الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بالميزان الإبستمولوجي (البون الشاسع بين العلم والدين)

جميل النجار
كاتب وباحث وشاعر

(Gamil Alnaggar)

2020 / 7 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يُقصد بـالإبستمولوجي Epistemology: نظرية المعرفة، وهي فرع من الفلسفة يدرس طبيعة المعرفة وأساسها ومداها، والمعرفة، علميةٍ كانت أو عقائدية؛ تتناولها النظرية بالتسائل عن مدى عقلانيّة الاعتقاد أو الإيمان، وهي المنطقة التي إذا حضرت؛ حضر معهاالجدل الواسع، والسفسطة التي لا تُفضي إلى شيء، ويتبارى المتشككون من كلا الجانبين بالشرح والتبرير؛ فاجتهد أصحاب العقائد عبثاً؛ في أن يشككوا في الحقائق العلمية المُثبتة؛ مُستندين في ذلك على اعتقاد المدرسة المثالية بأن الواقع المطلق يتألف من الأفكار، لا من الأشياء المادية. ولمَّا لم يُفلحوا؛ لنصوع الحقائق العلمية؛ راحوا يشككوا في جدوى نظريات بعينها، كالتي تبحث في الماضي عن النشأة والتطور؛ رغم الأدلة والبراهين التي لا زالت تتوالى أمام أعين كل عاقل؛ وراح أنصار العلم يقذفون أصحاب المعتقد بأسئلة بديهية ومشروعة؛ مثل: ماذايعني أن تقول: أنّني أعرف شيئاً ما؟ وكيف تعلم بأنك تعلم؛ وليس لديك أي برهان على ما تدعي بأنك تعلمه ؟ وماالذي يجعل كل المعتقدات التي برّرها أصحابها مُبرّرة من الأساس؟ ولا مُجيب! وينزع جوهرنظريّة المعرفة باتجاه أربع مناطق فكرية هي: التحليل الفلسفي لطبيعة المعرفة ومدى ارتباطها بمفاهيم مثل الحقيقة والمعتقد أولاً، ومناقشة مشاكل ومواضيع التّشكيك المختلقة على الجانبين ثانياً، ثم تتبُع ودراسة مصادر ومجالات المعرفة والمعتقدات المُبرّرة ثالثاً، وأخيراً، تقييم أحكام ومعاييرالمعرفة والرؤى المختلفة لتبريراتها. فمجرد اعتقاد الإنسان بشيء ما، ليس شرطاً لصحة اعتقاده؛ فكيف يكون المؤمن إذن؛ هو صاحب الحقيقة الوحيد؟ فالمعتقد الوحيد الذي يمكن أن يُبَررْ هو ذلك المعتقد الذي تم إثبات صحته والتحقق منه علميَّاً على أرض الواقع لا غير. وعند المقرانة بين العلم والدين سوف تتضح المفارقة والبون الشاسع بينهما.
فبالميزان المعرفي؛ العلم هو: معرفة مكتسبة قائمة على التجربة والأدلة والشواهد والبراهين، وباتباع منهجية التقصي المنطقي القابض على الحقيقة بقبضةِ اليقين. أما الدين: فهو مجرد معتقد ظني قائم على التصورات الخيالية والتخمينية غير العلمية، وهو أبعد ما يكون عن اليقين. والإيمان هو رأس الأمر وعاموده في الأديان، والإيمان بشيءٍ ما أو فكرةٍ ما أو بكيانٍ ما أو سلطةٍ ما أو زعيمٍ ما؛ ويُعبّرعن الثقة التامة بهذا الكيان، أو تلك السلطةٍ بعينها، أو ذلك الشخص دون غيره، ويعني التسليم المطلق والاستسلام الراضخ تماما لهذا الشيء أو تلك الفكرة، تسليمٌ؛ تنطفيء معه شعلة العقل أو تكاد، وتتأجج معه وبشكل متوازي العاطفة بكل جوارحها، وهو ذات التسليم الذي اشتق منه اسم ديننا الإسلام، والإيمان في الأديان، اعتقادٌ وجداني غيبيّ؛ تَجُرُّ فيه العاطفةُ العقلَ من ورائها، ويفرضُ مثل هذا الإيمان الأعمى؛ لخلوه من منطق التحقق العلمي، على المؤمن بأن يتقدم مُسبقا باستقالة عقله وهو صاغر. وهو من الناحية التاريخية، مبنيٌّ، في بداية الرحلة البشرية، على رمال الاحتمالات الخيالية اللانهائية، رمال نحتتها وأرسبتها المخاوف من كل مجهول، والجهل بمبدأ السببية أي عدم العلم بأن أي ظاهرة لها أسباب نشأتها ووجودها وعلل تطورها وفنائها، والعجز أمام غوائل الطبيعة، والمتتبع بالاستدلال والاستنتاج العلميين؛ يلحظ بأنه كلما تقلصت مساحة تلك العوامل (الجهل، الخوف، العجز) بالفتوحات العلمية المعجزة؛ ضاقت مساحة ذلك الإيمان.
أما العلم، فدعامته الأساسية وركيزته الأولى والأخيرة هي العقل وخبرة التجربة، ذلك العقل الذي توصل، رغم نسبيته هو الآخر، إلى حقائق علمية يقينية ملموسةٌ؛ تمَّ تطبيقها على أرض الواقع؛ والعقلُ، بأدوات البحث العلمي، لا يَجُرُّ العاطفةَ من وراءه فحسب، بل يحشرها، بموضوعيته المنهجية، في أضيق الحدود، وهوذا العقل دائم التشكك فيما توصل إليه من نتائج، وهو، على عكس الحواس والعواطف، الأقدر على العودة للتصويب عندما يُخطيء، تلك العواطف التي تُصَعِبُ، بشاعريتها، على المتعاطف العودة للتصويب؛ بل يمكن أن يحدث بها شـرخٌ، هو الأعمق في أثره على نفسية المؤمن أو المتعاطف؛ يحدث معه في الغالب أن ينكسر كلوحٍ من الزجاج؛ وهنا تكمن الاستحالة بعينها، والتي تتضح في خوفه وتردده ورفضه الدائم لمراجعة ما يؤمن به، تحت وطأة أي ظرفٍ مُقنع أو مُلِّح.
ودائما ماتجنح المنهجية العلمية في استدلالاتها؛ باتجاه رصد وتقييم النتائج بالبراهين، إنطلاقاً من الفرضية العلمية البديهية؛ القاضية بالحكم على المعطيات بالنتائج، خاصة في الدراسات المقارنة، إذاً سيكون الحكم هنا بما أفرزته كل ظاهرة من أوضـح النتائج (الظاهر منها للعيان). والظاهر - بالميزان الإبستمولوجي- من نتائج الأديان أنها، على مدار التاريخ وحتى الآن، نجحت، بتعصب كل فِرقة لمذهبها، في بث الفُرقة وتأصيل الكراهية بين البشر، بل والقتل باسم الجهاد المقدس، وليس هناك أبشع من القتل بمثل هذا المسوغ، أما ما حفظته لنا من قيمٍ ومُثل عُليا فقد توارى تماما تحت سنابك خيل الجهاد المقدس هذا، وهذا لا يُنكره إلا كل صاحب عقيدة متعصب لها، وجاهل بتاريخ الأديان،أو كل ضلالي مستفيد من الوقف والامتيازات الدينية.
أما الظاهر من نتائج العِلم، ويُقره كل عاقل، بناء المدن الحديثة كاملة المرافق والتجهيزات المنزلية المخملية والترفيهية الباعثة على الراحة والسعادة، ومَد الطرق الناعمة التي وفرت الوقت والإجهاد، والسكك الحديدية وشبكات المترو التي "حلحلت" الكثير من المشاكل المرورية وخفَّت من وطأة الزحام، والتقدم المذهل في وسائل المواصلات البرية والبحرية والجوية، وتشييد السدود والكباري (الجسور) وشق الترع والقنوات والأنفاق بتعقيداتها وروعتها التي تفوق أي إعجاز، وكذلك الحال في وسائل الاتصالات الذكية، والتطور المدهش في الأجهزة الطبية؛ التي ساعدت في زيادة متوسط أعمار البشر؛ بما أشاعته من وسائل الرعاية الصحية المتنوعة، وتطوير وسائل التعلم بالمدارس والجامعات وتجهيزها بالحواسيب وأحدث المعامل البحثية، التي تعمل- في الغرب "الكافر"- كخلايا النحل على مدار الأربع والعشرين ساعة من أجل خير الإنسانية جمعاء (ولا فرق هنا بين مؤمن وكافر !) وكذلك أحدث الأدوات العلمية الخاصة بالدراسات الميدانية في كافة التخصصات ذات الصلة، وأدى البحث العلمي في مجال الزراعة إلى إحداث ثورات علمية، منها على سبيل المثال، في مجال الهندسة الوراثية؛ التي ساعدت بشكل عملي وملحوظ، على استنباط مئات السلالات المحصولية الجديدة وزيادة الثروة الحيوانية، كما ونوعا؛ الأمر الذي جنَّبَ البشرية المجاعات المُحققة؛ وما يتبعها من عمليات النزوح القسري والهجرة الحتمية التي يمكن أن تساهم في نشوب الحروبٍ السياسية والاقتصادية وغيرها الكثير من الأهوال، وهذا مثال واحد فقط من آلاف الأمثلة التقدّميّة في مجال الزراعة والرعي والثروة الحيوانية والسمكية.
ولو أجرينا مقارنة بسيطة بين مشروعين عملاقين، في مجال الهندسة المدنية فقط، بدولة كمصر،مثل: شق قناة السويس، الذي استغرق 10 عشر سنوات (1859- 1869) وساهم في عملية الحفر ما يقرب من مليون عامل مصري، مات منهم أكثرمن 120 ألفا أثناء عملية الحفر؛ نتيجة غياب العلم بوسائل الراحة من معدات وأجهزة وجوانب إنسانية أخرى؛ كانت كفيلة بالحد من وقوع ما حدث من هدرٍ للوقت والجهد والجوع والعطش والأوبئة والمعاملة السيئة... الخ، وتنفيذ محور" روض الفرج" الذي تم إنجازه فى 32 شهراً فقط بعدد 4000 عامل ومهندس فقط. ودخوله موسوعة جينيس للأرقام القياسية؛ لأدركنا الفوارق؛ وهي هنا سببها العلم ومعجزاته لا الأدعية وبركاتها.
أما في مجال الصناعة بروبوتاتها الذكيّة؛ فَحدِّث ولا حرج، يحتاج عرض منجزاتها، التي طالت كافة مناحي الحياة، إلى عدة مجلدات، وكذلك في مجال تطوير الاقتصاد بقطاعاته المختلفة وأجهزته المصرفية وقوانينه المنظمة للتجارة الدولية ومعها القانون الدولي المنظم للعلاقات الإنسانية، ومثلها التعدين والسياحة... الخ، وصولا إلى غزو الفضاء، لأهداف نبيلة في أغلبها، ويأتي على رأسها خدمة أغراض البحث العلمي والاتصالات ومراقبة المخاطر البيئية والبحث عن كواكب أرضية أخرى خارج نظامنا الشمسي؛ هرباً بالجنس البشري من مصيرٍ أرضيٍّ محتوم؛ لتجنب بطش قوانين الطبيعة بآليتها التطورية القاضية بحدوث عمليات انقراض حدثت لكثير من فصائل الكائنات الحية ولسنا بمنأى عنها، والوجه السيء، نسبياً، للعلم؛ يتمثل في تطوير الأسلحة الفتاكة؛ وإن استمدت شرعيتها من حق الدفاع عن النفس؛ خاصة وأن العالم لا زال وسيظل ينطوي على معتقدات شريرة وعدوانية.
ولو كانت قد توقفت حياة البشرية على الأديانوتجارها من دون العلم، الذي يُناهضونه ويشككون دائماً في نتائجه وحقائقه الملموسة؛ لكانت الغالبية العظمى منا الآن تعمل بالأعمال الشاقة التي تقسِم الظَهر؛ تحت لهيب شمس حارقة يلفح الوجوه في العروض المدارية، وصقيع يفتت العظام في العروض العليا، ولكانت أرقى وسيلة مواصلات لنا هي الآتان أو البغلة التي تسير بنا الهُوَيْنَى وتسري بالبعض منا وتعرج، ووسيلتنا في الاتصال رسول بحصانه يطويانهما الزمكان قبل أن يفلحا في إيصال الرسالة وتقع الواقعة، وتواصلنا بالمنادي والحمام الزاجل، ولازداد التمييز وترسخت العبودية أكثر فأكثر (الحر بالحر والعبد بالعبد) ولصارت حياتنا قصاص في قصاص؛ وانتشرت المجاعات وتفشت الأمراض والأوبئة، بدءً من الجرب واليرقان حتى الكوليرا والطاعون الأسود... الخ، ولم ولن تُفلح في علاجها الأدعية، ولنَشَبَت الحروب الطائفية والدينية باسم الجهاد المقدس وتوسعت رقعتها كالتي كانت تتصدر المشهد في العصور الوسطى (العصر الذهبي للأديان)؛ ولاستشرت الجرزان والحشرات كالصراصير والنمل والطفيليات كالبق والقمل والبراغيث؛ كل هذه البلاءات واقانا من شرورها العلم (الجليل)؛ فماذا لو نجحت الآلهة في تقدير فناء العِلم أو إعاقة مسيرته؛ نزولا على رغبة عبادها ورعاة الوقف وصناديق التبرعات والصدقات والنذور؟!
هذه المقارنة العلمية الموضوعية المختصرة تمخضت عن ظهور كفتين، الأولى: تدينُ للبشرية بالخراب والتدمير، والثانية: تدينُ لها البشرية بالبناء والتعمير؛ بمعنى أوجز، تدين الأديان للبشرية بالكثير، بينما تدين البشرية – بما فيهم رجال الدين- للعلم بالكثير والكثير.ويتضح لنا من العرض السابق بأنهما على طرفي نقيض؛ وما يؤكد ذلك- بجانب الفوارق فيبعض المفاهيم والأساليب والغايات الموضحة عاليه- تلك العلاقة التاريخية سيئة السمعة بين طرفي المقارنة، خاصة من جانب رجال الدين الذين لطالما احتشدوا بشماتةٍ عند كل مطب علمي عجز العلم عن تخطيه، أو تأخرت كشوفه عن كشف أي مستور من ظواهر الطبيعة، وإذا أرادت الإنسانية إحقاق الحق؛ لأجبرت المسيئين من رجال الدين على التوقف عن الادعاء الأفَّاق بحب العلم والحض عليه. فلا علم لديهم سوى ما اصطلحوا علي نعته بالعلم من معارفهم الميتافيزيقية التي لا تمت للعلم الحقيقي بأي صلة. وإجبارالمسيئون منهم للعلم والعلماء، وما أكثرهم في هذه المنطقة التي بُلينا بها على ألا يعيشون معنا في المدن العصرية، فمكانهم الطبيعي الكهوف والخيام، وحرمانهم من التعامل مع أي وسائل اتصالات ومواصلات حديثة؛ لأنهم يستغلونها في سرعة تنفيذ عملياتهم الإرهابية والتخريبية، وعلى من يشعر منهم بأنه ينتمي بنفسيةٍ سوية وفكر مستنير إلى المجتمعات الإنسانية؛ أن يترك وظيفته اللاهوتية المشينة ويسهر على خدمة العلم والعلماء والعناية بالمختبرات العلمية والدأب على رعاية فئران التجارب وتنظيف الأدوات والأجهزة العلمية... الخ. وإذا أراد غير المسيئين منهم التكفير عن ذنوبهم في حق العلم وسوء طواياهم تجاه العلماء؛ فعليهم أن يهبوا من أنفسهم خدما للإنسانية والعلم.
وخلاصة القول: لا داعي للخلط السَمِج والتَمسُح المثيرين للشفقة والاشمئزاز بين ظاهرة تقبع في أواسط الشرق الأدنى، واسموها: "الدين". وأخرى تعمل وتكِد في أقصى الشرق من الأعاجم والغرب "الكافر"، تسمى: "العِلم". فالبون الابستمولوجي شاسع بين العلم والدين حتى وأنه قد وضعهما على طرفي نقيض وبزاوية تُقدر بمائة وثمانون درجة بالتمام والكمال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العلم حقيقة والاديان وراثة بدون دليل.
سمير آل طوق البحراني ( 2020 / 7 / 29 - 12:22 )
الاعتقاد في الاديان هو ايمان بلا دليل والدليل الذي يستند عليه المؤمن هو التصديق بان من اتى به هو رسول من عند الله وكفى. لو فرضنا جدلا ان من صدق دين الاسلام عند بدءه ربما عاين ما يقنعه من دلائل حسية ولكن انا ابن القرن العشرين ـ ورثت ديني عن ابي ـ فما هو الدليل المقنع الذي يلزمني بكل ما لقنت به؟؟. هل القرآن في نسخته الحاليه ـ وهي نسخة الخليفة عثمان ـ الذي احرق كل النسخ وكان عاقبة امره هو القتل وكتب الحديث التي دونت بعد رحيل صاحب الدعوة بمئتين سنة من قبل تحزبات كل يكذب صاحبه هي حجة علي؟؟. اما الاحتجاج بالتواتر فكل الاديان جىءت بالتواتر فهل تواترنا هو الصحيح وتواتر غيرنا هو الخطا؟؟. اين المعجزة الباقية التي تبرهن ان ما وصلنا هو كلام موحى مع اختراع علم الرجال الذي هو تدليس وليس بعلم بشهادة القرآن نفسه. فاذا كان الموحى اليه لا يعرف المنافقين الذي يصلون معه في الصفوف الامامية فكيف يعرف علماء الحديث الصادق من الكاذب؟؟. هناك كثير من الاحكام الغير منطيقة يصححها علماء الرجال فهل انا ملزم بتصديقها؟؟.يجب الاعتراف بان ايماننا مبني على التلقين الذي اصبح جزء من الباطن الصعب التجرد منه.

اخر الافلام

.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر


.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو




.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر