الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعوب الشرق الأوسط الكبير بين الأبوية والقانون

كمال آيت بن يوبا
كاتب

(Kamal Ait Ben Yuba)

2020 / 7 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حرية – مساواة – أخوة

وجهة نظر


إن النظم السياسية المبنية على القانون هي نظم تتأسس على مفاهيم المواطنة والسيادة والمساواة أمام القانون.فكل فرد في المجتمع له سيادة ديلتا إيكس DeltaΔ--------------- xيشكل مجموعها سيكماΣ---------------Δ---------------x سيادة جميع أفراد الشعب التي لا يمكن لأحد الزعم بإمتلاكها سواء كان وحده أو داخل جماعة أو حزب .الذي يحصل هو توكيل عن طريق الانتخابات للحلول المؤقت بإسم الشعب على إدارة شؤون الجماعة في جماعة حضرية أو قروية أو في البرلمان حسب ما يُظهره المرشحون من كفاءات مزعومة و وعود تمتحنها تجربة ممارسة السلطة فيما بعد ..الخ..

و كل من أوكِلت إليه هذه المهام يبقى عمله تحت المراقبة بمؤسسات منتخبة أيضا لهذا الغرض منها البرلمان الذي يجسد إرادة الشعب و المشرع له و باقي المؤسسات القضائية العليا وغيرها .بحيث تكون السلطة مشتتة داخل هيكل الدولة و لها فروع في الأجهزة الأمنية بمختلف تلاوينها تعمل بتنسيق فيما بينها..

و تشكل المواطنة و السيادة مفاهيم خاصة تعني ان لكل مواطن حقوقا أساسها الحق في الحياة والحرية و الكرامة الانسانية و الحق في التعبير الحر و الحق في حرية الفكر و الدين و التي لا يمكن لأحد ممارس للسلطة أو موظف في الدولة تجاهلها أو خرق القوانين الحامية لها ...

هذه المفاهيم هي التي أسسها مفكرو عصر الأنوار الأوروبي و قبلهم اليونان قرونا عديدة قبل الميلاد و التي تجسدها الديموقراطية .وهي التي تشكل الأساس الذي تنبني عليه العلاقات داخل المجتمع الديموقراطي الذي حل مشكلة العدالة الإجتماعية و توزيع الثروة و آلية التقدم لتحقيق الحياة السعيدة والولاء للقيم و ليس للأفراد الحاكمين ..في هذه المجتمعات ينادي أفراد المجتمع بعضهم بعضا بسيدي سيدتي ، آنستي .و تعطى القيمة للحرية و للعلمانية في الدولة و ليس للدين.

بينما النظم السياسية الأبوية هي تلك النظم المبنية على ثقافة بدوية ليس بمفهوم قدحي و إنما بمفهوم علاقة القرابة الرابطة بين افراد الأسرة داخل العائلة التي يكون فيها الحظ الأوفر من السلطة في يد الذكور حتى لو كان فيها نساء يحركن خيوط اللعبة من وراء الستار .و يكون فيها تساهل و تسامح و عدم سيادة القانون و إنما سيادة الرضى .رضى زعيم القبيلة أو الطائفة الأكثر ثراء و غنى التي تتحكم في الإقتصاد و بالتالي في السياسة و يكون منها الحكام ..بل تسمى الدولة كلها بإسمهم العائلي ..و من هنا طابعها الديكتاتوري ...كل فرد في الشعب يكون تموقعه داخل المجتمع بحسب قربه أو بعده يا إما عن طريق علاقات القرابة أو المحسوبية أوالمعارف من الذين يملكون زمام الأمور في الدولة أي الأسرة أو العائلة الحاكمة أو من الموظفين السامين الذين يدورون في فلك هؤلاء و يساعدونهم على ضبط حركة المجتمع و الإقتصاد لمنع أي حلول مكانهم ...و بالتالي فيكون المتعارف عليه هنا هو الولاء لأفراد هذه العائلة الحاكمة و ليس للوطن ... لكن العائلة الحاكمة تعطي تعريفا لهذا الولاء كونه ولاء للوطن وليس لها لتخفي طابع هذه العلاقة الأناني الديكتاتوري حقيقة و المستبد في نهاية المطاف مقارنة مع دولة القانون ..و تتجلى هذه المظاهر في الدولة السعودية كمثال بارز و في النظم السياسية الشرقية عموما ...

و لذلك يسود فيها مفهوم رضى الوالدين و سيادة الوالدين في الأسرة و المجتمع.فترى الحكام مثلا ينادون أفراد الشعب في خطبهم بأبنائي و بناتي الأعزاء .و ينقلون هذا الخطاب داخل المجتمع بحيث تجد مختلف أفراد المجتمع ينادون بعضهم بعضا بصفات عائلية .فمثلا تجد البنت تنادي شخصا لا تعرفه في الشارع و يكبرها سنا بعمي أو أبي و آخر في سنها بأخي و أخرى في سنها بأختي أو تكبرها سنا بأمي أو الوالدة إلخ...

في هذا النظام ليس مسموحا فيه البتة التمرد على الأبوين حتى لو كانوا مخطئين .و يتلقى المتمردون أقسى العقوبات و النبذ من المجتمع و الأسرة و الحرمان من الحقوق بتهمة العقوق .و ينسحب ذلك أيضا إذا كان التمرد تجاه حاكم الدولة أو أحد أفراد عائلته أو على الدين ..يلعب الدين دور صمام أمان لصرف الانتباه عن المسؤولية المترتبة عن تدبير شؤون الشعب كأفعال بشرية يُحتمل فيها الخطأ و الصواب ...

بجانب ترسانة تشريعية دينية تنهل من المجتمع البدوي القديم المبنية علاقاته على سيادة الذكور و اقتصاده على الزراعة و بيع الثروة المعدنية للاجانب في غياب التصنيع الثقيل يكون القانون ساري المفعول أو حبرا على ورق حسب الحالات ..فكثيرا ما يسمع مثلا كتهديد لأفراد المجتمع من طرف الموظفين في الدولة أو أصحاب السلطة والنفوذ تلك العبارة المألوفة "سنطبق عليك القانون" أو "لدينا تعليمات صارمة بتطبيق القانون" ليس بمفهوم العدالة و إنما بمفهوم التخيير بين نظام العائلة الأبوي أو العقاب المومأبه بتلك العبارات...

إن تطبيق القانون بمفهوم الصرامة هنا يعطي الإنطباع بأنه يمكن عدم تطبيقه أي أنه في مستوى أدنى من قانون العائلة المتساهل والمتسامح اذا عاد الافراد لحضن الاسرة أي للنظام الأبوي .و لذلك يتم العفو عن المتمردين و الخارجين عن القانون في المناسبات الدينية إذا تابوا عما يُعتبر تمردا على النظام الأبوي الذكوري الذي تجسده السلطة الحاكمة أو إذا قاموا بمراجعات فكرية حسب قانون التيارات المتطرفة ...

و لذلك تؤثِّت النصوص الدينية ، في هذا الفضاء ، من خلال اللغة المستعملة، مفهوم الله الأب المذكر .
بل تجسده كإنسان مذكر كبير بمشاعر و خصائص بشرية تزيد و تنقص مثل الغضب والفرح و السرور و غير ذلك ساكن في السماء و قريب من الناس رغم التشديد أيضا على المطلق الذي يميزه في تناقض ظاهر بين المفهومين ....

يقول أحد مزامير داوود في التراث اليهودي الذي يتبناه المسيحيون ما يلي :" أَنْتَ ابْنِي، أَنَا الْيَوْمَ وَلَدْتُكَ" (مزمور 2 : العدد7) ليس هذا النص هو الوحيد .بل هناك ما لا يحصى من الأمثلة..
و المقصود طبعا هنا هو شعب إسرائيل ..لكن المسيحيين يؤولونه على أن المقصود هو المسيح كإبن لله ..

لأنهم يقولون بصريح العبارة "الله الآب و الله الإبن والله الروح القدس و هؤلاء الثلاثة هم واحد " ...و المقصود بالإبن هو المسيح الذي يقولون أنه وُلِد و لم يُخلق..
و هنا لا حاجة للإستدلال على مرور هذا المفهوم أي الله المذكر للتراث الإسلامي لأنه واضح من خلال اللغة و الصفات المعطاة له من أول عبارة فيه لآخره ..



نخلص إلى أن المجتمعات التي تعرف توازي هذه الأشكال من التشريعات Parallélisme des formes و القيم (الأبوية والقانونية) لا يمكن أن تصير قانونية ديموقراطية حديثة إلا بتكسير جرة القديم والتمسك بالحديث و العصري .

أما السير بهما معا فلن يجدي نفعا في التقدم بالمجتمع إلى الأمام و تحقيق العدالة والتقدم في القيم أي في الإنتقال للعيش في القرن 21 ...إنه مضيعة للوقت ليس إلا ..

لأنه في المجتمع القانوني الديموقراطي تعطى القيمة للحرية بكامل أصنافها و للإبداع و للعلمانية و للتعليم العلمي الحديث و للصحة العامة كأدوات لصلاح الفرد و مساهمته في تقدم الجماعة .لأنه العنصر الأساسي في تكوين الجماعة والمجتمع.و هو النقيض للمجتمع الديني الذي يركز على الجماعة و يذوب فيها الفرد ..

هذه المجتمعات الدينية التي تعيش تاريخيا في طفولة البشرية حيث كان الجهل و الكذب من الأشياء البديهية و العادية و التي لم تنتج غير الكوارث بعد تطبيقها في عصرنا الحالي هي النقيض تماما لما يجب أن يكون .و هو أن تتحول لزوما لنُظم ديموقراطية قانونية تعيش عصر العلم والتكنولوجيا كنتائج لإستعمال العقل الذي أعطانا الله . وهي التي سبق أن برهنا في مقال سابق على أنها هي التي تسير وفق مشيئة الله .. و قد بينت ظاهرة كورونا بالملموس هذا الأمر...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال