الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خاطرة في الفرح

رواء محمود حسين

2020 / 8 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ويبدو أن معرفة النفس تؤدي إلى معرفة الله وهو ما يؤدي إلى الحصول على الفرح أو السعادة.
وقد بين ذلك الغزالي في كتابه: " كيمياء السعادة ". فقد بدأ كتابه بفصل في معرفة النفس. فالواجب عليك أن تعرف نفسك بالحقيقة؛ حتى تدرك أي شيء أنت، ومن أين جئت إلى هذا المكان، ولأي شيء خلقت، وبأي شيء سعادتك، وبأي شيء شقاؤك. وذكر اعلم أن مفتاح معرفة الله تعالى هو معرفة النفس، وليس شيء أقرب إليك من نفسك، فإذا لم تعرف نفسك، فكيف تعرف ربك؟ فإن قلت: إني أعرف نفسي! فإنما تعرف الجسم الظاهر، الذي هو اليد والرجل والرأس والجثة، ولا تعرف ما في باطنك من الأمر الذي به إذا غضبت طلبت الخصومة، وإذا اشتهيت طلبت النكاح، وإذا جعت طلبت الأكل، وإذا عطشت طلبت الشرب. والدواب تشاركك في هذه الأمور (ينظر: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (المتوفى: 505هـ): "كيمياء السعادة"، والكتاب هو: مقتطفات مترجمة عن الأصل الفارسي، والأصل: كتاب اسمه كميائي سعادات في مجلدين كبار وهو ترجمة تقريبا لكتابه الإحياء مع تغير بسيط، ص 124).
فاجتهد أيها الإنسان في معرفة أصلك؛ حتى تعرف الطريق إلى الحضرة الإلهية، وتبلغ إلى مشاهدة الجلال والجمال، وتخلص نفسك من قيد الشهوة والغضب، وتعلم أن هذه الصفات لأي شيء ركبت فيك؛ فما خلقها الله تعالى لتكون أسيرها، ولكن خلقها حتى تكون أسرك، وتسخرها للسفر الذي قدامك، وتجعل إحداها مركبك، والأخرى سلاحك؛ حتى تصيد بها سعادتك. فإذا بلغت غرضك فقاوم بها تحت قدميك، وارجع إلى مكان سعادتك. وقد جمعت في باطنك أيها الإنسان، صفات: منها صفات البهائم، ومنها صفات السباع، ومنها صفات الشياطين، ومنها صفات الملائكة، فالروح حقيقة جوهرك وغيرها غريب منك، وعارية عندك. فالواجب عليك أن تعرف هذا، وتعرف أن لكل واحد من هؤلاء غذاء وسعادة. فإن سعادة البهائم في الأكل، والشرب، والنوم، والنكاح، فإن كنت منهم فاجتهد في أعمال الجوف والفرج. وسعادة السباع في الضرب، والفتك. وسعادة الشياطين في المكر، والشر، والحيل. فإن كنت منهم فاشتغل باشتغالهم. وسعادة الملائكة في مشاهدة جمال الحضرة الربوبية، وليس للغضب والشهوة إليهم طريق. فإن كنت من جوهر الملائكة، وذلك المكان قرار خواص الحضرة الإلهية، وقرار العوام درجات الجنة. فتحتاج إلى معرفة هذه المعاني؛ حتى تعرف من نفسك شيئاً قليلاً؛ فكل من لم يعرف هذه المعاني فنصيبه من القشور؛ لأن الحق يكون عنه محجوباً (ينظر: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي: "كيمياء السعادة"، ص 124 – 125).
وجواباً لسؤال: كيف تعرف نفسك؟ يقول الغزالي: إذا شئت أن تعرف نفسك، فاعلم أنك من شيئين: الأول: هذا القلب، والثاني: يسمى النفس والروح. وأما حقيقة القلب، فليس من هذا العالم، لكنه من عالم الغيب؛ فهو في هذا العالم غريب، وتلك القطعة اللحمية مركبة، وكل أعضاء الجسد عساكره وهو الملك، ومعرفة الله ومشاهدة جمال الحضرة صفاته، والتكليف عليه، والخطاب معه، وله الثواب، وعليه العقاب، والسعادة والشقاء تلحقانه، والروح الحيواني في كل شيء تبعه ومعه. ومعرفة حقيقته، ومعرفة صفاته، مفتاح معرفة الله سبحانه وتعال؛ فعليك بالمجاهدة حتى تعرفه؛ لأنه جوهر عزيز من جنس جوهر الملائكة، وأصل معدنه من الحضرة الإلهية، من ذلك المكان جاء، وإلى ذلك المكان يعود. والنفس هو القلب الذي تعرفه بعين الباطن، وحقيقتك الباطن؛ لأن الجسد أول وهو الآخر، والنفس آخر وهو الأول. ويسمى قلباً. وليس القلب هذه القطعة اللحمية التي في الصدر من الجانب الأيسر؛ لأنه يكون في الدواب والموتى. وكل شيء تبصره بعين الظاهر فهو من هذا العالم الذي يسمى عالم الشهادة (ينظر: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي: "كيمياء السعادة"، ص 125).
واعلم، أيها الإنسان، أن سعادة كل شيء ولذته وراحته تكون بمقتضى طبعه، وطبع كل شيء ما خلق له؛ فلذة العين في الصور الحسنة، ولذة الأذن في الأصوات الطيبة، وكذلك سائر الجوارح بهذه الصفة. ولذة القلب خاصة بمعرفة الجوارح بهذه الصفة. ولذة القلب خاصة بمعرفة الله سبحانه وتعالى لأنه مخلوق لها. ويحدد الغزالي ثلاثة أشياء تبنى عليها السعادة، فيذكر أن تمام السعادة مبني على ثلاثة أشياء: قوة الغضب، قوة الشهوة، قوة العلم. فيحتاج أن يكون أمرها متوسطاً؛ لئلا تزيد قوة الشهوة فتخرجه إلى الرخص فيهلك، أو تزيد قوة الغضب فتخرجه إلى الجموح فيهلك. فإذا توسطت القوتان بإشارة قوة العلم دل على طريق الهداية، وكذلك الغضب إذا زاد سهل عليه الضرب والقتل، وإذا نقص ذهبت الغيرة والحمية في الدين والدينا، وإذا توسط كان الصبر والشجاعة والحكمة. وكذا الشهوة إذا زادت كان الفسق والفجور، وإن نقصت كان العجز والفتور، إن توسطت كان العفة والقناعة وأمثال ذلك. ولذلك، فإن فصل ما هي أعظم اللذات؟ إن اللذة والسعادة لابن آدم معرفة الله سبحانه وتعالى (ينظر: أبو حامد محمد بن محمد الغزالي: "كيمياء السعادة"، ص 130، 131، 139).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. ماذا حمل المقترح المصري؟ | #مراس


.. جنود أميركيون وسفينة بريطانية لبناء رصيف المساعدات في غزة




.. زيلينسكي يجدد دعوته للغرب لتزويد كييف بأنظمة دفاع جوي | #مرا


.. إسرائيليون غاضبون يغلقون بالنيران الطريق الرئيسي السريع في ت




.. المظاهرات المنددة بحرب غزة تمتد لأكثر من 40 جامعة أميركية |