان الأخيرة لا تقوم علي تفويض الهي للحاكم او الملك فاساسها دنيوي تطبيقا لما يسمي بالعقد الاجتماعي .
فالناس لكي يحصلوا علي الامان والسلام اتفقوا مع رجل قوي "الملك " فبموجب الاتفاق يتنازلوا عن بعض من حريتهم للملك الذي يفرض الامن والامان والسلام بقوة القانون المستند لقوة السيف .
اصبحت وظيفة الحاكم والدولة في العصر الحديث ليس حراسة العقيدة ومن ثم ليس السهر علي ذيوع والتزام الناس بالفضيلة ومراعاة الاداب العامة ، ولكن تسيير شؤون الرعية وإدارتها علي المستوي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والديني .
كما يقول جون لوك ليس من مهام الدولة خلاص النفوس واعداد الناس لما بعد الموت ، ولكن إدارة امورهم وشؤونهم الدنيوية .
أما الاخلاق والتزام الناس بالدين والتحلي بالفضيلة فلم يعد من مهام الحاكم والدولة .
الدولة الدينية في العصور الوسطي كان الشعب فيها رعية يرعاها الملك او الخليفة وفقا لما يقول به الدين ، وكان الملوك والخلفاء يمارسون تمييزا دينيا ، فالرعية التي هي علي دين الدولة ومذهبها الرسمي لها . امتيازات يحرم منها الرعية التي علي نفس الدين ولكن علي مذهب اخر . الكاثوليك والبروتستانت في فرنسا الكاثوليكية علي سبيل المثال ، اما الرعية التي علي دين اخر فتكاد تكون محرومة من كافة الامتيازات "اليهود باوروبا " .
وكذا الحال في دولة الخلافة فالرعية التي علي مذهب الدولة الرسمي لها كافة الامتيازات "المسلمون السنة" اما الشيعة والذين هم ايضا مسلمون ، فليس لهم امتيازات السنة ، واما الرعية غير المسلمة اي المسيحيين واليهود فليس لهم امتيازات علي وجه التقريب .
قلنا ان الدولة الحديثة قائمة علي مفهوم العقد الاجتماعي ، اي ان اساسها دنيوي ينتمي لعالم البشر وليس إلهيا . هنا تحول الناس من رعية الى مواطنين بغض النظر عن دينهم ، فهم مواطنون لهم نفس الحقوق وعليهم ذات الواجبات سواء اكانوا مسيحيين ام غير مسيحيين .
ومع انتشار قيم الحداثة والتاكيد علي حرية وحقوق الانسان اصبحت مسألة الايمان والتدين امرا فرديا خاصا بين الانسان وربه . ولم يعد للدولة ولا للحاكم ولا للمجتمع دور في المسالة الدينية ، وبالتالي الجهر بالالحاد وعدم العبادة او اتخاذ موقف اللا ديني لم تعد السلطات تحاسب عليه وفقا لاقرار مبدأ الحرية .
فهل يعني هذا ان ليس للدولة شأن بالاخلاق والصلاح وممارسة الفضائل ؟ واليس الجهر بالرذيلة و إنتشار الفساد الاخلاقي يساهم في التردي والانحطاط الحضاري ؟
الدولة الحديثة لا تستطيع وليس من حقها قانونا فرض الصلاح وإتباع الفضيلة ومحاربة الرذيلة ولكنها تستطيع نشر الفضائل والصلاح من خلال القيام بدورها الحضاري في ترقية احوال المجتمع والناس اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وبث القيم وانتاج الفنون والاداب الراقية .
حين يرقي المجتمع وتسوده قيم الخير والحق والجمال ، وحين يرقي التعليم فتستنير العقول وتتهذب القلوب تسمو وترتفع وتعلو الاخلاق .
والتاريخ يقول لنا ان الاخلاق الفضلي الراقية كانت قرين عصور القوة والازدهار الحضاري ، والاخلاق الوضيعة كانت مصاحبة لعصور الضعف والتردي الحضاري .
اذن ليس بالقبض علي فتيات يمارسن الحرية علي صفاحتهم في منصات التواصل الاجتماعي نصون ونحفظ اخلاق المجتمع ، انه سلوك يجافي منطق ووظيفة الدولة الحديثة ، ولا يستقيم مع زعمنا باننا احرار فيما نفعله او نقوله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا