الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع التقليدي من وجهة نظر علم الاجتماع

محمد الهادي حاجي
باحث متحصل على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع

(Hajy Mohamed Hedi)

2020 / 7 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


المجتمع التقليدي من منظورعلم الاجتماع:
يشير مصطلح المجتمع التقليدي إلى المجتمع الذي لم يمر بمراحل التطور الصناعي والاقتصادي والعلمي التي مرّ بها المجتمع الغربي الصناعي، فهو يوحي بواقع اجتماعي واقتصادي سبق التشكيلة الاقتصادية الرأسمالية. وعرّفه "روستو" بقوله "ما نطلق عليه المجتمع التقليدي، يشير إلى مجتمع محدودية القوة الإنتاجية، بسبب علوم وتكنولوجيا ما قبل عصر نيوتن. كما هو مجتمع وجهة النظر إلى العالم قبل عصر نيوتن". ومن منظور وجهة النظر التاريخية، فإن المجتمع التقليدي عالم ما قبل عصر نيوتن، وعصر الدولة الملكية في الصين والشرق الأوسط وثقافة البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى أوروبا في العصور الوسطى ونستطيع أن نُلْحِقَ بها بعض المجتمعات التي جاءت بعد عصر نيوتن (مثل مجتمع القبائل في افريقيا اليوم) لأنها لم تتأثر بالمهارات الجديدة التي تستخدمها البشرية في البيئة الخارجية لتغيير مكانتها الاقتصادية.
فالمجتمعات التقليدية هي التي تعتمد الأساليب "غير العلمية" والمرتبطة بأسس تاريخية، أسطورية لتكوين أسس ارتباط بين أفرادها، فهي نقيض المجتمعات المتمدّنة الحديثة.
فمِيزَة المجتمع التقليدي الأهمّ أنّ الكل الاجتماعي موجود قبل أجزائه، حيث يولد الفرد وسط الروابط المستقرة والمنتظمة وتقوم الجماعة بتنشئته وتشكيله وفقا لقوالبها الاجتماعية وطبيعة نظمها وأعرافها وتقاليدها،حيث يحتل نظام القرابة أهمية كبيرة. والقرابة في هذا السياق لا تعني قرابة بيولوجية فقط بل هي قرابة اجتماعيةعن طريقها يصبح الفرد قريبا لأفراد مجتمعه بعد أدائه لطقوس معينة. فالفرد في المجتمع التقليدي لا يستطيع الاستغناء عن أقاربه لأنهم مصدر النفوذ والسلطة الاجتماعية، وتتعزّز مكانته بقدر مكانته في جماعته القرابية. ومن ميزات هذه المجتمعات عدم وجود تنظيمات رسميّة ينتمي إليها الفرد، وبالتالي فإن نُظُمَ الجماعة القرابية، هي التي يرتبط بها هذا الأخير، إذْ توفّر له عديد الوظائف كالحماية والتضامن والتعاون... وفي هذا السياق فإن المجتمع التقليدي يتّسم بالثقافة التقليدية التي ترتكز على التقاليد والعادات المستمرة في حياة الجماعة، وما يصاحبها من تصوّرات وقيم وأخلاق ونظم تتوارث عبر الأجيال وتستمر، فهي تجربة اجتماعية متكاملة لنوع خاص من الحياة والقيم.
ومن النظريات التي حاولت تحليل ودراسة الأطر الاجتماعية، والبنى النفسية والمعايير وأنماط السلوك في المجتمع التقليدي العربي نذكرعلى سبيل الذكر نظرية المجتمع الأهلي التي ترى أن المجتمع العربي التقليدي قد عرف المجتمع المدني من خلال تنظيماته. والتكوينات التي كانت تقوم بوظائف وأدوار وخدمات اجتماعية كمؤسّسة الأوقاف والفرق الصّوفية . ونقابات الحرف ودُور العبادة.
. وما يسمّى بـ"المجتمع المدني" حسب هذا الاتجاه، متجذّر في المجتمع العربي الإسلامي التقليدي، غير أنّ هناك اتجاها آخر يرى عكس ذلك إذ يعتبر المجتمع المدني تجربة غربية أوروبية محضة ويعتمد في ذلك على مبدأ المواطنة للجميع .ويستعمل أصحاب هذا التصور اصطلاح "المجتمع الأهلي" في إشارة إلى العلاقات الاجتماعية التراتبية التي تسود المجتمع التقليدي والتي تشتمل على المميزات التي تخصّ المجتمعات التقليدية من عائلية وعشائرية وقبلية وطائفية"، كما تنطوي على التركيبات الاجتماعية الكلاسيكية التي تنظم وتضبط العلاقات بين البشر كعلاقة السيد والعبد، الرجل والمرأة المؤمن وغير المؤمن".
ويقول هشام شرابي "من الواضح أن الأبوية باعتبارها مقولة اجتماعية اقتصادية تشير إلى مجتمع تقليدي وسابق على الحداثة. وتبعا لذلك فإن التعبيرين: مجتمع/ثقافة أبوي، ومجتمع/ثقافة تقليدي، هما تقريبا ذَوَا دلالة واحدة، إذ يجري تعريف التعبيرين على أنهما نقيض مجتمع/ثقافة يختلف عنها نوعيا أي ما هو حديث" . ونجده في موضع آخر يفرق بين بنية المجتمع العربي التقليدي كبنية جزئية وأخرى كلية انبثقت عن الأولى ومثلت امتدادا لها، وهذا ما يؤكده بقوله "إن مفهوم الأبوية أضيق شمولية من مفهوم البطركية، فهو محصُور في بنية العائلة (والبنى المتفرعة من العائلة كالعشيرة والقبيلة) بينما يضمّ مفهوم البطركية البنية الاجتماعية بأكملها (بما فيها البنية الأبوية العائلية ومتفرعاتها). والاختلاف الكمي هنا يظهر في الاختلاف النوعي على المستويات كافة، السياسي والاجتماعي والثقافي.
يمثّل المجتمع التقليدي –حسب تصوّر الكثيرين- ذاك النوع من المجتمعات التي تمتاز بمَيْلٍ إلى رَفْضِ كُلِّ ما هو جديد، وبتَمسُّكٍ شديد بالنماذج القديمة. كما أنّ التَوجّه الزّماني لهذا النوع من المجتمعات يستند إلى الماضي الذي يرتبط به الحاضر. أمّا قيم المجتمع التقليدي فمتجانسة يَتَبَوَّأُ الدّين والمقدّسُ المكانة العظْمى في ثقافتِه... ، إذ يقود الدين رؤية الناس للعالم. ويمارس وظيفة تحديد السلوك الصادر عن أفراده باتجاه قيم ومعايير متعارف عليها تعمل على تقويم السلوك، وذلك ببناء أسس قِيَميّة تقوم على ضبط وتعميق الروابط الاجتماعية بين أفراده، وتكون المعايير ذات معنوية جوهرية. وينظر أفراد هذا المجتمع إلى أي تغيير كامل على أنه عمل شاذّ، ويشكّل انتهاكا للأشكال التقليدية، وعلى هذا الأساس فإنّ المجتمع التقليدي يتّصف بأنّه تَجَمُّعٌ يضمّ مجتمعات محليّة تحيا في العصر الحاضر حياة تقليدية تتميز بالبساطة، وعدم التعقيد، فضلا عن تشابك العلاقات والنظم الاجتماعية وتعدّد وظائفها.
غالبا ما تنعت الثقافة التقليدية بالسلبية والتأخّر والتخلف والجمود والانغلاق والتحجّر، وهي نُعُوت تصدر عن أحكام مسبقة وحتى من ايدولوجيات. وبهذا التفسير تعطي الثقافة التقليدية الأهمية للماضي وتعطي للتصورات والمفاهيم صفة الثبات والاستمرارية. وكثيرا ما يقع تمييزها عن الثقافة الحديثة وفقا لعلاقات اجتماعية تقوم على القوانين والمؤسسات التي تتقلّص فيها الولاءات الضيّقة القرابة كالعائلية والعشائرية والقبلية. وترتبط الثقافة التقليدية بظهور الدولة الحديثة، وفق ثقافة القانون والنظام والديمقراطية واحترام الاخر والانفتاح، وانطلاقا من هذا الفصل بين الثقافتين التقليدية والحديثة، فإن أغلب الدارسين يعتبرون أن الثقافة العربية هي ثقافة تقليدية تعتمد على النظام الأبوي ذي العلاقات الرئيسية القسرية الملزمة التي توجهها القيم والتقاليد في المجتمع التقليدي. إذ لا يستطيع الفرد أن يدخل في علاقات مع المجتمع إلا من خلال أسرته وعشيرته . عكس ما يتمتع به الفرد في المجتمع الحديث من حقوق مدنية دون وساطة من أسرته أو عائلته أو عشيرته، وتقوم مؤسسات المجتمع المدني مثل الهياكل والأطر المدنية والسياسية والمنظمات والجمعيات، المتمتعة بالاستقلال النّسبي عن الدولة بتحقيق الأهداف الاجتماعية والمهنية والسياسية والثقافية التي يطمح إليها المجتمع وهذا ما نجده في المجتمعات الغربية التي انتقلت من التقليد إلى الحداثة وجعلت قطيعة بين المرحلتين، وانتقلت من مرحلة إلى أخرى مغايِرَةٍ تماما للتي سبقتها. أمّا في المجتمع العربي، فإن الفرد مازال وإن سلك سلوكا عصريا يفكّر تقليديا، وهذا ما يسميه الدارسون بمحاولة التكيّف أو البحث عن آليات التكيّف مع التغيّر الاجتماعي، وهذا ما توصلت إليه كثير من الدراسات.
وكثيرا ما توصف المجتمعات التقليدية بالانعزال عن المجتمعات المحيطة بها، وترتبط بفكرة شمولية تؤسس للتلاحم بين أفراد المجتمع، يهيمن فيه نظام القرابة والحراك الاجتماعي الأفقي وبساطة تقسيم العمل ويتميز بابتدائية العلوم والمعارف والمهارات اليدوية، وسيادة النمط الواحد للتفكير.ومن ميزة هذه المجتمعات عدم وجود جماعات وتنظيمات رسمية ينتمي إليها الفرد، فالجماعة القرابية هي الوحدة الأساسية الضامنة لتحقيق الاطمئنان والتضامن والتآزر بين أفراد الجماعة القرابية.
جدير بنا الإشارة في هذا السياق إلى أنّ دراسة المجتمع بوصفه تقليديا متخلفا، لا يخلو من ايديولوجية المركزية الأوروبية ونظرتها المتعالية على بقية المجتمعات، .فلئن كان التقليد يقطع الطريق على التحديث والتجديد فإن الثقافة التقليدية تتعرض للانزواء والتهميش تحت وطأة السيطرة المتنامية والمتسارعة للتطوّر العلمي والتكنولوجي في ظلّ الثورة المعلوماتية والاتصالية، التي جعلت الثقافة التقليدية في حالة الدفاع عن ذاتها . بعدما كانت تشكل إشعاعا ثقافيا كونيا.
ويمكن الإشارة في هذا الاطار إلى أنّهذه الثقافة التقليدية لها من الأهمية البالغة في حياة الجماعة أو المجتمع الشيء الكثير لِمَا لَها من عوامل التّماسك والتّرابط الاجتماعي فهي مصدر القيم الإيجابية كالتضامن والتعاون والشجاعة والكرم،.. وهي قِيمَ مازالت تستمرّ في مجتمعنا، فلا زالت العلاقات القرابية ذات أهمية وتشكل الإطار المرجعي للجماعة. ومهم جدا الإشارة إلى أن المجتمع "التقليدي"، وجب دراسته اعتمادا على مقاربة أو مفاهيم تراعي الخصوصيات، خاصة وأن مفهوم التقليد ومفهوم التحديث لا يمكن اعتبارهما مفاهيم بريئة محايدة، بل هي مفاهيم مشحونة باعتبارات معيارية وايديولوجية وفق منطلقاتها النظرية الغربية فالتقليد، هو مفهوم يستخدم لأغراض أيدولوجية، لأنه يُقَدَّم دائما في ثنائية تقابل بينه وبين التّجديد والإبداع والعقلانية والعلم والتكنولوجيا...، في حين أنه يمثل وعاء لرأسمال ثقافي ورمزي، متعدّد المعاني والدلالات، من شأنها أن تثري المجتمع، خاصة وأن التنمية الاجتماعية تتأثّر بشكل كبير بما هو موروث وماض ، فالتقدم والتطور والرّقي مفاهيم لا تقصي وجود ما هو ماض.يقول جاك بارك "على العرب أن يفهموا شجاعة عنترة بن شداد، لا أن يحاربوا بسيفه أمام المدافع والطائرات".
ويقول في ذات السياق إنّ الحاضر لا يمكن فهمه إلّا عبر مرآة الماضي، خصوصا مع حالة العرب الذين يوصفون عن حق بأنهم شعب عريق" .
ويرى في شأن العَرَبِ أنّه لا مجال إلى أيّ تجديد دون اللجوء إلى الأصالة، فلا تواصل بين الأجيال الجديدة والأجيال القديمة إلا عبر قيام علاقة صحيحة بين هذه الأجيال."
ومن هذا المنطلق يرى جاك بارك "بأن نظرة المستشرقين هي نظرة ظالمة في بعض الأحيان لأن منهم من يبدي اعتراضا يتمثل في أنّ نظرة الباحث الاوروبي غير قادرة على أن تنفُذ إلى الواقع الأجنبي.
والحقيقة غياب البنى الاجتماعية التقليدية كالقبيلة، بنيةً اجتماعيةً اقتصاديةً وسياسيةً لا يعني غيابها كإطار محدّد للانتماء والهويّة والنّزعة القرابية، وهو ما يعني تواصلها كقيمة من خلال مظاهر العلاقات العروشية والقبلية البارزة في المناسبات الاجتماعية والسياسية ضمن مشهد يشكّل ساحة للمواجهة بين التّقليد والتّحديث.




محمد الهادي حاجي- باحث في علم الاجتماع - تونس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتوسع في إفريقيا.. والسودان هدفها القادم.. لماذا؟ | #ا


.. الجزيرة ضيفة سكاي نيوز عربية | #غرفة_الأخبار




.. المطبات أمام ترامب تزيد.. فكيف سيتجاوزها نحو البيت الأبيض؟ |


.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. فهل تتعثر مفاوضات القاهرة؟




.. نتنياهو: مراسلو الجزيرة أضروا بأمن إسرائيل | #غرفة_الأخبار