الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركة الإخوان المسلمين.. بدأت مع الله وانتهت بالإنقلاب عليه

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2020 / 8 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حركة الإخوان المسلمين .. بدأت مع الله وانتهت بالإنقلاب عليه
لطالما تم اعتبار التيارات والمؤسسات الدينية، بعد انتشار الأديان وتواجدها، وعبر تاريخها الاجتماعي والسياسي، بأنها الممثل الشرعي للآلهة، والوصي الفقهي والتراثي للأديان، وأن رجال الدين والفقهاء، بمثابة المفتاح المقدس لتنفيذ تعاليم الرب وتطلعاته والحفاظ على شرائعه وقوانينه من العبث والتحريف والتأويل المخالف لأهواء وأمزجة وأهداف أوصياء الله وسدنته المعصومين.
هذه المكانة، وتلك الحظوة، وهذا التقديس والتبجيل والتفخيم للتيارات الدينية، لم يأتي عبثا، ولا صكا إلهيا نزل من السماء، ولا يعتبر من بقايا وصايا الرسل والأنبياء للمؤمنين والتابعين، وليس بالتأكيد نتاج انتخابات ديمقراطية حرة نزيهة. بل جاء كما يقال بغفلة من الزمن، منذ أن تم اعتبار النصوص الدينية المقدسة مبهمة وعصية عن الشرح للعامة، وأن عقل الإنسان عاجز وقاصر عن الفهم والإدراك، وأن أسرار النص المقدس يمتلكها مجموعة من الأفراد الضالعين في الحفظ والتفسير والقياس والتأويل والدروشة، وأن بالتالي، تنتقل قداسة النص الديني بالضرورة، من النص الديني نفسه الي هؤلاء الأفراد السحرة والمنجمين في مقاصد الآلهة ونواياهم، فتصبح كلماتهم وفتاويهم وأقاويلهم وملابسهم وأخلاقهم وحتى أحلامهم، هي الإرادة المعبرة عن الإرادة الإلهية المطلقة. وبهذا سقط الإنسان، وخصوصا العربي المسلم، في فخ الأدلجة الدينية، والتماهي مع التيارات الدينية، باعتبارها النسخة الأخيرة لسيرة الأنبياء والأولياء الصالحين، وأن رجال الدين والفقهاء بمثابة المستقبل الديني للأمة، والخلاص التاريخي من الظلم والفقر والفساد والتخلف، وأن السلف الصالح القديم، ماهم الا المهدي المنتظر لعصر اليوم الذين ظلوا يتناسخون ويتكاثرون عبر القرون ومنذ التاريخ، وكل ما على الشعوب أن تفعله لضمان نجاتهم وخلاصهم، هو في السمع والطاعة وتقبيل الأيادي والأقدام وربما المؤخرات أحيانا، وتقديم القرابين والأموال والنساء لرجال الدين للحصول على الرضا والبركة ومفاتيح الجنان من العاطي المنان.
في مجتمعاتنا العربية، لم يفهم هذا الفلم الهولويودي المشابه للأفلام البولويودية، ولم يتماهى مع الدين بشكل كامل محكم الإغلاق وسري للغاية، سوى جماعة الإخوان المسلمين. تلك الجماعة التي كثر الحديث عنها، ووصلت أفعالها وفتاويها وعنفها وارهابها الي أقاصي الأرض وأطرافها. ذلك التيار الاسلامي الذي بدأ مع الله وانتهى بالإنقلاب عليه وتأسيس حكم المرشد ذو الحكم الإلهي المطلق. تلك الجماعة التي استطاعت خداع الشعوب والأنظمة العربية وحتى رجال الدين من المذاهب المختلفة، خدعتهم عبر الاعلام الحديث واللحى القصيرة والبدلات الافرنجية وخلافة اردوغان، خدعتهم بمعسول فقه التسامح والتعايش، وبحبحة التراث بالاجتهاد والعقلانية، وحب الاختلاف والكفار والملحدين والمثليين كما قال الشيخ محمد العوضي، والايمان بالديمقراطية وحكم الشعب. بينما في السر، وفي عقول اتباعهم ومريديهم وتلامذتهم، نشر أدب الإخوان المسلمين تعاليم قطب والمودودي وعزام وفتاوي داعش. نشر ودعم ثنائيات الكفر والايمان، وشروط الولاء والبراء، وحتمية الحلال والحرام، وتعاهد المؤمنين التقاة في الغرف السرية والمفاوضات العصية والاتفاقيات السياسية مع الشيطان واسرائيل والولايات المتحدة الامريكية، لتقسيم الغنائم وخلق الربيع العربي وإعادة الخلافة الاسلامية بعد اسقاط الأنظمة العربية العميلة المستبدة الظالمة الطاغية.
هنا نحن لا نتبلي على الإخوان المسلمين، أو نتجاوز حديثنا الي الخيال أو الإنتقام أو الكراهية، فمن يكتب خيالا هو الشاعر والأديب والفنان، ومن يريد الإنتقام هو النفس المريضة والذات التي تمارس العنف والأذى والكراهية. بينما هنا، وما يجود به قلمنا، هو الكتابة عما جاء في تاريخهم، وما مارسوه فعلا خلال مسيرتهم الاسلامية، وما تعايشنا معه في وجودهم في مجتمعاتنا من تحالفات مع الأنظمة المستبدة ضد الشعوب، وآخرها ما أظهرته تسجيلات خيمة القذافي من خيانات وطنية للإنقلاب على بعض الأنظمة الخليجية والعربية، وما رأيناه من إصرار عجيب في أسلمة المجتمعات وقمع الحريات وتدمير مؤسسات المجتمع المدني والحض على سجن وقتل كل رأي مخالف لهم. فأول ما لفت انتباهي في هياكلهم السياسية السرية هو ما يعرف بالنظام الخاص بجماعة الإخوان المسلمين أو التنظيم الخاص أو التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين، وهو نظام عسكري أسسته الجماعة في عام 1940 وهدفه بحسب محمد مهدي عاكف "اعداد نخبة منتقاة من الإخوان المسلمين للقيام بمهمات خاصة، والتدريب على العمليات العسكرية ضد العدو الخارجي ومحو الأمية العسكرية للشعب المصري في ذلك الوقت، حيث كان كل فرد يمكنه دفع عشرين جنيها ليستطيع التخلص من الخدمة العسكرية. ويتكلم محمود عبدالحليم في كتابه الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ " قام النظام الخاص للإخوان المسلمين من أجل محاربة المحتل الانجليزي داخل القطر المصري، والتصدي للمخطط الصهيوني اليهودي لاحتلال فلسطين". وكان من أشهر اعضاء التنظيم الخاص "جمال عبدالناصر وخالد محي الدين العضوين في مجلس قيادة الثورة، وفق شهادة خالد محي الدين نفسه، وقد انضما الي النظام الخاص عام 1943 وفق رواية أحمد رائف".
كما يروي محمود الصباغ في كتابه حقيقة النظام الخاص "كان أول ما يختبر به العضو الجديد عندما يعلن رغبته في الجهاد في سبيل الله أن يكلف بشراء مسدس على نفقته الخاصة، والذي لم يكن يزد ثمنه في هذا الوقت عن ثلاثة جنيهات. ولم يكن الإنضمام للنظام الخاص للإخوان المسلمين بالأمر اليسير، فالشخص المرشح يمر بسبع جلسات بمعرفة المكون، وهو الشخص الذي يقوم بتكوين أعضاء التظام، وتبدأ الجلسات بالتعارف الكامل على المرشح، ثم بدأ جلسات روحية تشمل الصلاة والتهجد وقراءة القرآن، ثم جلسة للقيام بمهمة خطرة، وتكون بمثابة الاختبار، حيث يطلب من الشخص كتابة وصيته قبلها، ويستتبع ذلك مراقبة هذا المرشح وسلوكه ومدى نجاحه في المهمة التي كلف بها، الي أن يتدخل الشخص المكون في آخر لحظة ويمنع الشخص المرشح من القيام بالمهمة، ويستتبع ذلك جلسة البيعة التي كانت تتم في منزل بحي الصليبة بجوار سبيل أم عباس، حيث يدعى المرشح للبيعة والشخص المسؤول عن تكوينه، بالإضافة للسندي زعيم النظام الخاص، حيث يدخل الثلاثة لغرفة البيعة التي تكون مطفأة الأنوار، ثم يجلسون على فرش على الأرض في مواجهة شخص مغطي جسده تماما، من قمة رأسه الي قدميه برداء أبيض يخرج يداه ممتدتان على منضدة منخفضة "طبلية" عليها مصحف شريف، ويبدأ هذا الشخص المغطى بتكير المرشح بآيات القتال وظروف سرية هذا الجيش ويؤكد عليه بأن هذه البيعة تصبح ملزمة والتي تؤدي خيانتها، إخلاء سبيله من الجماعة، ثم يخرج هذا الشخص مسدسا من جيبه ويطلب من المرشح تحسس المصحف والمسدس والقسم بالبيعة. وبعدها يصبح المرشح عضوا في "الجيش الاسلامي". ويضيف محمود الصباغ في كتابه "انه عندما ترقى للقيادة في هذا التنظيم اكتشف أن الشخص المغطى كان هو صالح عشماوي وكيل الجماعة الذي كان يأخذ البيعة عن المرشد، وبعد البيعة يمر عضو النظام الجديد بأربع مراحل تستغرق كل واحدة 15 اسبوعا يتلقى فيه برنامجا قاسيا في التربية العسكرية والجهادية، اضافة الي الجانب التعبدي والروحاني".
إذن لا يمكننا أن نشكك بعد ما نقلناه من بعض كتب الإخوان والمنشقين عنهم، بنواياهم الشريرة، وطرائقهم السرية في اختيار السذج والمغفلين، لاستخدامهم كأحزمة ناسفة وقنابل بشرية جاهزة للتدمير والتخريب، فكل ما عليهم أن يفعلوه من أجل الوصول الي السلطة، ومن أجل ترهيب الخصوم والدول والمجتمعات، هو حشو عقل المريد بالدين السياسي، وحشو جسده بالمتفجرات. ومن يلاحظ كيفية عمل الاختبار والبيعة، يرى التشابه الكبير بين الإخوان المسلمين والتنظيم الماسوني العالمي، الا أن الماسونية لا تهدف الي القتل والتدمير باسم الاديان والتعاليم الربانية، وسيكون لي مقال آخر مفصل يوضح حجم الاختلافات الكبيرة بين الإخوان المسلمين والماسونية العالمية.
حسن البنا الساعاتي، مؤسس الإخوان المسلمين في العام 1928. استطاع بعد اغتياله من تحقيق أهدافه التوسعية ونبوءته المستقبلية، بإعادة الخلافة الاسلامية الي حكم مصر، وكان ذلك بعد الاطاحة بحكم مبارك، وبعد أن خدع الإخوان المسلمين الشعب المصري بأنهم يدعمون الديمقراطية وحرياتها، إلا ان التاريخ السري للإخوان المسلمين يكشف عن ان أحد اهداف الجماعة، يتمثل في اقامة دولة تحكمها الشريعة الاسلامية. فكان أن انقلب محمد مرسي على الدستور المصري بعد انتخابات موجهة دينيا، من خلال الإعلان الدستوري الشهير الذي أعطى الصلاحيات الكاملة بيد الرئيس والمرشد الديني للجماعة، مما سبب قيام الاحتجاجات الشعبية الكبيرة ضد هذا الاعلان ومحاولة أسلمة الجمهورية المصرية، فتم خلع مرسي ومحاكمته على عدة قضايا.
ولم تفلح جماعة الإخوان المسلمين، بعد اسقاط حكم مرسي، من اعادة قوتها السياسية الي الشارع العربي، وخصوصا بعد توجهات السعودية في اجتثاث الفكر الاخواني. وانكشاف سوءاتهم في مصر. ورغم قوة حضورهم الاجتماعي والديني والمالي، بسبب الموارد المالية من دول الخليج العربي، وتحديدا الكويت، التي تعتبر من أقوى الحصون الاخوانية في المنطقة العربية، نظرا لما تواجهه الكويت من اختراقات سياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وقوتهم في مفاصل الدولة وتوجيه الرأي العام وجمع التبرعات بدون محاسبة. إلا أن جماعة الاخوان المسلمين اليوم، وجدت الكثير من المغفلين الذين يدافعون عنها بأشكال مريبة تجعل من دفاعهم عنها عملا عدائيا ضد الشعوب العربية، وهو بمثابة الاستعانة بالأعداء لمواجهة ازمات الداخل. وما التسريبات الاخيرة لخيمة القذافي، وتصنيف الإخوان المسلمين بأنهم جماعة ارهابية، واستغلال الثورات العربية دينيا، الا الدليل الحاسم لوعي المؤسسات والدول المدنية لمدى خطورة تلك الجماعة في تخريب السلام والاستقرار الوطني العربي. فالدفاع عن الدول العربية، لا يكون عبر السياسات المتلونة أو العمل السري أو تشويه القيم الحداثية، بل يكون بالعمل السياسي السلمي، والديمقراطية الليبرالية، والايمان بالحريات والمواطنة والعلمانية، التي هي أساس الدول المتحضرة والدستور الحديث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حكومة السراج إخوان
طاهر المصرى ( 2020 / 8 / 1 - 17:44 )
الاستاذ/ عبد العزيز القناعى
سلام وتحية,
كلامك واضح ويتفق مع حركة الأحداث التى أغتال فيه تنظيم الإخوان المسلمين حركات الشباب الثورية وأستولوا عليها، وما يحدث فى ليبيا من سيطرة تنظيم الإخوان على حكومة السراج وتحالفهم مع أردوغان ثعبان بنى عثمان الذى يحلم بالسيطرة على مصر وبقية الدول العربية ليحكمها بأسم الخلافة.
نعم كلنا ننتظر التقلبات السياسية الدولية التى تتحالف مع الإخوان وأردوغان، ليتم القضاء على أحلامهم بالحكم والخلافة الجاهلية، أن تستعيد الشعوب العربية بلادها وتحكم نفسها بأبناءها بعيداً عن الأحلام الدينية لأخوان الشيطان الإرهابية.
شكراً


2 - طاهر المصري
عبدالعزيز القناعي ( 2020 / 8 / 1 - 19:45 )
شكرا لك عزيزي على قراءة المقال.. نعم لاشك أن الإخوان المسلمين جماعة ساهمت في تدمير الوطن العربي وتشويه العديد من القيم والأفكار والمنجزات الحداثية. وساهم اردوغان في إعادة صور الإستعمار العثماني عبر تدخلاته في العديد من مجتمعاتنا. لكننا نأمل وبعد اعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة ارهابية أن يزداد الوعي بخطورتهم وأن تفهم الشعوب العربية مدى حاجتها إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات والمساواة والمواطنة أكثر من حاجتها إلى دولة الخلافة العثمانية.
تحياتي لك


3 - بل هكذا فعل المدعو أشرف الخلق
صلاح الدين محسن ( 2020 / 8 / 1 - 20:19 )
الاخوان ساروا علي خطوات محمد وقرآنه وشريعته . وتعلموا منه . فقد كان له تكتيك مؤقت - آيات وديعة مسالمة , تتعايش مع الجميع - ثم انقلب علي الوجه الآخر .. عندما قويت شوكته , وصارت له عصابة يعتمد عليها . فكان العنف والارهاب استراتيجية ( شريفة ! ) وتغيرت الآيات الوديعة للعكس . هكذا كان محمد .. وهكذا اتبعته جماعة الاخوان
تحية وسلام


4 - صلاح الدين محسن
عبدالعزيز القناعي ( 2020 / 8 / 2 - 08:12 )
شكرا لك عزيزي على قراءة المقال.. نعم لكل عقيدة مؤسس واتباع يعملون من أجل السلطة والغنائم والنفوذ. وتكون الأمور أسوأ عندما تستمر تلك العقيدة في قهر الاتباع بالقوة والقهر والسيف والخوف.
تحياتي لك


5 - السيد الكاتب
على سالم ( 2020 / 8 / 3 - 04:36 )
شكرا للاستاذ عبد العزيز القناعى لكتابته هذا المقال الهام , اشكاليه العرب ومحنتهم انهم لايعرفوا ان السبب الاول فى تخلفهم الحضارى والتعليمى والاجتماعى والثقافى والفكرى هو عقيده الاسلام البدوى نفسه وهذا شئ محزن بدون شك


6 - علي سالم
عبدالعزيز القناعي ( 2020 / 8 / 5 - 18:32 )
تحياتي لك عزيزي
لهذا نقول ان الحل الوحيد للعرب والمسلمين لتجاوز تخلفهم وانحطاطهم هو في العلمانية وفصل الدين عن الدولة وتبني مشاريع الحداثة والتنوير والحريات. يكفينا تجارب فاشلة لاستنساخ التاريخ الإسلامي.
تحياتي لك وشكرا على المشاركة