الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعوب العربية بين مطرقة الاستبداد و سندان الإسلاميين

أيهم نور الصباح حسن
باحث و كاتب

(Ayham Noursabah Hasan)

2020 / 8 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


- الشعوب و القيم الإنسانية
ترتسم إشكالية الشعوب العربية - في الدول المتعددة الإثنيات عموماً - في سعيها لنيل القيم الإنسانية العامة التي تطمح لها من حرية (دينية و سياسية و اجتماعية) و عدالة و كرامة و تمدن و ديموقراطية في ثلاث مشاهد :
المشهد الأول : برج القِيَّم
شاءت عوامل التاريخ أن تتواجد القيم التي تطلبها هذي الشعوب في برج عاجي تتحصن فيه للحفاظ على نقائها , كما شاءت نفس العوامل التاريخية أن يقوم على حراسة هذا البرج ماردان شرسان يدوران حوله بعكس بعضهما البعض ، يتمثل الأول بديكتاتورية إفساد و بطش و قهر تحكم باسم العلمانية و التقدمية و هي منهما براء , و الثاني بديكتاتورية إسلامية رجعية تطلب الحكم وفقاً لعقليتها و فهمها الديني كونها ترى أنها تمثل الأكثرية .
المشهد الثاني : الدوران
يمارس الماردان إعماء الشعب عن الوعي , و إشغاله بالدوران حول البرج , كلٌ خلف مارده , لملاقاة المارد الثاني و الاشتباك معه , لإقصائه عن الحراسة بحجة الوصول للقيم المرجوة , فإن حدث و التقيا و انتصر أحدهما على الآخر تحول المارد المنتصر لحارس و مانع من الوصول لتلك القيم ضد شيعته هو , فالاثنان يمثلان دور الأعداء على بعضهما البعض و على شيعتهما، و كلاهما أساس بقاء و استمرار الآخر , يدعم هذا الإعماء و استمرار الصراع و وجوده جميع القوى الأجنبية صاحبة المصالح في المنطقة .
المشهد الثالث : الخوف من كل شيء
بالإضافة إلى صعوبة إيصال الأفكار للشعب " الطوَّاف " لإخراجه من تحت ملاءة المارد الذي يلتف حوله و بالتالي من الحلقة المفرغة التي يدور فيها , يلعب الخوف , كلٌ من مارده , و من الآخر , و من القوى الأجنبية المساندة " ظاهرياً " للآخر , الدور الأهم في صعوبة إقناعه بها , فالأول يخاف أن يخرج فيستفرد به أصحاب مارد الدين واضعين السيف على رقبته , و شعب المارد الديني محكوم بالأوامر الإلهية كما أفهمه إياها شيوخه و فقهاؤه , و الخروج عن الأوامر كفر .

- الشعوب و الانتماء
يَعتبر المارد الديني أن كل مواطن مسلم هو من حزبه بينما يعتبر الآخر أن كل مواطن لاينتمي للمارد الأول صراحةً هو من حزبه ، و بهذا يكون الاثنان قد قَصَرا الانتماء و التحزب عليهما و اقتسماه فيما بينهما كاحتكار تجاري , منعاً لتحزب ثالث , إن حدث , تعاضدا معاً للقضاء عليه .

- مارد واحد بقناعين
تكريساً للقيادة و طلباً للحكم و السلطة و دوامهما , فقد أتقن كلا الماردان فن شيطنة الآخر و أوغلا في الإيهام و التدليس على بعضهما , و اللعب على مخاوف الشعب , فتعمق الخلاف و تجذر بين أفراد الحزبين .
يستبيح الاثنان , في سبيل بقاء تسلطهما و طلباً للحكم و البقاء به , الحياة الإنسانية و حرمتها و خصوصيتها و حريتها و استقلاليتها , في حال تجرأ أحد ما على الخروج عن عبادة الحاكم " الوطنية " , أو عن عبادة " الدين" و أحكامه , و ذلك تبعاً لأهوائهما و مزاجيهما , فتغدو حياة الإنسان مجردة من أي قيمة أو حماية مقابل أهداف مشاريعهما العظيمة و " المقدسة " .
و بينما يستقوي أحدهما للخلود بالحكم , بالقوة الأمنية و العسكرية و البطش و الرعب و بالعزف على كل الأوتار و المفاهيم التي تخدم استمراره من علمانية و تقدمية و دينية و مذهبية و طائفية و عشائرية و قبلية و مناطقية , يستقوي الآخر لطلب الحكم و الخلود به أيضاً بالأحكام الإلهية المقدسة ( فهو وكيل التنفيذ ) و بحجة الأكثرية , الأكثرية كمفهوم قوة مسيطرة و متسلطة نازعة لكل حقوق البقية الباقية من أقليات قومية و دينية و لادينية .
يتأطلق الاثنان ، بمعنى يصبحان مطلقين كإلهين , فيتحول كل ما عداهما إلى نسبي و معدوم القيمة تجاههما , و يمسي الحاكم إلهاً بعدما كان موظفاً لخدمة الشعب و الوطن , و الدين إلهاً معبوداً بعدما كان طريقاً لرُقي الإنسان و رفعته , فتُحصَد الأرواح و تُنتهَك الكرامات و الحرمات حمايةً و إعلاءً لكلمة الإله الجديد , ويسعى كل منهما لبناء هولوكسته الخاص تساعده أفعال الآخر .
يتلون الاثنان كحرباء , فبينما يجيد " التقدماني " ( اللاعب على التقدمية و العلمانية ) فن اللعب على حبال الهاوية , فيضع الدولة في موضع : لا هي بعلمانية و لا هي بإسلامية , و لا هي بقانونية و لا هي بفوضوية , ولا هي بدستورية ولا هي بغير دستورية , و لا هي باشتراكية ولا هي برأسمالية , و لا هي في حرب و لا هي في سلم , و يربط جميع هذه الحبال التي يرقص عليها الشعب من الألم بحذائه , فكما يتحرك يجب أن يتحرك الشعب و إلا سقط الجميع , يتقن المارد الديني فن اللعب بالناسخ و المنسوخ , فتارة يتغنى بالتسامح و التعايش و تارة يمجد حروب أبو بكر مع " المواطنين " المرتدين , و تارة دينه دين حرب و تارة دينه دين سلام , و تارة يحرم قتل النفس إلا بالحق و تارة يلعب بهذا الحق كما تشتهي طموحاته , و يحترف التنقل ببهلوانية بين أحكام شيوخ المذاهب والفقهاء وفق ما تطلبه أدوات الحكم و السيطرة ، متنكرين بهذا التلون لكل القيم التي يظاهران أنهما يناضلان للحصول عليها .
لا معنى للمواطنة لدى الاثنان , المواطنة كمعنى أساسي و تطبيقي للانتماء للوطن و كمفهوم يوحد الشعب بكل إثنياته و ألوانه , فهي تضمحل و تبدأ بالتلاشي تدريجياً عند تأدية المواطن لأول طقس من طقوس العبادة لمارده .

- الشعوب و الخلاص
يتبدى خلاص الشعوب - كقيامة و انبعاث حضاري لا كإنقاذ آني من محنة مؤقتة حالية - في التخلص من الماردين ، بمعنى تعريتهما و عزلهما فكرياً و ثقافياً بالوعي و التنوير، لا بالاحتراب و القتال فهذا مطلبهما و غايتهما ، و للقيام بذلك ينبغي سحب القيم من برجها كونها أفكار مجردة يسهل نقلها دون الالتحام مع المارد ، وتفعيلها بالممارسة الأخلاقية اليومية ، و للقيام بذلك لابد من أن تنشط القوى الواعية و المثقفة في كلا الجانبين كأمثولات يعايشها الناس يومياً ، و ينبغي هنا أن نعترف أن مهمة النخبة الواعية " المحسوبة على التيار الديني " شاقة للغاية , و على نتائج عملها تتوقف عملية الخلاص ككل ، فإن لم تستطع سحب جميع القيم و وضعها موضع التطبيق و استطاعت على الأقل ضمان حقوق الأقليات الإنسانية و الاجتماعية و الدينية و اللادينية و ضمان عدم تغول الدين باتجاههم في ظل دولة مدنية يكون الحكم فيها للفائز بصناديق الاقتراع أياً يكن ، فإن الخطوة الأولى نحو نهاية المأساة تكون قد تمت .

- الانتصار الخاسر
قد ينتصر المارد الأول و قد ينتصر المارد الثاني لكن الخاسر هنا هو وطنهما ، فالنصر لأحدهما يعني بقاء الصراع و استمراره على نفس الشاكلة حتى و إن خبى استعاره قليلاً ، و الصراع " بهذا الأسلوب " هو أس الإشكال الذي يجب السعي لإزالته .
إن الأوطان التي حضنت نشوء و فناء حضارات و أمم و أديان يجب على شعوبها أن تعي هذا التماهي بين المطرقة و السندان ، و أن تدرك وجها عملتها التي تستخدمها , يقول غوته : " من لايعرف أن يتعلم دروس الثلاثة آلاف سنة الأخيرة يبقى في العتمة " و نحن نطلب (اختصاراً) أن تتعلم شعوبنا دروس المائة سنة الأخيرة فقط , كي يسهل عليها الانفلات من هذا الوضع , عساها تجد نقطة أرخميدس " أعطني نقطة ثابتة لأرفع لك العالم " و تعيد صياغة قيمها بالشكل الذي يناسبها و يوافقها ، فترفع أوطانها و تحفظها من الانقسام و الضياع و تصنع مستقبلها .

أيهم حسن
٣١/٧/٢٠٢٠








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال


.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري




.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة