الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مائة عام على معركة ميسلون (24 تموز/يوليو 1920 - 24 تموز/يوليو 1920م)

سعيد جميل تمراز

2020 / 7 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بعد هزيمة الدولة العثمانية ونهاية الحرب العالمية الأولى؛ وزوال الحكم السلطاني العثماني عام 1918م، نشّطت الحركة الجماهيرية العربية الساعية لإقامة دولة عربية مستقلة، والشروع ببناء دولة مستقلة في بلاد الشام متحدة مع العراق، وقد اصطدمت محاولة الحركة العربية تحقيق الاستقلال العربي بالتنافسات والصراعات والاقتسامات والتسويات الفرنسية - البريطانية الاستعمارية، وأُعلنت الاتفاقيات السريّة «وعد بلفور»، و«سايكس بيكو»، ثمّ «لجنة الاستفتاء» الأميركية لمعرفة رأي السوريين في نوع الوصاية التي يرغبونها بناءً على قرار عصبة الأمم، وصارت دمشق في ذلك الوقت قبلة العرب وعاصمتهم، وحاملة لتطلعاتهم إلى الوحدة والحرية الاستقلال، وضمت جميع أطياف الحركات العربية من كلّ المناطق العربية، فدمشق قلب المنطقة ومركزها التاريخي والحضاري.
ورفض السوريون أي نوع من الوصاية، وطالبوا بالاستقلال التام وعدم تجزئة البلاد، وقرروا المواجهة وإعلان الاستقلال، وفي 27 أيلول (سبتمبر) 1918م، رفع العلم العربي في دمشق وتشكلت حكومة برئاسة الأمير سعيد الجزائري، شكلّها وجهاء المدينة وأعيانها لضبط الأمن ريثما تصل القوات العربية، ولم تستمر حكومة الجزائري أكثر من ثلاثة أيام، إذ دخل الجيش العرب دمشق في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) 1918م، ثم دخلها فيصل بن الحسين ومعه (1200) رجلاً من أتباعه على ظهور الخيل في 4 تشرين الأول (أكتوبر) 1918م، وقبل نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 1918م، كان العثمانيون قد أجلوا عن سائر بلاد الشام ثم انسحبوا من الحرب بتوقيعهم هدنة مودروس في 30 تشرين الأول (أكتوبر) 1918م.
وبعد دخول الأمير فيصل بن الحسين دمشق، تمكن من تأسيس حكومة عربية في سورية، كان الملك فيها حجازيًا (الملك فيصل)، ورئيس برلمانها الموقت مصريًا من أصول لبنانية (رشيد رضا)، وقائد جيشها عراقياً (ياسين الهاشمي)، ووزير داخليتها لبنانيًا (رضا الصلح)، ووزير خارجيتها فلسطينيًا (سعيد الحسيني).
وفي 7 أذار (مارس) 1920م، أقرّ المؤتمر السوري العام المنعقد في دمشق برئاسة هاشم الأتاسي انتخاب الأمير فيصل ملكًا دستوريًا على سورية بحدودها الطبيعية أي ما يعرف اليوم بسورية ولبنان وفلسطين وشرقي الأردن، ورفض ادعاء الصهيونية في إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وإنشاء حكومة مسئولة أمام المؤتمر الذي هو مجلس نيابي، وكان يضم ممثلين انتخبهم الشعب في سوريا ولبنان وفلسطين، وتنصيب الأمير فيصل ملكًا على البلاد. واستقبلت الجماهير المحتشدة في ساحة الشهداء هذه القرارات بكل حماس بالغ وفرحة طاغية باعتبارها محققة لآمالهم ونضالهم من أجل التحرر والاستقلال.
وفي اليوم التالي بدأت مبايعة فيصل، وكان المؤتمر السوري العام في منزلة برلمان سورية الذي لم يعترض عليه أحد منذ تأليفه، كان المؤتمر السوري، على مدى دوراته الثلاث (1919 – 1920م)، ممثلاً سياسيًا ودستوريًا للسوريين في سورية الطبيعية، وما إن انتهت عملية مبايعة فيصل ملكًا على سوريا، حتى بادر إلى تأليف حكومة في 27 أذار (مارس) 1920م، برئاسة علي رضا الركابي، التي ضمّت علاء الدين الدروبي (رئيسًا لمجلس الشورى)، ورضا الصلح من صيدا (للداخلية)، وسعيد الحسيني من القدس (للخارجية)، وعبد الحميد قلطقجي (للحربية)، وفارس الخوري (للمالية)، وجلال الدين زهدي (للعدل)، وساطع الحصري (للمعارف)، ويوسف الحكيم (للزراعة والتجارة والنافعة، أي الأشغال)، ولم يعد فيصل في ذلك العهد الجديد المسئول الأول عن السياسة، بل أصبح ذلك منوطًا بوزارة مسئولة أمام المؤتمر السوري، وتشكلت لجنة لوضع الدستور برئاسة هاشم الأتاسي، فوضعت مشروع دستور من 148 مادة على غرار الدساتير العربية، وبدأت الأمور تجري في اتجاه يدعو إلى التفاؤل ويزيد من الثقة.
من جانب آخر، سارعت الدول الاستعمارية، إلى إجهاض الدعوات الاستقلالية العربية الجديدة التي انطلقت من دمشق لتعم سورية والعراق. وكان أن اتخذ الحلفاء في مؤتمر "سان ريمو" يوم 26 أبريل (نيسان) 1920م، قرارًا بفرض الانتداب البريطاني والفرنسي على سورية، وهو ما كان متفقًا عليه سرًا، ولم يطل الأمر حتى وجّه الجنرال غورو، بالتواطؤ مع البريطانيين، إنذارًا إلى الملك فيصل في 14 تموز (يوليو) 1920م، يُرغمه فيه على وضع سكة حديد رياق – حلب تحت تصرّف الجيش الفرنسي الذي كان يُواجه بمقاومة في كيليكيا، وإلغاء التجنيد العسكري الإلزامي الذي اعتمدته الحكومة العربية في دمشق، وقبول الانتداب الفرنسي على سورية، واعتماد النقد الورقي الذي بدأ المصرف السوري يصدره تحت إدارة الفرنسيين، وتأديب "المجرمين المعادين" لفرنسا (يقصد بذلك معارضي الانتداب الفرنسي)، ويمكن القول: أن الإنذار الفرنسي جاء فقط لوضع الأطماع الفرنسية في سوريا موضع التنفيذ، فالأمر مدبر من قبل بين بريطانيا وفرنسا، منذ عام ١٩١٦ من خلال اتفاقية سايكس بيكو، ولم يكن الإنذار سوى أمر شكلي لتنفيذ المخطط الذي جاء في هذه الاتفاقية.
ومع أن الملك فيصل قبل الإنذار، وبدأ تسريح الجيش العربي، إلا أن الجنرال غورور أصرّ على احتلال دمشق بالقوة، ولم ينتظر استعداد الحكومة السورية لمواجهته، فقام بتوجيه جيوشه إلى سوريا عبر ثلاثة محاور: الأوّل: جاء عن طريق بيروت- دمشق و وصل إلى القرب من هضاب ميسلون؛ والثاني: عن طريق سكّة حديد رياق- حمص و حماة حيث قام المجاهدون باقتلاع سكّة الحديد بالقرب من منطقة قري القصير، حيث هوى القطار وانفجر بما فيه، واشتبك المجاهدون مع ما تبقّى من الفرنسيين ودحروهم إلى محطّة الرياق، بينما توجّه المحور الثالث من كيليكيا وجسر الشغور شمالاً باتّجاه حلب وتمكّن من دخول المدينة بقيادة الجنرال ديلاموت بتاريخ 23 تمّوز (يوليو) 1920م.
وأعلنت الحكومة الفيصلية الحرب على فرنسا، فتدافع الناس من كل حدب وصوب وتطوعوا لخوض معركة الكرامة ضاربين بذلك أروع الأمثلة في التضحية، وخرج وزير الحربية يوسف العظمة على رأس قواته القليلة إلى موقع ميسلون حيث جرت معركة غير متكافئة مع قوات فرنسية كبيرة يوم 24 تموز (يوليو) 1920م، فقد بلغت القوة الفرنسية العسكرية في المعركة تسعة ألاف جندي مزودين بخمس بطاريات مدفعية ميدان، وبطاريتي مدفعية عيار ١٠٠ مم وعدد كبير من الدبابات والرشاشات والطائرات مقابل ثلاثة آلاف متطوع سوري، لا يملكون إلا إرادتهم في المقاومة وبعض السلاح الأبيض استمرت المعركة نحو ساعتين، استشهد فيها ما يزيد عن ٨٠٠ شهيد على رأسهم وزير الحربية السورية يوسف العظمة.
ظلّت القوّات الفرنسيّة تتقدّم من مجدل عنجر دون أن تلقى أيّة مقاومة حتى أشرفت على رابية ميسلون على الطريق الواصل بين دمشق وبيروت في مساء 23 تموز، فخيّمت هناك انتظاراً لشنّ الهجوم في الصباح الباكر، وعند شروق شمس يوم السبت 24 تموز (يوليو) 1920م، أخذت المدفعية الفرنسي تطلق نيرانها بكثافة على أماكن تواجد القوّات العربية التي لازمت الثبات في أماكنها، وأخذت المدفعية السورية تجيب نظيرتها لكّن بشكل خفيف لقلّة العتاد، وكانت ترافق القوّات الفرنسية عشر طيّارات وعدد كبير من الدبابات تمهّد للجنود أمر الهجوم. وفي الساعة العاشرة صباحاً بدأ المشاة الفرنسيون زحفهم نحو الأمام، فصمدت لهم القوّات السورية بثبات، ووقف القائد يوسف العظمة في الساعة الحادية عشر على أحد التلال وبيده منظار يراقب مجريات المعركة، فحاول مرافقه حمله على النزول بعيداً عن أسلحة العدو ولكنّه أبى، فجاءته رصاصة من رشّاش فرنسي في صدره، وتَلتها أُخرى سقط على إثرها مضرّجاً بالدماء.
واستمرّ القتال بين الطرفين حتى الظهر حيث أسكتت المدفعية الفرنسية نظيرتها السورية، كما تراجع المشاة السوريون أمام الفرنسيون، فغادروا أماكنهم تاركين نحو 800 شهيد (أي أكثر من ربع عدد القوّات السوري تقريباً)، وقد قُدّرت خسائر القوّات الفرنسية بـ 300 قتيل، وإذا كان من الصعب إطلاق اسم معركة على ما حدث في ميسلون، نظراً للفارق الكبير بين القوّتين في العدد والأسلحة والعتاد، فإنّ يوسف العظمة الذي كان يعلم بنتيجة المعركة سلفاً، وقف بشرف أمام القوّات الفرنسية محاولاً عدم دخولها إلى دمشق إلا بقتال مشرّف.
وتقدم الفرنسيون بعد انتصارهم في معركة ميسلون يوم السبت في 24 تموز (يوليو) 1920م، يسيرون فوق جثث الشهداء من الشعب السوري، باتجاه دمشق، وتم لهم دخولها في اليوم التالي أي في 25 تموز (يوليو) 1920م، فاستقالت وزارة السيد هاشم الأتاسي واضعة خاتمة لمرحلة الحكم الوطني في بلاد الشام، وبدأ عهد الاحتلال الفرنسي لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ سوريا.
وبعد دخول القوات الفرنسية مدينة دمشق، غادرها الملك فيصل ، في يوم ٢٨ تموز (يوليو) ١٩٢٠م، وقام الجيش الفرنسي باحتلال الثكنات، وفرض السيطرة العسكرية على المدينة مستخدماً أبشع الأساليب الاستعمارية، وأذاع الجنرال غورو بياناً جاء فيه إعلان الأحكام العرفية في البلاد، وفرض على الشعب السوري دفع غرامة مالية تقدر بعشرة ملايين فرنك فرنسي كغرامة حربية، ونزع سلاح الجيش السوري وتقديم عشرة آلاف بندقية للجيش الفرنسي وتسليم كبار المدنيين والعسكريين السوريين للمثول أمام المحاكم العرفية وإنهاء الحكم الفيصلي، وتم تنفيذ حكم الإعدام في العديد من الوطنيين ونفي العديد منهم.
وعندما استقرت الأوضاع الداخلية، بدأ الاحتلال الفرنسي في تنفيذ سياسة فرض السيطرة الكاملة على كل سوريا، تنفيذاً لمخططهم الاستعماري القائم على أساس التقسيم والتجزئة وإنشاء الدويلات لما سموه بالشعوب السورية، وعمد إلى تقطيع اوصال سوريا، فقسمها إلى ست دول مستقلة وهم: دولة دمشق (1920)، ودولة حلب (1920)، ودولة العلويين (1920)، ودولة لبنان الكبير (1920)، ودولة جبل الدروز (1921)، ولكل منها علم وعاصمة وحكومة وبرلمان وعيد وطني وطوابع مالية وبريدية خاصة. وبسبب الرفض الشعبي للتقسيم وعدم الاعتراف به قامت فرنسا في عام 1922م، بإنشاء اتحاد فدرالي فضفاض بين ثلاث من هذه الدويلات (دمشق وحلب والعلويين) تحت اسم "الاتحاد السوري"، واتخذ علم لهذا الاتحاد كان عبارة عن شريط عرضي أبيض يتوسط خلفية خضراء. وفي الشهر الأخير من عام 1924م، قرر الفرنسيون إلغاء الاتحاد السوري وتوحيد دولتي دمشق وحلب إلى دولة واحدة هي دولة سورية، وأما دولة العلويين فقد فصلت مجددا وعادت دولة مستقلة بعاصمتها في اللاذقية. كما جعل لواء اسكندرون إدارة مستقلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تناور.. «فرصة أخيرة» للهدنة أو غزو رفح


.. فيديو يوثق اعتداء جنود الاحتلال بالضرب على صحفي عند باب الأس




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات القصف الإسرائيلي في جميع مدن ق


.. حماس: تسلمنا المقترح الإسرائيلي وندرسه




.. طالب يؤدي صلاته وهو مكبل اليدين بعدما اعتقلته الشرطة الأميرك