الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النقد واغتيال العقل في الثقافة العراقية : نظرة نقدية

ياسمين جواد الطريحي

2020 / 7 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بشكل عام ، لايعاني مجتمعا كما يعاني المجتمع العراقي بكل فئاته واطيافه الا وهو غياب ظاهرة النقد البناء . معنى ومهمة النقد كما هو معروف في المدارس الاجتماعية اصلاح المجتمع الذي يعاني من عدة مشاكل بنيوية وإجتماعية وإنسانية . وهو من احد اهم آليات تقييم المشاكل وايجاد الحلول لها.
وليس النقد كما هو يفهم خطأ حينما يٌشهر "الناقد" بمن يعارض فكرته ويتفاخر بفضح سلبيات الاخر الشخصية والتشهير به علنا من اجل الانتقاص من آدمية الإنسان . حينها يتحول الحوار من نقد الفكرة الى نقد الشخص . وهذا لايجوز في مناهج النقد العلمية في جميع المدارس ذات الاختصاص بالدراسات الاجتماعية وعلم الاجتماع. .
هذه المقالة لا تعني الدخول في متاهات وتفسير مدارس النظريات النقدية المتعددة الاتجاهات لحقبات تاريخية مختلفة منذ بدايات واواسط القرن الماضي . لقد ظهرت مدارس متعددة الاراء للنقد في الكثير من المجتمعات وخاصة في مجتمعات الدول التى عانت من ويلات الحروب والدمار بعد الحرب العالمية الثانية ، كلا حسب وجهة نظره وظروف مجتمعه المحيطة به ووضع الاسس والقوانين لها التى تحترم وتحافظ على بنية وجوهر وغاية النقد الاصلاحي . والغاية الجوهرية من كل هذه المدارس وخاصة مدرسة فرانكفورت الالمانية للدراسات الإجتماعية كانت لاصلاح هذه المجتمع المدمر آنذاك .
لم يكن ليحصل تطور في هذه النظريات لولا تطور مساحة الديمقراطية المسموح بها سياسيا وسياديا ، ومنها الحريات العامة والخاصة وحرية التنقل وحرية التعبير والنقاش وحرية تداول الافكار . وإن وسائل النقد الحديثة وتبادل الاراء والمقالات اصبحت تتداول بين وسائل الاتصال الإجتماعي وخاصة "الفيس بوك" و" تويتر " و" الانستغرام" في العصر الحديث .
اما نقيض النقد هو القمع المنهجي والنقص في السيادة الوطنية وممارسة الاسلوب الفردي في اتخاذ القرارات المصيرية وانعدام الحرية في تبادل الافكار باعتبار النقد من المحرمات والممنوعات لدى السلطة ومن لديه تعليما متقدما ومن ليس لديه اي تعليم مما يزيد في نسبة الجهل والأمية والفقر والمرض وتتحول نقاشات الافراد الى معارك عاطفية مشحونة بالانفعالات والاستفزاز العنيف واستخدام التشهير والانتقاص من الإنسانية والحياة الشخصية للاخر.
ان انعدام النقد البناء هو مانسميه بالفقر الثقافي وهو أسؤ من الفقر الاقتصادي اي المادي ، ومع غياب ثقافة احترام الرأي والرأي الاخر وانعدام ايجاد الارضية الصحيحة للوصول الى حل الاختلاف بالعقل الموضوعي والهادف ادى الى نشؤ ظاهرة اجتماعية خطيرة وهي " رأي هو الاهم ، والصوت العالي هو الوسيلة ، والتشهير هو الصح " هذه الظاهرة السلبية ادت الى هدم كل صرح في محاولات ايجاد اسباب تفكك المجتمع العراقي ومشاكله البنيوية وبناء مجتمع صالح ومتجدد .
لغاية اليوم ، وعلى مدى عقود متتالية لم يستطيع العقل العراقي إن كان حاكما او باحثا او عادي ان يتقبل فكرة الراي الاخر المغاير له . واسباب ذلك تنسب الى عدم نضج عقل الحاكم والمحكوم . وتغلب النزعة القبلية الفوقية والنزعة الموازية لها بالعاطفة وهي النزعة الدينية من غير "التدين". فتصبح ظواهر الانتهازية وازدواجية المعايير تتغلب على عقل الإنسان من اجل استمرار لقمة العيش والحصول على الامتيازات الشخصية . وهناك مايقارب %80 الى % 90 بالمئة من حاملي الشهادات العلمية ترفض الرأي الاخر وتعتقد ان المخالفة في الرأي أو السلوك هو للانتقاص من شخصه.
وهنا لايعطى منزلة للناقد العاقل الذي يرى مجتمعه من منظور علمي وتربوي في ان ياخذ مكانته في المجتمع بل يسخر منه فيعاقب بالتجاهل والسخرية والعزل الاجتماعي والنفسي او السجن السياسي من اجل دفعه للصمت والابتعاد رغما عنه وغلق باب النقد ، وهذا مايسمى بالاستبداد الفكري ويحدث كل يوم وعلى مختلف المستويات حتى داخل الاسرة الواحدة.
علما ان تطور النظريات النقدية العقلانية كانت ولاتزال الركيزة الجوهرية التى اعتمدت عليها المجتمعات بعد الحرب العالمية الثانية في تطور البنية التحتية والثقافة العقلانية فيما بعد.
ان فسح المجال للتعبير عن الراي والنقد الحر وبشكل مقنن وعقلاني انتج مجتمعات تربوية منتجة ادت في النهاية الى غياب العاطفة وإعلاء للاصوات . لذلك لا نشاهد او نرى هذه الصور من التجريح اوالسب وغيرها من الانفعالات في اي مكان الا قليلا وعند المجتمعات والناس الذين يفتقرون الى ثقافة العقل .
النقد والاعتراف بالخطأ والعمل على اصلاحه هو احد الضروريات الاجتماعية الحيوية في تطور المجتمعات . وهو من المقومات الجوهرية للبحث في تاريخ الصراعات والنزاعات المحلية والاقليمية والدولية لتجنب اخطاء الماضي منعا لتدهور المجتمع الى مصير مجهول تعاني منه الاجيال القادمة . مانشاهده في المجتمع العراقي من تدهور في كل الحقول السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغياب جوهر الديمقراطية االحقيقى اي النقد البناء وحقوق المواطنة ادى الى صعود تيارات العنف المتطرفة التي حصدت الاخضر واليابس معا.
النقد لايصبح نقدا اذا التجأ الناقد الى التشهير بالاخر ونشره في وسائل الاعلام او الاتصال الاجتماعي. هنا يفقد النقد جوهره وتصبح الشهادة العلمية التى يحملها لا معنى لها، ويتحول بين ليلة وضحاها الى عقل قبلي بدائي عاطفي لايريد شئ سوى النيل من الاخر ووضعه في زاوية الاتهامات والشك من اجل اسقاطه بنظر الاخرين . في هذا الحال فقد الناقد منزلته العلمية والادبية .
لن يحيا مجتمعا اذا لم تكن هناك مساحة من المناورة والنقاش الموضوعي.
هنا يجب وضع اساس في النقد العقلاني الذي يعتمد على المعرفة والحرية المصونة بقوانين عادلة التى تقتص من الذي يقوم بالتشهير والسب والقذف بعقوبات اما بالغرامة او بالسجن حسب درجة الاتهامات ونوعيتها ودرجة سؤها .وقتها لاتكون هناك مساحة للتاويل وندخل في متاهة " عداوة شخصية" او " مؤامرة " . وظيفة النقد هي في احتواء المشاكل ووضعها تحت المجهر من اجل اصلاح الخلل الاجتماعي او السياسي او الاقتصلدي ووضع الحل الانجع والمناسب لها.
اما اذا كانت الغاية من منع الافكار واغتيال عقل الأنسان هو الابقاء على الامتيازات الشخصية الفردية وابقاء المجتمع جاهلا ليصبح كهلا لايقوى على الدفاع او مقاومة اي اعتداء قريب او بعيد، هذا هو الغباء العقلي والفكري معا. فلن تكون هناك قائمة لذلك المجتمع في التطور والبناء لان الجاهل يولد جاهلا وتستمر دوامة اغتيال العقل منذ الطفولة ولا تتوقف على مستوى المجتمع ككل ويبقى المجتمع راكدا لا يتواصل مع سلم التطور والبناء.
تبنى النظريات النقدية الاصلاحية على أساس الاستمرار في بناء العقل والإنسان والمجتمع من اجل التطوير وتضع النظريات النقدية البسيطة في برامج التعليم المتعددة منذ سن الطفولة ومنها رياض الاطفال. وعلى سبيل المثال لو قام نزاع بين طفل وطفل آخر وبكاء واستخدام الايدي تستخدم المعلمة الواعية والحاصلة على تاهيل في كيفية التعامل مع الطفل هو التحدث مع الطفلين بشكل هادئ جدا لتطيب الخاطر أولا ومن ثم تسال الطفلين عن اسباب النزاع وتقنعهم باهمية التحدث مع بعض ولا تتركهم الى أن يستجيبا الى المصالحة ليضحك الجميع. .
هنا نرى أن ثقافة الام مهمة وضرورة في الصورة التى تتعامل بها مع اطفالها في فسح المجال للرأي والرأي الاخر فالتحدث مع الطفل واجابة اسئلته انجع وسيلة لانهاء اي خلاف بين الاطفال . أما الرجوع الى الوسائل القبلية التى لاتمت الى قواعد التربية الواعية كاستخدام وسائل الصراخ والعنف اللفظي والجسدي والتهديد والابتزاز واهانة آدميته فهي تقتل شخصية الطفل وتجعله كائن خائف ينمو بمشاكل نفسية تتطور مع تقدمه في العمر وهذا مانشاهده على شاشات التلفزة حين تكون هناك مناقشة بين شخصين ناضجين . يجب الاعتماد على قانون تربوي وتعليمي ونقدي بناء لفسح المجال للعقل في التحكم في سلوكية حياتنا .
الغاية هي التربية وليس زيادة في الإنجاب .
" إذا كنت تحب وطنك فاصلاحه بالنقد البناء وليس بالتشهير"
واخيرا وليس آخر كما جاء على لسان الاستاذ عزيز الكناي في تويتر :
" أول خطأ في حوار الأفكار أن تتجه بنقدك إلى الكاتب وليس الفكرة"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحة وقمر - قمر الطائي تجهز لنا أكلة أوزبكية المنتو الكذاب مع


.. غزة : هل تتوفر ضمانات الهدنة • فرانس 24 / FRANCE 24




.. انهيار جبلي في منطقة رامبان في إقليم كشمير بالهند #سوشال_سكا


.. الصين تصعّد.. ميزانية عسكرية خيالية بوجه أميركا| #التاسعة




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الدفاع المدني بغزة: أكثر من 10 آلا