الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تتمة لمقال: كتاب عن اللهجة الفلسطينية

حسيب شحادة

2020 / 7 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ب. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي


في لهجتي ولهجة أبي وجدّي ووالد جدّي من جهة أبي نجد الألوفونَين u, o و i, e. والصيغة المذكورة ammō˓ لا تعني ”عمُّه“ كما ذُكِر في لهجتي بل ”العمّ“ معرَّفًا مثل sidō, ḫalō إلخ (النبرة على المقطع الأخير). أيّ ”الجدّ، الخال“ . وقد تكون هذه اللاحقة من بقايا التعريف في السريانية الكلاسيكية (أنظر مثلا ص. ٢٢٠٢٢١ في الكتاب قيد العرض). وأُضيف أنّ الصيغة hunni/هُنَّ التي سمعها أبو دهود في كفرياسيف أيضًا في منتصف القرن الفائت، ليست أصيلة في بلدتي، وفي تقديري كانت آونتها على ألسنة من قدِموا إلى البلدة وسكنوا فيها. هذا يذكّرني باستعمال اللفظة ”لِسّه“ بدلًا من ”بَعِد“ لدى امرأة وحيدة في حينه، قبل خمسة- ستّة عقود لتبدو مدنية لا قروية! وقد استرعى انتباهي القول بأنّ ”نِحْنَ“ العادية في سوريا ولبنان مستخدَمة عادة فقط في دالية الكرمل وعكّا (ص. ٨١ ملاحظة ٣٩) وفي هذا في تقديري نظر.

في مقالها حول المكان في لهجة آل الصانع البدوية في النقب، استنادًا إلى ستّة عشر راويًا وراوية، تحاول ليتيسيا تشركليني (قارن ص. ٣٨٦ ملاحظة ٦٢) بعد مقدّمة مسهبة نوعًا ما عن النظريات المختلفة، الوقوف على أساليب التعبير عن الحيّز/المكان بالنسبة للمتكلّم، ثم مسألة توافق المعرفة اللغوية والإدراكية أم لا. في مثل هذه الحالات يُطرَح السؤال: هل من الإنصاف والنجاعة بحث ظواهر لغوية واجتماعية على ضوء نظريات غربية؟ لغويّا لا يجد القارىء ضالّته في مثل هذه المقالات غير السهلة لغرابة الموضوع بالنسبة للقارىء العربي العادي من جهة، ومن جرّاء الترجمة من الناحية الأُخرى (يبدو لي أنّّه في بعض الحالات، على الأقلّ، لم يرَ الكاتب مقاله المترجم ولا يعرف القارىء في ما إذا كان هناك مدقّق لغوي لما في دفّتي الكتاب؛ أنظر ص. ٣٤٢٣٤٣ والملاحظة الهامشية رقم ٥٦، المترجم لم يعرف أنّ بروفسور ي. چاربل ١٩٠١١٩٦٦ امرأة وليست رجلًا؛ كان لكاتب هذه السطور الشرف في أن كان أحدَ طلّابها في بداية ستّينات القرن الفائت في الجامعة العبرية، وكانت تُطلق على نفسها اسم ”غزالة“ بالعربية فهذا معنى اسمها الشخصي بالروسية).

في مساهمته حول المراسلات بين دالمن الألماني ورواة محليّين في بداية القرن الماضي ١٩٠٠ ١٩٣٥، يعرض كلاينبرجر، على ضوء ما عثر عليه في أرشيف دالمن في ألمانيا، الكثير من التفاصيل والمعلومات القيّمة عن الحياة في فلسطين آنذاك وعن العربية المحكية. الرواة العرب الفلسطينيون كانوا توفيق كنعان، القسّ؟ باسل خليل باسل والقس سعيد عبّودي/عبود أشقر (١٢٣، ١٢٨). ألفاظ فلسطينية من الناصرة: لبن إمّه، رز مطبّق، يخني (ص. ١٢٣)، بْيُندْبو، شْعيرِيّه (لا أعرفها) أي مجوّهرات من الذهب تقدّم للعروس (ص. ١٢٤)، زَفِّه، بِنَقِّط (ص. ١٢٥)؛ ١٣ صنفًا من الزيتون الفلسطيني، مثل: النبالي، محمّد شمّوس، صوري، ملّيسي، ذكّاري، أصلي/بلدي، شلاطي؟، شاميّه (ص. ١٢٦١٢٧)؛ العَفير، وَخْري (ص. ١٢٨)؛ الأجرد اسم شهر كانون الأوّل، الموسم البدري والوخري بالنسبة لعيد اللد، المستقرَضات هي آخر ثلاثة أيّام شباط وأول أربعة أيام آذار، جُمعه مشمشيه أي أسبوع قصير (ص. ١٣٠)؛ عرقرب، الأدهمية أي مغارة النبي إرميا (ص. ١٣٣)؛ كسر/قطع/قصّ الخبز، زَرْب أي لحم الخروف المشويّ، داخون (١٣٤)؛ الجرو (ص. ١٣٥)؛ مْخَمِّن، قُفَف/قْفاف (ص. ١٣٦). يختم الكاتب مقاله هذا بالإشارة إلى أنّ المخابرات الألمانيةَ كانت قدِ استغلّت بعض الباحثين من أجل مصالحها القومية. وبالنسبة لدالمان يبدو أنّ اهتمامه الكبير بالفلاح الفلسطيني ناجم عن اهتماماته الدينية، إذ رأى بالفلّاح الفلسطيني مرآةً للحياة أيّام يسوع المسيح وقبلها.

ولا بدّ في هذا السياق، من التنويه بما أشار إليه كلاينبرجر في استنتاجاته: دالمن لم يذكر معظم رُواته اللغويين ولم يشكرهم بشكل واضح إلا عبد الوالي من منطقة البحر الميت (ص. ١٣٧). هذه الظاهرة، استعانة الباحث الغربيّ، لا سيّما في الأبحاث اللهجية، بأبناء اللهجات ذات الصلة، بدون ذكر أسمائهم وبدون شكرهم في البحث ليست، وللأسف الشديد، نادرةً حتّى في أيّام الناس هذه. قد تكون مكافأة الناطق باللهجة ببعض المال أو بطرق أخرى سببًا في ذلك. هل هذه الظاهرة تندرج تحت عنوان السرقة الأدبية plagiarism؟

(أُشير هنا إلى بعض الهفوات المطبعية وغيرها: Nürnverg ص. ١٢١؛ Greifdwald, ص. ١٢٢؛ ملاحظات لا سامية ومن الأنسب استخدام ملاحظات ضدّ اليهود، ص. ١٢٤، الفنلندية من أصل سويدي والمقصود الفنلندية الناطقة بالسويدية كلغة أم، ص. ١٢٤ ملحوظة ٨؛ يخفض رفيقاتها أنظارهن، ص. ١٢٥؛ كما واشتهر، ص.١٢٩؛ علم الأشكال، هل بمعنى علم الصرف مستعمل؟ ص. ١٥، ١٧، ١٣٦ وفي مواضع أُخرى؛ يتقن اللغة الألمانية بطلاقة، ص. ١٣٧؛ يان ريتسه من النرويج ص. ١٤ والصواب: من السويد).

تُعالج روزنهويز في مقالتها سماتٍ معيّنة للفظ الحركات i, a, u أكوستيكيًّا لدى البدو والدروز في الجليل، على ضوء نصوص مسجّلة لستّة طلّاب بين العشرين والثلاثين عامًا من العمر في العام ٢٠١٤. يبدو أنّ هذا الموضوع جديد في الأبحاث اللهجية ولهجتا المستَجوبين تختلفان عن باقي لهجات البلاد. الحركتان i, a قصيرة وطويلة أكثر انتشارًا من e, o, u قصيرة وطويلة. وقارنت الكاتبة ما توصّلت إليه مع ما في لهجات المسيحيين والمسلمين في بحث نُشر عام ٢٠١٤. من نافلة القول وجود فروق بين هذه اللهجات ولطريقة البحث أهمية كبيرة في التوصّل إلى نتائج. ومن الطبيعي وجود فروق صوتية بين لهجات الدروز والمسيحيين والمسلمين. ما يعتري هذه اللهجات المتقاربة جغرافيًا من تغيّرات من الداخل ومن الخارج بحاجة لأبحاث منفردة مستقبلًا.

في مقالها المبني أساسًا على بحث ميداني تناولت لورين إسعيد موضوعًا في طريق الانقراض، البكائيّات بأنواع ثلاثة (الندْب، الندّاب/ة، النوّاح/ة، القول، القوّالة، القوّيلة، مِناحة، عزا، مِدالة، معِادة، نواع، تناويح) لدى مسيحيّي قريتها كفرياسيف في الجليل الغربي ولدى دروز قرية أبو سنان المجاورة. إذ أنّ هذه العادة قدِ ٱندثرت عند مسلمي القريتين. ويتبيّن أنّ الدروز يحافظون أكثر من المسيحيين بخصوص محتوى البكائيات وقاموسها. تورد الكاتبة عيّنة منقحرة بالحرف اللاتيني من تلك البكائيات وتشرح باختصار معاني الكلمات غير المألوفة في ملاحظات هامشية. من تلك الألفاظ: تْوايَئو أي تفقّدوا؟!، توبَت من التابوت وتَرْبَت من التربة :
(قارن: ,Haseeb Shehadeh, Børad and His Brothers in the Kufir-Yasif Dialect. In: Dialectologia Arabica. A Collection of Articles in Honour of the Sixtieth Birthday of Professor Heikki Palva. Studia Orientalia, Edited by the Finnish Oriental Society, 75, Helsinki 1995, pp. 229-238).
ملاحظة عامّة، ربّما كان من الأنسب استخدام جذر آخر بدلا من ”غنّى“ في هذا المقال مثل ”قال، تلا، ردّد إلخ.“ أنظر ملحوظة رقم ٦٤.

يبدو، بناءً على ما بين يدينا من مراجع، أنّ وصف الباحث ابن كفرياسيف حسيب شحادة والمقيم في فنلندا منذ ثلاثة عقود تقريبًا لأصوات لهجته، لغة أُمّه، كفرياسيف بالقرب من مدينة عكّا الساحلية، هو الأوّل في هذا المجال (أنظر قائمة المصادر). هنالك بالطبع حاجة في توسيع وتعميق هذا البحث مستقبلًا مشفوعًا بنصوص مختلفة. كما لا بدّ من وصف صرف هذه اللهجة ونحوها، إذ لكلّ لهجة عربية قواعدها التي قد تكون خاصّة في بعض الجزئيّات. هذا إضافة إلى جمع مسارد معجمية وَفق حقول دلالية معيّنة مثل: لغة الطفل، لغة النساء، ألفاظ الزراعة على أنواعها، أسماء الآلات والأدوات على اختلافها، أسماء الثروة النباتية والحيوانية، إلخ. من الأمور الهامّة عند بحث لهجة كفرياسيف وغيرها التركيز على لهجة الكفارسة الأصليين المحفوظة عادة في أفواه المسنّين والمسنّات الذين لم يتأثّروا كثيرًا بالعربية المعيارية (راديو وتلفزيون، المسجد والكنيسة) وبالعبرية وبلهجات نازحين من قرى وبلدات عربية أخرى إلى كفرياسيف. لدى شحادة منذ سنوات نصوص نثرية وشعرية بلهجات فلسطينية وبخاصّة لهجة كفرياسف، زهاء المائتين وخمسين صفحة وهي جاهزة للطبع.

سيّدة فلسطينية أُخرى، رنا سعيد صبح، كتبت عن حقل دلالي محدّد بناء على عمل ميداني واستخدام معاجم: عيّنة من ألفاظ زراعة القمح (مسرد فيه قرابة الأربعين مادّة لغوية) في لهجات مدينتها الجليلية شفاعمرو وسكّانها من المسلمين والمسيحيين والدروز، وهو مقتطع من دراسة في جامعة حيفا لاستكمال مقرّرات شهادة الماجستير، الشهادة الجامعية الثانية، عام ٢٠١٥. صُنّفت تلك الكلمات إلى خمس مجموعات وهي: إعداد التربة؛ الزرع؛ جنْي القمح؛ التغمير والرجاد؛ الدراسة والتذرية. تقصّت الباحثة معاني الكلمات وقارنتها بالعربية الفصيحة، بلهجات أخرى وبالعبرية والسريانية واستعمالات مختارة لها. في ما يلي أُسجّل عيّنة من الألفاظ والأقوال غير المستخدمة في لهجة كفرياسيف: بْحاشِه أي بَحِش ، ص. ٢٣٠؛ ما تكبر غير المزِبلِه، ص. ٢٣٢؛ صوصَل بمعنى جمع الأعشاب المقتلعة بعد الحرث لئلا تنمو من جديد، ص. ٢٣٣ (في كفرياسيف المعنى: فرز الشوائب في القمح الموضوع في ماء فتطوش تلك الشوائب عادة)؛ قطبوس بمعنى الخادم سريع التلبية، ص. ٢٣٣؛ أَحْوير، ربّما من الحيرة، أي زراعة في غير موسمها، ص. ٢٣٤؛ بَذَرْنا الحبّ وتوكّلْنا ع الربّ، ص. ٢٣٥؛ تِتْبيعه أي الشتلة أو البذرة لملء الفراغ، ص. ٢٣٦، عندي لحّق، تِلحيق؛ زيوَن أي قلّم، ص. ٢٣٨؛ زوان بلادنا ولا القمح الصليبي، ص. ٢٣٨؛ العْشاب غلب الكْراب، ص. ٢٤٠؛ عَفير أي بذر الحبوب مبكرًا في تشرين أوّل، ص. ٢٤٠؛ احصد شعيرك فطير واصبر ع قمحك ت يطير، ص. ٢٤٤؛ إن غلّت وراها آذار وإن أمحلت وراها آذار، ص. ٢٤٥؛ رَجَد أي نقل المحصول إلى البيدر، احصُد وراجِد، ص. ٢٤٩؛ هل لفظة تِبْنِه مستعملة؟، ص. ٢٥٣؛ صَليبِه أي كومة القمح الممتاد في وسط البيدر، ص. ٢٥٥. إنّ قراءة هذا المقال لا تُعطي صورة واضحة عن عربية السكّان الشفاعمريين من مسلمين ودروز ومسيحيين وعن الفروق بينهم، وكان من الأهمية بمكان التركيز على ما يفسّره ويقوله الرواة والفلّاحون كبار السنّ أكثر من تجميع روتيني لما في المعاجم المعروفة. ثم لا بدّ من الحذر الشديد إزاء تأثيل الكلمات، إذ لا يُطلب في رسالة ماجستير الخوض في هذا المجال الشائق والشائك جدّا، فالكثير من اللغويين المعروفين يتجنّبونه.

الباحثة الفلسطينية الثالثة والأخيرة، ورد عقل، من بلدة المغار في الجليل الأسفل ويسكنها الدروز ٥٧٪ فالمسيحيون ٢٣٪ فالمسلمون ٢٠٪، كتبت مساهمتهاعن بنية الإضافة في لهجات شمال البلاد معتمدة جزئيًّا على أطروحتها للدكتوراة (مخطوط) حول الإيجاز والزيادة في تراكيب اللّهجات الفلسطينية الشمالية: بحث وصفي مقارن، جامعة حيفا ٢٠١٤. وللإضافة بنيتان أساسيتان، تركيبية وتحليلية (أو مضاف ومضاف إليه بدون أي فاصل بينهما سوى أل التعريف أحيانًا من جهة ووجود فاصل بين عنصري الإضافة مثل: التراكتور ل/إنْتاع/تبع/تاع/بتاع/إمتاع/شيت جارنا إلخ.) عُرضت في المقال أربع بنًى نحوية متفرعة من البنيتين الأساسيتين. وتبيّن أنّ عربية شمال البلاد تفضّل عدم استخدام رابط بين جزئي الإضافة بل تنتج صيغًا جديدة متّسمة بالإيجاز. يستند هذا البحث على عمل ميداني من جهة وعلى تسجيلات صوتية. من الواضح أنّ موضوع هذين النمطين من بنية الإضافة في المدن والقرى المذكورة: أبو سنان، البقيعة، الجديّدة، حيفا، دالية الكرمل، دبوريّة، دير حنّا، الرامة، الرينة، ساجور، شفاعمرو، صندلة، طرعان، عكّا، عكبرة، عين الأسد، عين ماهل، كابول، الكبابير، كسرى، المزرعة، المشهد، المغار، الناصرة، يانوح، بحاجة إلى المزيد من الاستقراء والتفصيل ورصد سمات مشتركة وأُخرى مختلفة بين تلك الأماكن.

وحول اقتراض المحكية الفلسطينية لبضعة مئات من الكلمات القديمة من الإيطالية (وأحيانًا من الفرنسية) عن طريق اللغة العثمانية، كتب هلّون مساهمته معتمدًا على بحث ميداني من ناحية، وعلى أرشيف التراث الشفويّ في جامعة بيت لحم، ومن معجم ألفاظ الحضارات القديمة الذي سيُنشر من الناحية الثانية. من تلك الكلمات الدخيلة نذكر هنا: أُزّيطه أي جريدة، مجلّة؛ إسْبِطار/اسبيتار أي مستشفى” أسماء أوراق اللعب: بستوني، كُبّا، ديناري، سْباتي؛ بالطو؛ صَلَطة؛ مَصْطره؛ إسكَمله؛ فانيلا؛ بَسْبور؛ بوليت؛ بجاما؛ كورْبه؛ نُمره؛ هستيريا؛ سيچاره؛ بطّاريّه؛ إسفلت؛ إستمارة؛ بابور؛ بازيلا؛ باكيت؛ بالون؛ براڤو؛ بُرطاش؛ برنيطه؛ بسكوت؛ بُكله؛ بندوره؛ بنزين؛ بوسطه؛ برميل، خرطوش، طاسه، طاوله، قنديل، لامبه؛ ليتر؛ منديل؛ موضه؛ وِنش. أُكرِّر ما نوّهت به أعلاه بأنّ موضوع التأثيل اللغوي شائق وشائك جدّا ومعظم اللغويين المعروفين يتجنّبون ولوجه لكثرة العثرات والمطبّات وغياب بعض الوسائل العلمية الضرورية في الاستقراء تاريخيًا، لغويًا، اجتماعيًا، جغرافيًا، اقتصاديًا، زراعيًا، علميا إلخ. نذكر مثلا لفظة ”منديل“ المذكورة في العيّنة الآنفة وهي في المعاجم العربية القديمة وموجودة في لغات سامية مثل السريانية الكلاسيكية ذات التأثير الكبير على العربية وفي الجيعز والأمهرية والتجري والتجرينيا.

في مقاله الموسوم بـ ”ملاحظات حول تاريخ اللغة العربية في فلسطين“، يعالج الكاتب البريطاني سيمون هوبكنز في أكثرَ من نصفه ما لا يُستشفّ من العُنوان؛ قضايا لغوية في علم الأصوات والصرف والنحو والمعجم (ص. ٣٣٦ ٣٥٦)، وكلّ ذلك استنادًا إلى مراجعَ زاد عددها عن المائة (مع هذا لا ذكرَ مثلًا لأطروحة باحث اللهجات الفذّ حاييم بلانك (١٩٢٦١٩٨٤) حول عربية شمالي فلسطين، دروز الجليل الغربي وجبل الكرمل، ١٩٥٣)! في نهاية المقال، ص. ٣٥٦ وفي مستهلّ الخلاصة يكتب: ”بحثنا قليلًا في تاريخ العربيّة الفلسطينية، ذاكرين بعض المصادر، وناقشنا عددًا من الميزات الملموسة للّغة“ وفي نهايتها جاء ”إنّنا نتذكّر مرّة أخرى أنّ فلسطين - عرقيًا ودينيًّا ولغويًّا واجتماعيًّا - تظلّ مكانًا مُعقَّدًا جدًّا“ (ص. ٣٥٧). وأذكر هنا بعض الأمور التي وردت في هذا المقال ”وقسم منها [العربية الفلسطينية] يختلف بعضه عن بعض كثيرًا لدرجة ألّا يكون مفهومًا بصورة متبادلة“ (!؟)، ص.٣٢٤؛ العربية كانت حاضرة في فلسطين قبل الفتح الإسلامي، ص. ٣٢٦؛ شُحّ المعلومات عن المحكية الفلسطينية منذ الفتح الإسلامي وحتّى القرن التاسع عشر، ص. ٣٣٠؛ قلّة اهتمام العرب ببحث لهجاتهم، ص. ٣٣٠؛ وثائق أرشيف البرديات في عوجا الحفير في جنوبي فلسطين باليونانية والعربية تلقي الضوء على العربية المحكية في فلسطين بعد الفتح الإسلامي بعدّة عقود، اختفاء لاحقة الرفع في جمع المذكَّر السالم -ون واستخدام اللاحقة -ين بدلها، ص. ٣٣٠٣٣١؛ وجود اللفظة ”طَرْحه“ بمعنى غطاء الرأس منذ القرن التاسع عشر، ص. ٣٣٤٣٣٥ وقارن ص. ٢٥٥٢٥٦؛ في أواخر القرن التاسع عشر بدأ اهتمام جادّ بالعربية الفلسطينية من قِبل الألمان بشكل خاصّ؛ ظهور ترجمات للعهد الجديد بالعربية الفلسطينية، ص. ٣٣٦ (لا إحالة لمصادر! وانظر ص. ٣٤٨ ملاحظة رقم ٧٥)؛ ما زالت العربية الفلسطينية غير موثّقة كما يُرام، ص. ٣٣٦؛ استعمال غريب في بعض قرى ضواحي القدس: تأتي اللاحقة ta- بمعنى ضمير النصب والجر للغائب نحو: šufnāta أي رأيناهُ، ص. ٣٣٦؛ اختلاف في لفظ الحركات التالية وَفق السياق لدى مسلمي الناصرة: i/e, o/u ص. ٣٣٧، هذه الظاهرة في نظري بحاجة لبحث منفرد.

من المعروف لكلّ مهتمّ باللهجات العربية الفلسطينية وغيرها من أخواتها، أنّ أصواتًا معيّنة مثل الجيم والقاف تُلفظ بطرق مختلفة، تنمّ عادة عن النمط الحضري أو القروي أو البدوي، وأحيانا الانتماء الديني نحو: آل، كال، قال (مثلا الدروز)، چال بالترتيب. يرى هوبكنز أنّ المسيحيين الناطقين بالعربية في فلسطين لفظوا القوف السريانية همزة كما هي الحال في عربيّتهم، على ضوء ما ورد أوّلًا عند ابن العبري المتوفى عام ١٢٨٦، ثم عند پيترمان عام ١٨٦٥، ص. ٣٤٠٣٤١. ثمّ يتحدّث الكاتب بٱختصار عن تحول الـ ō إلى ā وإلى ē وظاهرة الإمالة النادرة: إمْبيرِح، سيعَه، مئذنه إلى ميدنه، حائط إلى حيط (حيط موثّق منذ بداية الإسلام؛ والمحكية كانت قائمة منذ البداية وقبل تبلور الفصحى، وعليه فمن المحتمل أن تكون لدى عامّيّة عرب الجاهلية مثلا لفظة ”حَيْط“ بحركة مركّبة أو حتّى ”حيط“ بحركة طويلة كما هي الحال في لهجات عربية حديثة) ولكن صيغة ”صاير“ وإخوته لا تتبدّل، وفي علمي الصرف والنحو يعرّج على استعمالات صِيغ ضمير المتكلّمين/المتكلّمات، ضلّيتني، أبو؛ نحو آرامي وأخيرًا نافذة على المعجم. وفي الخلاصة يذكر هوبكنز هذه الأمور أيضا: العربية الفلسطينية حيّة في أفواه العرب فقط (في الأصل مسلمون ودورز ومسيحيونَ وسامريون؛ أُنوّه هنا: سامريو حولون المسنّون فقط وهم قلائل يتكلّمون بلهجتهم العربية النابلسية)، معظم عرب البلاد يعرف العبرية في حين أنّ معظم اليهود لا يعرفون العربية؛ العربية ساهمت في ما يُدعى بعملية إحياء العبرية الحديثة قبل قرن ونصف من الزمان، والآن ”العربية الفلسطينية غنية بالمفردات والتعابير العبرية الإسرائيلية“ (العربي لا يرى في ذلك غنًى).

يختم مقال الباحثة روني هنكين حول الدلائلية (evidentiality، مصادر معلومات المتحدّث غير المباشرة ) في السرد البدوي في النقب وهو موضوع غير مطروق، هذا الكتابَ. وتتجلّى هذه الظاهرة في قواعد اللغة وفي معجمها وما زال مصدرها في لهجات النقب غير جليّة. تعالج الكاتبه هنا أنماطًا للاستراتيجيات الدلائلية (مثل ”إثرات“ ومشتقّاتها بمعنى ”يبدو أنّ“ وأتاري“ ومع الضمائر ”أتريه، أتريها“ إلخ الموجود في العديد من اللهجات الفلسطينية مثل لهجة كفرياسيف) في لهجات النقب ولهجات أخرى في المنطقة، وذلك كلّه مع اللغات البلقانية. والدلائلية تفرّق بين خمسمائة لغة في الأمركيتين والقوقاز ومنطقة عائلة اللغات التيليتية البورمية والتركيز في المقال يدور حول الدلائلية التركية ذات العنصرين . وكانت الباحثة قد تحدّثت في مقال سابق لها صدر في أوائل تسعينات القرن المنصرم عن ثلاثة أنماط لاسم الفاعل في لهجات النقب: المستمرّ، التحصيلي والدليلي وكل ذلك في أطروحتها للدكتوراة عام ١٩٨٥.

عصارة القول، أمامنا مرجع لا يستغني عنه كلّ مهتمّ باللهجات الفلسطينية وبالفولكلور الفلسطيني، لا سيّما داخل الخطّ الأخضر. وهذا القِطاع الفلسطينيّ يشكّل سُدس تعداد الفلسطينيين اليوم، وهنالك حاجة لإجراء أبحاث مقارنة بلهجات فلسطينية أو بلهجات فلسطينيين آخرين في شتّى أنحاء الشتات الفلسطيني. ثمّة سؤال جوهري يطرح نفسه في هذا السياق: هل باحث اللهجات بحاجة لمعرفة فعلية للهجة بحثه وللفصحى، ولأي مدى تساهم مثل تلك المعرفة على جودة البحث؟ من المعروف وجود أساتذة للغة العربية المعيارية في جامعات كثيرة في العالم، وهم غير قادرين لا على التحدّث بالعربية المعيارية ولا على الكتابة بها ولا على التحدّث بأيّة لهجة عربية كانت.

ويحضُرني ما كان يردّده أُستاذي وصديقي المرحوم أبو دهود (حاييم بلانك): إن التقعّر في الكتابة واستخدام وفرة من المصطلحات الحديثة، وذكر النظريات ليسا من سمات الأبحاث الرصينة؛ إنّ كتابة نصّ مكثّف وقصير يحوي ما في نصّ طويل وطويل لعملية شاقّة جدّا وتحتاج وقتًا أطول بكثير.
أرى أنّ هنالك مجالًا لا بأس به وهو بحث التأثير الخارجي، الإنجليزية والعبرية، والداخلي، العربية المحكية، على لغة المقالات في هذا الإصدار.

وقعت بعض الهفوات الطباعية وغيرها إضافة لم ذُكر أعلاه، مثلا في: ص. ١٩، ٢١، ٤٤، ٤٧، ٥٨، ٧٩، ١٠٧، ١٢١، ١٢٢، ١٢٩، ١٣٤، ١٤٨، ١٧٢، ٢٠٣ ملحوظة ١٩ الصواب: ١٩٩٧، ص. ٢١٥ ملحوظة ٤١ الصحيح Shehadeh، ص. ٢٤٢، ٢٧٢، ٢٨٤، ٢٩٩، ٣٠١، ٣٤١، ٣٤٢، ٣٦٩، ٣٧١.

حبّذا لو أُضيفت فهارس أبجدية في نهاية الكتاب، تجمع، على الأقلّ، ما بُحث لغويًا. أرجو أن يكون هذا الإصدار في مجال المحكيات الفلسطينية، لغات الأمّ لدي فلسطينيي الثمانية والأربعين، فاتحة تتلوها إصدارات أُخرى مشفوعة بنصوص مختارة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل