الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يتكلّم بإسم هذه المدينة؟

خليل عيسى

2020 / 8 / 3
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


عندما سيطرت حركة "التوحيد الاسلامي" على مدينة طرابلس في ثمانينيات القرن الماضي كان هؤلاء عبارة عن ثلاث مئة شخص. يتساءل المرء اليوم كيف حدث وترك اهل المدينة بضعة مئات من الاشخاص يسيطرون عليها مع كلّ ما جرّ ذلك من ويلات. بعد ليلة الموتوسيكلات الطويلة في طرابلس حين قام عشرات من الشبان بتحطيم املاك خاصة من مقاهٍ وأفرانٍ باتت تلوح في الافق هكذا تساؤلات مصيرية لتَحْدُس بأن المجتمع الطرابلسي قد يكون رخوا بشكل كارثي مجددا.
صحيح أنّ بعض المنتفضين من اصحاب الامتيازات الطبقية دافع عن هكذا زعرنات باعتبارهم "فقراء يتم استغلالهم" فنسوا أنّ هذه المحلات والمقاهي تشغّل عمّالا، وأنّه اذا ما أقفلت هذه فإنّ قسما من العمال قد يصبح يدا للايجارعند الاجهزة الامنية وشبيحة السلطة. وأنّ هذا ايضا اسمه إستغلال. لكن هذه المواقف على العموم بقيت معزولة في وسط الجمهور الطرابلسي القريب من منتفضي 17 تشرين.
يحدث كذلك أنّ طرابلس كمدينة ذات الاكثريّة "السنيّة" مهدّدة اليوم بالمجاعة وبسيطرة العصابات عليها بشكل حقيقي في ظلّ ارتفاع الاسعار السريع جدا وانخفاض قيمة العملة وفقدان المحروقات وانقطاع الكهرباء والادوية. هذه مدينة لا تمسك بها الأحزاب "السنيّة" من السلطة لكي تنظّم شؤونها ولو بالحدّ الادنى كما يفعل "الثنائي الشيعي" في الجنوب والضاحية وبعلبك وكما تفعل أحزاب القوات والتيار الحرّ "المسيحيين" في جبل لبنان وكسروان. إنّ هكذا منظور جغرافي-تاريخي سياسي للمدينة يضع منتفضي 17 تشرين الطربلسيين أمام معضلة أساسية: هل هم ذاتٌ ثوريةٌ تمثل المجتمع فتتجرّأ على التضحية من أجله لترفع مطالبا سياسية وليس مجرّد اقتصادية فتبدأ بتنظيم شؤون أهل المدينة أم هي ستكون رخوة أمام ألعاب السلطة وزعرانها لبسط أيديهم عليها؟ٌ
عندما لم يقبل سكان بعض الاحياء الطرابلسية أن يكونوا مفعولا بهم فقط نزلوا ليتصدوا لهؤلاء بشكل متكرّر كما حدث في الميناء. حدث ذلك بينما الاجهزة الامنية مختفية تماما حيث بدا أنّ هدف "الصمت الامني" المريب هذا هو تثبيت مشاعر الاستسلام والخنوع في وقت "لم يعد فيه هناك غيرة". يأتي ولد عمره اثني عشرة سنة ليقطع شريانا حيويا في المدينة كشارع عزمي فلا يتصدّى له احد من أهل الحيّ! رجال بشوارب يكادوا يستسلمون للزعران. يتّسق كلّ ذلك مع سلطة هدفها كان وما زال هو إماتة روح أهل المدينة المنتفضة. إنّ نظرة سريعة اليوم على راهن الحركة الاحتجاجية في طرابلس يجعلنا نقسّمها الى قسمين: مجموعات من فقراء المدينة العاطلين عن العمل يقودها "نجوم" غامضون يحوم حولها الشائعات الملتبسة مثل ربيع الزين على سبيل المثال لا الحصر الذي تمّ اطلاق سراحه مؤخّرا، وبين وقفات احتجاجية لمجموعات يتيمة من أفراد الطبقات الوسطى لا تمتلك أيّ خطّة سياسية بالمعنى الحقيقي للكلمة. انتهت الانتفاضة اليوم في طرابلس بين مطرقة "الدراجة النارية" وسندان "النقّ".
لكن ماذا عن "زعماء" المدينة؟ في حين أنّه ليس من مصلحة هؤلاء الزعماء التي انتفض الطرابلسيون ضدّهم أن يقفوا ضدّ نوايا قد تضمرها سلطة مركزية يتحكّم بها "حزب الله"، الا أنّ هؤلاء الزعماء في الوقت عينه فقدوا ايّ احترام لهم من قبل عموم الطرابلسيين. أكثريتهم فقد حتى جرأة الاعتراض ولو بالكلام على يحصل للمدينة في حين أنّهم ليسوا في نقص من الاتباع. ربما يرى بعض هؤلاء فائدة لهم في "تأديب" المدينة التي تجرّأت عليهم. كلّ جلبة الشائعات والزعرنات هذه تحدث بينما حركة المنتفضين اليومية باتت شبه معدومة بين غلاء الاسعار والقبضة الامنية التي تشتدّ.
إنّ كلّ ذلك ليطرح سؤالا مركزيا على الطرابلسيين هذه الايام: من الذي يحقّ له أن يتكلّم باسم المدينة؟ التجّار يقفون على شفير الافلاس. النخب المثقفة وأصحاب المهن الحرّة بعيدون عن أي تأثير حقيقي على الاحداث. قلّة قليلة من فقهاء المدينة تجرّأ أن يتصدى لما يحدث ولو بخطبة جمعة. ما يسمى بالاحزاب في طرابلس ليسوا اكثر من هياكل ورقية. بقي المنتفضون. لكنّ ما حدث يشي بأنّ مراجعة نقدية هي أمر ضروري اذا اراد المنتفضون أن يتكلّموا باسم هذه المدينة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب


.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا




.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في


.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة




.. الشرطة الفرنسية تطلق غازاً مسيلاً للدموع على متظاهرين متضامن